“تمنينا خسارة المنتخب” .. كيف علّمنا الشارع المصري أن نكره الفوز؟

في افتتاحية الفيلم المصري 678 (إنتاج عام 2010)، الذي تناول قضية التحرّش الجنسي في مصر، والمستوحى من قصص حقيقية، تتعرض الشابة صبا، التي تنتمي إلى طبقةٍ اجتماعيةٍ ميسورة، وتقوم بدورها الفنانة نيللي كريم، إلى واقعة تحرّش جماعي على أيادي جماهير المنتخب المصري، الذين يخرجون للاحتفال بفوز المنتخب في إحدى المباريات الهامة.

“من قبل ما يخسر كنت بتمنى خسارتهم”، تقول الصحافية المصرية نورهان حامد، التي أعربت في حديثها لـ”شريكة ولكن” عن ارتياحها لعدم فوز المنتخب المصري في مباراة التأهل لنهائيات كأس العالم 2022.

المباراة جرت في نهاية شهر آذار/مارس الماضي، وتابعها قطاع كبير من الشعب المصري، وخسر فيها المنتخب أمام نظيره السنغالي.

وعلى الرغم من أن هناك قطاعاً كبيراً من المصريين/ات تألّم لخسارة المنتخب، وهو ما يمكن متابعته على المحطات الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، لكن هذه الخسارة التي قد تبدو وكأنها جرح في قلب المصريات/ين، لم تكن كذلك بالنسبة إلى البعض، وهو ما لم تعرضه القنوات الفضائية ومواقع الأخبار.

تمنت نورهان خسارة المنتخب المصري منذ بداية المباراة، لأن الفوز -في رأيها- يعني “الازدحام والضجيج في الشوارع، الذي يقابله في الوقت نفسه ارتفاعاً في نسب العنف والتحرش الجنسي“.

وقالت إن “أسلوبهم في الاحتفال يكون عبارةً عن تحرّش ومضايقة وصوت عالي وشتائم ذكورية مقرفة، يضاف إليها صريخ الناس في الشارع، مع كل هدفٍ يُسجّل ضد الفريق المصري”.

تتابع نورهان عادةً أخبار مباريات كرة القدم من خلال السوشيال ميديا، وهو ما قامت به خلال مباراة مصر والسنغال الأخيرة.

وفي كل المباريات الهامة للمنتخب، تتمنى الخسارة أيضاً لأسباب أخرى، أبرزها التعليقات المسيئة التي تصاحب عادةً هذه المباريات.

فقالت: “كل مباراة مهمة أقول يا رب يخسروا، رغم أن التعليقات الذكورية المقرفة تستمر، منها مثلاً تشبيه مباراة كرة القدم بليلة الدخلة!”.

وتتذكر موقفاً سابقاً لأستاذٍ جامعي كانت تتابعه على السوشيال ميديا، نشر تعليقاً ذكورياً مسيئاً على صفحته أثناء إحدى المباريات، ما أثار غضبها حتى علقت على كلامه وكتبت: “إيه القرف ده؟”، فما كان منه إلا أن رد عليها بأن هذه هي طبيعة كرة القدم في العالم كله! “فبَهت الذي كَفر يعني”، قالت ساخرة.

يا رب نخسر

أما هالة هشام (31 عاماً)، فهي نادراً ما تتابع مباريات كرة القدم، لكنها تتابع أحداث المباريات الكبرى، كي تعرف إن كان بإمكانها الخروج إلى الشارع أو لا.

“قبل المباراة كنت في الشارع متّجهةً إلى عملي مروراً بوسط البلد. وطوال الطريق كنت أفكر فقط بأمرٍ واحد هو خسارة المنتخب، لأتمكن من العودة إلى المنزل بعد انتهائي من عملي”، قالت في حديثها لـ”شريكة ولكن”.

وعلّلت ذلك بغياب المواصلات العامة و اضطرارها إلى المشي في الشارع والتعرض للمضايقات والتحرش الذي تتضاعف وتيرته، بحسب ما أشارت، حتى قبل أن تبدأ المباراة.

وأضافت: “حين خسرنا شعر الجميع بالحزن، لكن من جهتي كنت أفكر أنه أمر جيد، لأنني سأتمكن من العودة إلى المنزل وسأجد وسيلة مواصلات بسهولة”.

وأوضحت أن “هذه المشاعر تتكرر دائماً معها في أوقات المباريات الكبرى، مثل: مباريات الأهلي والزمالك ومباريات المنتخب المصري”.

في حال فوز المنتخب، تتجنب هالة الخروج أو الحركة في الشوارع، إلا بعد مرور ساعات طويلة على انتهاء المباراة، الذي قد يكون غير كافٍ في بعض الأحيان.

واعتبرت أن “كرة القدم قد تكون أحد أسباب العنف ضد النساء في أحيانٍ كثيرة، لأسباب عمري ما فهمتها، يتحوّل الناس إلى أشخاص عنيفين، ويتصرفون بطرق غير متوقعة خصوصاً تجاه النساء والفتيات، وهذا ما أعرفه بالنسبة إلى مصر”.

لكن في الوقت نفسه، تتشارك مع هالة بعض النساء حول العالم المشاعر نفسها: الخوف والقلق المرتبطان بمباريات كرة القدم.

إذ شاركت بعض النساء تجاربهن مع العنف والتحرّش الجنسي خلال مباريات كرة القدم في إنكلترا، في مقال منشور على موقع جو (JOE) الإنكليزي.

كما أعلن المركز القومي للعنف الأسري في بريطانيا National Center For Domestic Violence/ NCDV أن “نسبة العنف ضد النساء ترتفع بنسبة 26% حين يلعب المنتخب الإنكليزي أي مباراة، وقد تصل إلى 38% في حال خسارة المنتخب”.

فوبيا المباريات

مشاعر الخوف والهلع ترافق أيضاً الباحثة في الشؤون السياسية الأفريقية رشا حجازي، وتسيطر عليها في حال الخروج إلى الشارع في أوقات الذروة والازدحام المرتبط بـ”انتصارات الكرة المزعومة”، كما أسمتها.

لذلك، فإن فوز المنتخب هو أحد الأسباب التي قد تصيبها بالفزع، لمعرفتها المسبقة بما سيحدث في الشارع تبعاً لذلك.

وقالت لـ”شريكة ولكن”: “أصاب بفوبيا. وأشعر أنني في خطر و أخاف جداً أن يمرض والدي أو أحد أولادي وبالتالي أشعر بالارتياح في حال خسروا”.

على العكس، كانت خسارة المنتخب المصري في هذه المباراة – التي تابَعتها من خلال الإنترنت- فرصةً لها لتخرج لشراء احتياجات بيتها استعداداً لشهر رمضان، نظراً لعلمها بأن الشوارع باتت هادئة بعد انتهاء المباراة.

العفريت في القمقم

بعد فشل المنتخب المصري في الصعود إلى كأس العالم، شعرت رشا ببعض الارتياح والطمأنينة. فهذه الخسارة “تعني أنه مفيش سيرك متوحش وعطلة هتتنصب في الشارع علشان الناس فرحانة، بقول الحمدلله العفريت في القمقم”، وفق تعبيرها.

وأشارت إلى أن هذا “العفريت” يتمثل في “اللهو و الهرجلة و العربيات التي تقف في منتصف الشارع والتحرش بالنساء”، الذي سيتم توفيره حين يخسر المنتخب.

بشكلٍ عام، لا تعتبر رشا نفسها من الجماهير المتابعة لكرة القدم ولا تكترث لمبارياتها، “في الأصل لا أفهم ماهية وكينونة نوع الانتماء إلى مجموعة تلعب كرة القدم! لا يوجد إيديولوجية ولا أي سبب، حتى كفاءة اللعبة تعتمد على جودة الفريق من صحة و خبرة و تناغم و هارموني”.

وهو ما وصفته كذلك الصحافية نورهان حامد، بارتباط الوطنية بالفوز في المباريات، مؤكدةً أنها “تكره هذا الإحساس عموماً وتشعر بأن كرة القدم بشكلٍ عام هي لعبة مقرفة كلها تيستوستيرون وتعليقات عنصرية وذكورية، بغض النظر عن وجود ذلك من عدمه في أصل اللعبة، لكن المهم أن هذا ما يحدث”.

وبالتالي، تتجنب أيضاً نهائياً الخروج إلى الشوارع في أوقات المباريات بطبيعة الحال، “إلى أن تهدأ نوبة السعار والتيستوستيرون الخاصة بهم”، بحسب ما قالت.

مشاعر مختلطة

على الرغم من ذلك، وإن كانت رشا ليست من المتابعات/ين لكرة القدم، لكنها تراها في الوقت نفسه “متنفساً راقياً وشرعياً للرغبات التنافسية عند البشر، التي قد يحن لها الإنسان من وقتٍ إلى آخر”.

وأوضحت أنها “كانت لديها مشاعر مختلطة بعد المباراة، لأنه في الوقت الذي شعرت فيه بالسعادة والراحة لفشل المنتخب، انتابها أيضاً القليل من الشعور بالإحباط المتوقع بعد الخسارة”.

وتعلّق المتخصصة في قضايا النساء والجندر ديانا مجدي، على هذا الارتباك في المشاعر بأنه “أمر مفهوم، لأنها ترى في تشجيع كرة القدم مساحة تجمع الناس على حدث واحد وتتشارك المشاعر فيه”.

وأضافت: “هو حدث يمكن أن يحضره الناس في الاستاد أو قد يخططون للذهاب معاً كمجموعة لتشجيع منتخبهم وتشارك الفرح بشكلٍ جمعي من دون كلفةٍ مالية، ويرغبون بالترفيه عن أنفسهم والشعور بالفوز والفرح وسط ضغوطات الحياة”.

لذلك، تشعر دينا بالحزن وتقدّره في بعض الأحيان عند خسارة المنتخب، “حين نخسر حزن الناس يؤلمني وبزعل لزعلهن/م”.

لكن على صعيدٍ آخر، يغمرها أيضاً نوع من الطمأنينة بأن الشوارع ستكون على الأقل خالية من أي شكلٍ من أشكال التجمعات “المخيفة لأي سيدة أو فتاة“، بحسب وصفها.

قد تمثل كرة القدم، أهمية كبيرة وجاذبة تجمع العديد من الأشخاص حول العالم، لجهة متابعة المباريات وانتظارها والتخطيط لمشاهدتها والاحتفال بها.

بل إن بعض الأشخاص يملكن/ون طقوساً معينة مرتبطة بكرة القدم ومبارياتها. لكن من ناحيةٍ أخرى، تضطر العديد من النساء كذلك لمتابعتها ليس من منطلق الاهتمام والشغف بالساحرة المستديرة، بل لأن مجرد خوض مباراة في توقيت معين، يعني أن هناك عدداً من القرارات والإجراءات ينبغي اتباعها كي يمر الأمر بسلام قدر الإمكان.

في حالة ديانا، قالت إنها “تتابع كرة القدم من حينٍ إلى آخر، لكن في أوقات المباريات الكبرى”. فهي تشعر أن عليها متابعتها، حتى تتمكن فقط من التخطيط ليومها من البداية.

كذلك لم تعد ترغب في الخروج لمشاهدة المباريات في الأماكن العامة، مثل المقاهي أو المطاعم، بل تفضل مشاهدتها في “مساحات آمنة” مثل: بيوت الأهل أو الأصدقاء.

لكن حتى الوجود في هذه المساحات قد لا يكون الاختيار الأنسب في بعض الأحيان. إذ أكدت أنه “في حالة الفوز، بغض النظر عن الزحمة، تخيفني أشكال الاحتفالات وكيفية تحوّل هذه التجمعات إلى مساحات محتملة لأي حوادث تحرّش جنسي وممارسة أي نوع من أنواع العنف المجتمعي”.

كما أضافت أن “أحداث العنف المحتملة تنتقص من إحساسها بالفرح بالفوز في المباراة، ما يترتب عليه الشعور بالانفصال عن الحدث والتحوّل إلى القلق والتوتر”.

فبات اختيار متابعة المباريات في المساحات التي وصفتها بالـ”آمنة”، ليس مفضلاً كثيراً بالنسبة إليها، خصوصاً في أوقات المباريات الكبرى، لعدم ضمان نتيجة المباراة والعواقب المترتبة على النتيجة”.

كتابة: إسرا صالح

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد