زياد برجي في طابور الدفاع عن المغتصب سعد لمجرد.. شو حلو.. التطبيع شو حلو!
لم يعد التنافس بين الفنانين زياد برجي و إليسا محصورًا بأغنية “وبطير”، بل تجاوزه إلى سيمفونية التطبيع مع المغتصب سعد لمجرد.
أبدع الإثنان في نقش إحساسهما في أداء الأغنية. غير أن إصرارهما على دعم المغتصب المذكور وتلميع صورته وغسلها إعلاميًّا، وضرب شهادات الناجيات ومشاعرهن بعرض الحائط، جعل من الإحساس خدعة لا أكثر.
لحقًا بالرَكب الذكوري، عبّر الفنان اللبناني زياد برجي عن دعمه للمغتصب سعد لمجرد، خلال مقابلة مع الإعلامية رابعة الزيات على قناة الجديد.
فعندما سُئل زياد عن موقفه من الرجال المتهمين بتعنيف النساء، كان اسم سعد لمجرد أول ما نطق به، واصفًا الأخير بالصديق والأخ. وعن الاتهامات والقضايا التي تلاحق لمجرد بتهم الاغتصاب “العابرة للحدود”، قال برجي بدون تردد: “خيي ما بيعملها”.
تجاهد الصحافة البديلة لطرح سرديات إنسانية أكثر حساسية لقضايا النساء، بينما يقاتل الإعلام التقليدي لإعادتها إلى سكة الرايتنغ والترند
زياد برجي.. إسهام ذكوري “أخوي”
تطبيعٌ، وتمييعٌ علني للقضايا، وسباق على تبييض صورة المغتصب، على قاعدة “أنا بعرفه، ما بيعملها”. هكذا قال الفنان زياد برجي.
برأيه، سعد الذي وصفه ب “خيي” “ما بيعملا” ، و”إن تمت إدانته فسيبقى مقتنعًا ببراءته”. ودليله الوحيد: “أعرفه”.
ألهذا الحد شهادات الناجيات ومشاعرهن لا تساوي شيئًا لدى محترفي ومحترفات “الفن”؟!
إن كنا اليوم بصدد التعليق على ما قاله برجي، فذلك لأن موقفه يجسّد حالة النكران التي يعيشها مجتمعنا بفعل مورفين التبرير الذكوري.
إلا أنها، وللأسف، ليست المرة الأولى التي يطبّع فيها مع “الإجرام الذكوري”. إذ اعتاد برجي التسويق للمعتدين بما يساهم في تبرئتهم الاجتماعية وتبييض صورهم أمام الرأي العام.
مؤخرًا، طبّع زياد مع سعيد الماروق، المخرج المعنف، الذي “بدّع” حرفيًّا بتعنيف أم أولاده. رغم التعنيف الموثق جسديًّا وماديًّا ومعنويًّا، ظهر البرجي في أحد أفلامه بدور البطولة. خلال نفس الفترة، أطلقت جيهان أبو عايد صرختها، لرفع سيف العنف الاقتصادي المصلت فوق رقبتها على يد الماروق.
قضايا النساء ليست شؤونًا عائلية
حسنًا، اعتدنا بعض الشيء على تطبيع تعنيف النساء وجعله عاديًّا في مجتمعاتنا. كما اعتدنا على أخذ الفنانات/ين مواقف يتم وصفها بالـ”حيادية” من زملائهم المعنفين.
لكن هذه الحيادية المزعومة تظهر جليّة في قضايا النساء. خاصةً لو تورّط “الزملاء” في الضرب والتعنيف، أو “نهش لحمهن” كما في حالة الماروق، أو ابتزازهن اقتصاديًّا، وحتى عاطفيًّا. تُبنى هذه الحيادية على قاعدة مختصرها أن تلك الأمور، هي “شؤون عائلية خاصة”.
فلا الإحساس المرادف للفن، ولا ذريعة الرسالة الإنسانية، كفيلان بتقويم اعوجاج الاستنباط الذكوري الفاسد.
وما هذا إلا مظهرٌ سافر من مظاهر التطبيع وجعل تعنيف الزوجات/ البنات/ الشقيقات/ الأمهات/ الطليقات أمرًا عاديًّا، وشأنًا خاصًّا. ورغم ذلك، يبقى أولئك الفنانين/ات يتحفوننا بنظريات “الفن رسالة”، وشعارات “احترام النساء وتقديرهن”.
اليوم، قرر زياد برجي أن يثبت موقفه بمساندة العنف الذكوري مجددًّا، عبر معاندة عدة قرارات قضائية صادرة بحق المغتصب سعد لمجرد. فهو يؤكد أن سعد بريء، بأمارة دليلين.
الأول: أن “سعد خيي، ومتأكد ما بيعملها”. أما الدليل الثاني فهو أن المغتصب المذكور “هو الآن خارج السجن، وقدم طلب استئناف لحكم الإدانة”. وبالتالي، فهو برأيه “غير مدانٍ”. ولكنه حسمها: “حتى لو تمت إدانته، سأبقى مصدق أخي لا يفعلها”.
View this post on Instagram
حقائق ربما لم يسمع بها زياد برجي
هل تعلم يا زياد، أين المصيبة؟ المصيبة أن رصيد “أخيك” مليء بالشكاوى حول اعتداءات جنسية عابرة للحدود.
المصيبة يا زياد أنك لا تصر فقط على تغافل عن 4 قضايا اعتداء جنسي بحق من وصفته بأخيك. ضج بها الإعلام, ولكنها لم تقارع مسامع بصيرتك. بل استخفّيت فوقها علنًا بشهادات عدة ناجيات، وبجرأةٍ فادحة.
المصيبة أنك تتغافل – حبذا لو بغير عمدٍ – اعتقال سعد لمجرد، عام 2010 بتهمة اغتصاب امرأة وضربها في نيويورك. ومن ثمَ، إطلاق سراحه بكفالةٍ مالية، لحين إصدار الحكم. قبل أن يهرب خارج أميركا التي لم يعاود دخولها مجددًّا!
المصيبة أنك تتغافل عمّا تم تداوله عن اغتصاب سعد لمجرد عام 2015 لامرأة مغربية فرنسية في المغرب، وتبليغ الناجية بالاعتداء. إلا أنها سحبت الشكوى، فيما يبدو لأصحاب وصاحبات العقول أن الشكوى تم سحبها نتيجة ضغوط.
المصيبة أنك تجاهلت اعتقال لمجرد عام 2016 بتهمة اغتصاب شابة وضربها في باريس، ثم إطلاق سراحه بكفالة مالية مرة جديدة.
المصيبة أنك تجاهلت قضية لاحقته منذ عام 2018، تم تصنيفها كجناية اغتصاب، بعد تقدّم امرأة فرنسية بشكوى اتهمته فيها بضربها واغتصابها في سان تروبيه. حينها تم اعتقاله، ثم خرج بعدها من السجن بعد دفع كفالة جديدة بقيمة 175 ألف دولار أميركي!
المصيبة فوق كل ذلك، أنك تعمدت تجاهل صدور قرار قضائي بإدانة المغتصب سعد لمجرد، عام 2023، والحكم عليه بالسجن 6 سنوات. واعتبرت أن وجوده اليوم خارج السجن “دليلٌ على براءته”. كما لو أنك تجهل تأثير النفوذ الذي يحظى به المعتدي المذكور كفنان مدعوم من ملك بلده.
المصيبة أن أخيك متهمٌ “بضرب النساء حتى يفقدن الوعي ليغتصبهن”، بينما أنت مصرٌّ على أنه لا يفعلها!
هل يفعلها الأخ؟ آخ!
بعد كل تلك الاتهامات والادّعاءات والقضايا والشهادات، ما الذي يجعلك موقنًا أن “أخاك” بريء؟
إن كانت “الأخوية” تعني تجاهل أصوات الناجيات، وتكذبيهن، والدوس على معاناتهن لتبييض صفحة “أخ”.. فألف آخ!
وإن كانت تعني تغافل مساهمة امتيازات مغتصب في إفلاته من العقاب، فتلك ليست أدلة براءة يا عزيزي!
وإن كان اعترافك بالإدانة يعني تعرضك شخصيًّا للاعتداء، كما ذكرت، فهذا استشراسٌ غير منطقي، ليس فقط لإثبات ولائك الذكوري. بل لتسخيف قضايا الاغتصاب والتخاذل بحق الناجيات منها.
كل ما يحتاجه الأمر منك، ومن كل من يتقاتلون/يتقاتلن لتبرئة المغتصبين، هو بعض التفكّر والكثير، الكثير من المنطق والإحساس والإنسانية.
أما إن كانت الأخوية التي تعنيها هي أخوية الذكورية، فمرحًا!
للأسف يا زياد، بعض الأمور لا تحتاج إلى سفسطة لنقف على أسبابها غير المعلنة. صحيح أن بعبع “النسوية” أصبح يلاحق كل مَن تسمح له امتيازاته الذكورية بالاستقواء على النساء، إلا أن ال “برو-كوود” لن يحل المعضلة!
والمعضلة تكمن في أن مواجهة الخوف بالنكران لن تخفي حقيقة الذكورية، ولن تحوّل المعنف والمغتصب والمعتدي إلى بريء.
أما الحل ففي العدالة والمحاسبة. الحل في الإنسانية والإحساس الذي تغني لهما وعنهما!
“الأختية النسوية” في مواجهة “الأخوية الذكورية”..
أصبحت الجمعيات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان أرضًا خصبة لمقارعة “موضة” الحقوق، بدل تبنيها. وبعد أن كان الإعلام التقليدي منهمكًا بإعادة إنتاج سرديات ذكورية عن قصص النساء وقضاياهن، أصبحت هذه السرديات اليوم متوجسة من منظار الأصوات النسوية.
ومع كل الاحترام للزميلة العزيزة رابعة الزيات، والعتب عليها أيضًا، إلا أنها مرّت مرور “الحركشة” على قضية ليست مختصة بسعد لمجرد وحسب، بل تتربص بأي فتاة أو امرأة بيننا.
حاولت رابعة أنسنة القضية. ومع ذلك، حين تناولتها حصرتها بترند “هلأ بيقوموا عليك الجمعيات النسوية”.
الحق يا زميلتي أن دورنا جميعًا كإعلاميات/ين، اجتماعيات/ين تحديدًا، أن “نقوم عليه” من منطلق رقيبٍ شخصي ومجتمعي إنساني. والعتب أنه كان عليكِ أن تحدفي في وجه ضيفك تاريخ زميله/ “أخيه”. لكنكِ بدلًا من ذلك، منحتيه منبركِ على بساطٍ مخملي، لتبييض صفحة مغتصب بكل “رومنسية”، أو عدم التطرّق إلى الأمر من أصله.
هكذا تمامًا، علق الإعلام التقليدي في فخ “رمنسة” تحقير وإذلال واغتصاب وقتل النساء.. فمن يسمع استغاثاتنا المستمرة لوقف التطبيع الإعلامي مع تعنيف النساء؟
اليوم، تجاهد الصحافة المستقلة والنسويات لطرح سرديات إنسانية أكثر حساسية لقضايا النساء، بينما يقاتل الإعلام التقليدي لإعادتها إلى سكة الرايتنغ والترند، جنبًا إلى جنبٍ مع إعادة إنتاج السردية الذكورية.
واليوم، كما كل يومٍ، لن نقف صامتات أمام التطبيع مع العنف، وسيخترق صوتنا جدار العنف الذكوري والصمت الأبوي. كما سنحتفي بأصواتنا التي تؤرّق أحلام الذكورية بدوام السلطة.
من اليوم، لن تنعم قافلة الذكورية بالسير فوق أجسادنا وآلامنا..
وكل المطبعين/ات، نعم كلكم/ن، تحت مرصد “الأختية النسوية” العابرة للحدود.
كتابة: مريم ياغي