بعد سنوات.. لا وجه لإقامة الدعوى ضد عزة سليمان

السلطات المصرية تخلي سبيل أربع من المدافعات عن حقوق الإنسان.. سولافة مجدي و ماهينور المصري وإسراء عبدالفتاح وشيماء سامي على الأسفلت.

“أنا مصدومة ولسه مش عارفة أستوعب”. هكذا علقت المحامية المصرية البارزة عزة سليمان على القرار في القضية 173 في حوارٍ مصغرٍ أجراه معها موقع “شريكة ولكن”.

فقرر المستشار علي مختار، قاضي التحقيق المنتدب في القضية المعروفة إعلامياً بقضية التمويل الأجنبي ضد عددٍ من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني أنه: “لا وجه لإقامة الدعوى”.

وذلك، بعد مرور عشرة سنوات على فتح القضية التي تستهدف في الأساس المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في مصر.

وأضاف قاضي التحقيق أن “المجتمع المدني يسهم بدوره في تحقيق التنمية المستدامة كشريكٍ للدول لمجابهة الإشكاليات والتحديات”. وطالب المنظمات وجمعيات المجتمع المدني العاملة فى مصر والكيانات التى تمارس عملاً من أعمال المجتمع المدني بسرعة توفيق أوضاعهم وفقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء.

تضمن القرار كلاً من إسراء عبدالفتاح ونجاد البرعي وحسام الدين علي وأحمد غنيم وعزة سليمان. وهم ممثلون/ات عن جميعات: المجموعة المتحدة ومحامون ومستشارون وقانونيون واقتصاديون ومحامون من أجل العدالة والسلام والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، والمعهد المصري الديمقراطي”.

على أثر هذه القضية مُنعت عزة سليمان من السفر، وتم التحفظ على أموالها عام 2016. وبهذا القرار الذي صدر منذ أيام، بُرئت ساحتها من جميع الاتهامات المنسوبة إليها.

وقالت عزة في لقائها مع “شريكة ولكن”: ”عرفت بالقرار من الأخبار المتداولة على المواقع الإلكترونية في مصر، وما زلت متفاجئة”. لكنَّها أضافت: “حتى الآن، لم أستلم أي ورق تخص هذا القرار بعد، ووفقاً للقانون يجب تحديد جلسة لرفع اسمي من على قوائم المنع من السفر وورفع التحفظ على أموالي“.

وتحولت صفحة المحامية المصرية على فيسبوك إلى حائطٍ من المباركات والتهنئات. وعلقت سليمان قائلة: “”كل الناس فرحانة وكل الناس بتبارك لي”.

لم  يقتصر الأمر على ذلك، بل تعالت أصوات الموسيقى  والزغاريد داخل أروقة مركز المساعدة القانونية للمرأة، المؤسسة التي عملت لسنواتٍ على إنصاف النساء. لكن هذة المرة، كان الاحتفال إنصافاً لصاحبتها، في مشهدٍ عفوي جمع محبيها الفرحين بانتصار سيدة تحمل في قلبها وجع جميع النساء.

من هي عزة سليمان؟

هي محامية مصرية بارزة ومؤسسة وعضوة مجلس أمناء مركز المساعدة القانونية للمرأة ”سيولا“ منذ عام 1997. وهو تجمع نسائي يعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين ويركز بصفةٍ خاصة على الإصلاح التشريعي. كما تقدم المؤسسة دراسات متعلقة بجرائم العنف ضد النساء وقضايا “الشرف” والختان وقوانين الأحوال الشخصية.

تخرجت عزة من كلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1989. وكانت أوّل من نادت بقانون مدني للأحوال الشخصية للمرأة المسيحية وحق التطليق في الديانة المسيحية.

وخاضت معارك من أجل قانون الجنسية المصرية للمصريات المتزوجات من أجانب، وكذلك تعديل قانون الأحوال الشخصية.

تعرّضت طوال السنوات الماضية لملاحقاتٍ مباشرة وتهديدٍ متواصل وحملات تشهير بسبب نشاطها في ملفات حقوق الإنسان. وعلى رغم اختلاف أشكال التهديدات التي طالتها، لم تتردد يوماً في التعبير عن رأيها بشجاعة وفي مساندة جميع ضحايا التعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي، وعلى رأسهم ضحايا العنف الجنسي والاغتصاب.

وكانت أشهر القضايا الأخيرة التي عملت عليها العام الماضي، قضية أحمد زكي بسام التي انتهت بسجنه ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ. إذ أدين بالتحرش بفتيات وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

بينما أفادت تحقيقات النيابة أن المتهم ارتكب أفعال تحرشٍ جنسي وتلميحاتٍ إباحية.

كما عملت عزة سليمان على قضية الفيرمونت الشهيرة، وهي جريمة اغتصاب جماعي لفتاة بعد تخديرها حيث وقعت عام 2014، وانتهت القضية حينها بإغلاق التحقيقات لعدم كفاية الأدلة. إلاّ أن عزة لعبت دوراً بارزاً في تقديم كلّ أشكال الدعم للضحية والشهود.

وفي عام 2020، حصلت عزة  على الجائزة الألمانية الفرنسية لحقوق الإنسان وسيادة القانون.

وكانت لهذه الملاحقات المتتالية أثر بالغ على عزة، التي قالت: “تآكلت أرواحنا بعد كل ما حدث في حياتنا الخاصة قبل العامة. لا أحد يعلم أو يشعر حجم ما اختبرته”.

وأضافت: “ما زلت أشعر بغضبٍ شديد منذ لحظة القرار الذي لم يتم إبرازه في الجرائد والمؤسسات التي نهشت سمعتي واتهمتني بالعمالة والخيانة وحرضت عليّ”.

وختمت بأن “هذا القرار يشبه جرة القلم لكنَّه لم يرد اعتباري وكرامتي، أنتظر تنفيذه بشكلٍ عملي، لأتمكن من السفر واستلام أموالي. وحتى حدوث ذلك، كأنَّ شيئاً  لم يحدث”.

إطلاق سراح أربعة من المدافعات عن حقوق الإنسان

في أبريل الماضي، أطلق موقع “شريكة ولكن” حملةً من أجل إطلاق سراح ثماني من الناشطات المعتقلات في السجون المصرية اللواتي يحتجزن بسبب آرائهن السياسية أو دفاعهن عن حقوق الإنسان في بلادهن.

احتجزن لمدد حبسٍ تقارب العام ونصف بتهم انتماء إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. وكان من ضمنهن الصحافية سولافة مجدي والباحثة شيماء سامي والمحامية الحقوقية ماهينور المصري والصحافية إسراء عبدالفتاح.

الحملة التي انطلقت تحت عنوان #أطلقوا_سراح_المدافعات_المصريات، امتدت على مدار أسبوع أطلق خلاله محتوى حصري بالموقع يحاكي واقع ما تعانيه الناشطات في السجون.

بينما جاءت هذه الإفراجات بعد مساعي “مبادرة الحوار الدولي” التي أطلقها البرلماني السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات. وتمكّنت هذه المبادرة خلال الأشهر القليلة الماضية من إصدار قرارات بإخلاء سبيل العشرات من المتهمين/ات في قضايا سياسية.

ويقول السادات في تصريحاتٍ صحفية لوسائل إعلام مصرية إن “فكرة المبادرة جاءت عندما لاحظنا وجود أزمة في لغة الحوار بين الحكومة المصرية ومؤسساتها والعالم الخارجي. فرأينا باعتبار ما نملكه من خبرات في الاحتكاك مع العالم سواء برلمانات أوروبية وأميركية أن نلعب دوراً في بناء جسور تفاهم وثقة. وأضاف أن الهدف أيضاً أن “نفهم كيف يرانا الغرب خصوصاً أن السنوات الماضية شهدت هجوماً على مصر في بعض الملفات السياسية والحقوقية والحريات، فأخذنا على عاتقنا التواصل مع الخارج”.

انفراجة ولكن..

على الرغم من هذه المساعي والمبادرات التي تأخذ على عاتقها ملف معتقلي الرأي في مصر، إلا  أنّ المدافعات عن حقوق الإنسان في مصر تعانين من أوضاع احتجاز سيئة. وتأتي على رأسهنّ مروة عرفة وخلود عامر ونرمين حسين وسناء سيف وهدى عبد المنعم وغيرهنّ كثيرات.

وبالتزامن مع هذه المساعي، أعلنت فدوة خالد ابنة المحامية هدى عبد المنعم في بيان إدراج اسم والدتها على قوائم الإرهاب، في سبتمبر الماضي.

وقالت في بيانها: “لسه هنبدأ خمس سنين كمان في الهم دا، يعني ماما لو خرجت من الحبس، هتفضل خمس سنين محبوسة جوا البلد ممنوعة من السفر وممنوعة من العمل وممنوعة من أي فلوس أو منشآت أو شركات باسمها”.

وعبدالمنعم، هي عضوة سابقة في المجلس القومي لحقوق الإنسان، اقتحمت قوات الأمن منزلها في نوفمبر 2018 وتم تعصيب عينيها أمام ابنتها ولم يسمحوا لها بأخذ أدويتها. وهي تعاني من جلطة في الأوردة العميقة.

تعرضت هدى للإخفاء القسري لمدة 3 أسابيع ثم ظهرت على ذمة القضية 1552 حصر أمن دولة عليا. ووجّهت لها النيابة تهمة الانضمام إلى جماعة محظورة وتلقي تمويل بغرضٍ إرهابي. وعلى الرغم من إكمالها عامين كاملين في الحبس الاحتياطي، وهي المهلة المحددة قانوناً للحبس الاحتياطي، والتي يجب إخلاء سبيلها بعد مضيها.

وهي تعاني من توقف في كليتها اليسرى وتراجع أداء كليتها اليمنى ما يزيد المخاطر على صحتها. ولطالما قدمت المساعدة القانونية لأسر ضحايا الاختفاء القسري في مصر في إطار جهودها لتوثيق حالات المختفين قسرياً.

وفي نهاية عام 2020، حصلت على جائزة مجلس النقابات القانونية الأوروبي السنوية لحقوق الإنسان.

ورغم ما وصفته مباردة الحوار الدولي بـالانفراجة” في ما يخص ملف حقوق الإنسان، بدأت نيابة أمن الدولة بالتصرف في عدد من القضايا وإحالتها إلى المحكمة، منها قضايا قضى المتهمين/ات فيها أكثر من سنتين حبس احتياطي.

بينما تقول المدافعة عن حقوق الإنسان منى سيفعن هذه  الانفراجة: “لا يوجد انفراجة بدون خروج مجموعات من السجن. مش تخرجوا كل كم أسبوع كم فرد يتعدوا على الإيد. ومقابل كم فرد بيخرج في الفترة الأخيرة، يا ريت نشوف كم حد تم إحالته إلى المحاكمة رغم تجاوز الحبس الاحتياطي في حقهم”.

وأكدت سيف أن “الانفراجة تعني مراجعة حقيقية لملف المعتقلين/ات وإغلاق كلّ القضايا الظالمة ومراجعة فئاتها. الانفراجة تعني النظر إلى معتقلين/ات منسيين/ات في دوامة السجون، وليس فقط المحسوبين/ات  على دوائر معينة”.

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد