لماذا ينبغي لنا أن نعي مفهوم الجندر؟

أتذكر مشهداً حصل أثناء دراستي الجامعية، حين كنت محجبة. كنت أقف أمام المرآة أرتّب حجابي، في دورة المياه مع صديقاتي.

خلعت الحجاب فبدا شعري قصيراً، سألتني صديقتي باستغراب: “في بنت تقص شعرها كدا!”.

سألتها ماذا تقصد؟ فأخبرتني أن الفتاة التي لم تتزوج بعد، لا ينبغي أن يكون شعرها قصيراً إلى هذا الحد.

وعلى الرغم من مرور سنوات على هذه الواقعة، لم أعرف حتى الآن، ما الذي يمنع الفتاة التي لم تتزوج من قص شعرها!

كل ما عرفته بعد ذلك، هو أن هناك أشكالاً نمطيةً معينة مفروضة على النساء، والرجال، والفتيان، والفتيات، علينا اتباعها، وإلا يتم التشكيك في هوياتنا.

وهي أشكال تحصر البشر بهذه الثنائية (رجل/امرأة). وتتجاهل الأفراد من ذوي/ذوات الاتجاهات الجندرية اللامعيارية.

مفهوم الجندر

كنت أبحث على موقع يوتيوب عن كلمة جندر باللغة العربية، فوجدت أن معظم المحتوى العربي يُحذّر من مفهوم الجندر “المخرّب للأسرة، والمجتمع، بل وللإنسان عموماً”.

بينما وجدت فيديوهاتٍ قليلة تشرح باللغة العربية، بشكلٍ مبسط مفهوم الجندر، والفرق بينه وبين الجنس.

أرجعني ذلك إلى المرة الأولى التي سمعت فيها بمفهوم كلمة جندر.

فأثناء دراستي للصيدلة، لم تكن المناهج تفرّق بين الجنس والجندر. بل كنا ندرسهما بمعنى مترادف.

وحين وصلنا إلى السنة الجامعية الأخيرة، أخبرنا أحد المعيدين، أن الغرب يُعرّف الجندر على أنه “إحساس الناس بأنفسهن/م، حتى وإن اختلف ذلك مع صفاتهن/م التشريحية”. ما أثار ضحك الجميع في المدرّج!

لكن فلنسأل حقاً، ما هو الفرق بين الجنس والجندر؟

زهري أو أزرق؟

يُحدد الجنس عند الولادة، سواء ذكراً أو “أنثى” بناءً على الصفات التشريحية، والكروموسومات، والهرمونات، أي أنه مفهوم بيولوجي.

أما الجندر، فهو مفهوم اجتماعي. يشير إلى المفاهيم الاجتماعية، والأشكال والسلوكيات النمطية، التي تُفرض على النساء في مجتمعاتنا.

فالتفرقة بين الفتيان والفتيات تبدأ لحظة الولادة. يفرض الأهل على الفتيات ارتداء اللون الزهري أو الوردي. بينما يجب على الذكور ارتداء اللون الأزرق.

كما يميّزون بينهن/م في الألعاب. فيشترون الدمى للفتيات، ويخبرونهن أنهن مخلوقات ليصبحن أمهات.

ويشترون للفتيان ألعاباً عنيفة كالمسدسات، ثم نسأل من أين يأتي العنف؟

وفي المقابل، يتملّك الأهل القلق إذا وجدوا ابنهم يلعب بدمية مثلاً، ويحذّرونه من أنه سيكون “طرياً” في المستقبل، بسبب ذلك!

هناك إذن قوالب معينة للذكر و”الأنثى”، يتعلّمنها/ونها منذ الطفولة، فتسجنهم/ن في هذه الأدوار.

أما الطفل الذي يتصرف بسلوكٍ مخالف، أو يبين بعض اللين، فمن الممكن أن يضربه أصدقاؤه، لأنه ببساطة يهدد صورة الذكر في المجتمع.

يحيلنا مفهوم الجندر بالضرورة، إلى النظر في “المُسلّمات” المعروفة عن طبيعة الرجال، والنساء، ونقدها.

هل للإنسان حقاً طبيعة واحدة حتمية تفرض عليه سلوكياته؟ أم أن هناك عدة طبائع؟

وهل الأمومة غريزة فعلاً؟ هل تريد كل النساء الإنجاب حقاً؟

هل النساء متعددة المهام كما يشاع، لأن “الله أو الطبيعة أعدتهن لمهمتهن المقدسة، الأمومة، التي تتطلب بالضرورة أن يمتلكن أذرعاً أخطبوطية، وقوة احتمال لا يمتلكها الرجال. وأن الرجال لا يستطيعون القيام بأكثر من عمل في الوقت نفسه، لأن الله لم يخلقهم للعمل المنزلي، ولا لتربية الأطفال والطفلات”؟!

يضاف إلى قائمة هذه “المسلّمات” مؤسسة العائلة، التي تم حصرها بالأفراد مُغايري/مُغايرات الجنس.
إذ يرسّخ النظام الأبوي لفكرة الأسرة بشكلها الأبوي الهرمي، وأكثر  ما يخيف رجال الدين، والمحافظين، هو “تفككها”، كما يقولون، لأنها وحدة بناء هذا المجتمع الذي يتمتعون فيه بامتيازات كثيرة.

المجتمعات الأبوية ومفهوم الجندر

الإجابة عن كل تلك الأسئلة “المسلّمات” هي كلا. المجتمع هو الذي يجبر النساء على أن يكنّ “نساءً” بحسب المفهوم التقليدي.

مفهوم يؤكد أن الـ”مرأة” يجب أن “تتسم بالنعومة، واللطف، والتحدث بصوتٍ منخفض، وطريقة معينة في الجلوس، والمشي، والضحك، والابتسام”، وغيرها من السلوكيات.

فتقول المؤرخة والكاتبة النسوية غيردا ليرنر، في كتاب نشأة المجتمع الأبوي، إن “النظام الأبوي بُني على أساس أن “الرجال والنساء خُلقن/وا على نحوين مختلفين، النساء عاطفيات، والرجال خُلقوا ليكونوا قادة”.

بناءً على ذلك، قُسّمت الأدوار الاجتماعية، وقُسّم كل شيء إلى لونين فقط، الزهري والأزرق. فكان المجال العام للرجال، والمجال الخاص للنساء.

واستمر الترويج لمفهوم الحتمية البيولوجية، في المجتمعات الأبوية، الذي يقول إن “المميزات البيولوجية للنساء تضعهن في مرتبة التابعات”.

أما طرق الترويج لهذا المفهوم فتعتمد على وجود النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأبوي، والخطاب الديني، والعادات، والتقاليد.

بينما تحدثت الكاتبة والمفكرة النسوية سيمون دو بوفوار عن “تكامل الوظائف البيولوجية” بين الرجال والنساء.

في حين أكدت أن المجتمع هو من صنع الصورة النمطية الدونية للنساء والفتيات.

“الأنوثة الحقيقية”

أثرت الثورة الصناعية على حياة بعض النساء، وغيّرت قليلاً من أدوارهن. إذ كن يقمن بوظائف تقليدية مثل حياكة الملابس، أو المساعدة في الزراعة، والعمل الرعائي.

إلا أن ذلك لم يحقق المساواة للنساء، فلا يكفي أن يتاح لهن العمل خارج المنزل بأجر، لأنه دائماً أقل من الأجر الذي يتقاضاه الرجال في المناصب نفسها.

كما أنهن يتحملن وحدهن الأعباء المنزلية، بينما لا تعتبر النماذج الاقتصادية المعيارية أن العمل المنزلي عمل من الأساس، لأنه “لا يؤدي إلى تراكم الثروة”.

وفي منتصف القرن التاسع عشر، ظهرت فكرة “الأنوثة الحقيقية” بين أبناء وبنات الطبقة البرجوازية.

وهي تكمن في أن “الأنثى الحقيقية” هي التي تبقى في المنزل، وتكون ماهرة في الأعمال المنزلية، من طهي، وتنظيف وتربية الأطفال والطفلات.

ويجب أن تطيع زوجها، وأن لا تقيم علاقات جنسية قبل الزواج. ثم يأتي الدور الاجتماعي “الأعظم”، وهو الأمومة.

ولإقناع النساء بأن هذا الدور مقدّر لهن، أُصبغت عليه قداسة دينية واجتماعية، حتى أن من لم تنجب، أو من ترفض الإنجاب، تتعرّض لتشكيك الناس في أهمية وجودها من الأساس.

خلط المجتمع الأبوي بين الطبيعي والاجتماعي، فرسّخ فرضيات تقول إن النساء “معيوبات جسدياً”، وحتى غير صالحات لبعض المهام.

وتم تحجيمهن في عضوٍ واحد هو الرحم. لكنهن، في الوقت نفسه، لا يستطعن التحكم في أجسادهن، التي يملكها الرجال لإخضاعهن سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً.

وكل ذلك لتبرير هيمنة الذكور على مدار التاريخ على أنها “طبيعية، ولا يمكن تغييرها”.

لكن ما جاءت به النسويات، والفلسفة النسوية، هو أن هذه الأدوار منتج اجتماعي. لذلك، دعت إلى المساواة التامة مع الرجال، وإلى مراجعة ونقد وتغيير النظام البطريركي.

 

كتابة: ميرهان فؤاد

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد