من الصليب الأحمر إلى الأونروا.. عندما يكون التواطؤ ضد غزة ممنهجًا
أثبتت الحرب الاستعمارية على غزة أن المنظمات والمؤسسات الدولية هي غطاء لحماية الأنظمة الإمبريالية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني. فخلف الشعارات البراقة لحقوق الإنسان وحقوق النساء وحماية الطفولة، بنيّات استعمارية ضخمة استطاعت أن تظفر بثقة العديد من الشعوب المضطهدة. بل وأن تكون هي المعيار والميزان للحكم على مشروعية وجودها.
فها هي المنظمات الإغاثية كالصليب الأحمر والأونروا والهيئات الإقليمية والدولية للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وغيرها الكثير أعلنت دون خوفٍ تخليها عن أهل غزة ومشاهدة الإبادة والتهجير.
نحتاج اليوم أن ندرك قوتنا وقدرتنا على تحدي الاستعمار، إذا ما تسلحنا بالوعي وآمنا أنه لا توجد منطقة وسط يمكننا التعايش فيها معه.
جرائم حرب مؤسسية في غزة
تواترت الشهادات من غزة حول تجاهل الصليب الأحمر لنداءات الاستغاثة عبر الهاتف. حيث وجه مئات الأشخاص نداءاتهن/م للمنظمة عبر الهاتف، وكان الرد دومًا أنها لا تستطيع تقديم المساعدة أو ليست من مهامها. رغم أن الصليب الأحمر تأسس بهدف حماية ضحايا النزاعات المسلحة وتقديم المساعدات الإنسانية، وفق اتفاقيات جنيف، وأعلن نفسه كجهة محايدة وغير متحيزة.
إلا أننا شهدنا النقيض في غزة. حيث لم تكتفِ المنظمة بتجاهل نداءات الاستغاثة. إنما رفضت أيضًا منح مولدات كهرباء موجودة في مخازنها للمستشفيات، رغم أهميتها في مساعدة الطواقم الطبية على الاستمرار في مهام الإغاثة. وهو ما جعل العديد من العاملات/ين بالمستشفيات شمال غزة يصفن/ون المنظمة بأنها شريكة في الإبادة.
وربما كانت الفاجعة الأكبر والتي نزعت أي ثقة بالصليب الأحمر بالنسبة لسكان غزة هي جريمة ترك طفلات/أطفال خدج للموت الحتمي.
ففي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، أُخلي مستشفى النصر للأطفال/الطفلات تحت تهديد السلاح من قبل قوات الاحتلال الصهيوني. إذ صرّح مدير المستشفى للصحافة أنه تم إخلاء المرضى والمريضات. وأفاد أن الصليب الأحمر تعهّد بإخلاء مجموعة من الخدج بقين/وا داخل العناية المركزة، ونقلهن/م إلى مكان آمن.
في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، وأثناء عودة مراسل قناة المشهد محمد بعلوشة إلى المستشفى، وثّق مشهدًا صادمًا. تفاجأت عائلات الخدّج والطواقم الطبية وكل غزة بجثث هؤلاء الطفلات/الأطفال متحللة ويخرج منها الدود.
View this post on Instagram
مَن يُبيد غزة؟
هذا المشهد دمر الثقة تجاه الصليب الأحمر، وكان مفجرًا لمشاعر الغضب والحزن والشعور بأقسى أنواع الخيانة. فهذه المؤسسة كانت شريكة مع الاحتلال الصهيوني في قتل المواليد، والتآمر في إخراج مستشفى الرنتيسي عن العمل. وذلك بعد محاصرته بالدبابات والقناصة وإجبار الاحتلال العاملين/ات فيه على الإخلاء.
ستبقى صور جثث الطفلات/الأطفال اللواتي/الذين متن/ماتوا ببطء شاهدة على التعذيب والسادية والوحشية التي قام بها الاستعمار الصهيوني. وأن ذلك حدث بأيدي منظمة أعلنت نفسها بأنها موجهة لخدمة الإنسان، لنكتشف متأخرات أن هذا الإنسان لم يكن يومًا سوى المستعمِر.
لم تكن الأونروا ببعيدة عن المشاركة في حصار وإبادة غزة وشعبها. فمنذ بدء آلة القتل الصهيوني، نزح الآلاف بين شمال وجنوب غزة وبقيت أعداد هائلة منهن/م في الشوارع دون مأوى. كما واجه الآلاف خطر الجوع وانعدام المياه والكهرباء، بينما ظلت الأونروا تشاهد. بل وتغلق مخازنها على المواد الغذائية الأساسية كالدقيق، وتتعامل بشكلٍ غير شفافٍ تجاه المساعدات التي تدخل بواسطتها لكنها لا توزعها.
قتل الآلاف من طفلات/أطفال غزة، أمام أنظار مؤسسات عالمية تدعي أنها وجدت لحمايتهن/م والدفاع عن حقوقهن/م، وأولها الحق في الحياة. لكننا شاهدنا تقاعس هذه المنظمات أمام فظائع الإبادة التي قام بها الكيان الصهيوني ضد أطفال/ طفلات غزة. بينما كانت العديد منها تتسابق لإدانة المقاومة الفلسطينية والتباكي على طفلات/أطفال “إسرائيل”. لتثبت، مرة أخرى، انحيازها الواضح وعملها الخفي لاستدامة الاستعمار.
نحتاج اليوم للقطيعة مع كل هذه المنظمات والهيئات التي ثبت تورطها في مجازر غزة. وتلك التي اختارت الصمت. ومَن ساوت بين الضحية والجلاد.
View this post on Instagram
كيف ساهمت المنظمات الدولية في تقليم أظافر المقاومة؟
بعد انتشار الحركات الثورية منذ بدء حروب التحرر الوطني ونمو الوعي السياسي، كان النضال ضد الاستعمار والمقاومة المسلحة أمرًا مسلمًا به. وانتشر التعليم الجذري حول مواجهة الأنظمة القمعية، مثل النظام الأبوي والرأسمالية والعنصرية وغيرها. وكان تأثير هذا المد الثوري يسفر عن نتائج كبيرة على مستوى الوعي الجمعي للشعوب. لذلك، كان الخيار الأنسب للمقاومة هو الخيار الأعمق، أي استخدام الوسائل الجذرية، مثل الكفاح المسلح والتعليم التحرري والبدء بالمجتمعات من الأسفل.
منذ نهاية الثمانينات تقريبًا، ظهرت الحاجة لوضع خطط للتصدي للمقاومة الثورية التي كانت تنظر بوضوح لهذه الأنظمة والاستراتيجيات الفعالة لمواجهتها. انتشرت المنظمات الدولية بشكلٍ كبير، وبالتزامن مع ذلك بدأت عمليات إعادة سيطرة الاستعمار على الوعي الجمعي. بحيث تصبح مفاهيم المقاومة المسلحة “إرهاب”، وحق الشعوب في تقرير مصيرها “مجرد خلاف بين طرفين”.
انتشر الخطاب الذي يعطي هذه الأنظمة أمل البقاء. أصبح النضال عملاً إنسانيًا ينتهي بالتقاط صورة مع الضحايا، أو توزيع بعض المساعدات عليهن/م. كما يقتصر على إصدار بيانٍ شديد الضبابية يساوي بين الضحية والجلاد، ويدين أي ردة فعل على الإبادة والاستعمار. بينما يبرر للاحتلال مجازره بصفتها دفاعًا عن النفس أو عملًا شنيعًا، لكنه لا يستدعي بالضرورة وقفه على الفور.
أصبحت المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وهيئاتها وفروعها وبعثاتها غطاءً سياسيًا لارتكاب إنتهاكات استعمارية وعنصرية وأبوية بحق الشعوب الأصلانية. يتضمن ذلك التآمر والتخابر لصالح أميركا وإسرائيل والدول الأوروبية، وتورط جنودها في الاعتداءات الجنسية والرشوة. كما يظهر تحيّزها للأنظمة الإمبريالية في جرائمها، وعلى رأسها الكيان الصهيوني.
نراهن على المقاومة.. على قوة الشعوب.. على النضال والثورة.. لا على منظمات تتركنا للموت والجوع.
View this post on Instagram
من أجل غزة.. حان وقت القطيعة
كان السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت مرحلة فارقة في تاريخنا، بل دليلاً قاطعًا على أن الاستعمار لم يغادر.
ورغم وضوح وجوده في فلسطين، فقد أصبح من الواضح حتى لمَن ينكر ذلك أنه يسيطر على العالم. فبعد عقود من سيادة خطابات القانون الدولية والارتهان لقرارات الأمم المتحدة والتصديق بأن المنظمات الدولية محايدة وأنه توجد منطقة وسطى بين المُضطهِد وضحاياه، اتضح اليوم أنه لا يوجد صف ثالث.
فهذه الهيئات استطاعت بخبثٍ شديدٍ تخدير مشاعر الشعوب والمدافعين/ات عن الحرية بإيهامهم/ن أن المقاومة يمكن أن تكون بأسلوبٍ وحيد. وهو الأسلوب الذي يسمح للنظام الاستعماري والرأسمالي والأبوي والعنصري بمراكمة السلطة والأسلحة والموارد ونهب الثروات.
بينما يتوجب على ضحاياه التنديد أو الصراخ أو طلب الاغاثة من هذه الهيئات التي تنسحب بهدوء، لتترك المحتل يمارس إبادته بـ “الهدوء” ذاته. ثم تخرج بقناع الحياد الذي يتواجد خلفه وجه وحشي يترك الخُدج والطفلات/الأطفال للموت، ويتجاهل صرخات الاستغاثة.
نحتاج اليوم للقطيعة مع كل هذه المنظمات والهيئات التي ثبت تورطها بمجازر غزة. وتلك التي اختارت الصمت. ومَن ساوت بين الضحية والجلاد.
نحتاج اليوم أن ندرك قوتنا وقدرتنا على تحدي الاستعمار، إذا ما تسلّحنا بالوعي وآمنّا أنه لا توجد منطقة وسطى يمكننا التعايش فيها معه.
وأخيرًا، لن نخجل بعد الآن من القول بكل ثقة أننا نراهن على المقاومة.. على قوة الشعوب.. على النضال والثورة.. لا على منظمات تتركنا للموت والجوع.