باسم “الأب” و”الزوج” و”روح الشرع”.. حقوق النساء مصلوبة على مذبح الأحوال الشخصية العربية
تعميم إلى كل ذوات “الضلع القاصر” في العالم العربي:
“نرجو التفضّل بابتلاع ألسنتكن لئلا تُصبن أرباب الأسرة بالامتعاض. باسم الأب والأخ والابن وروح الشرع، وباسم الله الرحمن الرحيم محكوم عليكن بالجحيم”.
بتصديقٍ من القوانين! آمين!
أهلاً بكن في مملكة الذكر العربي.
نتسلط لأجلِكِن، نأمل خضوعكن، أكملن سيركن بخنوع، سرن وعينُ الإله “سي السيد”، أو كما تغازله القوانين “رأس العائلة”، ترعاكن.
تعويذةٌ ترتلها الأعراف، وتأمّ الدول العربية باسمها صلاة الطاعة للعصور الماضية والولاء للسلف، مهما جُلِد الخلف. “من الآخر”، لا حين “تمشين الحيط بالحيط وتقلن يا رب السترة” ستصلن إلى النجاة، ولا حتى حين ترفعن شعار “هيهات منا الذلة”. وإن أدرتن خدكن الأيسر سيتلقى ما أباحه الأيمن من كدمات السلطوية وذلها. فالذل فريضة تكفلها قوانين أحوالكن الشخصية، والتمرد خطيئة بتصديقٍ عرفي وشرعي وقانوني!
بين النساء العربيات وأحوالهن الشخصية صراعٌ متجدد، زرعت لبنته الأولى عصور الجهل والعبودية وأرست دعائمه قوانين بطريركية، جعلت من العرف الذكوري سلطةً عليا مرعية الإجراء. “كوكتيل” من الأحكام العرفية والشرعية طبعت آثارها في قوانين الأحوال الشخصية، فحكمت على النساء بالتبعية المؤبدة.
أيديولوجيا الذكورة في الأحوال الشخصية: الانتقاص من الأهلية القانونية للنساء
لطالما شكلت منظومة القيم الدينية وروحية الأعراف والتقاليد رهاناً رابحاً بالنسبة إلى قوانين الأحوال الشخصية، ما عزز مناعتها أمام عملية العلمنة التي رافقت مراحل الاستعمار. مقاومةٌ أبرزتها الأنظمة المتعاقبة، تلافياً لأي اصطدامٍ محتملٍ مع نمط التدين أو مع أيديولوجيا الذكورة المنتشرين في الدول العربية.
ولما كان المشرع في كل الدول العربية يستمد أحكامه من روحية الشرائع الدينية كمصدر تشريعٍ أصيل، إلى جانب الأعراف الذكورية كمصادر تشريعٍ غير أصيلة، يعزو البعض ذكورية قوانين الأحوال الشخصية والأحكام التمييزية ضد النساء إلى تأثير عوامل مختلفة أسست أرضيةً قانونيةً خصبةً للعنف ضدهن، من بينها العامل الديني.
في هذا السياق، كشف استفتاء رأي أجريناه على 780 سيدة من عدة دول عربية، ترجيح النساء أن يكون العرف الذكوري هو المسؤول الأول عن التمييز القانوني الواقع بحقهن. تليه الأحكام الشرعية، ثم الإرادة السياسية. بينما دعت 88.8% للاحتكام إلى قانون مدني موحد يضمن لهن المساواة في الحقوق أمام محاكم الأسرة، فضلت 11.2% الالتزام بتطبيق الأحكام الشرعية.
رسم بياني: توزع مسؤولية التمييز الجنسي في الأحوال الشخصية برأي النساء
حساسية وضع النساء في قوانين الأحوال الشخصية وقوانين العقوبات تغازل الذكورية!
كشفت وضعية قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي عن حساسية وضع النساء في التراتبية الاجتماعية. وعلى قاعدة “الرجل هو رأس العائلة وممثلها القانوني”، تقعن ضحيةً للعنف القانوني المبني على التمييز بين الجنسين. إذ تعتقد 90.8% من النساء المستصرَحات أن قوانين الأسرة في بلدانهن ظالمة بحقهن. في حين تدعو 92.2% إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين. ولا شك بأن الإقرار بالمساواة بين الجنسين يتوقف على المساواة في الأهلية القانونية، وهو بالتالي بوابة العبور نحو حماية النساء من كافة أشكال العنف. الأمر الذي نفتقده في العالم العربي.
رسم بياني: تفضل غالبية النساء اعتماد قانون أحوال شخصية مدني موحد
ويعد اكتساب النساء لأهليتهن القانونية الكاملة من الإشكاليات التي لا يسهل حسمها في أنظمة الأحوال الشخصية، المستمدة من روحية الشرائع الدينية، لتعارضها مع الأحكام الدينية. وعملياً، فإن مجرد منح الرجال امتيازاتٍ قانونيةٍ وصلاحياتٍ تجعلهم السلطة العليا وتضع النساء في موقع التابع هو حسمٌ قانوني يكرس صورة نمطية خاطئة عن تفوق أهلية الرجال على أهلية النساء. واقعٌ أكدته إجابات النساء اللواتي تفاوتت حول الأحكام التي عانين من ظلمها وانتهاكها بسبب الأثر القانوني للتمييز بين الرجال والنساء.
كما أجرت الأمم المتحدة دراسة حول عدالة النوع الاجتماعي والقانون في منطقة الدول العربية، تضمنت 18 دولة عربية هي الجزائر والبحرين وجيبوتي ومصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وعُمان وقطر والسعودية والصومال وفلسطين والسودان وسوريا وتونس واليمن.
فكشفت أن قوانين الأسرة في جميع البلدان الـ18 لا تمنح النساء حقوقاً متساوية في جميع جوانب الزواج والطلاق والوصاية وحضانة الأطفال، كما أن تزويج القاصرات غير محظور قانونياً في كل العالم العربي.
ولما كان للقوانين الجنائية دور أساسي في الحد من انتشار العنف بشكلٍ عام، والمبني على التمييز الجنسي ضمناً، فإنه لا بد من الإشارة إلى وجود بعض الأحكام في قوانين العقوبات تساند بشكلٍ مباشرٍ قوانين الأحوال الشّخصيّة في عملية تقليص هامش الحماية المتوفر للنساء في المنطقة العربية. نذكر مثلاً الأحكام المتعلقة بما يعرف بـ”جرائم الشرف”. وفي هذا الإطار، أدخلت بعض الدول إصلاحات قانونية قضت بإلغاء العذر المخفف في كل من تونس وعمان ولبنان والأردن وسوريا وفلسطين (حكومة غزة لم تطبقها). إلا أن قوانين العقوبات في بلادٍ أخرى لا زالت تطبق هذه الأحكام، مثل ليبيا التي قد تصل عقوبة مرتكب هكذا جريمة فيها إلى 8 سنوات فقط، ما يمنح الذكور في الأسرة وساماً “قانونياً”، إلى جانب ارتكابه للجريمة، وتبرئة عرفية مرصعة بالشرف!
من ناحيةٍ ثانية، لا تجرّم قوانين العقوبات في أي بلد عربي الاغتصاب الزوجي، وما زالت قوانين بعض الدول تقضي بتبرئة المغتصب (غير الزوج) عن طريق الزواج بضحيته مثل ليبيا والجزائر والبحرين وفلسطين (ما عدا الضفة الغربية) والكويت. وكأن الناجيات من الاغتصاب هن اللواتي يُعاقبن، وباسم القانون.
وفي أحكامٍ تمييزية أخرى، تمنع قوانين الجنسية في 10 بلدان المتزوجات من أجانب في منح جنسيتهن لأطفالهن وأزواجهن، في حين يحق للرجال تمرير جنسيتهم إلى زوجاتهم الأجنبيات.
واقعٌ يطبع الأحوال الشخصية للنساء في مختلف الدول العربية بالتقليد والانصياع لسجن التراث بمختلف مكوناته العرفية والدينية. وعلى الرغم من بصمة الحداثة التي طبعت القوانين في تونس، التي يُشهد لها على صعيد تحسين الوضع القانوني للنساء، سواء في قانون الجنسية أو في الأحوال الشخصية، التي تعتبر من أكثر مشاريع القوانين العربية تحرراً من قيود التراث، إلا أن بعض التونسيات يؤكدن أن “التونسيات ما زلن تحت الوصاية، وأن المساواة لم تتحقق بعد في كامل الحقوق، مثل المساواة في الميراث”.
