سوف لن نحتفل بيوم المرأة العالمي
حين كنت في المدرسة، كانت الإدارة تمنحنا نحن والمعلمات، نصف يوم إجازة للاحتفال بيوم المرأة العالمي.
كان البعض يوزعون الورود الحمراء أو الهدايا على الموظفات. أوهمونا أنهم يحتفون ويحتفلون بكوننا نساء.
كبرت منذ ذلك الحين، وأدركت أنه لا شيء يستحق الاحتفال، وكل هذا التكريم مجرد خداع. كبرت وعرفت بعدها أنني أعيش في منطقة لـ”الذكر فيها مثل حظ الأنثيين في الميراث”. لكن أيضاً في الاهتمام والرعاية والاحترام وسوق العمل وفرص الحياة عامة.
وعرفت أيضاً أن الثامن من آذار/مارس ليس سوى تذكير سنوي لنا كنساء بوضعنا الهش. وبأن كل ما حصلنا عليه قابل للاسترداد في أي لحظة، بسبب أو من دون سبب.
كبرت وعرفت أنني أعيش في منطقة تورثنا فيها لعنة أبدية تلاحقنا دائماً كوننا نساء. وتأكل لحمنا قبل أن تبرد جثثنا بحثاً عن آثار رجلٍ بين سيقاننا، نحن المتهمات أبداً بـ”الغواية وإثارة الفتن والشهوات”.
وعرفت أيضاً أنني سأصحو يومياً على خبر قتل واحدة منا وتبرئة قاتلها، أو على خبر تزويج أخرى وهي لا تزال تلعب في الشارع.
شعارات رنانة وحقوق منقوصة في يوم المرأة العالمي
على الرغم من كل هذا، يستمر الاحتفال الرسمي كل سنة بيوم المرأة العالمي. ومثل كل سنة، تلهب أسماعنا الشعارات الرنانة عن تكريم الدين لنا كنساء وعن تمكين الحكومات وقوانينها، وعن المرأة التي هي حتماً “أم وأخت وزوجة” مسؤولٍ ما، قرر أن يتلو علينا إنجازات أمثاله من أجل خدمة نساء وطنه.
ومثل كل سنة، مع نهاية اليوم، يجمع الخطباء لافتاتهم وأوراقهم وإحصائياتهم، في انتظار العام المقبل، أو مؤتمرٍ جديد. ونجمع نحن الورود التي ذبلت وأطقم العصير الزجاجية التي وزعوها علينا كهدايا استعداداً لسنةٍ مقبلة نتفاوض فيها، أو نُقتل، من أجل قَصة شعر أو قِصة حب أو زيارة لصديقة.
ربما كان علينا هذه السنة، ألا نقبل التبريكات وألا نعتبر الحقوق امتيازات، وأن نتوقف عن الاحتفالات ونلقي نظرةً على واقع النساء العربيات قبل أن نتسرع ونعتبر هذا اليوم “يوماً” للمرأة.
واقع النساء الحقيقي، واقعنا وليس واقع المسؤولين الذين يروجون صورةً مثاليةً لمجتمعاتهم وحكوماتهم أمام الرأي العام العالمي والغربي خصوصاً. ربما كان علينا أن نتذكر أن ما لا يقل عن 117 ألف قاصر مصرية يتزوجن وهن دون السن القانوني، وأحياناً ينجبن قسراً ومن دون إثباتٍ رسمي، مع علم الجميع بذلك.
ربما كان علينا أن نتذكر أيضاً آلاف وآلاف النساء المسجونات في دور الرعاية ودور الحماية والمصحات النفسية وجميع المؤسسات التي تتشابه في قمعنا، وإن اختلفت مسمياتها. قبل أن نتذكر الأسماء اللامعة لنساء الطبقات البورجوازية اللواتي يتصدرن المشهد كنماذج للنجاح الذي تحققه المرأة في عهد الملك أو الرئيس الفلاني “نصير المرأة”.
علينا ألا ننسى أسماء شهيدات الغدر الذكوري. وقبل أن نهلل لدخول النساء إلى المجال العسكري لبلدٍ يقصف المدنيين أو قضاء نظامٍ ديكتاتوري. علينا أن نتذكر اللواتي فقدن حياتهن أثناء الحمل أو الولادة أو تبعاتها، بسبب انخفاض ميزانية الرعاية الطبية مثلاً.
وقبل أن نحتفي بكون الجزائر تحوي أكبر عددٍ من خريجات الهندسة في العالم، لا يجب أن نتجاهل أن النساء يشكلن أقل من 15% من إجمالي سوق العمل المدفوع الأجر.
ربما كان علينا أيضاً، أن نستعيد جذور هذا اليوم الذي بدأ بتظاهراتٍ للمطالبة بحقوق النساء كجزءٍ من النضال الاشتراكي العالمي، ونقف في وجه تحوله إلى مناسبة احتفالية رأسمالية بحتة تدفع النساء إلى الاستهلاك أكثر عبر العروض التجارية المختلفة. ومحاولات الشركات متعددة الجنسيات غسل نشاطاتها القذرة واستغلال النساء العاملات من بلدان الجنوب في صناعة الموضة السريعة.
يوم المرأة العالمي .. شهر مطالبة النساء بحقوقهن
يصادف يوم 8 آذار/مارس ذكرى بداية موجة الإضرابات التي كانت شرارة الثورة الروسية، التي بدأتها عاملات سانت بطرسبرغ عام 1917، ثم أصبح بعد ذلك تقليداً سنوياً، وأعلنه لينين يوماً للمرأة عام 1921.
لكن الفكرة الأصلية تعود إلى المناضلة كلارا زيتكن التي طرحتها أثناء عقد المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات عام 1910، لكنها لم تحدد يوماً معيناً. وصاحب ذلك اعتراض الأعضاء الرجال على إدراج مطالب النساء ضمن البيان الرسمي.
وكان من بين تبعات المؤتمر، تظاهرة قامت بها أكثر من مليون امرأة في سائر أرجاء أوروبا للمطالبة بحقوقهن السياسية والإنسانية. فأصبح آذار/مارس شهر مطالبة النساء بحقوقهن منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، سواء للمطالبة بحق التصويت والانخراط في الحياة السياسية، أو للمطالبة بوقف الحروب.
المثير للاهتمام أنه، وأثناء الحرب الباردة، انتشرت أسطورة أميركية حول خروج عاملات النسيج في نيويورك للتظاهر في الثامن من آذار/مارس عام 1857 لاستبعاد أي صلة بين الحراك النسوي وبين اليسار والشيوعية.
لم يكن الثامن من آذار/مارس يوماً عيداً أو احتفالاً، فحتى حقنا في الحياة ما زال مشروطاً بالامتثال لتعاليم الدين وعادات المجتمع وقيود الأسرة. هذا الشهر هو تذكير سنوي بأن جميع الحقوق التي نمتلكها اليوم حصيلة مجهود نساءٍ قاومن وناضلن في السر والعلن وحاربن الأنظمة السياسية والاقتصادية والإمبريالية، وقلن لا!
جميع حقوقنا اليوم دفعت ثمنها نساء وليست مكرمة من أحد. ولن يتوقف النضال إلا عندما تصبح المرأة إنساناً، “لا عورةً و لا عار، لا عاهرة ولا قديسة، لا أم ولا أخت أو زوجة رجل ما”. فقط إنسان بكل أخطائه وخطاياه.
سيتوقف النضال حين نخلق عالما آخر بديلاً، لا ترتعب فيه طفلة من تزويجها أو ختانها، ولا تضطر فيه امرأة للهروب لتحيا كما تريد، ولا تعمل فيه النساء من دون مقابل لأنهن “مضحيات بالفطرة ويفضلن الاعتناء بالآخرين”.
عالم بديل لا تموت فيه النساء بسبب ما يسمى “الشرف” أو الشك أو ظروف العمل غير الآدمية في المصانع والمزارع أو نزيف الولادة.
سيتوقف النضال عندما يولد عالم جديد لا نتساوى فيه مع الرجال داخل منظومة فاسدة نعيد فيها إنتاج أدوات القمع بأيادٍ نسائية، بل هدم هذه المنظومة.
كتابة: إيمان عمارة