الأمهات المطلقات في غزة .. حرمان وتمييز مضاعف
لا تتوقف معاناة الأمهات المطلقات في غزة فقط عند الوصمة المجتمعية السلبية، التي تلاحقهن طيلة حياتهن.
يصبحن كأنهن فقدن شيئاً، وأصبحن نساء من الدرجة الثانية. ويصل الأمر إلى حرمانهن أيضاً من عددٍ من حقوقهن.
أبرزها حضانة أبنائهن وبناتهن، على اعتبار أنهن “غير مؤهلات لذلك”.
هذا الأمر يضطرهن إلى خوض حروبٍ لا نهاية لها في أروقة القضاء، على أمل الحصول على القليل من الحقوق، التي كفلها قانون “حقوق العائلة”.
وهو القانون الذي عفى على مواده ونصوصه الزمن، إذ يعود إلى عام 1954. ويستغل المحامون ثغراته لحرمانهن منها تماماً.
كما تواجه الأمهات المطلقات تمييزاً، بينهن وبين الأمهات الأرامل.
إذ سمح المجلس التشريعي في غزة عام 2009 للأرامل، بالاحتفاظ بحضانة أطفالهن لمدةٍ مفتوحة، طالما امتنعن عن الزواج مرةً أخرى.
لكن لم يُقرّ حتى الآن أي قانون من شأنه إنصاف المطلقات، بذريعة أن الأب موجود على قيد الحياة.
وهو “الوحيد الذي يحق له تربية أبنائه وبناته”، في مفارقة اجتماعية عجيبة!
حملة أهلية لرفع سن الحضانة
في ضوء هذه الظروف التي يعشنها، أطلقت مجموعة من النساء المطلقات في قطاع غزة، حملةً أهليةً لرفع سن الحضانة للأمهات المطلقات.
ويعملن منذ مطلع العام الجاري على عقد الاجتماعات واللقاءات مع مؤسسات نسوية وحقوقية. ومع أعضاء في المجلس التشريعي أيضاً، وممثلين عن القضاء الشرعي، للمطالبة بتعديل قانون حضانة الأطفال والطفلات.
فبحسب المادة 118 من قانون حقوق العائلة، في حضانة الأطفال/الطفلات:
“يحق للقاضي أن يأذن بحضانة النساء المطلقات للفتيان بعد 7 إلى 9 سنوات، وللفتيات بعد 9 إلى 11 عاماً، إذا تبين أن مصلحتهن/م تقتضي ذلك”.
وتطالب الحملة بإعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية بشكلٍ جاد.
كما يطالبن بإقرار مسودّات قوانين جديدة، تمنح الأمهات المطلقات المساواة في الحق في حضانة أطفالهن وطفلاتهن، مع الأمهات الأرامل.
وعن ما تعانيه هؤلاء النسوة في غزة، قالت إحدى القائمات على الحملة هبة حسين لـ”شريكة ولكن”، إن “الحملة مستمرة، حتى تنال كل المطلقات حقوقهن في حضانة أطفالهن وطفلاتهن”.
وهبة مطلقة منذ نحو 5 سنوات، ولديها 3 أطفال، أكبرهم يبلغ 12 عاماً، وأصغرهم 6 أعوام.
وتعاني من نظرة المجتمع الدونية لها كـ”مطلّقة غير قادرة على رعاية أطفالها”.
وأكدت في حديثها، أنها لم تطالب بحضانة أطفالها حين وقع الطلاق، بسبب عدم قدرتها على إعالتهم.
فعلى الرغم من أن القانون كان يمنحها هذا الحق، إلا أنها اكتفت بحقها في استضافتهم مرتين شهرياً.
وأوضحت أن “طليقها كان يمتنع عن إحضارهم في الكثير من الأوقات، ويحرمها من رؤيتهم”.
وأضافت أن “القانون هنا غير منصف. فعقوبة عدم التزامه كانت الحبس حتى الإذعان. وهي عقوبة غير رادعة، فسرعان ما يحضر الأطفال بمجرد صدور حكم الحبس بحقه”.
لم تكن هبة تفكر في تلك الحملة، لو كان الرجال مؤمنين بحق الأمهات المطلقات في رؤية أطفالهن وطفلاتهن، وعدم استغلالهن/م في ابتزازهن، بحسب تعبيرها.
وأشارت إلى أن “تصرفات طليقها تؤكد نيته بالانتقام منها، لأنها لم تطالب بحضانتهم فور طلاقها”.
وبحسب ما لفتت هبة، فإن معاناتها لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى تحريض الأطفال ضدها، وعدم التحدث معها عبر أي وسيلة تواصل.
حتى في حال الزيارة، يرفضون الخروج إلى أي مكان برفقتها، أو أخذ الهدايا التي تقدمها لهم خوفاً من والدهم.
وتحدثت هبة عن واحدٍ من أكثر المواقف التي شعرت فيها بالقهر، حين بعثت لطليقها برسالةٍ تطلب منه إحضار أطفالها لحضور عقد قران خالهم، لكنهم لم يأتوا.
فاكتشفت بعد عدة شهور، حين زارها أطفالها، أنه لم يخبرهم حتى بأمر الرسالة.
وتساءلت: “كيف سينشأ طفل في بيئةٍ تحرّضه على الانتقام، وتعزز قطع الرحم؟ أليس الأَولى أن يعيش الطفل/ة في كنف والدته/ا؟”.
وختمت حديثها قائلةً: “حين نحصل على تعديل القانون بحقنا في حضانة أطفالنا وطفلاتنا، لن نحرمهن/م من رؤية آبائهن/م كما يفعل الرجال”.
خطة الحملة
تتمثل خطة الحملة التي أطلقتها هبة، برفقة 6 أمهات مطلقات، في عقد زياراتٍ مع أعضاء المجلس التشريعي، والمؤسسات النسوية المعنية.
ونشر سلسلة فيديوهات توعوية عن الأمهات المطلقات أيضاً، فضلاً عن وسائل الضغط المجتمعية، التي ينوين تنفيذها في حال لم يتم الاستجابة لمطالبهن.
وتلقت الحملة وعوداً بإقرار قانون ينصفهن خلال الشهور المقبلة، بحسب ما ذكرت هبة.
قصة نسرين .. متى يتوقف التمييز؟
ربما لا تختلف قصة نسرين، وهو اسم مستعار، كثيراً عن قصة هبة، سوى بحجم المعاناة والحرمان المضاعف.
خَشيت من ذكر أي معلومة تمكّن طليقها من معرفة هويتها، خوفاً على أطفالها، وما قد يتعرضون له من عنفٍ وظلم.
كانت بداية قصتها، وهي أم لـ3 أطفال، حين علمت بزواج طلقيها سراً، ما سبّب لها صدمةً نفسيةً كبيرة، طلبت على إثرها الطلاق.
حينها كان ابنها الأصغر يبلغ من العمر 3 سنوات، وكان في حضانتها، وبعد عدة شهور تزوجت.
لكن زواجها لم يكمل عدة شهور، لأنها لم تقوَ على البعد عن أولادها، بحسب تعبيرها.
لم تتمكن من رفع قضية حضانة لطفلها الأصغر بعد طلاقها، بسبب تلقيها تهديداتٍ من زوجة طلقيها، برفع قضية طعن في “شرفها“.
انصاعت نسرين لتلك التهديدات، وفضّلت حماية أولادها من المزيد من المشاكل.
مرت السنوات الست لطلاق نسرين، كبر خلالها أطفالها، وكبرت معاناتها من الظلم الذي تتعرض له.
وقالت إنها “ندمت لاحقاً على عدم رفعها قضية حضانة واستضافة لأطفالها، بعد أن تعرّضت لأقسى أساليب الإذلال للحصول على حقها في رؤيتهم”.
إذ كان طلقيها يمنعها من رؤيتهم، ويتذرع بحججٍ واهية عن عدم قدرته على إحضارهم إلى مركز الشرطة ساعة أسبوعياً، وفق ما تم الاتفاق عليه.
لكنها استعادت قوتها، ورفعت القضية قبل نحو عام، ثم تنازلت عنها بسبب طول أمد القضاء.
يضاف إليها تغيير القضاة، وتلاعب المحامين، واستغلالهم لثغرات القانون لصالح الأب، وابتزاز الأب لها، وحرمانها من رؤيتهم، طيلة فترة القضية.
اضطرت نسرين للخضوع إلى اتفاقٍ مع طلقيها، أقل ما يقال عنه إنه مجحف وغير إنساني.
فكانت بنوده: إجبارها على التنازل عن القضية، مقابل السماح لها برؤية أطفالها 3 ساعات كل أسبوعين، في أحد المراكز التي تعنى بشؤون النساء، في قاعةٍ مليئةٍ بالكاميرات تحرمها حق الخصوصية.
كما يُمنع عليها تصوير أطفالها، أو متابعة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالنهاية “تَفضّل عليها” ببندٍ يمنحها مكالمة هاتفية، لا تتجاوز النصف ساعة أسبوعياً، لا تملك حتى حق تحديد وقتها.
قد تكون ظهراً، أو عصراً، أو حتى عند الواحدة فجراً! وهذه المكالمة مسجّلة، ومراقبة من قبل الأب وزوجته.
كما يتم تحليل جميع كلماتها وحروفها، بحثاً عن حرفٍ قد يسقط سهواً من أولادها، يعبرون فيه عن شوقهم لها، أو عدم ارتياحهم في الحياة مع والدهم.
حاولت نسرين التسلل إلى مدارس وجامعات أولادها لرؤيتهم، فكانت العقوبة حرمانهم من الذهاب إليها وتعنيفهم.
وتسبب هذا الأمر بأزمةٍ نفسيةٍ للأم، التي تروي قصتها لـ”شريكة ولكن” وهي تبكي.
وتساءلت: “ما الحل؟ ما الجرم الذي اقترفته كي أُعاقب بحرماني من أولادي؟!”
لا تتأمل نسرين من حملة رفع سن حضانة المطلقات لأطفالهن وطفلاتهن خيراً.
إذ ترى أن المجلس التشريعي في غزة مصمم على موقفه تجاه الأمهات المطلقات، على خلاف الأمهات الأرامل.
ووصفت هذا الأمر بالـ”تمييز العنصري تجاههن”.
وقالت: “أولادي يواجهون حرباً نفسية كل يوم، وأنا أتعرّض للعنف والحرمان، فإلى من ألجأ؟”.
الانقسام الفلسطيني ينعكس سلباً على حقوق النساء
من جهتها، أكدت مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة، زينب الغنيمي لـ”شريكة ولكن”، أن “المركز بذل جهوداً مضنية لرفع سن الحضانة للأمهات المطلقات والأرامل عام 2009. لكن المجلس التشريعي وافق فقط على رفعها للأرامل”.
وأوضحت أن “المركز أطلق حملةً عام 2020، لرفع سن الحضانة للأم المطلقة، تحت شعار: نعم أمي مطلقة وأريد البقاء في رعايتها حتى 18 عاماً. من منطلق المساواة بين الرجال والنساء وحقهن في حضانة أطفالهن وطفلاتهن”.
كما استندت الحملة إلى التأصيل الفقهي، الذي أكد حق النساء في حضانة أولادهن حتى سن البلوغ المحدد بـ15 عاماً.
وهذا القانون معمول به في الضفة الغربية، على خلاف قطاع غزة.
ولفتت زينب إلى أنهن “قدمن مذكرة إلى القضاء الشرعي، ووافق عليها، لكن المعضلة هي موافقة المجلس التشريعي، الذي وعد بالاستجابة وتعديل القانون، لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن”.
وقالت: “لسنا متفائلين بإصدار تعديل على القانون، تبعاً للنظرة السلبية تجاه النساء من قبل المجلس التشريعي”.
إذ عارض هذا المجلس جملة التعميمات الأخيرة، التي صدرت عن دار القضاء الشرعي، في شباط/فبراير الماضي.
وهي تعميمات، تقضي بتسهيل إجراءات التقاضي أمام المحاكم الشرعية، وإعطاء حقوق بسيطة للنساء في حالات الطلاق التعسفي.
وأضافت أنه “تم تشكيل الائتلاف الأهلي لتعديل قانون الأحوال الشخصية عام 2021، ضمن الحملة، لإطلاق حملة ضغط ومناصرة لرفع سن الزواج إلى 18 عاماً، بالتوازي مع رفع سن الحضانة، وحق النساء في الخُلع”.
كما أشارت إلى أن “الانقسام الفلسطيني، لعب دوراً أساسياً في تمزيق النظام السياسي الفلسطيني، ما انعكس سلباً على حقوق النساء”.
القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية
يعمل “مركز حياة لحماية وتمكين النساء” أيضاً على التوعية والضغط، للحفاظ على حقوق الأمهات المطلقات برؤية أطفالهن.
وقالت المرشدة الاجتماعية في المركز ليندا أبو مرسلة لـ”شريكة ولكن”، إن “المركز يوفّر منذ عام 2012، قاعةً لاجتماع الأمهات بأطفالهن، بدلاً من رؤيتهم/ن في مراكز الشرطة، ما قد يؤثر نفسياً على جميع الأطراف”.
وشرحت أنهن “يسعين إلى الاتفاق الودّي بين الطرفين في حالات كثيرة، بعيداً عن المحاكم، لتخفيف العبء عن كاهل النساء”.
وأضافت أن “معاناة الأم المطلقة تبدأ بالطلاق ونظرة المجتمع لها، الذي يحمّلها المسؤولية كاملة. ويتهمها بأنها تخلت عن أطفالها لأجل سعادتها. والقيود المجتمعية التي تُفرض عليها، ولا تنتهي بمواجهتها حروباً في أروقة القضاء، للحصول على حضانة أطفالها/طفلاتها أو استضافتهن/م لديها”.
كما أبدت استغرابها من عدم تعديل القوانين المحلية، بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية، خصوصاً اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، التي وقّع عليها الرئيس محمود عباس عام 2018.
وطالبت في حديثها، بـ”إعادة النظر في القوانين، وسن قانون حماية الأسرة، الذي من شأنه أن يحمي النساء والفتيات، في ظل التعنيف والظلم الذي يتعرّضن له”.
إذ لم تتلاءم قوانين فلسطين المحلية مع اتفاقية “سيداو”.
كما أنها، ولسببٍ غير معلوم، لم تُنشر في الجريدة الرسمية لدولة فلسطين.
وقد أحدثت الاتفاقية ضجةً كبيرة وحالة رفضٍ واسع، بحجة أنها تساوي النساء بالرجال. وهو ما لا يقبلون به، متحججين بأن الدين الإسلامي يرفض ذلك.
وعن هذا الموضوع، قالت الناشطة الحقوقية حنان مطير لـ”شريكة ولكن”، إن “فلسطين انضمت إلى الاتفاقية من دون أي تحفظ على أي من موادها، عكس بعض الدول العربية والإسلامية، التي تحفظت على المواد خصوصاً المادة 16، التي تتحدث عن المساواة التامة في الحقوق الأسرية والمادية بين الرجال والنساء”.
وأوضحت حنان أن “المحكمة الدستورية فسّرت عام 2018 المادة 10 من القانون الأساسي، بأن الاتفاقيات الدولية تسمو على القانون الوطني، بما يحفظ الهوية الوطنية والدينية والثقافية. وبالتالي، فإن جميع النصوص القانونية، التي تكرّس تبعية النساء للرجال ستبقى سارية”.
وأرجعت عدم تعديل قوانين الأحوال الشخصية والمدنية، وسن قانون حماية الأسرة إلى “الانقسام الفلسطيني، وعدم انعقاد المجلس التشريعي الموحد بين شطري الوطن. ومعارضة أصحاب السلطة من الرجال لتلك القوانين، وعدم الوعي بضرورة سن قوانين تحمي حقوق النساء”.
وقالت: “هنا النساء يُقتلن ويُحرمن من حقوقهن، ولا أحد يحرّك ساكناً”.
وأكدت أنه “من شأن تطبيق الاتفاقية، القضاء على الظلم الممارس ضد النساء، وحصولهن على حقهن في حضانة أطفالهن/طفلاتهن”.
كتابة: انتصار أبو جهل