«فحوص شرجية واعتداءات جنسية» نصيب عابرة جنسياً في أحد السجون المصرية

١٢٠ يومًا قضتهم داخل زنزانة انفرادية في سجن طره للرجال، بين الغناء والرسم، وأحياناً أخرى في البكاء وفي مراقبة الحشرات، رفيقتها الوحيدة الزنزانة الانفرادي.

إنَّها “ملك الكاشف” أوّل فتاة عابرة جنسيًا تُحتجز في سجنٍ للرجال وتعتبر أوّل عابرة جنسيًا تعتقل في قضية سياسية في تاريخ مصر.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تحتجز فيها “ملك”، بل كانت الثالثة بعد اعتقالات قصيرة عامي ٢٠١٧ و٢٠١٨.

ألقت السلطات المصرية القبض على الناشطة النسوية الكويرية، “ملك الكاشف” فجر يوم 6 مارس 2019، بعد مشاركتها في تظاهرة تنتقد فيها موقف السلطات المصرية من حادث حريق قطار داخل محطة “رمسيس”، والذي أسفر عن مقتل عشرات المواطنين/ات.

تعرّضت “ملك” للإخفاء القسري لمدة ٢٤ ساعة ولم يتم الكشف عن موقعها وظروف احتجازها حتى أُحيلت لنيابة أمن الدولة في 7 آذار/ مارس 2019.

خضعت “ملك” للاستجواب في القضية رقم 1739 أمن دولة، على خلفية اتهامات ملفّقة منها الانضمام لجماعة إرهابية وفق المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015، وتصل عقوبتها للسجن المؤبد. وتهمة استخدام حسابها الشخصي على موقع “فايسبوك” في ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، وفق المادة 27 من قانون منع الجرائم الإلكترونية لعام 2018، ما قد يؤدي لعقوبة إضافية تصل للسجن مدة عامين، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه مصري.

لم تضم هذه القضية “ملك” فقط، بل شملت أيضًا “حسام أحمد”، العابر جنسيًا من أنثى إلى ذكر، وواجه نفس الاتهامات الموجهة لـ”ملك”.

أُخلى سبيل “ملك” في شهر يوليو ٢٠١٩،  وقد دفعتها ظروف الاحتجاز غير الانسانية، التي تعرّضت لها لإقامة دعوى قضائية ضد وزير الداخلية تطالب فيها بتخصيص أماكن احتجاز مخصَّصة للعابرين جنسيًا: “وضعوا على باب زنزانتي ورقة تعريفية خاصة بي مكتوب عليها (عبد الرحمن متحول جنسيًا)، فقرّرت إقامة دعوى قضائية، لتخصيص أماكن احتجاز آمنة للعابرين، لأنَّ رحلة العبور طويلة وتمتد لسنوات، وخلال هذا الوقت حيث ننتظر تغيير أوراقنا الثبوتية، نحن معرّضات للاعتقال بتهم مثل “الفجور” أو في قضايا سياسية مثلما حدث معي، ولا ينبغى على السلطات المصرية سجننا في أماكن احتجاز مغايرة لهويتنا الجندرية، لأنَّ هذا يعرّضنا لمخاطر كالتحرش والاعتداء الجنسي، بالإضافة لأنَّه يؤثر سلباً على حالتنا النفسية وأنا حتى الآن لا أستطيع تجاوز هذه التجربة أو حتى التعافي منها”.

وبالعودة إلى قصة “ملك” فقد خضعت لفحص الشرج القسري والتحرش الجنسي، ومُنعت طوال مدة اعتقالها من التريض: “عندما كانوا يسمحون لي بالخروج لدقائق خارج الزنزانة كانوا يغطون وجهي، ويضعون كافة السجناء الآخرين في زنازينهم”.

ومن المفيد الاشارة إلى أنَّ مصر انضمّت للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذا لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، على النحو الذي يحظر المعاملة التي تعرضت لها “ملك”، ويحمي حقها في التعبير عن آرائها.

وتحظر المادة 7 من العهد الدولي، والمادتان 2 و16 من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، التعذيب وجميع أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، دون أي استثناء.

كما تنصّ المادة 19 من العهد الدولي نفسه على أن “لكلّ شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك حرية تبني الآراء دون تدخل”. هذا بالإضافة لما أوصت به المفوضة السامية لحقوق الإنسان بحظر الإجراءات الطبية القسرية التي تفرضها بعض البلدان على الأشخاص العابرين جنسياً، وضمان حقهم في الحصول على أوراق هوية تعكس هويتهم الجنسية التي حدّدوها لأنفسهم.

تبلغ “ملك” من العمر٢١ عامًا ورغم صغر عمرها، إلا أنَّها واجهت كلّ أشكال القمع السلطوية، من سلطة الدولة والمجتمع والأسرة.

لا تتذكر “ملك الكاشف” متى شعرت بأنَّها أنثى وليست ذكرًا، قائلة:” لم أكن أعرف معنى أن تكون ولد أو بنت، لكني كنت أميل لمصادقة الفتيات وأحب اللعب بالعرائس وارتداء ملابس شقيقتي”.

تتحدث “ملك” عن ذلك اليوم الذي أخبرت فيه أسرتها: ” كان عمري ٩ سنين عندما، دخلت إلى المطبخ وقلت لأمي أنا فتاة ولست ولد، وبعد عودة أبي من العمل قام بضربي”.

وبحسب “ملك”، فإنَّ أسرتها لجأت إلى طرق عدة لتعديل سلوكها بما يتناسب مع هويتها كذكر: “عرضوني على أطباء وشيوخ واحتجزت في مصحات نفسية لعدة شهور”.

تخبّطت “ملك” كثيرًا حول ميولها الجنسية حيث كانت تعتقد نفسها مثلية الجنس وبعد فترة قصيرة اعتقدت أنها ثنائية الجنس حتى تأكدت بعد وقت إنها مُصابة بإضطراب الهوية الجنسية: “كنت أتعامل بشكل طبيعي حول ما أشعر به تجاه جسمي، كنت أضع أحمر الشفاه والشعر المستعار، تركت منزل أسرتي وأنا في الـ١٤ من عمري، اضطررت للعمل لأن أهلى قاطعوني ولكني وجدت نفسي”.

رحلة عبور “ملك” الجنسي، رحلة معقدة وطويلة كما وصفتها، تبدأ هذه الرحلة مع لجنة تصحيح الجنس في نقابة الأطباء، هناك خضعت “ملك” للعديد من الفحوصات الطبية. بعدها تبدأ رحلة أخرى من الخضوع لعلاج النفسي التي قد تصل إلى عامين لتحديد حاجة العابر جنسيًا لعملية تصحيح الجنس، ثم الخطوة الأخيرة وهي العرض على لجنة تضم أطباء وممثل من الأزهر، قبل إجراء عملية تصحيح الجنس.

وبناءً عليه، قرَّرت “ملك” إجراء عملية تصحيح الجنس في مستشفى خاص وعلى نفقتها الشخصية عام ٢٠١٩، حيث ترى من خلال تجربتها الشخصية، أن خطوات العبور الجنسي في مصر على أرض الواقع تعتبر أكثر تعقيدًا: “على سبيل المثال أثناء خضوعي للعلاج النفسي، رفضت أكثر من طبيبة متابعة حالتي، إلاّ أنني تمكنت من الحصول على تقرير رسمي يؤكد “الانزعاج الجندري” عام ٢٠١٧، ومن ثم حاولت بدء الإجراءات الرسمية للعملية الجراحية ولكن مندوب الأزهر كان يقاطع اجتماعات اللجنة لأخذ قرار الموافقة”.

“ملك” كانت تحلم بأن تلتحق بكلية الحقوق لتكون أوّل محامية ترانس في مصر: ” امتحنت في السجن في ظروف جسدية ونفسية صعبة، واستطاع المحامون إدخال الكتب لي قبل الامتحانات بـ٤ أيام لذلك لم أستطع تحصيل درجات كلية الحقوق، والآن حاولت تقديم أوراقي في كلية إعلام خاص على نفقتي الشخصية، ولكن الكلية قالت لي إنّني تأخرت في موعد التقديم، ولكنّي سأحاول العام القادم”.

تؤكد “ملك” أن هناك أسباب أيضًا دفعتها لاختيار كلية إعلام ” سأطرق كلّ الأبواب التي تمكننّي من مساندة قضيتي بكافة الطرق، ليس فقط العابرين الذين تضطهدهم الدولة سياسيًا، لكن العابرين جنسيًا الذين يعانون أيضًا مجتمعيًا بطرق مختلفة مثل وصمهم والتنمر عليهم واتهامهم بالفجور، ونحن لا نملك إعلام مستقل مهني يدعم قضايانا”. وفكرة الاضطهاد السياسي التي أشارت إليها ملك، تؤكدها منظمة هيومين رايتس ووتش.

وفي النهاية، ورغم صعوبة هذه الرحلة التي فرضت على “ملك” المقاومة والمواجهة دائماً، فهي ترفض أن تترك مصر: “لن أترك مصر، قضيتي هنا وسأدافع عنها بكلِّ الطرق الممكنة مهما كان الثمن”.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد