كيف يعرّض الانهيار الاقتصادي صحة النساء الإنجابية للخطر؟
يحتكر الانهيار الاقتصادي في لبنان أجساد النساء، بينما همّشت الأزمة منذ بدايتها حاجاتهن الأساسية.
بدأ الأمر بعدم دعم السلع الخاصة بهنّ كالفوط الصحية وكل ما يتعلق بمستلزمات النظافة الشخصية الخاصة بهن، وعانت نساء كثيرات من فقر الدورة الشهرية.
ضربت هذه الأزمة النساء في أرحامهن، فأصبحن عاجزات عن المتابعة الدورية لدى أطباء النساء والتوليد، وإجراء الفحوصات الدورية اللازمة.
يضاف إليها أزمة انقطاع الأدوية وارتفاع أسعارها بشكلٍ جنوني. فتحولت زيارتهن الشهرية للأطباء للتأكد من صحة الجنين، إلى زيارة كل 3 أشهر بالحدّ الأدنى.
ووصلت كلفة صورة الإيكو الشهرية إلى نحو 400 ألف ليرة، وأسعار أدوية تثبيت الحمل ومنع التشوهات لا تقل عن 500 ألف للدواء الواحد.
إضافة إلى الفيتامينات وغيرها من المكملات الغذائية الضرورية لصحة الحوامل. مع العلم أن هذه الأسعار غير ثابتة وفي ارتفاعٍ مستمر.
وفي عام 2021 خسرت سيدة جنينها، بعد أن عجزت عن تأمين مُثبتات الحمل، والحقن التي تمنع تخثّر الدم.
وتَستكمل الأزمة تأثيرها الخطير على الحوامل بارتفاع الكلفة المادية لعمليات الولادة، سواء الطبيعية أو القصيرية.
هذه التكاليف، دفعت بكثير من الحوامل إلى اتخاذ قرار الإجهاض واللجوء إلى عيادات غير شرعية، للتخلّي عن الجنين.
الانهيار الاقتصادي يحول العقم إلى طوعي!
تسبّبت الأزمة أيضاً بتراجع عدد الولادات في لبنان بنسبة 15.5%، من 86.584% عام 2019 إلى 74.049% عام 2020، وفق أرقام المديريّة العامة للأحوال الشخصيّة.
وفي حديث خاص لـ”شريكة ولكن” لفتت طبيبة نسائية لبنانية، فضّلت عدم ذكر اسمها، أن “النساء يقصدن العيادات فقط من أجل تركيب اللولب لتجنب الحمل. وتبلغ كلفته نحو 70 دولاراً أميركياً، ويدوم 5 سنوات”.
وأوضحت الطبيبة أن “الإقبال الكبير على اللولب يعود لفقدان حبوب منع الحمل لأكثر من 6 أشهر من السوق وارتفاع أسعارها بعد رفع الدعم. فوصل سعر الواقي الذكري إلى 500 ألف ليرة، وحبوب منع الحمل إلى 250 ألفاً وهي في تزايدٍ مستمر”.
وأشارت إلى أن “هؤلاء النساء يُمارسن عقماً طوعياً بسبب خوفهن من الإنجاب في هذه الظروف الاقتصادية”.
معاناة النساء تفوق قدرتهن
لا تقتصر ارتدادات الأزمة على الحوامل فقط. فـ”م.ح”، التي تعمل في السلك العسكري، وتتمتع بتغطية الضمان الصحي، بدأت مؤخراً بالبحث عن طبيبة نسائية، تكون كلفة فحصيتها الطبية مناسبة لقدرتها المادية، خصوصاً أنها تعاني من مشكلة في الهورمونات.
فالمُعاينة الطبية مع كلفة الفحوصات الضرورية والدواء، ستفوق راتبها الشهري في قوى الأمن الداخلي.
ولم تنجح حتى الساعة في إيجاد هذه الطبيبة، لذلك تعيش حالة خوفٍ وقلق لتأخرها في تلقي العلاج بسبب توقف الضمان الاجتماعي لقوى الأمن الداخلي عن تغطية الفروقات الطبية، التي باتت معظمها تُدفع بالدولار الأميركي، في حين لا يتعدى راتبها الشهري المليون ونصف ليرة لبنانية.
أما الأزمة الكبرى فهي لدى النساء اللواتي يواجهن مشاكل في القدرة على الإنجاب، ويلزمهن علاجاً صحياً مُكلفاً جداً. بالإضافة إلى أسعار عمليات التلقيح التي تُدفع بالدولار الأميركي.
كما لا يمكن تجاهل الأثر النفسي الناتج عن هذه المعاناة، التي تحمل النساء تداعياتها الجسدية والنفسية، واستحالة حصولهن على الدعم النفسي اللازم للصمود والمواجهة مع ارتفاع كلفة المعاينات النفسية.
إذ تتكبد الصحافية “ف.ش”، التي شاركتنا تجربتها الشخصية في هذا المجال من دون ذكر اسمها، في الشهر الواحد نحو 15 مليون ليرة لبنانية، لحالة صحية تصفها بأنها غير مستعصية.
فهي تعاني من مشكلة تكيّس على المبيض، وهي حالة شائعة بين النساء، لا سيما في الشرق الأوسط وعلاجها معروف. كما حُرمت من قرارها في الإنجاب، بسبب عدم توفر الحقن.
وقالت في حديثها لـ”شريكة ولكن”: “فُرض عليّ عدم الإنجاب، وحين توفرت الأدوية، وبات لدي القدرة على تلقي العلاج، بدأت حالة الجنون في ما يخص فحصية الطبيبة التي أتابع عندها والتي تبلغ 400 ألف، ويجب علي زيارتها 3 مرات شهرياً. والحقن المطلوبة للعلاج ترواح كلفتهم بين 7 و9 مليون ليرة”.
وأضافت أن “الدواء الشهري لتنظيم الدورة الشهرية الذي لا يمكنني الاستغناء عنه، ارتفع سعره من 5 آلاف ليرة لبنانية إلى 160 ألف ليرة، وقُطع من الأسواق لفترةٍ طويلة”.
كما أوضحت أن “صندوق الضمان الاجتماعي لا يغطي أي من هذه التكاليف. إذ يعتبر أن كل ما يتعلق بمحاولات الإنجاب لا يدخل في خانة القضايا المستعصية أو المُستعجلة وبالإمكان تركه للطبيعة. فهل يُعقل أن يتحكم الضمان برغبة بعض النساء بالإنجاب؟”.
ولم تُغفل “ف.ش”، الحديث عن معاناتها أيضاً في الحصول على الرعاية الصحيّة النفسية مع ارتفاع تكاليف العلاج النفسي في لبنان.
أما الشابة “نجوى.س”، وهي في العشرينات من عمرها، وتعمل في أحد المحلات التجارية، فتعاني من مشكلة نسائية تستدعي المتابعة الشهرية لدى الطبيبة، وشراء دواء بشكلٍ شهري.
فقررت تقليل زيارتها للطبيبة، واستبدلت الزيارة الشهرية إلى زيارة كل شهرين، خصوصاً أنها في كل مرة يجب أن تجري صورة إيكو.
وقالت في حديثها لمنصتنا إن “العلاج يلزمه أكثر من راتبٍ شهري، في حين لا يزال الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة. وما يحصل هو مصيبة فعلياً”.
لا متابعة للوقاية من الأمراض
من جهتها، أشارت الدكتورة النسائية ليلى نور الدين التي تعمل في منطقة جنوب لبنان، إلى أن “المرضى على صعيد المناطق الريفية لا يزالون/يزلن يتمكنن/ون من زيارة الطبيب كون المعاينات أقل كلفة من المدن والعاصمة بيروت. لكن الأزمة هي باستحالة تأمين المرضى والنساء تحديداً الأدوية اللازمة للعلاج سواء بسبب انقطاعها أو غلاء أسعارها”.
وأضافت أن “الفاتورة في المستشفيات تضخمت بشكلٍ كبير، وتقلصت بشكلٍ كبير التقديمات الصحية”.
كما أكدت أن “النساء الراغبات في الإنجاب يواجهن حرماناً من الأمومة، بسبب ارتفاع كلفة عمليات التلقيح التي تبدأ أسعارها من 1500 دولار أميركي وترتفع حسب وضع الحالة، ووفقاً لفاتورة المستشفيات”.
لا تخفي نور الدين، حدوث تراجعٍ في المتابعة الدورية التي يجب أن تقوم بها النساء بشكلٍ عام، أي تلك المتعلقة بالفحوصات الدورية والصورة الشعاعية اللازمة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، وسرطان عنق الرحم.
الحملات الإعلانية والتوعوية التي تقوم بها وزارة الصحة ومراكز الرعاية الصحية الشاملة في شهر تشرين الأول/أكتوبر سنوياً، لم تلحظ حتى الساعة تفاوت الأسعار بين مكانٍ وآخر.
فأسعار هذه الفحوصات وصور الكشف المبكر عن السرطانات، تختلف بين مختبر وآخر ومستشفى وآخر. كصورة الـ Mammographyو الـUltrasound اللتان تبلغان 600 ألف ليرة لبنانية، وصورة الرنين المغنطسي MRI مليونان و600 ألف ليرة لبنانية.
في حين أن العديد من المختبرات باتت تتقاضى جزءاً من الأسعار بالدولار الأميركي، من دون الغوص في الفحوصات المتعلقة بالهورمونات والغدد والفيتامينات، التي تدخل أيضاً في خانة المتابعة الدورية.
بالطبع، كل مُعاناة النساء والخطر على حياتهن لا آذان صاغية لها. فهن أيضاً يبذلن جهداً مضاعفاً عن الرجال لأخذ أوجاعهن على محمل الجد في أقسام الطوارىء ولدى الأطباء الذين يتسلّحون بالمقولة الذكورية التي باتت مُستَهلكة وهي “عم تتدلعي”. وهناك دراسات علمية توثّق هذا التمييز الجندري في أوجاع النساء في أقسام الطوارىء.