التمييز ضد النساء في بعض التشريعات اللبنانية

“المرأة نصف المجتمع” عبارةٌ تتكرر على ألسنة الكثير من الناس دون الوعي بأبعادها وكيفية تطبيقها، هي كائنٌ حي له ما له من حقوق وعليه ما عليه من واجبات، وتتساوى مع الرجل في الحصول على حقوقها وفقاً لحق المساواة بين الجنسين.

والقصد في ذلك أن تكون متساوية في المعاملة والحقوق المنصوص عليها في التشريعات الوطنية إستناداً لما نصت عليه المواثيق والإتفاقيات الدولية، كحق المساواة المنصوص عليه في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”. وكما ورد في المادة الثانية من الإعلان نفسه حول عدم التمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللون … .

وكما نصت هذه المواثيق الدولية ضمن الدستور اللبناني هذا الإلتزام كما ورد في مقدمته “لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون إستثناء”.

إضافةً إلى ضمان حق المساواة في الدستور كما جاء في المادة (7) منه “كل اللبنانيين سواء لدى القانون ويتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات دونما فرقٍ بينهم”.

لكن ما نص عليه الدستور مختلف عن التطبيق الفعلي، لأن النظرة المجتمعية للمرأة لا زالت موروثة وقديمة من حيث حصول المرأة على حقوقها ومساواتها بالرجل، بسبب العادات والتقاليد المهيمنة، وبسبب خضوع المرأة وجهلها في بعض المواضع لناحية علمها بحقوقها المنصوص عليها قانوناً.

والأشدّ مرارةً أن الإطار التطبيقي للقانون ضعيف جداً بسبب التمييز المتعدد في بعض التشريعات اللبنانية، إذ أنه هناك تمييز بين إمرأة وأخرى في القانون، وهناك تمييز بين الجنسين لناحية الحصول على الحقوق. فبالنسبة للتمييز بين إمرأة وأخرى في القانون فإنه يظهر في مسائل الأحوال الشخصية بشكلٍ خاص، إذ أنه هناك (15) قانون أحوال شخصية في لبنان تختلف في معظمهم القواعد والأصول والإجراءات، وهذا التعدد جاء نتيجة تعدد الطوائف والمذاهب. وعلى الرغم من المطالبات المجتمعية بإقرار قانون موحدّ للأحوال الشخصية يضمن تساوي جميع النساء في الحصول على حقوقهن، إلا أن هذه المطالبات جوبهت بالرفض حرصاً على احترام خصوصية كل طائفة في حلّ مسائل ذويها. وظهر التمييز في مسائل الحضانة، النفقة، الوصاية وحتى الحصول على الطلاق. ولا زال هذا الأمر على حاله باستثناء ما صدر من تعديلات في بعض القوانين الخاصة لناحية رفع سن الحضانة، تخيير الطفل بالبقاء مع من يرغب من أهله أو مراعاة مصلحته الفُضلى.

وهناك تمييز على الصعيد القانوني تعيشه أيضاً المرأة اللبنانية في وهو التمييز بين الجنسين، وغالباً ما يظهر في قانون العمل أو مشاركتها في صنع القرار.

فالحق في العمل هو حقٌ أساسي لكلَّ إنسان يضمن الكرامة الإنسانية للنساء والرجال على قِدم المساواة، وهو مكفولٌ في الإتفاقيات والمواثيق الدولية القائمة على الإعتراف بالحقوق الأساسية لجميع الأشخاص. أتاحت المواثيق الدولية وجوب الإعتراف بهذا الحق ومنح كل شخص الحق في كسب رزقه، أو عمل يختاره بكل حرية، والعمل بشروط عادلة تضمن له تأمين العيش الكريم، وللمرأة الحق في المساواة مع الرجل بالنسبة للأجر العادل، والمساواة في تلقّي التدريب المهني، تولي المناصب الإدارية العليا … دون التمييز بسبب الزواج أو الحمل، الحصول على الضمان الإجتماعي أو الإجازات الأسبوعية والسنوية المدفوعة الأجر، … وعدم توجيه الإنذار لها أثناء فترة حملها. وهذا الحقوق غالباً ما تفتقدها المرأة في معظم ممارستها العملية. وربما تجهل بعض بسبب عدم معرفتها للنص القانوني الذي يضمن حقها.

تفتقر المرأة اللبنانية للمشاركة في مواطن صنع القرار، فظهورها لا يزال خجولاً وحتى نادراً إن كان على المستوى المحلي أو على المستوى الوطني، لأن الصورة النمطية التابعة للمرأة في المجتمع لا تزال تقتصر على بيتها وزوجها، وأن السياسة حكرٌ على الرجال فقط، وأن مشاركتها في هذه المواطن يعني إهمالها لواجباتها تجاه زوجها وأولادها. فالعوائق التي تواجهها المرأة تتنوع ما بين إجتماعية وثقافية، وأبرز التصورات هي بسبب عدم ثقة الناس بقدراتها القيادية. هذا ما وسّع فجوة عدم المساواة بين الجنسين وأثّر على عوامل تحقيق التنمية المستدامة. فالمعايير الواجب اعتمادها تفترض أن تكون الإنتخابات حرّة شفّافة، نزيهة تسمح لأصحاب وصاحبات  الكفاءات في الوصول إلى مواقع صنع القرار، والعمل على ضمان التمثيل النسائي لدمج قضايا النوع الاجتماعي في الجهود التنموية.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن المواثيق الدولية ضمنت جميع هذه الحقوق بدءاً من ميثاق الأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وصولاً إلى إتفاقية (سيداو) القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

أما من حيث إلتزام لبنان: فقد التزم لبنان بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وشارك في صياغته واعترف بهذه الحقوق عبر إقراره بما ورد في مقدمة الدستور، لكن الإلتزام وحده لا يكفي، لأن الإعلان بحدّ ذاته لا يعتبر معاهدة دولية كما أنه لا يعاقب بعدم إلتزامه بها.

وبالنسبة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فبمجرد مصادقة لبنان عليه أصبح جزءاً لا يتجزأ من النظام القانوني اللبناني، وأصبحت قواعده تسمو على أحكام القوانين العادية (المادة 2  أ.م.م) ولكن الدستور لا يزال يعلو عليها من حيث التطبيق.

أمّا اتفاقية (سيداو) فقد صادق عليها لبنان عام 1997، ولكنه تحفّظ عن بعض البنود، وهي المادة (9/2) والفقرات (ج، د، و، ز) من المادة (16/1)، والمادة (29/2). هذه التحفّظات تقدم من الدولة تعلن فيها رسمياً أنها لا تلزم نفسها بجزء أو أجزاء معينة من الإتفاقية. وكانت أبرز مواضيع هذه التحفظات: الجنسية، المساواة في الزواج والحياة الأسرية، والتحكيم بين الدول والرجوع إلى محكمة العدل الدولية. وذلك لسببين هما: تعارضها مع مضمون القوانين الوطنية، ومخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية.

إن أبرز ما نصّت عليه الاتفاقيات الدولية بالنسبة لحقوق المرأة تشير إلى ضرورة حِفظ كرامتها الإنسانية ووجوب إحقاق مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والمعاملة، ولوقف الإنتهاكات التي تطال حقوقها. والأبرز من ذلك العمل على وقف التمييز ضد المرأة، وإن تحقيق ذلك يكون بتعديل النصوص القانونية وتوسيع دائرة حقوق المرأة وفقاً لما ورد في المواثيق الدولية.

ولأن معظم المجتمعات تفتقد فيها المرأة لمعرفة حقوقها المُصانة دستوراً وقانونأً، ولأنها تكون على غير علمٍ  ودراية بالنصوص التي تحفظ هذه الحقوق، ونتيجة الانتهاكات التي تطال حقوقها شيئاً فشيئاً ويوماً بعد يوم، ولأن الصورة النمطية للمرأة في المجتمع ما زالت محكومة بالتقاليد والأعراف، ولأن الإطار التطبيقي للنصوص القانونية لا يزال ضعيفاً، أوجدنا لكم التطبيق الإلكتروني ((من حقها)) الذي يُعرِّف المرأة والمجتمع على الحقوق الأساسية، ويوضّح لها نطاق التمييز بين الجنسين، ويؤمِّن لها سهولة الوصول للنصوص والمراجع الدولية، يُعرّفها على أبرز حقوقها، يُبيّن لها مواطن التمييز والانتهاكات التي تتعرض لها، إضافةً إلى السلوكيات التي تتعرّض لها، ولا تعي فيها انتهاك حقوقها. نُقدم لكم هذا المرجع المُتميز الأوّل من نوعه، والأسهل في الوصول إلى كافة المعلومات التي تحتاجها المرأة تحفيزاً لها للوعي بحقوقها. وهذا المرجع يُفيد كل شخص حقوقي أو عامل أو مهتم بحقوق الإنسان، أو محامٍ أو مُدرس أو ناشط في مجال حقوق الإنسان وصولاً إلى تحقيق العدالة الجندرية والمساواة بين الجنسين عملاً على تغيير الواقع لما يحمله من ممارسات قائمة على أساس النوع الاجتماعي.

تم هذا العمل بالتعاون مع فرديرش ناومان فاونديشن (FNF) والمنظمة اللبنانية للدفاع عن الحقوق والمساواة (LOUDER).

رابط الدخول إلى التطبيق https://apps.apple.com/dz/app/min-haqqiha-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%82%D9%87%D8%A7/id1541426679

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد