عن حقدٍ ذكوري عميق كاد أن ينهي حياة الطبيبة عزة الطشم

“أنتِ عبارة عن رحمٍ استأجرته والآن سأرميه… يديكِ التي تعملين بها سأكسرها”.. هذه العبارات، التي تفوّه بها الطبيب يوسف مسلماني أثناء تعنيفه لزوجته الطبيبة عزة الطشم لمدة ثلاث ساعاتٍ متواصلة، لم تكن هذياناً.

يوسف كسر أصابع عزة، وهشّم رأسها وجسدها بآلاتٍ حادة، وبكل ما أوتي من قوةٍ لساعات في محاولةٍ لقتلها في منزلهما في منطقة الهرمل. لكنه يأبى أن “يرمي الرحم الذي استأجره” إلا بعد تجريدها من حقوقها كافة. وبطبيعة الحال، يمكّنه القضاء والمحكمة الجعفرية في لبنان من ذلك عبر طريقتين، الأولى من خلال التشكيك بصحتها النفسية، والثانية عبر التشكيك بسلوكياتها وأهليتها كأم، وهو ما يحاول المُعنّف افتعاله.

عزة (38 عاماً) هي طبيبة نسائية وأم لأربعة أطفال توأمان، تزوجت من يوسف عام 2016 بعد علاقة دامت نحو سنة، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم، وهي تُعاني من عنفٍ لفظي وجسدي دائم. 6 سنوات عاشتها وهي “تتغاضى عن العنف بحقها من أجل أسرتها”، بحسب ما قالته في مقابلةٍ خاصة مع موقع “شريكة ولكن”. لكن الحادثة الأخيرة جعلتها تخرج عن صمتها وتتنفض ضد هذا الحقد الذكوري العميق لدى زوجها تجاهها.

وروت عزة أنها “كانت مريضة في المنزل حين دخل معنّفها ووجدها تعاني من ارتفاعٍ في الحرارة وتأخذ إبرة لخفضها، فصوّرها واحتفظ بالفيديو، في محاولة للإيحاء لاحقاً بأنها تأخذ جرعة دواء للأعصاب وتعاني من اضطراباتٍ نفسية. ثم تطوّر الأمر بسرعة، وانهال عليها بالضرب بآلاتٍ حادة، حتى أنه وجّه مسدساً إلى رأسها وخيّرها بين قتله لها أو قتلها لنفسها، بهدف تصوير الحادثة على أنها انتحار.

3 ساعات متواصلة من الضرب، انتهت بهرب عزة من بيتها إلى منزل الجيران حافية القدمين والدم يسيل منها. كان ممكناً، إلى حدٍ كبير، أن يُضاف اسمها إلى لائحة ضحايا العنف الأسري، لولا أن حظها أسعفها حين لاذت بالفرار.

أما المعنّف، فبقي متوارياً عن الأنظار مدة يومين قبل أن يسلّم نفسه للأجهزة الأمنية وأنكر كل ما نسب إليه. كما أنه عرض على المحققين الفيديو المصور لزوجته وهي تحقن نفسها “بأدوية الأعصاب” كما ادعى، مُقراً بحصول شجارٍ بينه وبين زوجته، لكنه زعم في روايته الأولى أنها غادرت المنزل من دون أن يضربها، وأنه لا يعرف شيئاً عن سبب إصابتها برضوض. ليختلق روايات أخرى لاحقاً، فتارةً “عزة وقعت عن الدرج”، وتارة أخرى “أهلها عنّفوها”.

“كل الضرب اللي ضربتني ياه بس أنا ما كرهتك”، هذه العبارة التي قالتها عزة في الفيديو، كشفت الحكاية وأظهرت حقها لدى الأجهزة الأمنية، إذ اتضح أنها تعرّضت للعنف على يد يوسف، الذي أوقفته قاضية التحقيق أماني سلامة وجاهياً لدى مفرزة بعلبك القضائية تمهيداً لمحاكمته.

لكن اليوم، وبعد أكثر من شهر على توقيفه تعيش عزة وسط مخاوف كبيرة من إخلاء سبيله بسبب ضغوط تمارس على القضاء والأجهزة الأمنية، وهو بطبيعة الحال أمر شائع في بلادٍ يفلت فيها المعنّف من العقاب، لا بل يُدافع عنه ويُحمى من السلطتين الدينية والقضائية.

أما عن شرط الرجل، فهو “إسقاط الحق مقابل حضانة الأطفال”، إذ أن عزة تقدمت بدعوى قضائية ضد يوسف بتهمة “الشروع بالقتل”، علماً أنها لم ترَ أطفالها ولم تتواصل معهم منذ الحادثة، بعد أن أُخذوا منها إلى منزل أهل الزوج.

تبدو عزة صلبةً ومتماسكة إلى أبعد حد، لكنها تضعف حين يمس الحديث أولادها ومستقبلهم المجهول، خصوصاً إذا بقيوا تحت رحمة شخصٍ اتضح أنه يملك سلوكاً إجرامياً.

تتذكر المرات التي رأوها فيها تُضرب والمرات التي بررت فيها عنف زوجها كي لا يخافوا. تتذكر أيضاً كيف ضُربت في آخر حملٍ لها فأُجبرت على ترك المنزل لأشهر. وعندما عادت سألها ابنها عن “كيفية عودتها بعد أن ماتت”! قتلها يوسف في خياله أكثر من مرة، وامتلك ما يكفي من القوة ليقول لأطفاله إن “والدتهم توفيت”.

“قدمت له كل ما يمكن لسيدة أن تقدمه، ولم أطلب منه إلا الأمان.. لكنني لم أجده يوماً”، قالت عزة وهي تروي مرارة السنوات الـ6 التي عاشتها مع معنّفها في بيتٍ واحد. تتحدّث عن “الحقد الدفين في يوسف، وعن الغيرة المهنية التي تملّكته بعد أن رأى تتالي نجاحاتها. وتتذكر جيداً حين هرع مرةً وسلب منها مفتاح سيارتها حين عَلم بأنها على عجلةٍ من أمرها وأن مريضتها ستضع مولودها في أي لحظة، رغبةً منه بتوقيفها. حاول يوسف مراراً أن يدمرها مهنياً، خصوصاً أنها طبيبة ناجحة ومعروفة في منطقتها، حتى أنه كان يطلب منها التوقف عن العمل كي يتغلب على شعوره بالدونية تجاهها، لكنها رفضت. “لم أرضَ لأن الطب هو رسالتي في الحياة”، أضافت.

تتابع الطبيبة الناجحة اليوم عملها، لكن بصعوبة، وأوضحت: “لست قادرة على إجراء أي عملية بسبب الكسور في أصابعي، لكنني أُتابع حالات المرضى، وهناك من يساعدني في كتابة التقارير التي بتّ عاجزة عنها أيضاً”. فبحسب تقرير الطبيب الشرعي، تعرّضت “للضرب المبرح مع كدمات ظاهرة في فروة الرأس وفي سائر أنحاء الجسم، وتورم في الصدر والبطن والقدمين، وخلوع في أصابع اليد نتيجة الضرب بآلاتٍ صلبة”. وأكدت عزة أنها تستعد لإجراء عمليةٍ جراحيةٍ لحل مشكلة الكسور. أما نفسياً، فهي تمر بظروفٍ قاسية بعيداً عن أطفالها. وقالت: “أراه في كل الأماكن، وأتخيّل ردة فعلي إذا ضربني مجدداً، أنا وصلت للموت ومش رح إقبل إرجع”.

فائض القوة الذي يتمتع به يوسف ليس غريباً، فلطالما هدد زوجته بالشرع وابتزّها بالمحكمة الجعفرية وقراراتها. هو يُدرك تماماً أنها ستُسلَب حقوقها إذا شكّك في صحتها العقلية أو “أخلاقها”، وهو ما يفعله منذ سنوات.

وروت عزة كيف تركت المنزل بعد أن ضربها على بطنها في حملها الثاني، وحين عادت قال إنه يريد إجراء فحوصات DNA ليتأكد من نسب الأطفال. تتحدث كذلك عن التشهير بها وعن ادعاءه بأنه سيلاحقها و”سيُصوّر علاقاتها بكل الأطباء”.

تتذكر أيضاً امتعاضه عندما كانت تطلب منه التوقف عن تدخين السجائر إلى جانبها وهي في بداية حملها، علماً أنه طبيب ويُفترض أنه يعرف مخاطر ذلك.

عزة ليست الناجية الأولى ولن تكون الأخيرة التي تُعنّف بدمٍ بارد، ويوسف الذي ضربها في محاولةٍ لقتلها، هو وجهٌ آخر لذاك الرجل الذي هشّم رأس ابنته أحلام وجلس بجوار جثتها يشرب الشاي في أحد شوارع الأردن. وهو أيضاً ذاك الذي فقأ عيني زوجته أمام أطفالها الثلاثة بمنتهى الهدوء والأريحية، والذي قتل سيدة وجاهر بذلك في فلسطين، والذي أنهى حياة زوجته وجلس يشاهد التلفزيون في لبنان.. هو سيناريو واحد ووجوه كثيرة لذكورية مقيتة واحدة، تقتل النساء ولا يحاسبها أحد.

كتابة: ميريام سويدان

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد