قصة الأكيد أنها تحصل

قد يكون هذا السيناريو حقيقياً وقد يكون لا، فلا يمكننا تأكيد ذلك أو نفيه، بعض منه وجلًا وبعضه خجلًا، لكنّه وبدون شك يحصل في عدة أنحاء من العالم، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية.

في ليلة أمومة دافئة، تدفئ فيها ضحكة أولادي الفراش، جنّية الأحلام كانت على وشك أن تستقبلهم وتأخذهم لملعب طفولتهم، إلا أنّ أصوات صراخ عالية كسرت المشهد. طرق أبواب، تكسير، صوت امرأة يختنق ويستغيث تحت أصوات زوجها الجهورية، وصفعاته “الذكورية” التي تكاد تسلب أنفاس المرأة. هنا لا يعود للإنسان حرية ورفاهية الخيار، ما دامت إنسانيته حيّة. “يجب أن أساعد” ونهضت.

ارتديت ثيابي ولا أدري كيف وبأيّ سرعة، أخذت عصا الـ”قشاطة”، ونبّهت أطفالي أن يتصلوا بوالدهم سريعاً وأن لا يخرجوا من الغرفة أبداً إلا حين أعود وأناديهم، سريعاً قصدت مكان الصراخ، وبدأت أطرق الباب بكل قوة «لن أكذب، نعم خفت وخفت كثيراً فأنا لا أعرف ما الذي يحصل خلف الباب، وكيف ستكون عواقب وجودي وهل سيكون لي نصيب من هذا الإعتداء)» إلا أن كل هذه الأفكار سقطت عندما فُتح الباب.

إمرأة مهشّمة، وكأنها ترتدي عقدًا من الزقوم والضريع حول رقبتها، التي أصبحت بلون النبيذ. كان مشهدًا صادمًا، ومؤثرًا، لكنني تمالكت أعصابي وكنت أحاول التفكير بنقاوة دون انفعال، فالعصا التي أخذتها معي، للدفاع عن النفس لا غير، لأن الوضع لم يكن مطمئنًا، فخرج زوج المرأة، على وجهه خُدوش، يسمونها في علوم التحليل الجنائية، خُدوش دفاعية، فهي تظهر بأن من قام بها، كان في حالة من التقييد أو الخنق، يحاول الافلات فحصلت الخُدوش. طلبت منها أن تهرع الى منزلي وركضت معها وسرعان ما أحكمنا إقفال الباب. اتصلت بالعائلة، وبالقوى الأمنية، وأصرّيت على السيدة أن تأتي الى المخفر لتقدم بلاغًا بما حصل، لكنَّها كانت خائفة من بطش هذا الوحش زوجها.

بعد الإصرار وافقت وقدّمت بلاغاً على مضض، جاءوا بالطبيب الشرعي، وما حصّلته المرأة من كل هذا هو إمضاء تعهد، كلفتُه حبر وورقة، فالزوج أنكر الاعتداء، والمخفر اعتبر أن لا دليل يُثبت الواقعة، حيث ادعى الزوج “دفاعه عن نفسه”، بالطبع هذا قد يبدو نكتة، لمن يعرف قليلًا في التحاليل الجنائية، لكن هذا هو الحال في مجتمع مهمل، يحول دون العدالة، بل أقرب إلى مال الكفالة، ببضع ورقات، يصبح الموضوع طي النسيان، وتختفي الكدمات وآثار الضرب على عنق المرأة من الأذهان، وكأنها قصة من قصص “كان يا ما كان”.

هكذا هي حال المرأة مع القانون ومُنفذّيه، هي حلقة أضعف لا يُؤخذ بشهادتها، إلا ما رحم ربي، نعم إنه مجتمع الخذلان، الذي عوّدنا على الذكورية المفرطة.

ما بالنا اليوم ونحن في الحجر المنزلي، حيث الوقت الذي تمضيه النساء مع المُعنِّفين أطول، والذي نتج عنه ارتفاع في نسب العنف ضدهنّ في حالات مسجّلة، وأخرى كثيرة لم تُسجَّل!

فمَنْ يحمي المرأة؟ ولا يكفل أن تكون فقط عنوانًا لمقالةٍ أخرى بعد فوات الأوان، بعد موتها الذي يصبح في كثير من الأحيان أرحم عليها من بطش المُعنِّفين ومنفذي القوانين ومشرعيها.

لا يُقتصر العنف على الزوجة وإن كنَّا وضعنا مثالًا، لنبيّن بعضًا من هذه المظلومية، إلا أن العنف الأسري سارٍ على النساء والأطفال والعاملات المنزليات والجميع، لا يستثني أحدًا ولا سيّما في هذا الوقت حيث تأتي الضغوطات من كل حدب وصوب، فإمَّا نكون ممن يراعي هذه الضغوطات ويتفهم، وإمَّا لدينا الوحش الذي سيخرج في صورة الإنسان ويقضي على كل ما وُجد فيه من إنسانية.

إحدى المشاكل لدينا في هذا المجتمع، هي الظواهر التي يُؤْخَذْ بها الناس، فيرون هذا الخواجة بالطقم الرسمي وسيارة الدفع الرباعي، فيقولون هذا يضرب زوجته او ابنته او ابنه؟ لا مُحال! فالعنف برأيهم حكراً على سكان الأحياء الفقيرة، وهنا تكمن السذاجة الواقعة، فلا الجاه ولا المظهر هو ما يمنح الإنسان إنسانيته، بل ضميره وأخلاقه ووعيه وفكره.

والمشكلة الأخرى هي عندما يرى الناس عنف الرجل ضد زوجته، أنَّه “عابر” أو “بينه وبينها” أو “في بيته” أو “لا دخل لنا “، عُذرًا لكن أصوات الصُراخ والتهشيم والتكسير لم تعد “بينه وبينها في بيته” هذه الأصوات أصبحت على مسمع الإنسانية، على مسمع أي شخص مثلي، سيفقد أعصابه ويتأثر، سيتحرك ضميره ليقول لا!

إلى متى؟ إلى متى نقبل بأن تكون هذه الحوادث “عابرة”، إلى متى نمتنع عن التبليغ، إلى أن تقع الواقعة، وتُزهق الأرواح؟

نعم المذنبون هنا كُثر أمام محكمة الإنسانية، المُعتدي، والشاهد الصامت عن التبليغ، ورجال القانون الذين يقفون في صف المعنّف ضد الناجيات والضحايا…

ما ذُكر هنا، هو نقطة في بحر الجرائم التي ترتكب بحق النساء شئنا أو أبينا، شاركنا فيها حين أهملناها، حين نصرنا المعتدي والقاتل.

علينا اليوم أن نبدأ من أنفسنا، كلٌّ عليه أن يشعر بهذه المسؤولية الملقاة على عاتقه، أن يشعر، أن يُبلِغّ، وأن يرفع الصوت، كما على القضاء والقانون أن يحميا النساء، وعلى المُشرّعيين أن يعيدوا تشريع بعض المواد التي تُفسح المجال للمعتدي الهرب.

ومن هنا نختم نريد تماسك ولُحمة، تجعل صوت المواطن/ة صادحاً عند السلطة لا مكتومًا، من الحس الإنساني والوطني و مسؤولية التبليغ، إلى الادعاء إلى الاستبيان إلى التنفيذ وحماية أمن النساء ، هذا الواجب والبديهي لا الإستثناء، هذا دور السلطة المفترضة أنَّها في خدمة الشعب.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد