عن اللذة الجنسية .. قطعة الليغو الضائعة

“من أين أبدأ؟”. هذه أول جملة سمعناها حين سألنا مريم عن موضوعٍ “حسّاس”، لا يزال قابعاً في خانة الأحاديث المحرّمة، وهو اللذة الجنسية في حياة النساء.

ثم أخبرتنا عن وجود تاريخ حافل زُجت فيه هي ووالدتها وجدتها: “لا أشعر باللذة الجنسية إلا عندما أمارس العادة السرية!”.

قبل إكمال قصة مريم ونساء أخريات، لا بد من الإشارة إلى أن الغوص والتقصي في هذه القضية ليس بالأمر اليسير، خصوصاً أن القضايا الجنسية المتعلقة بالنساء ما زالت إلى حدٍ كبير تتخبط بين “التابو” من جهة، وصعوبة إقناع النساء بالحديث عن مواضيع شخصية فيها الكثير من الحميمية من جهةٍ أخرى.

فكيف إذا كان الأمر عن حق النساء بالاستمتاع والوصول إلى النشوة الجنسية؟

هذا الأمر ليس من الممنوعات فحسب، بل هو تحريض اجتماعي!

ونعلم تمام المعرفة أن ما بحثنا فيه وما سنعرضه أشبه بالاصطدام “بوكرٍ من الدبابير”، لكنه يستحق كل الوقت والجهد اللذين بذلناهما لتقديم المعرفة العلمية والطبية للحد من الجهل الاجتماعي وتأثيره على حياة عدد لا يحصى من النساء.

في هذا التحقيق، نبحث عن آثار فقدان المتعة الجنسية لدى كثيرٍ من النساء، مع التأكيد على أننا لا نتطرق إلى التعميم.

لكن مع غياب الإحصاءات في مجتمعاتنا “الشرقية” وفي لبنان خصوصاً، فإن وجود عدة حالات صرّحت عن نفسها، يستحق التوقف قليلاً والتفكير أكثر.

 

توقفنا عند جملة مريم لسؤالها عن التاريخ الجنسي لنساء العائلة. فقالت لموقع “شريكة ولكن”: “كأي بيئة قروية محافظة، تزوجت جدتي في ستينات القرن الماضي، من دون خيار أو اختيار. فرأت ليلة زفافها أول كابوسٍ بكامل وعيها، حين عانت من نزيفٍ حاد بسبب الإيلاج المؤلم من دون أي مقدمات. واستمرت على هذا المنوال 30 عاماً، أنجبت خلالها 7 أولاد ولا تذكر من هذه العلاقة سوى الألم. وأصيبت لاحقاً باضطراب الوسواس القهري ولازمها حزن طويل جداً حتى آخر أيامها”.

الثقافة الجنسية المغلوطة

نوال السعداوي

استحضرنا كتاباً قرأناه سابقاً، وهو “المرأة والجنس” للباحثة التي أسست كتاباتها للموجة النسوية الثانية والملهمة لعربيات كثر، الدكتورة نوال السعداوي.

فبسبب عملها كطبيبةٍ نسائية ومعاينتها لنساء كثيرات، خلصت في كتابها إلى أن “هناك الكثير من الرجال الذين عاشوا سنوات مع النساء ومارسوا الجنس معهن من دون معرفتهم بعضوِ غير المهبل. معتبرين أن وظيفته الأساسية هي الحمل والولادة. ليكون البظر أكثر الأعضاء التناسلية التي تم تجاهلها. فحرمهن من اللذة الجنسية. وفي بعض الحالات قررت أنانية الرجال أنه إذا وصل هو إلى اللذة، تصل النساء إليها أيضاً”.

أثرت الثقافة الجنسية المغلوطة على الممارسات الجنسية، وعززتها النظريات التي كانت سائدة في ثلاثينيات القرن الماضي وهي أن النشوة الجنسية، صفة ذكورية بحتة وليست من صفات النساء.

ليقتصر دور النساء على الحمل والإنجاب، وهذا بالظبط ما عانت منه مريم ووالدتها وجدتها.

سألنا مريم عن سبب عدم شعورها باللذة إلا أثناء ممارستها العادة السرية لمعرفة إذا كان لذلك تأثير على حياتها الشخصية والمهنية، فلخّصت الأمر بكلمتين: “الذنب والخوف”.

ويعود ذلك إلى تربيتها، التي انعكست على علاقاتها. فتشعر بالتبعية الكاملة للرجل وكأنها مجرد أداة، ما عزز حفنةً من المشاعر المتناقضة لديها تراوح بين الرغبة والذنب ورغبتها بالحب وشعورها بجسدها وعدم قدرتها على التصالح معه.

لكن ما علاقة والدتها بذلك؟ أكملت مريم سرد التاريخ النسوي للعائلة، فأضافت: “كررت جدتي قصتها مع ابنتها، كما فعلت والدتي معي أيضاً. الفارق الوحيد أن جدتي جنت على والدتي التي كانت ضحية التزويج المبكر، فاختبرت معاناة والدتها نفسها. 30 عاماً من فقدان معنى وشعور اللذة الجنسية وأي شعور بجسدها، وهي اليوم تعاني من سرطان الثدي ونوبات الذعر والوسواس القهري”.

المتعة الجنسية عند النساء مفقودة حتى في البلدان الغربية!

في ظل غياب الإحصاءات حول اللذة الجنسية والإحباط الجنسي لدى النساء في لبنان والمنطقة العربية، لا يسعنا إلا ذكر بعض الأرقام الملفتة التي وجدناها في المجتمعات الغربية، تحديداً في الولايات المتحدة الأميركية.

ففي عام 2017، نشرت مجلة الجنس والعلاج الزوجي دراسة أجريت في الولايات المتحدة على 1055 امرأة تتراوح أعمارهن بين 18 و95 عاماً أظهرت أن 81.6% من النساء لا يصلن إلى النشوة الجنسية من الجماع وحده (من دون تحفيز البظر الإضافي). بينما 18.4% فقط من النساء ذكرن أن الجماع وحده يكفي لوصولهن إلى النشوة الجنسية.

وفي دراسةٍ أخرى للمجلة نفسها حول العادة السرية لدى النساء نشرت عام 2012 تبين أن 92.4% من النساء قادرات على الوصول إلى النشوة الجنسية من خلال العادة السرية.

في سياقٍ متصل، خلصت الفيلسوفة الأميركية إليزابيث لويد في كتابها “حالة النشوة الجنسية الأنثوية” الذي نشر عام 2009، ويعتبر مرجعاً لعدّة دراسات علمية، إلى أن “5 إلى 10% من النساء لم يصلن إلى النشوة الجنسية أبداً، على الرغم من أن العديد منهن يصلن إليها في وقتٍ لاحق في حياتهن”.

كما نشرت مجلة أرشيفات السلوك الجنسي دراسة عام 2019، أجريت على 1000 امرأة في الولايات المتحدة، أفادت بأن 59% من النساء اصطنعن الشعور بالنشوة الجنسية، و54.1% منهن قلن إنهن أردن التواصل مع الشريك بشأن الجنس، لكنهن عَدلن عن ذلك.

نسبة كبيرة من النساء في الشرق الأوسط لا يصلن إلى الرعشة الجنسية!

وفي مقابلةٍ خاصة مع “شريكة ولكن”، قال الدكتور سليمان جاري الأخصائي في الغدد والهرمونات والصحة الجنسية والعاطفية، ورئيس الجمعية اللبنانية للصحة الجنسية والإنجابية، إن “نسبة كبيرة من النساء في الشرق الأوسط، لا يصلن إلى الرعشة الجنسية والأسباب متنوعة”.

وأضاف أن “هناك نسبة كبيرة لا تزال بعيدة كل البعد عن الممارسات الجنسية الصحية، على الرغم من أن اللذة الجنسية هي حق طبيعي لكل امرأة أثناء العلاقة الجنسية”. وعند سؤاله عن تأثير العلاقة الجنسية على جسم النساء، أوضح أن لذلك تأثيرات جسدية، نفسية وهرمونية.

 

د. سليمان جاري
د. سليمان جاري

 

عرضنا حالة مريم ووالدتها وجدتها على د. جاري، فأشار إلى أن “التحرش الجنسي والوسواس القهري مهمان في اضطراب اللذة الجنسية. ويمكن القول إن الوسواس وراثي، لكنه يبدو واضحاً أنه سبب الإحباط الجنسي بين النساء الثلاث”.

واعتبر أن “الجهل والبيئة المحافظة وغياب الإحصاءات حول هذا الموضوع، جميعها عوامل ساهمت وعززت من التعتيم على أهمية اللذة الجنسية. وهناك رجال لا يعرفون كيفية ممارسة العلاقة الجنسية ويفكرون فقط بمتعتهم الشخصية، كأن النساء أدوات جنسية. يضاف إلى ذلك عوامل أخرى، كالتزويج المبكر الذي يسبب صدمة جنسية ونفسية للفتاة، الأمر نفسه بالنسبة إلى التزويج القسري”.

وأوضح أن “هناك أسباب تتعلق بالنساء أنفسهن: مثل تركيبتهن البيولوجية الجنسية، لأن الاضطراب يكون في المراكز الدماغية المسؤولة عن الآلية الجنسية. وبالتأكيد في جميع الحالات نحن بحاجة إلى اختصاصيات/ين وإلى ثقافة جنسية توعوية”.

يؤثر عدم وصول المرأة إلى الرعشة الجنسية أو إحساسها باللذة الجنسية سلباً على النواحي الجنسية والإنجابية والنفسية. فهذه المشاعر تتأثر باضطرابات نفسية كالقلق والإحباط والاكتئاب، والعكس صحيح.

بينما يتأثر الجسد بأي نوع من القلق والتوتر، ما ينعكس على عمل أعضاء الجسم.

أما اجتماعياً، فيؤدي هذا الغياب إلى نزاعات ومشاحنات وتخبطات وتوترات وإحباطات اجتماعية نتيجة الانسحاب من العلاقات والمناسبات.

فئات عمرية وخلفيات اجتماعية مختلفة.. لكن الإحباط مشترك!

مريم ونساء أسرتها لسن الوحيدات، هناك كثيرات مثلهن.

لذلك، بعد الحديث المطول معها، استمرينا في البحث لإقناع أخريات بإجراء مقابلات معهن، واستطعنا مقابلة نساء من مختلف الخلفيات الاجتماعية والفئات العمرية، وكانت الإجابات متشابهة.

رنا (50 عاماً، معلمة للصفوف الثانوية) تشكو لنا من “أجزاء جسدها المفقودة، التي اختفت قسراً على مر السنوات والممارسات الجنسية التي أهملها زوجها متناسياً أنها تملك أعضاء ومساحات لا تزال حية فيها”.

فالممارسة الجنسية بينهما، على حد تعبيرها، “عمل آلي بحت، أي الإيلاج المهبلي الذي ينتهي عند وصوله إلى النشوة”. وأضافت: “أحياناً أظن أنه ينسى وجودي أصلاً”.

أدى اختفاء شعور رنا باللذة الجنسية من حياتها إلى إصابتها بالإحباط الذي أصبح وحده العنصر الحاضر، وصار ظاهراً ومؤثراً على حياتها المهنية والاجتماعية.

أما سارة (41 عاماً، ربة منزل) ففي كل جلسة نسائية كانت تشعر بأنها على كوكبٍ آخر، بعيد كل البعد عن قصص النساء التي تُروى أمامها.

فكانت تسمع عن اللذة فقط “شم ولا تذوق” كما عبرت لنا، فهي لم تختبرها يوماً على الرغم من وجود شريكٍ في حياتها، لكن من دون أي جدوى من الناحية الجنسية. وأثر ذلك على حياتهما العاطفية، ليسود الفتور والبرود بينهما.

وأوضحت أنها نتيجةً لذلك “لجأت إلى الأفلام الإباحية، واستخدام الألعاب الجنسية لممارسة العادة السرية والشعور بالنشوة”. بينما أكدت أنها “لا تندم أبداً على ذلك”، لكنها لم تخف شعورها بـ”الخجل والاستغراب حين خاضت هذا النوع من التجارب الجنسية للمرة الأولى”، كما وصفتها بأنها “أفضل ما قامت به”.

 

أما جنى، وهي محامية في الـ35 من عمرها، فلها قصة أخرى. بعد 5 سنوات من زواجٍ نتج عنه طفلين، طلبت الطلاق بعد جدالات وخلافاتٍ طويلةٍ مع زوجها حول علاقتهما الجنسية غير السليمة وغير المتكافئة، ومتعتها الجنسية المفقودة معه.

واجهته بأن لها الحق بالسعادة والاستمتاع، وهذا حق أساسي. لكنه اعتبر، على العكس منها، أنه ليس أمراً ضرورياً.

وفي مقابلةٍ مع “شريكة ولكن”، قالت إنها “حين طلبت منه الطلاق، شكّل الأمر صدمةً له، إذ لم يظن يوماً أنها ستجرؤ على القيام بذلك بسبب هذا الأمر السخيف بحسب رأيه”.

اللافت في قصة سارة، أن الشيخ وقف إلى جانبها وساندها في طلاقها. واعتبر أن أسبابها وجيهة ومحقة، على الرغم من موقف أهلها المعارض للطلاق وأسبابه التي وصفوها بـ “المعيبة”، ورأوا أنها “تسببت لنفسها ولهم/ن بفضيحة”.

الشعور بالذنب يحول بين النساء وبين شعورهن باللذة الجنسية

 

د. ليال أبو زيد
د. ليال أبي زيد

 

لجأنا إلى الدكتورة ليال أبي زيد، وهي طبيبة نسائية وأخصائية عقم وصحة جنسية، ورئيسة قسم المساعدة الإنجابية في مستشفى المشرق، وسألناها عن الموضوع.

فقالت: “في عيادتي ألاحظ الذنب الذي يقف عائقاً أمام أي متعة في العلاقة الجنسية لدى العديد من النساء غير المتزوجات. وهذا الصراع بين البحث عن اللذة والشعور بالذنب، هو نتيجة التربية والقيم الدينية والاجتماعية، ما يحرمهن من الوصول إلى هذه اللذة أو النشوة أحياناً، أو يصلن إليها ويصطدمن بمشاعر الذنب التي تحرمهن من الشعور بالرضا الجنسي”.

وأكدت أن “المشاكل تبدأ حين لا تتم تلبيتنا فنشعر بإحباطٍ جنسي، وهذه القاعدة تنطبق على كل جوانب الحياة وليس فقط الجنسية منها”.

أما بالنسبة إلى المنافع الصحية للعلاقة الجنسية المنتظمة فهي عديدة.

إذ تساهم في خفض نسبة التوتر والقلق وزيادة هورومون السعادة. كما أنها مفيدة لصحة القلب، وزيادة مستوى الثقة بالنفس، وارتفاع أقل في ضغط الدم، وامتلاك مناعة أقوى.

تاريخها الجنسي أثر على حياتها العملية

نعود إلى مريم، الباحثة عن خاتمةٍ مغايرة لتاريخ نساء العائلة، فشرحت لنا كيف أثر تاريخها الجنسي على حياتها المهنية والاجتماعية: “عانيت في جميع الوظائف التي عملت بها، حتى في اختصاصي الذي درسته وهو المحاسبة. تنقلت من عملٍ إلى آخر، وكأن الشعور بالإحباط والفشل يرافقني طوال الوقت، ويمنعني من إكمال أي مهمة مطلوبة مني”.

وأضافت: “كنت أعاني من شرود الذهن وعدم التركيز ما منعني من الاحتفاظ بعملٍ ثابت يتعدى الستة أشهر. ولا أقول إن الأمر مرتبط بالجنس بل بالثبات النفسي والعاطفي الذي تحتاجه أي امرأة كما أي رجل.

وأوضحت: “في هذه الفترات، كنت إما في علاقة سامة يتم استخدامي أكثر كسلعة، وهو ما كنت أشعر به دائماً، أو أنني قد خرجت من إحداها. أما اليوم وأنا في الثلاثين من عمري، وبعد إدراكي لأسباب مشاكلي وفشل علاقاتي أصبحت أكثر تنبهاً وحرصاً، ما ساعدني على الاستمرار في عملي الحالي الذي بدأته منذ سنة، وهي أطول مدة بقيت فيها في عملٍ ما وأنا فخورة بنفسي، وأعمل جاهدة لكي أحافظ على الأمر”.

“الرغبة الجنسية هي الدينامو المحرك لحياة كل شخص، وتأثيراتها تختلف من شخصٍ إلى آخر بحسب أولوية هذه الرغبة على الرغبات الأخرى، ومدى حاجته/ا لها. لذلك، الحاجة الجنسية هي بالتأكيد نسبية”. هكذا عرّفت الأخصائية النفسية رانيا بوبو “الغريزة الجنسية”، في مقابلة مع “شريكة ولكن”.

وأضافت أنه “بالمحصلة، الغريزة الجنسية هي المحرك الأساسي والدافع الخفي خلف العديد من السلوكيات. وعدم إشباع هذه الرغبة وتحديداً لدى النساء يولّد العديد من المشكلات والاضطرابات سواء كانت على المستويات الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية أو حتى مستوى الإنتاجية”.

وأشارت إلى أنه “قد يتطور ليصبح اضطراباً أو مرضاً نفسياً معيناً، وبالتأكيد لا يمكن تحديد ماهيته، لأن عدم الإشباع الجنسي ليس السبب الوحيد، بل عي عدة عوامل تجتمع سوياً. وهي: الاستعداد الشخصي، والعوامل الوراثية والتجارب الحياتية”.

وأوضحت أنه “في أحيانٍ كثيرة تقع النساء ضحية اللوم بسبب إحباطهن الجنسي، ما قد يدفعهن إلى إلقاء هذه المشكلة على حياتهن الاجتماعية والمهنية، فيشعرن بالنقص في جميع أدوارهن”.

كما ذكرت أنه “في علاقاتنا الاجتماعية، نتعامل مع الأشخاص من خلال آلية دفاعية نفسية هي الإسقاط، خصوصاً مع الأشخاص الذين تربطنا بهم/ن علاقة بعيدة، فنكرر صوراً في مواقف وأماكن معينة مثل مكان العمل وعلاقاتنا الاجتماعية، عبر نقل الشحنات العاطفية لهم/ن بطريقة لا واعية نتيجة شعورنا بالفشل من الناحية الجنسية”.

وأضافت أنه “هناك احتمال آخر، هو أن تحول النساء طاقتها وتصبها في مكانٍ واحد كالعمل مثلاً للتعويض عن هذا الفشل وتشكيل قيمة ترضيها. لكن بالتأكيد لا يعني ذلك أن كل امرأة ناجحة في عملها محبطة جنسياً، لكن قد يكون أحياناً حافزاً لبذل الجهد في العمل. وفي حين تنسحب بعض النساء من الحياة الاجتماعية بسبب قلة الثقة بالنفس، توظف أخريات هذا الإحباط ليتألقن اجتماعياً وينفتحن على الآخرين/ات أكثر”.

تأثير تجاهل طلبات النساء ورغباتهن وحاجاتهن على الاقتصاد

الدكتور فادي فواز
الدكتور فادي فواز

 

بحسب البروفيسور في الاقتصاد الإنمائي والنمو الاقتصادي في جامعة ولاية تينيسي الدكتور فادي فواز ، فإن “أي موظف/ة غير مستقر/ة عاطفياً أو ذهنياً أو جسدياً، لن تستطيع/يستطيع أن تكون/يكون منتجة/اً”.

وحين سألناه عن تأثير الإحباط الجنسي لدى النساء على عجلة الاقتصاد، قال إن: “قوة الاقتصاد تقاس بقوة الإنتاجية. لكننا نعيش في مجتمعٍ ذكوري يتم فيه تجاهل طلبات النساء ورغباتهن وحاجاتهن الجنسية، ما يعتبر عنفاً ضدهن”.

وأضاف أنه “من المعروف أن سعادة الموظف/ة تزيد من إنتاجيته/ا، وبالطبع المرأة التي تتعرض للإحباط الجنسي ليست سعيدة، ما ينعكس على إنتاجيتها وأدائها العملي ومكان وبيئة عملها وعلى الاقتصاد بشكلٍ عام”.

وقد نشرت دراسة قبل أعوام عن خطر إصابة النساء المحبطات جنسياً بسرطان الثدي، أشارت إلى أن هذه الإصابة ستجبرها على التغيب عن عملها لحضور جلسات العلاج، ما يؤثر على الإنتاجية.

وقد تضطر الحكومة أيضاً إلى التكفل بنفقات علاجها، ما سيشكل عبئاً على الاقتصاد.

واعتبر فواز أنه “يجب التركيز على تثقيف الرجال ليفهموا رغبات النساء واحتياجاتهن الحقيقية. وإخبار النساء أن الحديث مع الشريك عن حاجاتهن الجنسية والعاطفية ليس خطأ”.

مواجهة الرجال .. يصب غضبه في الفراش، ليرتاح!

على الرغم من صعوبة إدلاء النساء بشهاداتهن حول هذا الموضوع، إلا أن الأمر مضاعف لدى الرجال، خصوصاً إذا قمنا بمواجهتهم، لأن هذا الأمر يؤثر على صورة ومفعول “ذكوريتهم” خصوصاً اجتماعياً.

فما يجري داخل جدران المنزل وأثناء ممارسة الجنس شيء، وخارجهما أمر آخر تماماً.

إذ لا بد من تغذية التفاخر في المجتمع الذكوري، لا تقويضه!

“أستشيط غضباً ولا يمكن لأي شيء أن يهدئني إلا الجنس الذي إذا لم أحصل عليه في حينه أشعر أنني سأضربها، وحصل ذلك مرات عدة”، هذا ما قاله محمد، الشاب الثلاثيني الذي واجهناه حول العلاقة الجنسية غير السليمة وغير المنصفة بحق زوجته.

وأضاف: “ربما تظنون أن هذه مشكلة، لكنني أحب الجنس ويجب أن أمارسه يومياً. هذا حقي الطبيعي كرجلٍ متزوج. أحياناً تتصرف وكأنها لا تريد ذلك أو كأنها خائفة، لكن أتذكر أنني قرأت في مكان ما أن هذا أسلوب تمارسه النساء ليحاول الرجل أن يطيّب خاطرهن. لا أحبذ العنف خلال العملية الجنسية لكنني أرتاح عندما أصب غضبي في الفراش”.

وعند سؤاله عن أولاده وكيفية تأثيره عليهم، يجيب أن لديه 6 أولاد وأن “الإنجاب دليل على الخصوبة والرجولة. ولو كان الأمر بيدي لأنجبت 20 ولداً! صدقوني فعلت كل ما بوسعي حتى أنني منعتها من استخدام وسائل منع الحمل! كما أحب لأولادي أن تبدو عليهم ملامح القسوة والخشونة مبكراً. أما ابنتي، فأنا لا أطيق الانتظار حتى ترتدي الحجاب”.

أما عن والديه فقال: “أنا مثل والدي، كان قاسياً ووالدتي كانت تحاول إرضاءه دائماً”. ورأى أن “القسوة مفتاح كل شيء، من دونها لا تسير الأمور كما تجب. ولكن رغم كل هذا، أنا متأكد أن زوجتي وأولادي، سعيدون/ات”، يختم ضاحكاً بكل استفزاز، وكأنه منتصر باستنتاجاته، معتبراً أن شكوى زوجته ليست سوى دليل غنج لطلب المزيد!

بين المعلومات الجنسية المغلوطة الموروثة منذ آلاف السنين وغياب الثقافة الجنسية والعلمية للجنسين والتعتيم على حقوق النساء ومنعهن من التعرف إلى أجسادهن، يتحولن إلى ضحايا لهيمنة المجتمع الأبوي وما يسببه من مآسٍ فعلية، تجعل كثيرات منهن يعبرن في هذه الحياة من دون أن يشعرن بوجودهن وبوجود أجسادهن. ومن دون معرفة أحلامهن، أو الكم الهائل من العنف الذي يتعرضن له دون إدراكهن بأن حقوقهن تسلب منهن يومياً.

ألم يحن الوقت إذاً لتدرك النساء وليعترف المجتمع أن عدم الاكتراث لحاجاتهن الجنسية هو “عنف” ضدهن؟

 

 

تحقيق معمق من إنتاج “شريكة ولكن”، إعداد زينب شرارة وريم عثمان وإشراف يمنى فواز.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد