قصة الآيس مايدن… تزويج الطفلات داخل مجتمعات اللجوء في لبنان 

تزويج الطفلات انتهاك لحقوقهنّ

حوالي5.1 مليون لاجئ/ة في لبنان، يعيشون/ن في بلد عدد سكانه 4. 5 مليون لبناني/ة، وهو ما يجعله المستضيف الأكبر للاجئين/ات مقارنة بنصيب الفرد.

فوفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن الصراع السوري أسفر عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث فرّ خمسة ملايين سوري/ة من البلاد وشرّد ستة ملايين آخرين داخل سوريا.  فاللاجئون/ات السوريون/ات في لبنان مشتتون/ات في جميع أنحاء البلد، ويعيش بعضهم/ن في مخيمات غير رسمية أو يندمجون/ن في المجتمع المحلي، سواء كانوا/ن يعيشون/ن مع أسرهم/ن في غرف، أو مع عائلات وأفراد آخرين في منزل واحد.

ولطالما كنّ النساء والفتيات ولا زلن الأكثر عرضة لأشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأزمات الإنسانية؛ ومن بينها تزويج الاطفال.

ويُعرَّف تزويج الأطفال كشكل من أشكال العنف الجنساني وبأنَّه أيّ اتحاد رسمي وغير رسمي يكون فيه الطرفان دون سن الـ 18 عاماً.

للوهلة الأولى، تبدو هذه الظاهرة أقل انتشاراً في لبنان مقارنة بدول الشرق الأوسط الأخرى ولكن الأمر أعمق من ذلك.

كشفت دراسة أجريت عام أنَّ 23% من اللاجئات السوريات في لبنان تزوجنّ قبل بلوغهنّ سن الـ18 عاماً، ومن بينهنّ حوالي 5.45% لاحئات سوريات، و25% لاجئات فلسطينيات من سوريا، 12% لاجئات فلسطينيات من لبنان.

وعليه فقد ارتفع معدل التزويج المبكر بين الفتيات اللاجئات السوريات بنسبة 7% بين عامي 2017 و2018، وهو ما يشير إلى أن هذا الخطر آخذ في النمو.

تسمح المحاكم الدينية في سوريا للفتيات دون سن 18 عاماً بالزواج بإذن من ولي الأمر القانوني، حيث يبلغ الحد الأدنى لسن الزواج 13 عاماً.  واستنادا إلى تقرير اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، لا يوجد حد أدنى لسن الزواج في لبنان، فقوانين الأحوال الشخصية معروفة بوجهات نظرها المغلوطة وعقلية الديناصورات قبل التاريخ، حيث يسمح بعضها بتزويج الفتيات دون سن الخامسة عشرة.

ووفقاً Girls Not Brides ، فإن الشراكة العالمية بين منظمات المجتمع المدني من 95 دولة تعمل على إنهاء تزويج الأطفال، ونحو 41% من اللاجئات السوريات في لبنان كنّ متزوجات عندما كنّ دون سن الثامنة عشرة.

تزويج الأطفال… استراتيجية للبقاء على قيد الحياة!

إن الظروف الاجتماعية – الاقتصادية الصعبة، والرغبة في حماية الفتيات من التحرش والعنف الجنسي، وخبرات الخسارة والصدمات الناجمة عن النزاع المسلّح هي من الأسباب الرئيسية لتزويج الاطفال.

ومن العوامل الهامة الكامنة وراء زيادة انتشار هذه الظاهرة هي العامل الاقتصادي، ففي نظر اللاجئين يشكّل الحل للأزمة المالية، حيث تعتقد بعض الأسر أن التزويج المبكر سيؤدي إلى رفع العبء الاقتصادي عن كاهلها، من خلال انخفاض نفقات الأسرة المعيشية والاستفادة من مهر العروس.

كما أن الفقر أيضاً هو النتيجة للعديد من ممارسات تزويج الأطفال، ذلك أن نحو 76% من اللاجئين/ات السوريين/ات يعيشون/ن تحت خط الفقر ولا يحملون/ن أوراقاً قانونية، وهذا يعني أن عبئاً يتعيّن على الطفل أن يتحملّه عادة لتوفير المساعدة للأسرة، سواء من خلال عمالة الأطفال حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين 60% إلى 70% من الأطفال اللاجئين/ات من سوريا يدفعهم/ن آباؤهم/ن إلى العمل، أو الزواج.

وتميل النساء اللواتي يتزوجن كأطفالهن إلى تكوين أسر أكبر، وبالتالي يكون لديهن المزيد من الأطفال لإعالتهنّ؛  كما أن الفتيات المتزوجات أقل ميلاً إلى الحصول على التعليم أو الدخول إلى سوق العمل، الأمر الذي يترك الأمر للزوج أو لأطفالهنّ لتوفير سبل العيش للأسرة.

فأثناء الأزمة السورية ارتفعت معدلات تزويج الأطفال بشكل كبير كاستراتيجية سلبية للتعامل مع الاحتياجات الاقتصادية والمخاوف المستمرة بشأن سلامة الفتيات. وفي النزاعات ، كثيراً ما يدفع خطر العنف الجنسي والتحرش الجنسي بعض الأسر إلى الشعور بأن الزواج من شأنه أن ينهي مثل هذا التهديد.  وتعتقد نفس الأسر أن حادثة العنف الجنسي التي تقع على فتاة من أفراد الأسرة تجلب العار للأسرة، وبالتالي تجنُّب هذا السيناريو بالكامل يتم من خلال التزويج المبكر،  وعليه “فإن الفتاة سوف تحظى بحماية زوجها من خطر العنف الجنسي”، علماً أن الطفلات اللواتي يتم تزويجهن يكنَّ أكثر عُرضة للاعتداء المنزلي والجنسي من قبل أزواجهنّ.

ومن المرجح أن الفتيات المتزوجات اللواتي يتعرضن الى العنف المنزلي، يعانين من عواقب وخيمة، فإساءة المعاملة التي تحدث تخلف عواقب طويلة الأمد على الصحة البدنية والعقلية للطفلة. والواقع أن هؤلاء الطفلات لا تتاح لهن فرص الحصول على التعليم إلا القليل.

على المستوى الصحي، فإن تزويج الطفلات يخلّف عواقب خطيرة على صحتهنّ، ذلك أن أجسادهنّ الصغيرة غير ناضجة بدنياً إلى الحد الذي يجعلهن غير جاهزات للانجاب، ومواجهتهنّ أي ولادة مبكرة قد يؤدي إلى وفاتهنّ، وبحسب التقديرات فإن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 عاماً، هن أكثر عرضة للوفاة.

كما أن الزواج المبكر يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، وسرطان عنق الرحم، وفيروس نقص المناعة البشرية. ناهيك عن المشاكل النفسية  وتداعياتها.

فالطفلات اللواتي يتم تزويجهنّ لا يسألن عن موافقتهن، والواقع أن هؤلاء الفتيات في أغلب الأحيان لا يتمكن من السيطرة على ما يحدث داخل الزواج، فيما يتصل بالجماع أو العمل المنزلي.  وعادة ما يكون لدى الطفلات أزواجاً أكبر سناً، الأمر الذي يؤدي إلى اختلال في الاستقلالية والشراكة داخل الأسرة.

قصة الآيس مايدن…

إن ما لا يصدق في تزويج الطفلات هو أنهنّ لا يعرفنّ شيئاً، الامر الذي يحاكي  قصة الآيس مايدن، قبيلة الإنكا في “بيرو”. حيث عثر على بقايا فتاة صغيرة من هذه القبيلة تظهر أنها كانت في الخامسة عشرة من عمرها، مجمدة في جبال “بيرو” في عام 1995.  كتب علماء الأنثروبولوجيا أنها كانت ضحية لطقوس التضحية.  ومن المؤكد أن هذه التضحية كانت في نظر الإنكا عملاً أخلاقيا، فأجازته بما اعتبرته مقدس. ربما كانت الفتاة الصغيرة سعيدة بمصيرها، وربما كان من الشرف العظيم أن يتم التضحية بها من أجل إله الشمس.

فلو عرفت أن الشمس كرة من الهيدروجين تتحول إلى هليوم عن طريق الاندماج النووي وأنها نشأت من قرص من الغاز، فهل كانت ستضحى بنفسها؟  كما لا يمكننا أن نبرّر ممارسات الإنكا بجهلهم، ولكن بوسعنا أن نحملهم المسؤولية عن نقل معتقداتهم لفتاة أصغر من أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تعبد الشمس أم لا.

وإذا كان هؤلاء العرائس من الأطفال يدركن أن هناك طريقة أخرى، فهل كنّ ليحاربنّ ما شعرنّ به هو مصيرهنّ؟  إن المعرفة قوة، والمعلومات سلاح ينبغي أن يكون هؤلاء الأطفال مجهزات به.

محاربة تزويج الأطفال

وتشير المعطيات المتعلقة بتزوبج الأطفال بين اللاجئين/ات في لبنان إلى أن الإصلاح القانوني لن يكون كافياً للقضاء على هذه الظاهرة.

33% من اللاجئين/ات السوريين/ات المسجلين/ات لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يعتقدون أن الفتيات في مجتمعهن يتزوجن بحلول سن 18 عاماً، و21.5% يقولون/ن إن الفتيات يتزوجن بحلول سن 16 عاماً، كما أن  14. 25% من هؤلاء اللاجئين/ات يعتقدون/ن أنه لا توجد عواقب سلبية مرتبطة بالتزويج المبكر.

إن التغيير يبدأ بالقوانين والعقليات. البدء بوضع وتنفيذ قوانين وسياسات تحمي الطفلات من التزويج المبكر. وزيادة الوعي بآثار هذه الممارسات على الطفلات بين مجتمعات اللاجئين.

ومن بين السبل الفعّالة والصعبة للتعامل مع هذه الظاهرة إنشاء برامج للشباب وزيادة الوعي بمخاطر التزويج المبكر، كما أن الاعتراف بالسوريين/ات كلاجئين/ات وتقديم الخدمات والمساعدة لهذه الأسر أمر مهم لأنه يرفع العبء الاقتصادي الذي تحمله الأسرة لفترة طويلة ويوفر لهم/ن نوعاً من الحماية.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد