منتظر الزيدي.. المعنّف المخلوع

ليست المرة الأولى التي تخرج فيها الصحافية اللبنانية مريم ياغي عن صمتها في قضية تعنيف طليقها لها وحرمانها الكيدي والنرجسي من ابنتها. ومن الواضح أن مريم تجنبت عن قصد، في أكثر من مناسبة ذكر اسم طليقها، لأسبابٍ هي وحدها تملكها. لكن ربما يكون من ضمنها تجنبها، كما كثير من النساء الأخريات اللواتي تعرضن للعنف على أيدي رجالٍ يسقط عليهم المجتمع هالةً من “العظمة”، تعريض نفسها لحملاتٍ من “التشويه والاتهام بالسعي وراء الشهرة والظهور على حساب معنفها”.

وإن كانت مريم وغيرها اخترن عدم ذكر الاسم، إلا أنه بات من الواجب فضح كل معنّفٍ يتلطى خلف مجتمعٍ أبوي مهووس بتكذيب النساء ووصمهن وإسكاتهن. المعنّف الذي ذاقت مريم ياغي، ولا تزال، مرّ العلقم على يديه يدعى منتظر الزيدي. ولمن نسيه بعد أن أفل نجمه، فهو صحافي عراقي فتح له حذاءه الذي رمى به الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في مؤتمر صحفي في بغداد عام 2008، باب الشهرة العربية والعالمية.

لا أعرف عن الزيدي سوى صفحة فيسبوك تنضح بالميسوجينية واحتقار النساء وحذاء ارتقى به إلى مصافي “الأيقونات القومية” في مجتمعٍ عربي أبوي رومانسي، تدغدغ مشاعره وتأسره أفعال البطولة شرط أن يكون صانعها “رجل”، في الوقت الذي لا يرفّ له جفن واحد لمشاهد وممارسات تعنيف واغتصاب ووأد النساء يومياً باسم “الشرف” العربي الرفيع، فما بالكَ/كِ إذا كان المعنّف واحد من هؤلاء “الأبطال”؟

لكنني في المقابل، أعرف عن عنفه الذكوري سطوراً وسطوراً، وصرخات وجع لا تنتهي لامرأة مارس أبشع أنواع العنف والنرجسية بحقها، وطفلة ترغم على النوم ليلاً بعيداً عن حضن أمها وتتجرّع سموم الانتقام الأبوي من دون أدنى اعتبار لسنّها وطفولتها.

تزوجت ياغي من الزيدي عام 2012 ونالت حريّتها من “المعنف المخلوع”، كما وصفته في أحد منشوراتها عام 2015. كما صرّحت للمرة الأولى عن تعرّضها للعنف عام 2016 بعد أن انتهك خصوصية قضيتهما الشخصية وأطلق سهام حربه الباردة على طليقته. نشرت ياغي آنذاك صوراً لوجهها الذي بدت عليه علامات التعنيف وكشفت عن رفعها لقضية عنف ضدّه، وكأي “فحل” عربي تمسّ رجولته امرأة تجرّأت على رفع صوتها والمواجهة، أطلق الزيدي العنان لانتقامه الذكوري منها الذي لم تنتهِ فصوله حتى اللحظة الراهنة.

أما التفاعل مع هذه القضية، فجاء كالعادة على شكل سبقٍ صحفي للاهثين وراء الفضائح علّها تمنحهم جرعة زائدة من النشوة بالمتابعات، وتبرير في الكثير من الحالات لرجل “الحذاء” في وجه امرأة، ادعى أنها “تهوى تسلّق سلم الشهرة على حسابه، وعورة يفترض بها الصمت لتجنّب الفضيحة”.

كل ذلك في الوقت الذي بقي فيه الزيدي “الأيقونة” التي تعتلي المنابر العربية والعالمية وتنظّر عن الحريات والحقوق والثورة، من دون أدنى مسائلة أو محاسبة أو مراعاة للفضيحة الأخلاقية والإنسانية التي تحيط به. لكن بالطبع لا غرابة في ذلك، فقد بات من السائد والطبيعي عدم إيلاء أدنى أهمية لصرخات النساء، كيف لا ونحن نعيش في عالم يشكّل فيه العنف السبب الأول لموت وعجز النساء؟

ملهمةٌ بسالة مريم ياغي في المواجهة ورفع الصوت من دون كلل أو خوف أو خجل، ويا ليتها تصبح معديةً لكل امرأةٍ تعاني وتُهمّش في الظل. فمريم لم تتوقف عن مواجهة هذا الصمت الفاضح حيال الظلم اللاحق بها والابتزاز والانتقام بحقّها بأبشع الطرق، عبر تحويل صفحاتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى منابر للتوعية ولدعم ومناصرة قضايا النساء في وجه ذكورية القوانين والمجتمعات المنحازة للرجال، والمشجّعة لإفلاتهم من العقاب. فليمعن هذا المجتمع بالظلم كما يشاء، فمريم لا تأبه به طالما تملك صوتاً يوثّق قصتها، علّ هذا الصوت يصل إلى ابنتها التي سلخت من حضنها منذ نحو 3 سنوات وحرمت من رؤية أمها، التي تعاقب وفقاً لمزاجية طليقها بحرمانها من التواصل معها منذ عام 2019.

من يتابع وسم #بدي_بنتي يدخل عالم مريم الأم التي ذاقت ويل القهر فقط لأنها رفضت الخضوع! تكشف ياغي عبر هذا الوسم كيف تتعرّض ابنتها أميديا (7 سنوات)، التي خطفها الزيدي من حضن أمها وهرب بها إلى العراق، من قبل “والدها النرجسي لاعتداء الاغتراب الوالدي”، بدءاً من تأجيج الشك لديها حول سعي أمها الحثيث لاحتضانها ورعايتها والاهتمام بها، مروراً  بدغدغة مشاعر الانتقام والكره لديها ضد والدتها، واستغلالها في العلن لتلفيق أخبار وتهم بحق الأم، لا تنطلي على عقل طفل.

وأشارت ياغي إلى أنها لم تستخدم يوماً تعنيف والد ابنتها لها لتحريضها عليه، بل قالت: “سعيت دوماً لجعلها تنسى 3 حوادث عنف أسري مبرحة تعرضت لها في وجودها، مرتين من قبل الوالد مباشرة، ومرة من قبل أخي بتحريض من الزيدي نفسه، بهدف إخضاعي أو كما يقول تكسير رأسي”.

وأضافت: “في إحدى المرّات، وهي كانت حادثة التعنيف المبرحة الأخيرة التي تعرضت لها من قبل والدها وبوجودها وكانت لم تبلغ الـ3 سنوات من عمرها بعد، حينها جاءت لتخبرني بعد أشهرٍ على انقضائها بأنني أنا من ضربتُ والدها وأوجعته، فاحتضنتها وأخبرتها أنني لم أفعل، لترد بكل براءة: أنت سامحيه وأنا بقله يسامحك. حزنتُ يومها، فقالت لي: لا تحزني أنا أحبك”. وأكدت أنها “في ذلك اليوم بدأت تلتمس مدى قدرة هذا الأب على تحريف الحقائق والتلاعب حتى لو وصل به الأمر إلى إلحاق  الضرر بنفسية ابنتي، فقط بهدف إلحاق الأذى بي والانتقام مني، خصوصاً أنني فضحتُ تعنيفه لي حينها”.

وناشدت ياغي الزيدي في أكثر من مناسبة للتوقف عن زج ابنتها في مؤامراته. وقالت: “أميديا أطرى وأنعم من أن تفهم ما الذي يعنيه الكيد والانتقام، حرام أن تسلبوها طفولتها، حرام أن تنتقموا مني بحرمانها من براءتها، حرام عليكم أن تحولوها إلى وسيلةٍ لتبرئة أنفسكم.. شو بدكم ببنت ما بتفهم شو يعني شر لتعلموها التملق وتزرعوا الكره والحقد في قلبها. ابنتي لازم تكون عم تاكل من إيدين أمها هلأ، لازم تكون نايمة بقلب إمها وناطرة تقرأ لها قصة، أميديا لازم تبقى اليوم طفلة”.

ولأن أي حملة ضد العنف تخلو من فضح المعنفين لا يعوّل عليها على حد تعبير مريم، عادت وأطلقت في الأيام الماضية وسم #أنا_كمان_تعنّفت في مناسبة حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء، مؤكّدة أنها تعرضت للعنف حين حرمت من ابنتها “مثل أمهات كثيرات يتعرضن للعنف أو يعاقبن على خيار الطلاق وعلى خروجهن من بيت طاعة الذكر المعنف”. ياغي التي وصفت ابنتها بالرهينة، مشدّدة على أن “وجع ابنتي عم يوجعني، حاجة ابنتي عم توجعني، حرمان ابنتي من حقوقها عم يوجعني”، اعتبرت أنه إذا كنتِ “امرأة قوية وحرة فأنتِ تشكلين خطراً، أنت تقومين بتعرية هذه الشخصيات وسيتم إسكاتك بأي طريقة”، وحذرت النساء من أن “العنف يبدأ بكفّ ويمكن أن ينتهي بكفن”.

في المحصّلة، سطور هذا المقال لا يمكن أن تتسع لوجع سنوات، وقهر ليالٍ طويلة، وخوف وحرمان مريم كما غيرها الكثير من النساء من حقهن الأبسط بالحياة بحرية بعيداً عن العنف والقمع والإسكات والتنكيل. لكنها، وهذا أقل الإيمان، واجب لفضح كل ذكوري، معنف وسامّ، وعربون تضامن غير منقطع ولا متناهي مع مريم التي وعدت بأنه “فشرتوا إسكت”، وتبريداً للنار “يلي بقلبي وبقلب كل إم”، التي وضعتها مريم “برقبة كل من صفّق، برّر، أو حتى سكت، وساوى بين الظالم والمظلوم”.

فإذا كان “الحذاء” جعل من منتظر الزيدي “خطاً أحمر” يمنع فضحه وتعريته، فإن شجاعة مريم ياغي والظلم النرجسي القاتل الذي يحاصرها وابنتها، ومهما أمعنت قوانين وقيم السلطة الأبوية بتبريره وحمايته، سيكونان الحقيقة التي ستطيح بأسطورة الحذاء وترمي بالزيدي في مزبلة التاريخ.

 

كتابة: حياة مرشاد

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد