هبة عبوك .. أن تعاقب النساء لرفضهن التبعية في الزواج
تتوقع المجتمعات الأبوية من النساء عادةً الولاء المطلق لأزواجهن.
وفي حال لم يحدث ذلك طوعاً، يُفرض بالسلطة والعنف!
يتضمن هذا الولاء، الانسجام معهم في آرائهم، وتوجهاتهم السياسية والاجتماعية. وأن يكنّ درع حمايةٍ وسترٍ لهم من أي مساءلة تطالهم.
فمن مهام الزوجة “المقدسة”، أن تحمي سمعة زوجها وتتستر عليه.
لذلك، يتم الثناء على من “يحفظن أسرار أزواجهم والوقوف إلى جانبهم في محنهم”، حتى لو عنى ذلك دعمهم أثناء محاكمتهم على جريمة اغتصاب، أو جرائم حرب.
بينما يرجع الولاء المطلق للزوجة، واعتبار أحد واجباتها “حماية سمعة زوجها، والدفاع عنه، والبقاء إلى جانبه، حتى لو كان مخطئاً”، إلى الدور الأساسي المطلوب من النساء في الزواج.
فعليها أن تتخلى عن كيانها، وأي تمثّل أو تحيز للعدالة، مقابل أن تحظى بالرضا، ولقب الزوجة “المثالية”.
الولاء التام أو الاتهام بالخيانة والتآمر!
يقوم الزواج في المجتمعات الأبوية على عقدٍ سياسي واجتماعي.
تتحول النساء بهذا العقد إلى أشياء، يحوز بها الرجال والعائلة رساميل بشرية واجتماعية، على شكل طفلات وأطفال، أو مكانة طبقية معينة.
لذلك، فإن العلاقات الاجتماعية، ومن ضمنها الزواج في المجتمعات الأبوية الأقل تمايزاً، كانت وما تزال عبارة عن سوق تحوّل النساء إلى مجرد سلعٍ للتبادل وفق مصالح الرجال.
ويعود هذا الاعتقاد تاريخياً إلى أن النساء كنّ بالفعل رساميل رمزية وثقافية ومادية، تُمنح على شكل هبات، لوقف الاقتتالات والحروب، وبناء التحالفات.
وكان يتم ذلك عبر استخدام النساء، وتوظيفهن في خلق تحالفات اجتماعية وقبلية، من دون إرادتهن أحياناً.
إذ يعمل العالم الاجتماعي كسوق للسلع الرمزية، يتحكم فيها الرجال، ومصالحهم، وتفضيلاتهم.
كما أن تحويل الزواج إلى شيء يشبه سوقاً لتبادل السلع، يحصل فيها الرجال على السلطات المادية والرمزية، ومن بينها الحقوق الرئيسية كالطلاق، والتعدد، والنسب، ولا تكون فيها النساء سوى جسد يجب أن يحمل صفات “الإغواء والخصوبة وصور الأنوثة”، ساهم عبر التاريخ في اعتبار النساء ملكية لأزواجهن.
وإن كنّ من مجتمعاتٍ أخرى، يصبحن بالضرورة “تابعات” لمجتمع أزواجهن، وعليهن الولاء لهم.
وهذا يعني أن لا يكون لهن أي توجهات سياسية مغايرة لتوجهات أزواجهم، وإلا اعتبرن خائنات.
كما يتطلب منهن الأمر أن لا يقفن في وجههم في حال ارتكابهم جريمة عنفٍ أبوي، وإلا اعتبرن متآمرات.
زوجة سعد لمجرد .. مثال لوفاء الزوجة لقيم الأبوية
يغدو هذا أوضح في نماذج النساء اللواتي أخذن مواقف داعمة لأزواجهن، حتى في حالة متابعتهم في قضايا عنف واعتداء.
بينما اختارت أخريات المواجهة، وتحمّل الهجوم الأبوي، الذي ينظر إليهن كتابعات لا أكثر.
فمثّلت زوجة سعد لمجرد، غيثة العلاكي، الوجه الأوضح لانعكاس وفاء الزوجة لقيم الأبوية على مسار وأمان بقية النساء.
واختارت الظهور بمظهر الزوجة المخلصة، التي تقف إلى جانب زوجها المُغتصب. والمساهمة في غسل صورته سياسياً، وحمايته، بغض النظر عن الاعتداءات التي يرتكبها.
فالأهم هنا أنها حظيت بمكانة ضمن المنظومة القائمة، لا تضمن لها مكانة اجتماعية فقط، بل طبقية أيضاً، وتستفيد من وجودها ضمن دوائر الشهرة والمال.
لكن ما يغيب عنها هو أن كل هذا، حتى الوفاء المطلق للزوج، ولعب دور الحصن المنيع أمام محاسبته، لا يضمن لها هي شخصياً الحماية.
فتبقى معرّضة للعنف والأذى، وحتى الهجران، في أشد لحظاتها وفاءً.
قد يكون هناك هامش للتفهم في حال أُجبرت على الزواج منه، لكنها كانت تعمل معه أثناء ظهور هذه القضايا.
وكانت تملك حينها امتيازاتٍ كافية، عكس العديد من النساء، للرفض.
لكنها على الرغم من ذلك، جسّدت بشكلٍ مأساوي ما يمكن أن ينتج عن حيازة المال والسلطة، بغض النظر عن الجندر.
لماذا تتعرّض هبة عبوك لهجومٍ عنيف؟
في نموذجٍ نقيض، تعرّضت الممثلة الإسبانية-التونسية هبة عبوك، زوجة اللاعب المغربي المتهم بالاغتصاب أشرف حكيمي، لهجومٍ عنيف على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدأت الحملة حين نشرت وسائل إعلام إسبانية، أن هبة تباشر إجراءات الطلاق، بعد متابعة حكيمي قضائياً في جريمة اغتصاب في فرنسا.
بينما اعتبرت المجتمعات الأبوية في المنطقة الناطقة بالعربية، أن ظهور تورطه في قضية اغتصاب، بعد أيام من الحكم على لمجرد في قضية مماثلة، “استهداف ممنهج للرجال المغاربة”!
بينما لجأ/ت بعض مستخدمات/ي منصات التواصل الاجتماعي إلى نظرية المؤامرة.
فرأين/وا أن لمجرد وحكيمي مستهدفان نظراً لـ”مكانتهما وشهرتهما”.
وفي حين أثنين/وا على غيثة العلاكي، بسبب “وقوفها إلى جانبه لثقتها في براءته”، هاجمن/وا هبة عبوك.
إذ اعتبرن/وا أنها “مُشاركة في المؤامرة”، وأن حكيمي “أخطأ حين تزوّج امرأة لا ترتدي الحجاب، ولا تخضع لسلطته، ومتآمرة ضد بلده”.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها هبة للهجوم من المغربيات/ين.
فواجهت مطلع العام الجاري هجمات كبيرة، وموجة عنف إلكترونية، بسبب زيارتها عام 2012، إلى مخيمات اللاجئات/ين الصحراويات/ين.
وبسبب دعمها لكفاح الشعب الصحراوي في الاستقلال من الاحتلال المغربي.
فكانت جزءاً من الحملات التضامنية، التي يجريها المجتمع الفني الإسباني مع الشعب الصحراوي.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 11 عاماً على زيارتها وتضامنها، كان هذا الأمر بالنسبة إلى من يهاجمونها، كفيلاً بوصمها.
واعتبار أنها لا يمكن أن يكون لديها آراء سياسية مناقضة لزوجها الداعم للاحتلال، بل عليها الولاء لتوجه بلاده، حتى وإن كان في غزو وإبادة الشعب الصحراوي.
كما اعتُبر “فارق السن بينها وبينه، وطريقة حياتها، دلائل واضحة على نقص هيمنة زوجها”!
فرق العمر .. أداة في يد النظام الأبوي
يشكّل العمر أحد أعمدة التراتبية في النظام الأبوي. فالشاب الذي يتزوج امرأة تكبره سناً يظهر في التمثلات الاجتماعية كـ”ناقص هيمنة”.
كما يُصوَّر كتابع للمرأة، أو ضحية للسحر الذي جرّده من سلطته كرجل.
ففارق السن في الزواج شأن ذكوري، وبواسطته يؤكد الرجال هيمنتهم.
كما تمارس الأبوية من خلاله نوعاً من الإكراه المُباشر على النساء، للتسليم بالواقع القائم وتمثلاتهن عنه.
بعد أن ظهرت قضية الاغتصاب ضد أشرف حكيمي وطلب هبة عبوك للطلاق، اعتبرها المجتمع بالمطلق متآمرة ضد “اللاعب الوطني الناجح”!
اللاعب الذي نال رضى الجماهير العربية، خصوصاً بعد انتشار صوره مع والدته أثناء مونديال 2022.
فهو يعتبر نموذجاً للـ”رجل الناجح، والابن البار، والمهاجر الذي عانى ليصل”.
تركيبة مناسبة لمنح حصانة لأي رجلٍ مهما فعل!
بينما كان يصعب على أخريات/آخرين أن يرين/وا موقف هبة بطلب الطلاق، كرفض للاستمرار في علاقة مع مغتصب.
واعتبروا أنها معترضة على “خيانة” أشرف لها، في دلالة واضحة على خلط المفاهيم، وتصوّر أن الرجل المتزوج يمكن أن يخون لكنه لا يغتصب.
هبة عبوك .. نموذج لتصوّرنا للمحاسبة الاجتماعية
في جميع الأحوال، يعتبر تقدم هبة عبوك بطلب الطلاق في هذا الوقت، موقفاً جذرياً عن كيفية تصورنا للمحاسبة الاجتماعية.
كما يُعتبر مثالاً لاتخاذ مواقف واضحة ضد الاعتداء الجنسي، حتى من أقرب الناس إلينا.
لكن وضع هبة الطبقي وعملها، ووجودها في مجتمع بعيد، وحيازتها لجنسية أجنبية، ساهم في قدرتها على اتخاذها هذا القرار.
فالوضع المادي، ووجود النساء في موقع يسمح لهن بقطع العلاقة من دون خوف من تبعات الانفصال، أمنياً أو اجتماعياً واقتصادياً، عامل أساسي في قدرتهن على اتخاذ موقف ضد العنف أو المعتدين.
بينما على العكس، تُحرم نساء كثيرات من هذا الامتياز، ويجدن أنفسهن من دون منفذٍ من العنف نفسه.
تحتاج قضايا العنف الأبوي اليوم إلى مزيدٍ من العمل الجذري في مقاربتها ضمن استراتيجيات ومشاريع، تسمح بإنهاء جذور العنف.
كما تساهم في اتصالها بالمؤسسات السياسية والاجتماعية القائمة، ودراستها كعقد اجتماعي يزداد توحشاً، كلما امتلك أصحابه المال والنفوذ.
كما أننا نحتاج إلى المزيد من العمل النسوي القاعدي، الذي يُفكّك جزيئات العنف في المجتمع.
بينما علينا أيضاً عدم الاستسلام للحلول الكسولة، مثل الثقة في أن الأنظمة السياسية القائمة في أي مكان قادرة على تحقيق العدالة.
والحذر من الاعتقاد بأن البشر بطبعهن/م يملن/يميلون إل العنف والإذعان له، وأنه علينا أن نتقبّل العيش في هذه الأنظمة، بدلاً من تغييرها وإسقاطها.
كتابة: سعاد أسويلم