“والدتي مسيحية، ولا ترث من والدي المسلم”، تفصح شابة تونسية فضلت عدم كشف اسمها، عن تجربتها مع حق الإرث لموقع “شريكة ولكن”. فاختلاف الأديان في مختلف الدول يعتبر مانعاً للتوارث. وهو حكمٌ أودى بهنّ، هي ووالدتها وشقيقتها إلى أن يُصبحن “بلا مأوى” على حد قولها، بعد أن أجبر عمها والدتها على بيع البيت “الذي لا حصة شرعية للأم فيه بعد وفاة والدي”.
يُذكر أن النساء ترثن أقل من الرجال في كل الدول العربية، باستثناء الطوائف المسيحية في لبنان، عملاً بأحكام الشريعة الإسلامية، ويعتبر اختلاف الدين من موانع الميراث.
رسم بياني: غالبية ساحقة من النساء تعتبر أن قوانين الأحوال الشخصية مجحفة بحقهن
“جنّ” الولاية الذكورية يتلبس القوانين، و”الدم بيصير شاي” باسم “الولاية”
لا تتمتع النساء في كل من سوريا وفلسطين وقطر وليبيا والسودان وعمان واليمن والصومال والعراق ومصر بالحماية بموجب قانون خاص يجرّم العنف الأسري. كما لا يُلغي وجود قانون العنف الأسري في دولٍ أخرى انتشار جرائم قتل النساء، إذ بقيت هذه القوانين منقوصة وعاجزة عن حمايتهن كما هو الحال في الأردن ولبنان.
ويعتبر ضرب الزوج لزوجته “للتأديب” في بعض الدول سلوكاً يكفله القانون، كما هو الحال في العراق. صلاحيةٌ تعتبرها المحامية العراقية زينة أبو قلام في حديث خاص لموقع “شريكة ولكن”، بأنها “تشجيع على تعنيف النساء”. وأشارت إلى أنه في ظل “غياب قوانين العنف الأسري، تُحل هذه القضايا خارج المحاكم من خلال الركون إلى عرف الصلح العشائري”.
الأمر الذي تؤكده ناشطة عراقية، فضلت عدم استخدام اسمها، واعتبرت أن “الواقع مظلم جداً، إذ لا تستطيع الزوجة تقديم شكوى إلا إذا تعرضت لفقدان عضو أو إعاقةٍ دائمة”. وكشفت عن إحدى الحوادث التي تبين إخفاق القانون في حماية النساء. إذ “تعرّضت سيدة لكسر في الجمجمة، وبعد تقديم شكوى والمرور بالعديد من الإجراءات المعقدة والمكلفة، حكم على زوجها بغرامة 200 دولار، وأفرج عنه في نفس اليوم”!
تساهلٌ قانوني أودى بحياة فتاة عراقية أخرى “تمردت على رغبة أهلها بتزويجها من رجل أربعيني، وبعد التعرض للضغط المتكرر أودى بها الأمر إلى الموت حرقاً تحت مسمى “غسل العار”، بحسب ما تؤكد صديقتها”.
ومن منا نسيت دوي صرخات الفلسطينية إسراء الغريب التي هزت الضمائر الإنسانية، حتى تجرأ المتهمون على وصفها بـ”الملبوسة” و”المختلة عقلياً”؟ وليس بعيداً عن صوت إسراء المخنوق عرفياً وقانونياً، هل غابت عن مسامعنا صرخات أحلام التي قتلها والدها بدمٍ باردٍ وهي في الأربعين من عمرها؟ وماذا عن مآب اليمنية؟ وهاجر الكويتية؟ وهبة اللبنانية؟ وغيرهنّ الكثيرات ممن تضيع حقوقهن، ليس فقط لذكورية القوانين، وإنما لمباركة الأحكام العرفية بمبخرةٍ شرعية. عفاريت لا تنفك تتلبّس أجساد المجتمعات العربية وتحولها إلى مقابر جماعية للنساء، أحياء كن أموات. وعلى عكس ما تتباهى به الأعراف العربية القديمة بأن “الدم ما بيصير مَيْ”، إلا أن دم النساء يختمر ليصبح “قدحاً من الشاي” يتلذذ به القاتل أمام جثة ضحيته على شرف “جرائم اللا شرف”.
كما أن معظم الدول العربية لا زالت تحتفظ بنظام ولاية الرجال على النساء بطرق متعددة. وتعتبر الولاية في الزواج إحدى النماذج التي تشي باعتبار الأهلية القانونية للنساء منقوصة. فيتطلب وجود ولي أمر السيدة لإتمام زواجها في غالبية الدول. وعليه فإن الكثير من النساء غير محميات لجهة حرية اختيار الشريك أو التزويج القسري. ولايةٌ تجعل النساء فريسةً ينقضّ عليها دُعاة تقديس العرف الذكوري، في حين لا يبدو خفياً على العالم بأسره ما قد تؤول إليه الأمور في حال رفضن هذه الولاية وتمردن عليها.
تحالف العرف والقانون: إما ذل الخضوع أو خطر التمرد
التمرد ليس خياراً سهلاً، فمن تجني على نفسها بالثورة تتربص بها لعنات القريب والبعيد. “من يحميني من عنف والدي؟”، خوفٌ يلاحق الشابة الفلسطينية نهى (33 عاماً) التي كلما لاحت في بالها فكرة الطلاق للتخلص من تعنيف زوجها، طردتها فكرة الجحيم الذي ينتظرها في منزل والديها، حيث “الطلاق عار، وتأديب الزوجة بالضرب أمر مألوف”. تسرب لي معاناتها كشيء من “الفضفضة” أو “الإنذار”، كاشفةً عن رعبها من “خسارة ابنتها بعد الطلاق”. وقالت في حديثٍ لموقعنا: “محكومٌ علي بجحيم الخضوع للذهنية الذكورية، بين والدي الذي يعنفني بنفسه في حال تمردت على هذا الواقع، أو المجتمع الذي يرى السيدة المطلقة عاراً، أو القانون الذي يكفل حرماني من طفلتي في حال استيفاء شروط الحضانة للرجل بعد الطلاق، أو زوجي الذي يهددني بأن يتزوج بسيدة أخرى”. إذ تتيح كل الدول العربية -باستثناء تونس- تعدد الزوجات، ما يجعل المفعول الرجعي لإتاحة التعدد يصل إلى درجة استخدامه كورقة ضغط من قبل الأزواج ضد زوجاتهم.
لا يتوقف تواطؤ القوانين ضد النساء عند هذا الحد. فتحت مسمى “المطاوعة”، تُجبَر معنفات على الخضوع لابتزاز الرجل مادياً ومعنوياً. “كان والدي يضرب والدتي باستمرار، حتى وصل الأمر إلى حمل السلاح بوجهنا وطردنا من البيت”،قالت شابة عراقية فضلت عدم الكشف عن اسمها، في مقابلةٍ مع شريكة ولكن.
وأضافت أن والدها عاد لطلب والدتها إلى بيت الطاعة من دون أن ينفذ الشروط القانونية، بعد أن قامت برفع قضية نفقة لأنها لا تملك وظيفة، ما أسقط حقوقها الشرعية بتواطؤ السلطات والمحكمة والعشائر.
حالة تؤكد المحامية والناشطة زينة أبو قلام تكرارها، معتبرةً أن “الحق الحصري للزوج بتطليق زوجته متى شاء، أو رفع دعوى مطاوعة عليها هو ورقة ضاغطة بيد الرجل”. ولفتت في حديثها لـ”شريكة ولكن” إلى أن “الغرض من دعوى المطاوعة اتهام الزوجة بالنشوز، وبالتالي إجبارها على التنازل عن حقوقها”.
واقعٌ يدفع الكثير من النساء المعنفات إما للخضوع أو التنازل عن حقوقهن مقابل الطلاق، في ظل قانونٍ يسمح بمعاقبة الزوج لزوجته، علماً أن “هذا النوع من الدعاوى قد يبقي الزوجة معلقة إلى الأبد، إذ يصعب تحقيق الانفصال بسهولة لوجود شروط محددة في قانون الأحوال الشخصية في ما يخص التفريق القضائي، بحسب أبو قلام. وفي سياق متصل، كشف استطلاع الرأي الذي أجريناه أن 70%من النساء عانين من أحكام الطلاق المجحفة.
وليس بعيداً عن تحالف العرف والقانون على تشريع قمع النساء والضغط عليهن، تمنح كل الدول العربية -باستثناء تونس والجزائر- حق الوصاية على الأطفال حصراً للرجال. مشهديةٌ ليست بغريبة على مجتمعات لطالما أبرزت مقاومة شرسة أمام محاولات تحرير النساء من سجن الذكورية القاتم بكل ما يحتويه من تبعية مجحفة.
حق الحضانة: من سوق الابتزازات في لبنان إلى بازار الانتخابات في العراق
خوفُ النساء من فقدان حضانة أطفالهن بعد الطلاق يكاد يكون قاسماً مشتركاً بين كل الدول العربية. إذ كشف استطلاع الرأي أن 507 من 775 سيدة عانين بسبب أحكام الحضانة.
شروطٌ صارمة تحددها القوانين، كإسقاط الحضانة بمجرد الزواج، من شأنها أن تضيق الخناق على حرية النساء وتتركهن حبيسات لمزاجية “الطليق” رغم تحررهن من سلطته الزوجية. ولم يعد يبدو خفياً على العالم معاناة الكثير من اللبنانيات اللواتي يخترن الخروج عن بيت طاعة الذكورية فيُعاقبن بأحكام الحضانة المجحفة، خصوصاً عند الطائفة الشيعية.
وفي معرض استطلاع الرأي الموجّه إلى النساء في لبنان الذي أجري لغرض هذا التحقيق، تعبر إحدى السيدات عن قلقها من “أن لا تتمكن من اتخاذ قرار في ما يخص زواجها، خوفاً من خسارة أولادها.
وأشارت السيدة، التي لم ترغب في نشر اسمها، إلى أن “معظم الرجال ينتقمون من النساء بالأولاد”. في حين كشفت أخرى عن حرارة الجمرة التي كوت روحها عقوبةً على قرار الطلاق. فقالت: “أنا محرومة من حضانة ابني منذ 7 سنوات تحت عنوان أنه يحمل اسم والده وكنيته، فأنا مجرد والدة لا يحق لي بالحضانة ولا بالتدخل بأي أمر يخص ابني”.
بينما تؤكد ثالثة أنها “حصلت على الحضانة مقابل التعهد بعدم الزواج”. ووصفت الأمر الذي يكاد يكون سيفاً مسلطاً على رقاب المطلقات، بأنه تضحية كبيرة وظلم كبير في الوقت نفسه. كما روت سيدة رابعة أن طليقها “لم يكتفِ بحرمانها من أولادها بعد الطلاق، بل أراد إسقاط حق الرؤية بذريعة زواجي الجديد من دينٍ مختلف”.
رواياتٌ كثيرة لا تنتهي، تكشف كيف يتمادى بعض الذكور في الانتقام من زوجاتهم السابقات ومحاولة ابتزازهن بأطفالهن للتحكم بحياتهن.
رسم بياني: غالبية ساحقة من النساء تطمح إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في قوانين الأحوال الشخصية
المادة 57 الخاصة بحضانة الأم لأطفالها قربانٌ على مذبح الانتخابات العراقية، وخطر يداهم الأمهات
وليس بعيداً عن ساحة الابتزاز بعملة الأحكام الجعفرية، شكلت الانتخابات العراقية الأخيرة بازاراً نشطاً وعملةً مغريةً للاستثمار بقضية الحضانة ومغازلة السلطة الأبوية على حد سواء.
“أسوأ كابوس أعيشه يومياً هو أن تثمر المساعي المستمرة لتعديل أحكام الحضانة، لأحرم من حضانة طفلتي، بعدما حرمت من حق الوصاية كاملة”، قالت سيدة عراقية لموقعنا. وأكدت أن الأمر سبب لابنتها مشاكل نفسية، ودفعها الخوف من الانتقال إلى بيئة والدها المتزمتة للتفكير بالانتحار”. بينما شاركتها القلق سيدة أخرى تتعرض لـ”توعدٍ دائم من قبل طليقها بسلب حضانة ابنها وإعطائها إلى زوجة الأب، في حال تم تعديل القانون”، وفق ما صرحت لـ”شريكة ولكن”.
عرضٌ انتخابي مغرٍ، حمله بعض المرشحين عن الأحزاب الدينية للتأثير على الناخبين في المجتمع العراقي، تضمن مقترحاً لتعديل المادة 57 الخاصة بحضانة الأم لأطفالها، ليصبح سن الحضانة 7 سنوات ينتقل بعده الطفل إلى الأب أو الجد لناحية الأب. تهديدٌ يلاحق الكثير من الأمهات العراقيات بعد أن قُدم حق الحضانة قرباناً على مذبح الانتخابات العراقية، وأضاف إلى سلة العنف الممارس بحق النساء، خطراً جديداً.
في مئوية قانون الأسرة في مصر: جدلٌ حول جموده و”تخلفه” و”ذكورية” المشرع
“هو واحد من بين القوانين الأكثر رجعية في المنطقة”، هكذا وصفت استشارية النوع الاجتماعي لمياء لطفي قانون الأحوال الشخصية في مصر في مقابلة مع “شريكة ولكن”. وأعربت عن استغرابها من الجمود الذي ينطوي عليه منذ صدوره عام 1920.
وعلى الرغم من كون مصر إحدى أوائل الدول العربية التي بدأت فكرة تنظيم شؤون الأسرة قبل مئة عام، تؤكد لطفي أنه “لا تغييرات جذرية في القانون منذ نشأته حتى اليوم”. وأكدت أن “السبب هو ذكورية عقلية المشرع الذي يقول إنه يستمد الأحكام من الشريعة الإسلامية”.
قانونٌ لا يزال يسمي الزواج “نكاح”، وينصّ على “الطاعة” و”حق الاحتباس” وغيرها من “التعبيرات المهينة بحق النساء” بحسب لمياء، لا يرتقي لمستوى حماية النساء، خصوصاً في ظل مغازلة قانون العقوبات له من خلال ما يعرف ب”حق التأديب”.
وبحسب لطفي، لا يقتصر التمييز ضد النساء فقط، إنما بين النساء أنفسهن، من خلال بعض الأحكام التقديرية. فأشارت إلى أن السلطة التقديرية الممنوحة للمحكمة تنظر في وجوب وقوع الطلاق، من خلال الأخذ بوضع مثيلات السيدة الطالبة للطلاق. فإذا كانت من مجتمع ريفي يعتبر الضرب فيه عادة طبيعية، لا تأخذ بالضرب كسبب موجب، أما إذا كانت أستاذة جامعية على سبيل المثال، فعندها يعد الضرب ضرراً ويؤخذ به كسببٍ لإيقاع الطلاق”. الأمر الذي اعتبرته “تمييزًا طبقياً بين النساء أنفسهن داخل قانون العقوبات”.
وفي مشهد تمييزٍ جنسي يكاد ينقلنا إلى عصر الجاهلية، اضطرت السيدة “هيام. م” إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة لإثبات نسب مولودتها باسم زوجها. إذ ينحصر حق إثبات النسب بالرجل، بعد أن رفض الأخير تسجيل ابنته وقيامه بتسجيل شقيقها التوأم فقط لأنه كان يريد ذكراً!
ولعل أكثر تعبير يترجم واقع النساء في قوانين الأحوال الشخصية، ليس فقط في مصر بل في العالم العربي بشكلٍ عام، تغريدةٌ تختصر المشهد:
“يعني إيه دكتورة أو مهندسة يتحكم فيها ولي ممكن معندوش ابتدائية”؟!
باختصار، يعني أنكن في مملكة الذكر العربي، حيث تُهاب النساء فتُقمعن باسم الأب والأخ والزوج وروح الشرع، وتُنتقص أهليتهن باسم القوانين…
فلتسقط الأبوية!
آمين!
كتابة: مريم ياغي