في الذكرى الـ50 لوفاة بيكاسو.. معرض حول الرسام العالمي بعدسة نسوية
تستمر الفنانة والكوميدية الأسترالية هانا غادسبي بكشف مؤشرات التمييز ضد النساء في أعمال الرسام الأسباني العالمي بابلو بيكاسو.
فبمناسبة مرور 50 عامًا على وفاة “معلم التكعيبية”، يشهد متحف بروكلين في نيويورك معرض عنه يحمل بصمات هانا غادسبي. يهدف هذا المعرض إلى إبراز النساء اللواتي لم يحظين بفرص وشهرة الفنان الإسباني.
يفتح المعرض، الذي حمل اسم “It’s Pablo-matic: Picasso According to Hannah Gadsby”، أي “بيكاسو بحسب هانا غادسبي”، أبوابه بدءًا من اليوم 2 حزيران/يونيو، لغاية 24 أيلول/ سبتمبر 2023 في “متحف بروكلين”.
ويندرج الحدث في إطار سلسلة معارض متوقّعة، كجزء من احتفالات عدّة ترعاها فرنسا وإسبانيا، في الذكرى الخمسين لوفاة بابلو بيكاسو (1881ــ 1973).
رمز السطوة الذكورية
كانت الكوميدية هانا غادسبي قد وجهت نقدًا لاذعًا لبيكاسو، خلال برنامجها “نانيت” عبر “نتفليكس”. حيث وصفته بأنّه “رمز للسطوة الذكورية التي أمقتها”.
في حين تحاول، من خلال المعرض الجاري في المتحف، إنصاف الفنانات اللواتي لم يختبرن “مجد” الفنان الإسباني.
كما ترصد مؤشرات التمييز ضد النساء، في أعماله أو رسوماته المعروضة. بما في ذلك تجسيد بيكاسو لشكل عضو ذكري في لوحة “النحات” (1931)، ما يؤشر برأيها إلى أن بيكاسو “لم يكن قادرًا على فصل نفسه عن فنه في أعماله”.
من ناحيتها، تؤكد كبيرة أمناء الفن الأوروبي في متحف بروكلين ليزا سمول أن الفنانات اللاتي عاصرن بيكاسو “لم يحظين بالدعم أو القدرة نفسها على الوصول إلى الهياكل المؤسسية التي أسهمت في بروز عبقرية بيكاسو”.
من هنا، يتناول المعرض إرث بيكاسو المعقّد بعدسةٍ نقديةٍ معاصرةٍ، مع عدم إغفال القوة التحويلية لتجربته الفنية وأهميته وتأثيره الدائم. كما يقدّم رؤية نسوية حول أهمية منظور النوع الاجتماعي عن الفن ومشتقاته.
ويلفت الأنظار إلى أهمية فهم السياق الذي أنتَج “الفن”. فيطرح تساؤلات حول إمكانية الفصل بين الحيوات الشخصية للفنانين الرجال والتي يشوبها تعنيف النساء، وبين “الفن” الذي أنتجوه على حسابهن في الفضاءين الخاص والعام.
إلا أنه – كما جرت العادة – تم نقد المعرض في يومه الأول. فارتكزت الانتقادات على أن النسويات يحاسبن الرجال بأثرٍ رجعيّ، وبمعاييرٍ “مستحدثة” في السنوات الأخيرة.
ولم تعطي هذه الانتقادات أولوية لمعنى التفكيك النسوي في مجال الفن والإبداع. تفكيكٌ يثري الرؤى بجوانب وحقائق وسرديات لم يدمجها التاريخ الأبوي الذي كتبه الرجال.
“الإعجاب والغضب يمكن أن يتعايشا”
تحت شعار “الإعجاب والغضب يمكن أن يتعايشا”، الذي ورد في مقدمة عن المعرض، يمكن للزائرات/ين التعرف مجددًّا على أعمال الرسام الشهير من منظور نسوي.
إذ يضمّ المعرض أكثر من مئة عمل، يحمل بعضها توقيع بابلو، وبعضها الآخر لفنانات من القرنين العشرين والحادي والعشرين. من بينهن: سيسيلي براون، رينيه كوكس، كاثي كولويتز، آنا مينديتا، مارلين مينتر، كيكي سميث، ماي ستيفنز وغيرهن.
كما يتضمن المعرض شخصيات من الحركة الفنية النسوية الأميركية التي يحتل متحف بروكلين الصدارة فيها. مثل الأميركية السوداء فيث رينغولد أو “غوريلا غيرلز”.
وتجسدت هذه الحركة في مقالة لمؤرخة الفن الأميركية ليندا نوشلن، عام 1971، حملت عنوان “لماذا لم تكن هناك فنانات عظيمات”. وانطلقت هذه المقالة في السبعينيات، خلال العقد الذي شهد وفاة بيكاسو.
ويعرض أيضًا رسوماتٍ تمثل أجسامًا عارية من ثلاثينيات القرن الماضي بريشة الأميركية لويز نيفلسون (1899-1988).
وهي أعمال “كانت ثورية للغاية في ذلك الوقت لأنه كان من الصعب جدًّا قبول النساء في حصص تعليم الرسم”، وفق ما تشرح كاثرين موريس. وهي كبيرة المفوضين في مركز الفنون النسوية في المتحفن والمفوضة الشريكة في هذا المعرض المخصص لبيكاسو.
واعتبرت موريس، في تصريحٍ لوكالة الصحافة الفرنسية، أننا “أمام وضع معقد ودقيق حقًّا لفنان لا يمكن المجادلة في عبقريته. لكنه أيضًا إنسان بعيد كل البعد عن الكمال”.
وبعد مرور 50 عامًا على وفاته ، قالت كاثرين موريس إن “هناك أعمال رائعة لبيكاسو في هذا المعرض ما زلت أحبها”.
وأسفت لكون “بيكاسو كان إلى حد كبير الفنان المعاصر الوحيد الذي تعلمته. وهناك تاريخ أكثر ثراء لاستكشافه ويمكن أن يكون جزءًا منه”.
“مي تو” فضحت ذكورية بيكاسو.. “الغيور” و”المستبد”
فضحت حركة “مي تو”، أي “أنا أيضًا”، صورة الرسام العالمي. إذ توجهت ضده عدة اتهامات وصفته بالرجل المتسلط وذو الميل إلى العنف أحياناً مع النساء اللاتي تشارك معهن حياته واستلهم منهن أعماله.
فتطرّقت الحركة إلى علاقته السلطوية بعارضة الأزياء والفنانة الفرنسية فرناندي أوليفييه، التي كانت شريكته لمدة 8 سنوات.
وكانت أوليفييه قد دوّنت مذكراتها خلال فترة علاقتهما. تحدثت فيها عن غيرة بيكاسو وكيف حبسها في شقتهما في باتو لافوار.
وأشارت إلى أنه “جعلني منعزلة، بسبب نوع من الغيرة المرضية… لكن مع الشاي والكتب والقليل من التنظيف، كنت سعيدة”.
ولم تكن أوليفييه الوحيدة التي صورت الجانب الكئيب من شخصية بيكاسو. فقد وصفته الرسامة فرانسواز غيلو، التي أنجبت منه طفلين، بأنه “مستبد”.
تعليقًا على هذه الشهادات حول الجانب الذكوري للفنان العالمي، أشارت المدوّنة الفرنسية جولي بوزاك إلى وجود “جميع أشكال الإساءة الأبوية في شخصيته، منها العنف الجنسي والاقتصادي والبدني والمعنوي”.
في حين، قالت مديرة متحف بيكاسو في باريس سيسيل دوبري إن “هذه المزاعم غالبًا ما تكون غير دقيقة من الناحية الواقعية”.
واعتبرت أنها “تستند إلى سوء فهم للمكانة التي كانت تحتلها النساء في المجتمع الفرنسي منذ أكثر من 100 عام”. وأضافت أنه “كان يغار، لكنه كان لطيفًا ومحبًّا أيضًا”.