ملك الكاشف: “بعد عامين من الجلسات.. لا أماكن احتجاز آمنة للعابرات”

بعد نحو سنتين من الانتظار والقلق والضغط النفسي والجلسات المرهقة، قررت المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة في مصر عدم توفير أماكن احتجاز آمنة للعابرين والعابرات جنسياً ورفض الدعوى التي تقدمت بها العابرة المصرية ملك الكاشف، الناشطة النسوية والكويرية التي طالبت فيها بحماية العابرات من سجون الرجال.

“منذ اللحظة التي صدر فيها القرار قبل أيامٍ قليلة وأنا أشعر بالإحباط ولا أعرف كيفية التعامل مع هذه المشاعر التي ترافقني منذ يوم 5 كانون الأول/ديسمبر 2019، تاريخ تقديم الدعوى”، قالت ملك الكاشف في مقابلة خاصة مع موقع “شريكة ولكن”.

كانت واثقة بنسبة 90% من عدم قبول القضية لكنها استمرت لسنتين متتاليتين في حضور الجلسات ومتابعة قضيتها وقضية جميع العابرات جنسياً اللواتي يحتجزن في سجون الرجال، حيث يتعرضن لشتى أنواع العنف. وأضافت: “لم أتخيل أو أتوقع أن تقبل الدعوى لكن كان في داخلي أمل بسيط فقدته تماماً لحظة سماعي قرار المحكمة”. واعتبرت أن “هذه السلطة مصرة على استخدام العابرات جنسياً كعبرةٍ لكل شخص في مصر يفكر أو يرغب في الإعلان عن ميوله وهويته الجنسية والجندرية. وأكبر دليلٍ على ذلك أننا أخبرناهم عن مدى الأذى الذي نتعرض له داخل سجون الرجال وهم قرروا أننا لا نملك الحق في الحياة”.

كما اعتبرت الناشطة الشابة أن هذا القرار يثبت أن النظام لا يريد أن تتحسن حياة ووجود العابرات/العابرين في المجتمع الذي يدعي أنه “يتقبلهم/ن” لكن ذلك معاكس للحقيقة بحسب ملك، “هم لا يريدوننا معهم/ن في المجتمع نفسه”. وأكدت أن “المجتمع لا يتقبلنا. نحن نتعرض للسجن والضرب والتشهير والتحرش ولا نجد مستشفيات نتابع فيها علاجنا ولا نتمكن من إجراء عمليات العبور الجنسي”.

ملك الكاشف

 لماذا أقامت ملك دعوى ضد وزير الداخلية؟

أقامت ملك منذ نحو عامين دعوى ضد وزير الداخلية المصري لإنشاء أماكن احتجاز آمنة داخل أقسام الشرطة والسجون للأشخاص العابرين/العابرات جنسياً. وجاء رفض المحكمة للدعوى بسبب “زوال المصلحة”، بحجة أنه تم إخلاء سبيلها بعد احتجاز نحو 4 أشهر منذ آذار/مارس 2019 حتى تموز/يوليو 2019.

اعتقلت ملك 3 مرات حتى الآن، لكنها لم ترحّل إلى سجن الرجال إلا في المرة الأخيرة. أثناء وقوع الاعتقال الأول لم تكن أعلنت بعد أنها عابرة جنسياً وبالتالي لم تخبر النيابة التي تعاملت معها على أساس مظهرها وأوراقها الثبوتية التي تقول إنها “رجل”. أما الاعتقال الثاني فحدث بسبب “شكلنا الذي كان يشير إلى أننا مجموعة كويرية”، بحسب ملك.

لكن الاعتقال الأخير كان مختلفاً ومؤلماً، “مكثت في السجن الانفرادي 135 يوم هي فترة اعتقالي وما زلت حتى اليوم أتعالج نفسياً من تداعيات تلك الفترة. على الرغم من مرور سنتين إلا أنني ما زلت أخاف من الجلوس وحدي والذكريات تأبى أن تفارقني”، قالت ملك لـ”شريكة ولكن”.

ما عانته في سجن الرجال طوال الـ135 يوماً لم يكن متوقعاً بحسب تأكيدها. فهي لم تملك حينها خلفيةً عن ما يحدث للعابرات جنسياً في سجون الرجال. وهذا ما دفعها بعد الخروج إلى التفكير بتقديم الدعوى لتحسين أوضاع العابرات وحجزهن في أماكن آمنة.

ملك الكاشف

وذكرت ملك أن “ما اكتشفته في الداخل أن أمامنا كعابرات احتمالان. الأول هو الوضع في سجن الرجال حيث نتعرض لمختلف أنواع الانتهاكات والعنف“.

هذا السيناريو الأول يشمل العنف الجسدي المتمثل بالضرب وسرقة المتعلقات الشخصية وتحويل أماكن احتجازهن إلى أبشع مكانٍ على الإطلاق. والعنف النفسي، إذ يتم ترهيبهن طوال الوقت وتهديدهن بالتحرش والاغتصاب. والعنف الجنسي الذي يشمل كل أنواع التحرش والاعتداءات.

أما السيناريو الثاني بحسب ملك فهو “السجن الانفرادي المخصص وفق لوائح السجون لعقوبة التأديب للسجناء/السجينات عادةً”.

الانتهاكات الكثيرة التي تعرضت لها دفعتها إلى محاولة تصحيح أوضاع العابرات في السجون من خلال الدعوى التي رفضت. وقالت: “فكرت بعد خروجي بهذين الاحتمالين الأسوء من بعضهما. أو التحرش والاغتصاب والانتهاك أو الخضوع لعقوبة تأديب واحتجاز في سجنٍ انفرادي معزول طوال فترة الحبس التي قد تصل إلى 10 سنوات مثلاً”.

اعتبرت ملك أن العامين اللذين قضتهما تحت ضغطٍ نفسي وقلق وهي تنتظر نتيجة الدعوى ضاعت من دون تحقيق شيء وهذا أمر يؤلمها على حد تعبيرها. “واجهت عراقيل منذ لحظة اتخاذي قرار إقامة الدعوى، لم أتمكن بسهولة من توكيل محامٍ لأن الشهر العقاري كان يرفض إجراء التوكيل عقاباً لي على أن هويتي الجندرية لا تتسق مع أوراقي الثبوتية ولأنهم لا يعترفون بالتقرير الطبي الذي يعطى للعابرات والعابرين. وحضرت جميع الجلسات، ما أرهقني كثيراً وأفقدني طاقتي وأملي في التغيير”.

يعاقب القانون المصري من ينتمون إلى مجتمع الميم عين بمختلف الطرق بسبب هوياتهم/ن الجنسية والجندرية ومن خلال اختلاق تهم تحت مسميات فضفاضة ومهينة في كثيرٍ من الأحيان. يتم اتهامهم/ن بمواد تتعلق بـ”الدعارة وممارسة الفجور” أو تلفق لهن/م تهماً.

سجنت ملك على خلفية اتهاماتٍ ملفقة في إحدى قضايا أمن الدولة بسبب تنظيمها تظاهرة احتجاجية على خلفية حادثة حريق قطار في مصر أسفر عنه وفاة عشرات المصريين/ات. واتهمت بـ”نشر وبث أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها والترويج لها”.

وعلى الرغم من أنها اعتقلت لأسبابٍ سياسية، لكنها واجهت معاناةٍ مضاعفة في السجن حين قرر النظام أن يعاقبها على إعلان رفضها البقاء حبيسة الجسد الذي ولدت فيه وعدم حمايتها من الانتهاكات الكثيرة التي تعرضت لها والتي لم تبدأ من الإخفاء القسري مدة 24 ساعة ولم تنته بظروف الاحتجاز غير الآدمية والفحوص الشرجية والتحرش. ملك لم تتخط الواحدة والعشرين من عمرها بعد لكنها تملك شجاعةً كبيرةً دفعتها إلى تحدي المجتمع والسلطة وقمع أسرتها ومحاربة أشكال الظلم التي يتعرض لها العابرون والعابرات جنسياً.

“أنا لا أريد منهم إلا أن يتوقفوا عن الكذب والقول إنهم يعطوننا مساحتنا ويقدمون دعمهم لنا، لأنهم يستهدفوننا على جميع المستويات”، ختمت ملك.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد