معايير الجمال.. أن تكوني امرأة صغيرة الثدي

معايير الجمال للنساء في مجتمعاتنا، غالبًا ما يتم اختصارها في بشرة تميل إلى البياض، قوام ممشوق بأرداف ممتلئة، وثدي بارز مشدود. وكلما ازداد تناسق هذه العوامل، كلما تم اعتبار النساء أكثر جاذبية. ورغم أن الشكل ليس الحكم الوحيد، والأهم صحة أجسادنا، إلا أن الكثير من النساء يرهقن أنفسهن وهنّ يحاولن الوصول إلى ما يعتبره المجتمع الأبوي معايير الجمال.

أبرز من يخضعن أنفسهن لهذه المعايير هن نجمات السينما اللاتي يجرين عمليات التجميل ليجسّدن النمط المنشود. ولكن ماذا يحدث عندما لا تتوافق أجساد النساء مع هذه المعايير؟ إن كانت أردافهن مسطحة أو أثداؤهن صغيرة؟ هل تتغير نظرة المجتمع لهنّ؟ هل يحظين بفرص أقل؟

هذا ما حدث مع سهام، التي لم ترتدِ حمالة الثدي، لفترة طويلة من حياتها. فبسبب صغر حجم الثدي، سهّلت على نفسها الأمر بارتدائها ملابس واسعة طوال الوقت. فلم تكن تهتم للأمر أبدًا، ولكنها عاشت طوال الوقت يؤرّقها إحساس أن “أنوثتها” منقوصة. حتى أنها لم تتجرّأ على الجلوس بظهر مستقيم، لئلا يبدو صدرها مسطّحًا. مما تسبب لها في مشكلةٍ صحية في العمود الفقري.

شعرت، سهام المغربي (اسم مستعار)، 43 عامًا، ربة منزل، منذ وقت البلوغ أن ثدييها ليسا بالحجم الذي كانت تتوقعه لفتاةٍ بالغة. شكّت أنها لن تكون قادرة على الرضاعة إن قررت الإنجاب، وزارت طبيبة نسائية لتتأكد من وضعها الصحي. فأكدت لها الطبيبة أن حجم الثدي لا يؤثّر على وظيفته في الرضاعة.

السلامة الجسدية قبل معايير الجمال

يشرح حسام الشنوفي، أستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة، أن الثدي مكون من عنصرين أساسيين وهما القنوات والغدد اللبنية المسؤولة عن الرضاعة والخلايا الدهنية، وهي التي تعطي الثدي حجمه وشكله.

ويكون الثدي صغيرًا عادة بسبب قلة الخلايا الدهنية، وهذا لا يمثّل أي مشكلة صحية. لكن إن كان الصغر بسبب ضمور الخلايا اللبنية، فقد تكون المشكلة صحية، بالرغم من ندرة حدوث ذلك.

“أكثر موقف آلمني كان حين ذهبتُ لإجراء فحص سرطان الثدي. حيث لم يرصد جهاز الأشعة صدري كما هو مطلوب، وبالتالي، لم تكن نتيجة الفحص دقيقة”.

يتطور بروز الثدي على 4 مراحل، وهي مرحلة بروز الثدي والحلمة، ثم بروز الثدي كله عن القفص الصدري أثناء البلوغ. يليهما مرحلة استدارة حجم الثدي، ثم المرحلة الرابعة وهي بروز تام لحجم الثدي. علمًا بأن المرحلة الرابعة ربما تتأخر إلى فترة الحمل أو الرضاعة في بعض الحالات، لكنها ليست قاعدة عامة، وفقًا للشنوفي.

ووفقًا لدراسة نُشرت في دورية سينتفك ريبورتس أحد دوريات Nature عن حجم الثدي لدى النساء الآسيويات، المعروفات بصغر حجم الثدي، فإن حجم الثدي هو سمة وراثية بالأساس. وقدّرت دراسة أخرى أن الوراثة تتحمل 56% من العوامل المحددة لحجم الثدي.

ويضيف الشنوفي عاملًا آخر لصغر حجم الثدي، وهو الوزن العام مقارنة بالطول. ويشير إلى أن لعب الرياضة مثل السباحة يمكن أن يقلل من حجم الثدي خاصة وقت البلوغ. فحركة العضلات تحرق الدهون التي تتكون في الثدي مباشرة، فتجعل حجم الثدي أصغر. وفي المقابل، لا توجد رياضات معينة تساهم في تكبير حجم الثدي.

تحكي سهام عن إحساسها، وتضيف: “أكثر موقف آلمني كان حين ذهبتُ لإجراء فحص سرطان الثدي. حيث لم يرصد جهاز الأشعة صدري كما هو مطلوب، وبالتالي، لم تكن نتيجة الفحص دقيقة”.

ثدي صغير.. تنمر وعدم قبول

غالباً ما تعاني الفتاة صاحبة الثدي الصغير في مجتمعاتنا الناطقة بالعربية من التنمر، والتحرش اللفظي، وعدم القبول. ليس من قِبَل الرجال فحسب، بل من النساء أيضًا.

لفترة طويلة من حياتها، لم تنتبه لحجم ثدييها، ولم يضايقها الأمر. حتى بدّلت ملابسها يومًا أمام ابنة خالتها التي علّقت: “أنتِ بتلبسي برا ليه؟ أنتِ مفكيش حاجة تتمسك!”

عانت هيام علي (اسم مستعار)، 24 عامًا، صحافية، من نظرة المجتمع منذ طفولتها، بسبب صغر حجم ثدييها. عرّضها ذلك للتنمر عدة مرات، كان أبرزها عندما تقدّم أحدهم لخطبتها. حينذاك، أخبرته والدته أنها “معرقبة”، أي شديدة النحافة، ولن تصلح للحمل والولادة، ولم تتم الخطبة لهذا السبب.

لكن حتى عندما خُطبت هيام لرجل آخر، لم تسلم من التعليقات السلبية. فعلقت صديقات حماتها على نحافتها وانحناءات جسدها، عوضًا عن تعليقات أكثر قسوة مثل: “كيف يرضى بها خطيبها وهي بهذه الحالة!”.

تسترجع سميرة أحمد (اسم مستعار)، 37 عامًا، معلمة، تجربتها المختلفة. فلفترةٍ طويلةٍ من حياتها، لم تنتبه لحجم ثدييها، ولم يضايقها الأمر. حتى بدّلت ملابسها يومًا أمام ابنة خالتها التي علّقت: “أنتِ بتلبسي برا ليه؟ أنتِ مفكيش حاجة تتمسك!”.

مرة أخرى، تكرر جرس التنبيه عندما كانت تشتري أحد أنواع القمصان (بلوزات مطاطة ضيقة)، فأخبرتها صديقتها أن هذه النوعية تصغر حجم الثدي، “وأنت مش ناقصة”. وتستطرد أنها كانت في بداية علاقة عن بعد مع أحدهم، وعندما تقابلا علّق بشكلٍ واضح على الأمر: “أنتِ مش بتضايقي أن صدرك صغير؟”.

أما سلمى الريس (اسم مستعار)، 31 عامًا، موظفة خدمة عملاء، فهي ذات بنية جسدية نحيفة منذ الطفولة. حيث أنها كانت أصغر حجمًا من رفيقاتها، فكن يتنمرن عليها لفترة طويلة من حياتها، خاصة لحجم ثديها الصغير. حتى رافقها الشعور بأنها أقل “أنوثة” طوال الوقت، وأثّر ذلك على ثقتها في نفسها.

حجم الثدي بين المتعة الجنسية والإرضاع

لم تؤثر نظرة المجتمع لهؤلاء النساء فقط على نفسياتهن وثقتهن بأنفسهن، بل تجاوز ذلك للتأثير على متعتهن الجنسية. سهام مثلًا، لازمها شعور دائم أن هذه المسألة تشكل أزمة مع زوجها، رغم أنه لم يجرحها يومًا بكلمة، واعترض على تفكيرها في إجراء عملية تكبير للثدي، إلا أن الأمر شكّل عائقًا في حياتها الجنسية.

فمهما ارتدت لا تشعر بـ”أنوثتها”، تقول: “حتى متعتي الجنسية كانت منقوصة، بسبب إحساسي أن زوجي لا يستمتع معي ولا أثيره لأن ثديي صغير. كما أنني لا أشعر بأي إثارة جنسية في هذه المنطقة”.

سهام ليست وحدها في هذا الشعور، فسامية عمر (اسم مستعار)، 34 عامًا، مأمورة ضرائب، شعرت بهذا النفور من زوجها أيضًا، فهو لم يلمس ثديها طوال علاقتهما والتي استمرت 20 عامًا.

وبعيدًا عن الشكل والعلاقة الجسدية، فوظيفة الثدي الرئيسية، وهي الإرضاع، لا يحددها الحجم. فلا يعني الثدي الصغير أن المرأة أكثر أو أقل قدرة على الرضاعة. كما لا يشير حجمه إلى مقدار الحليب الذي يمكن إدراره. وليس بالضرورة أن يكون الثدي الكبير أفضل للوظيفة.

يكبر حجم الثدي عادة أثناء الحمل والرضاعة، تروي سهام، أن ثديها “ازداد حجمه أثناء الرضاعة، ثم عاد لطبيعته بعد انتهائها”. جعلها ذلك تشعر ببعض الثقة، وأنه رغم مشكلة الحجم، إلا أنه أدى الوظيفة.

أما سميرة، فتضيف أنها حاليًا أم مرضعة ورغم الألم والتعب الذي تعيشه، إلا أنها لامست الجزء العاطفي في الرضاعة، والذي أسمته بـ”المعجزة”. تقول سميرة: “لم يؤثر الحجم على شعوري بالأمومة، بل ساعدني في التصالح مع جسدي الذي أتقبله الآن في كل حالاته”.

بشكلٍ عام، ليس هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تفعلها المرأة للتحكم في حجم ثدييها. لكن للتكبير، هناك تدخلات جراحية مختلفة، يجب أن تتم عند جراح متمكن وإن تمت العملية بشكل آمن لن تكون هناك مشكلة. ولكن إن كبر حجم الثدي زيادة عن اللازم، يمكن أن يؤدي إلي مشاكل في الظَهر، حسب ما قاله دكتور حسام الشنوفي.

الثقة بالنفس مفتاح الجمال

وبالرغم من كل ما تتعرض له النساء صاحبات الأثداء الصغيرة، إلا أن الأمر قد يكون له بعض المميزات. تحكي سميرة عن شعورها الإيجابي عندما كانت تتدرب في ورشة للرقص العلاجي. ففي الوقت المخصص لتعلم حركات الصدر، كانت منطلقة تشعر بالحرية.

وتتفق كل من سامية وسمر على ميزة أخرى، وهي حريتهن في الخروج بدون حمالة صدر في بعض الأوقات. أما هيام، فخطيبها الحالي يشجعها على ألا ترتدي البوش أب (الصدريات المُكبّرة للثدي).

في هذا الصدد، تنصح نادية جمال، استشارية العلاقات الزوجية، النساء بتقبل أجسادهن كما هي. وهذا التقبّل يكون عبر التركيز على المناطق التي يحببنها في أجسادهن، ولا يضعن أنفسهن موضع مقارنة مع أخريات. كما تنصح بالتركيز على المناطق التي تشعر كل امرأة بالثقة في جسدها، والتي ستنعكس على شعورها بالإثارة والمتعة الجنسية.

وتؤكد: “الثقة هي التي ستخلق أجواءً حميمية، وتخلق إثارة. على عكس عدم الثقة في النفس، والتي تعطي مجالًا لبعض الرجال، ليضغطوا على نقاط ضعفهن. وهو ما قد يتسبب في تعاسة بالعلاقة”. وتنبه أن بناء الثقة بالنفس لن يحدث في فترة قصيرة.

نُذكركّن بالفحص الدوري والذي هو عاملٌ هام في اكتشاف سرطان الثدي في مراحل مبكرة.

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد