“لستِ الأولى”.. جرائم العنف ضد النساء في الكويت حقيقة

“لستِ الأولى، جميع الفتيات اللواتي يلجأن إلينا يأخذن علاجاتهن ويذهبن من دون تسجيل تقرير”. هذا ما قاله دكتور الحوادث في مستشفى حكومي لأمل (اسم مستعار) البالغة من العمر 29 عاماً.

عن هذه التجربة الصعبة، قالت أمل في مقابلة مع موقع “شريكة ولكن”: “تعرضت للضرب من والدي واستطعت الهروب من المنزل واتجهت إلى المستشفى لاستخراج تقريرٍ طبي يثبت تعرضي للعنف. لكن كانت هناك جملة واحدة فقط تتردد على مسمعي بدايةً من موظفي الاستقبال حتى الممرضة مروراً بالطبيب ووصولاً إلى ضابط التحقيق في المستشفى: والدك وضربك، عادي”.

وروت لموقعنا أنه على الرغم من أنها تعدت السن القانونية، إلا أنه كانت هناك محاولة لإقناعها بعدم استخراج تقريرٍ طبي والتبليغ، بحجة أنه والدها في النهاية.

لكنها رفضت وحصلت على  التقرير وتوجهت إلى قسم الشرطة لإثبات الحالة، إلا أن الضابط رفض تسجيلها واتصل بوالدها وأبلغه بأمر الشكوى.

لم ينتهِ الأمر هنا، إذ أكدت أمل أن والدها “وصل  إلى القسم وضربني على مرآى ومسمع الجميع ولم يحرك أحداً فيهم ساكناً، ثم أخذني إلى السيارة وتوجهنا إلى المنزل ولم تسجل عليه قضية ولم يوقع حتى على أي تعهد” .

لكن أمل اليوم في مكانٍ آخر ومرحلةٍ جديدة من حياتها. فهي تمكنت من الخروج من منزل والدها  واستقلت في منزلٍ لوحدها. وقالت: “على الرغم من مواجهتي لصعوباتٍ كبيرة في إيجاد منزلٍ لوجود أعرافٍ اجتماعية تمنع النساء غير المتزوجات من استئجار منزلٍ خاص بهن، وحقيقة أنه لا يوجد دار إيواء للضحايا/الناجيات من العنف يصعب الأمر أكثر”.

العنف ضد النساء في الكويت

لماذا يتزايد العنف ضد النساء في الكويت؟

تواجه النساء  في الكويت هيكلاً اجتماعياً يعمل على قمعهن، يتمثل في ثقافة وعادات وتقاليد ترى أن تعرضهن للعنف أمراً طبيعياً. والعنف الذي  نتحدث عنه ليس جسدياً فقط بل يشمل  العنف الجنسي واللفظي والنفسي والاقتصادي.

لكن الثقافة العامة السائدة للأسف لا تسمي هذه السلوكيات عنفاً، وتتسلح دائماً بلوم النساء وتحميلهن  مسؤولية تعرضهن لهذه الانتهاكات وإيجاد  مبررات للرجل وأسباب ودوافع لوقوع الحادثة. فتسمع النساء في كل مرة يتعرضن فيها للعنف عبارات مثل: “أنتِ استفزيته بالتأكيد”، “ماذا فعلتِ ليضربك؟”، “رجل ومعذور أكيد يغار”. ولا تستنكر أي تصرف عنيف صريح تجاه النساء فيقولون: “شقيقها  وضربها عادي”.

شهدت الكويت في الآونة الأخيرة تزايداً في جرائم العنف ضد النساء بشكلٍ مقلق. فوقعت ثلاث جرائم متتالية خلال أقل من أسبوعين. أولها جريمة قتل الأحمدي، التي ارتكبها رجل بحق والدة زوجته باستخدام سلاح كلاشنكوف إثر خلافٍ عائلي. وكانت الثانية “جريمة العارضية”، حين قتل رجل زوجته طعناً بالسكين. أما الثالثة فكانت “جريمة تيماء” التي راحت ضحيتها فتاة كويتية من البدون نحرها شقيقها، علماً أن السلطات الأمنية أبلغت من قبل الضحية مساء اليوم الذي سبق الجريمة عن تعرضها للتهديد بالقتل. وحين وصل رجال الأمن أخبروا الرجل بالتبليغ الذي تلقوه عن تعرضها للتهديد بالقتل، فتوجه إلى المنزل وارتكب جريمته وسلم نفسه.

تتالي هذه الجرائم في وقتٍ قصير، دفع الناشطين/ات على  مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق وسوم  ودعوات إلى اعتصامات تطالب الحكومة ومجلس الأمة والجهات المعنية باتخاذ خطواتٍ جادة للحد من جرائم العنف القائمة على النوع الاجتماعي.

كما طالبت هذه الأصوات بتسهيل وصول الضحايا إلى  الجهات المعنية والأجهزة الأمنية، وشددوا على ضرورة الأخذ ببلاغاتهن بجدية والتجاوب السريع معهن وتوفير الأمان اللازم إلى الضحية/الناجية.

هذه الوقائع تفرض علينا سؤالاً ملحاً: هل تزايدت جرائم العنف ضد النساء في الكويت في الآونة الأخيرة فعلاً؟ أو هي جرائم مسكوت عنها منذ زمن تحت ستارٍ بالٍ يسمى “الشرف” و”العيب”، ولم يسلط عليها الضوء من قبل كما يفعل الإعلام الموازي اليوم؟ مع العلم أن افتقار الكويت إلى الإحصائيات الدقيقة حول هذا الموضوع، يصعب الوصول إلى الحقيقة.

ما هي أشكال العنف؟

انتشر الحديث عن العنف ضد النساء كقضية عالمية في سبعينيات القرن الماضي، لكن تم الاعتراف بها كقضية متعلقة بحقوق الإنسان في أوائل التسعينات. حينها اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان القضاء على العنف ضد النساء في 20 كانون الأول/ديسمبر 1993، والتوصية العامة رقم 19 من لجنة القضاء على التمييز التي اعترفت بالعنف ضد النساء كشكلٍ من أشكال التمييز.

أما بالنسبة إلى مجالات ونطاقات ارتكاب هذا العنف فهي متعددة، كالدولة متمثلةً بقوانينها التمييزية أو المجتمع أو الأسرة. ويشمل هذا العنف عمليات القتل على أساس الجنس وما يسمى بـ”قضايا الشرف” والاغتصاب والاغتصاب الزوجي والزواج القسري الذي يشمل تزويج الطفلات. إضافة إلى التحرش الجنسي في أماكن العمل والمدارس والأماكن العامة، تشويه الأعضاء التناسلية من خلال “الختان” والاتجار الجنسي بالنساء والفتيات.

وهناك شكل آخر أيضاً، وهو العنف الاقتصادي. فانخفاض أجور النساء مقارنة مع الرجال يعد عنفاً اقتصادياً. كما يمكن أن يأخذ شكل تحكم الأب بمهر زواج ابنته وحرمانها منه أو تحكم الزوج بالمصروف  وحرمان الزوجة من العمل أو الاستيلاء على راتبها بالقوة بهدف التسلط والتحكم والابتزاز. كما يتمثل في إجبار النساء على أخذ قروضٍ مصرفية وحرمانهن من حق التصرف الحر بمالهن. جميعها أشكال للعنف وجميعها تعد انتهاكاً صارخاً للركيزة الأساسية لحقوق الإنسان وهي الكرامة الإنسانية.

لكن هل يتم الحديث بشكلٍ كافٍ عن العنف ضد النساء في الكويت؟ سؤال طرحناه على المحامية إسراء العميري، فأجابت: “بالطبع كلا، ولا في أي مكان في العالم ليس فقط في الكويت. فهذه القضية لا تعطى  أولويةً على الإطلاق”.

وعن أكثر أشكال العنف شيوعاً في الكويت قالت إنه لا يمكن تحديد شكل العنف ضد النساء الأكثر شيوعاً في الكويت نتيجةً لعدم وجود إحصائيات كافية ودقيقة.

لكنها أوضحت أن “أكثر أنواع العنف الذي يمكن الحديث عنه هو العنف الجنسي خصوصاً أن المجتمع الكويتي يلقي اللوم على النساء ويبررونه بلباسهن أو ساعات تأخرهن ليلاً. والاغتصاب الزوجي، إذ لا يعتبر القانون الكويتي ممارسة الجنس مع الزوجة بالإكراه جريمة”.

وأضافت أنه “هناك عدم فهم واضح للعنف الجسدي فلا يُعتبر دفع المرأة بقوة مثلاً على أنه عنف، لأنه لا يترك أثراً. وبشكلٍ أكبر  يتم إهمال العنف النفسي واللفظي والاقتصادي، والسبب برأيي هو التغييب المتعمد لأي مدخل للثقافة الجندرية أو الثقافة الجنسية بشكلٍ عام”.

العنف ضد النساء في الكويت

تشريعات وقوانين لا تحمي النساء!

في ظل وجود هذه الثقافة تبرز القوانين التي تعزز وصاية الرجال على النساء، وتجد له مبرراتٍ تخفيفية في حال ارتكابه لجريمة قتل مثلاً عبر المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي التي تنص على أنه “إذا فاجأ الرجل زوجته في حال تلبس بالزنا أو ابنته أو والدته أو شقيقته وقتلها في الحال أو قتل من يزني معها أو قتلهما معاً، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام وغرامة تعادل 45 دولاراً، أو بإحدى العقوبتين”.

وعلى أثر هذه الجرائم الأخيرة، تقدم عدد من نواب مجلس الأمة بمقترح لتعديل هذه المادة. فعلى الرغم من عدم ارتباط هذه المادة بغالبية الجرائم التي وقعت مؤخراً في الكويت، وعلى الرغم من وجود قوانين أخرى تحمل أنواعاً أخرى من الوصاية والتمييز ولصيقة أكثر بحياة النساء كقوانين الأحوال الشخصية، إلا أن هذه المادة تخلق في ذهن الناس نوعاً من التطبيع مع هذه الممارسات العنيفة وتجد مسوغاً لارتكاب هذه الجرائم.

ومن القوانين الأخرى التي تنتهك حقوق وكرامة النساء والفتيات، المادة 182 التي تنص على أنه “إذا تزوج الخاطف بمن خطفها زواجاً شرعياً بإذنٍ من وليها، وطلب الولي عدم عقاب الخاطف، لا  يحكم عليه بأي عقوبة”.

مع العلم أن الولي رجل  دائماً، فلا ولاية للمرأة الكويتية كغيرها من ملايين النساء العربيات. ووجود مثل هذه المواد يخالف اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” التي وقعت وصادقت عليها الكويت عام 1994.

وفي 19 أيلول/سبتمبر 2020، أقر مجلس الأمة الكويتي قانون الحماية من العنف الأسري بعد جريمة قتل فاطمة العجمي المروعة، التي قتلها شقيقها بطلقاتٍ نارية وهي على سرير العناية المركزة، الذي نقلت إليه بسبب إصابتها بطلقاتٍ نارية منه في وقتٍ سابق.

وفي حين لم يفعّل هذا القانون بعد، لكنه يتضمن ثغراتٍ خطيرة. فهو لا يؤطّر العقوبات على أنها بسبب  العنف الأسري كجريمة بحد ذاتها، ولا يشمل أيضاً الشركاء السابقين أو من أقاموا علاقاتٍ خارج الزواج الرسمي.

وعن هذا القانون، قالت المحامية إسراء العميري: “قدمنا مشروعاً للأمانة العامة للتخطيط وهو عبارة عن دليل إرشادي لتطبيق قانون الحماية من العنف الأسري، يفيد بكيفية تدريب موظفي/ات الدولة في وزارات الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية. والعمل لاكتشاف حالات العنف، وبالتالي تحسين الخدمات المقدمة للضحية/الناجية. فبعض حالات العنف يمكن اكتشافها أولاً في المدرسة أو المستشفى. إضافة إلى تدريب رجال الداخلية على كيفية استقبال البلاغات، و تفعيل دور الإيواء. فلا جدوى من البلاغ  إذا كان الإجراء الوحيد المتبع هو توقيع معنفها على تعهد ثم تعود معه إلى المنزل نفسه. وتدريب رجال القضاء أيضاً على تأثير الصدمات النفسية والجسدية على الذاكرة القصيرة ليعرفوا كيفية التعامل مع اختلاف أقوال الضحية/الناجية في التحقيقات”.

تحديات وعراقيل أمام حماية النساء في الكويت

هناك تحديات عدة تواجه الناشطين/ات في حقوق الإنسان وحقوق النساء تحديداً، في طرح ومعالجة قضية العنف في الكويت، منها التحيز الجنساني من جانب أفراد الشرطة الذين يثبطون النساء عن تقديم شكاوى بشأن العنف الأسري أو الجنسي. ما أدى إلى انعدام ثقة النساء في السلطات العمومية وفي مدى فعالية الحماية المقدمة لهن.

تقول أسماء (اسم مستعار) لموقع “شريكة ولكن: “تعرضت أنا وشقيقتي للتهديد بالقتل من أحد أفراد أسرتي. تهجم علينا بسكين بسبب عدم موافقته على سفرنا بمفردنا إلى  الخارج. لم أتردد لحظة في اللجوء إلى  الجهات الأمنية، وفور وصولهم كنت في حالة انهيار، لكنني تفاجأت برجال الأمن يتصرفون بعدم مبالاة، يدخنون ويضحكون متجاهلين تهديداً بالقتل نسبة وقوعه 99%. في هذه اللحظة، تذكرت جريمة تيماء، الفتاة التي استنجدت برجال الأمن لكن قوبلت شكواها باللامبالاة نفسها”.

وأضافت أسماء: “توجهنا إلى قسم الشرطة فحاولوا إقناعنا بالعدول عن تسجيل قضية والعودة إلى المنزل أو منزل أحد أقاربنا. بعد إلحاحنا قابلنا وكيلة النيابة وأخذت أقوالنا وقالت إن هذه الحادثة لا تعتبر عنفاً أسرياً”. انتظرت اسماء وشقيقتها حتى تغيير المناوبة واستلام ضابط آخر، فسألهما عن وجهة سفرهما وأبدى اهتماماً بهذا الأمر أكثر من الشكوى نفسها.

وأكدت أسماء أنه “حين رفضنا الإجابة على سؤاله وقلنا له إننا سافرنا لأنه يحق لنا قانونياً أن نفعل ذلك، تهكم على مصطلح “قانونياً”، وهددنا بأنه لن يسجل الشكوى إلا إذا تجاوبنا معه”.

تجربة أسماء لم تنته هنا، فبعد رفض الضابط تسجيل الشكوى حاولتا إيجاد رقم هاتف وكيلة النيابة  واتصلتا بها، فلم تبدِ هي الأخرى اهتماماً بالخطر الواقع عليهما. وقالت لهما: “بأي حقٍ تبحثون عن رقمي وتتصلون بي؟ سأتواصل مع الضابط”، وأنهت المكالمة. ولم تسجل القضية، وعادت الشقيقتان إلى  المنزل من دون أن يتابع أحد قضيتهما أو حتى الاطمئنان على حالتهما، على الرغم من تزايد الجرائم في الفترة الأخيرة.

“كانت تجربة البلاغ سيئة جداً وأفقدتني حتى الأمل في التغيير ومحاسبة الجاني. لا عجب أن تتزايد حالات القتل، إذا كانت بلاغات المعنفة لا تؤخذ بجدية أو اهتمام. أنا أفكر حقيقةً في الهجرة من هنا، لأنني لا أشعر بالأمان”، قالت أسماء.

تحديات كثيرة تواجه الوصول إلى حماية الفتيات والنساء وتحقيق الأمان لهن. وعن أبرزها، قالت

العميري إنها “تتمثل في عدم وجود تمويل كافٍ للتخصص والتفرغ لدراسة الجندر ووضع أبحاث متخصصة ودقيقة. كل الجهود المبذولة حالياً هي تحركات ومبادرات فردية من أشخاصٍ سنحت لهم/ن فرصةالدراسة وتقديم الأبحاث. إضافة إلى ذلك، نواجه عدم وجود إحصائيات أو أرقام فبالتالي من الصعب وضع حلول مناسبة”.

كما أشارت إلى أنه “هناك قوانين مقيدة للحريات  وتصعب أيضاً الحديث عن قضايا الجندر، لأنها تعتبر حساسة في مجتمع ذكوري تحكمه العادات والتقاليد، التي تعتبر الحديث عن هذه القضايا من المحرمات”.

وأضافت أنه “لا يوجد تنسيق بين منظمات المجتمع المدني في العمل على القضية وبعض الناشطين/ات طرحهم طبقي، إذ عارض البعض فكرة صرف رواتب لربات المنزل، لكنهم لا يفهمون أن هناك نساء غير متعلمات ولا يستطعن العمل وبحاجة ملحة إلى الاستقلال المادي”.

العنف ضد النساء في الكويت

هذه هي أسباب وجذور العنف

تعود جذور  مشكلة  العنف ضد النساء إلى ارتباطها المباشر بالشكل النمطي الأبوي للدور الاجتماعي لهن. إذ  يتوقع أن تكون النساء ضعيفةً، بينما يتوقع من الرجل أن يكون قوياً وعنيفاً ومتحكماً في النساء. وقبول هذه المفاهيم واختلال موازين القوى بين الجنسين، تجعل هيمنة الرجال على النساء أمراً طبيعياً. فلا  يستنكر أحد السيطرة على أجساد النساء وخياراتهن الشخصية أو حتى اللجوء إلى العنف كوسيلة لحل النزاعات أو المشاكل.

كما تلعب الطبقة الاجتماعية دوراً مهماً في قضية العنف في المجتمعات عموماً والعنف ضد النساء  خصوصاً.

فيعرض الفقر  النساء إلى  التزويج القسري في سنٍ مبكر وحرمانها من التعليم، وبالتالي صعوبة الحصول على وظيفة وتحقيق الاستقلال المادي. لذلك تسكت نساء كثيرات على العنف الذي يتعرضن له خلف الأبواب، لأنهن لا يملكن خياراً آخر.

وعن الإجراءات والتدابير التي تعتقد أنها ذات أولوية للحد من هذا العنف في المنطقة، قالت إسراء إن “هناك قصور تشريعي نعم، لكنه جزء من حل للمشكلة. فعلى سبيل المثال، أقر قانون حقوق المرأة السياسية عام 2005، لكن حتى الآن لا توجد مشاركة فعلية للنساء فيه، لأنه ليس هناك أي تغيير ثقافي، وبالتالي لا يوجد تغيير على أرض الواقع”.

وأشارت إلى أنه “من المهم تدريب كافة قطاعات الدولة، بدايةً من وزارة التربية والتعليم من خلال العمل على تغيير الصورة النمطية للأدوار الاجتماعية التي ترسخ في اللاوعي. فالتغيير يبدأ من خلال وضع مناهج دراسية على يد متخصصين، وهي  بدورها قادرة على برمجة العقل على العدالة الجندرية، مروراً بوزارة الصحة ودورها المهم في اكتشاف حالات العنف وإصدار تقارير طبية بجدية، وصولاً إلى دور وزارة الشؤون بتوفير دور إيواء آمنة للضحايا/الناجيات، وانتهاءً بوزارة الداخلية. يجب تدريب أفرادها على كيفية استقبال البلاغات وتوفير طرق آمنة للبلاغ وحماية النساء والفتيات بعد تقديم البلاغ، وتوفير شرطة نسائية للتحقيق مع المعنفات وأخصائيين/ات نفسيين للتعامل معهن”.

في دراسة لوزارة العدل عن قضايا الاعتداء والعنف ضد النساء  خلال الفترة من عام 2000 حتى عام 2009، والتي تعتبر الوحيدة من نوعها، ورد بأن متوسط القضايا المقدمة إلى النيابات بلغ 367 قضية سنوياً أي ما يقارب قضية واحدة يومياً. ومتوسط عدد المتهمين 532 شخصاً سنوياً، تم تصنيفهم  بحسب التهمة. فوصل متوسط عدد المتهمين  في الجرائم المسماة “هتك العرض بالإكراه أو التهديد” إلى 136 شخصاً  خلال السنوات التي شملتها الدراسة. تليها تهمة الضرب بمتوسط 126 متهماً. كما بلغ عدد المتهمين بالخطف بالإكراه بقصد الابتزاز بمتوسط متهم واحد فقط خلال هذه السنوات.

وتوقعت الدراسة أن يزداد متوسط عدد القضايا سنوياً في الفترة من عام 2010 إلى عام 2014 إلى 656 قضية كحدٍ أعلى أي بنسبة 178% ، وأن يزداد عدد المتهمين إلى 1153 سنوياً.

ويبقى عدم وجود دراسات وإحصاءات كافية هو أكثر ما يصعب مسألة تسليط الضوء على هذه القضية وفهمها وتحديد الفئات الأكثر تعرضاً للعنف. فنحن عندما نتكلم عن العنف ضد النساء في الكويت نتكلم عن النساء الكويتيات والبدون والمقيمات أياً كان وضعهن. وعلى الرغم من تأكيد الدراسة على زيادة هذا العنف وهذه القضايا، لكن على ما يبدو لا يوجد أي اهتمام باستمرار هذه الدراسات، حتى مع تزايد حالات العنف وجرائم القتل الذي ارتفع كثيراً خلال عامي 2020 و2021.

ومن الممكن أن يكون أحد العوامل التي تؤثر على إجراء الدراسات هو عدم أخذ البلاغات بجدية ما يصعب تسجيل أي قضية، في ظل  ثقافة “العيب والصمت والشرف”.

لذلك، تواجه قضية العنف ضد النساء في الكويت إنكاراً صريحاً بحجة أن نساء الكويت مرفهات وأن الجرائم التي وقعت تعتبر حالات فردية. وهذا ما يؤكد أنه أمام النساء الكويتيات طريق طويل من النضال  لتجاوز  كل أشكال التمييز والعنف الموجه ضدهن.

في الكويت، تقتل النساء والفتيات لأسباب تعد حقوقاً إنسانية بديهية كالدراسة أو العمل أو اختيار شريك حياتها، وفي بعض الأحيان من دون أي سببٍ حتى. وكل ذلك يؤدي بنا إلى حقيقة واحدة، هي أننا كفتيات ونساء فاقدات للشعور بالأمان والثقة والحماية. ونشعر بأن الجميع خذلنا. وكما لم تكن  أمل أول فتاة  تلجأ إلى الطوارئ لإثبات العنف الذي تعرضت له من دون نتيجة، فهي بالتأكيد لن تكون الأخيرة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد