عسر النشوة.. ضريبة وصم الجنس وعنف المجتمع والشريك
لم تكن سهام تعرف ما يعنيه مصطلح عسر النشوة، لأنه لم يمر عليها يومًا. لكنها تتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي شعرت فيه بالنشوة الجنسية للمرة الأولى في حياتها. كانت في الأربعين من عمرها، بعد زواج استمر تسع سنوات عانت فيها من اضطراب عسر النشوة.
اضطراب عسر النشوة هو المعاناة من صعوبة دائمة، أو متكررة، في الوصول للنشوة الجنسية. ولا يعد اضطرابًا إلا في حال شعور النساء بالانزعاج من عدم بلوغ النشوة، أو إعاقة شعورهن بالرضا الجنسي.
تقول نهلة أمين، طبيبة ومعالجة نفسية، إن عسر النشوة هو تأخر الشعور بالنشوة أو انعدامها، أو حدوث هزات جنسية أقل. وقد يكون مستجدًا حال حدوثه في توقيت حديث، أو عارضًا ويرتبط ببعض الظروف أو طرق الإثارة، أو مدى الحياة.
بعد سنوات من المحاولات وبعد أن فقدا علاقتهما العاطفية، توقفت ماغي عن الرغبة في علاقة جنسية مع شريكها. حتى أنها باتت ترفض عروضه المتباعدة، لتجنب مزيدٍ من خيبات الأمل والغضب.
عسر النشوة والرجولية السامة
كانت سهام حريصة على التحدث مع شريكها وتشعر بوجود خطأ ما في علاقتهما الجنسية. لم تعرف النشوة في ذلك الوقت، ولكنها أحيانًا حظيت بالرضا الجنسي، وحاولت استثماره لتصل للنشوة التي قرأت عنها وتخيلتها وصادفت بعض مشاهدها في الأفلام.
اعتبر الشريك حديث سهام عن عدم شعورها بالنشوة الجنسية ورغبتها في تجربة أمور جديدة وتمضية وقت أطول معًا مساسًا بـ”فحولته” التي يفترضها. ثم اتهمها بالبرود الجنسي بسبب ختانها (تعرضها لجريمة تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية). أما هو، فلا عيب فيه!
بفعل مفاهيم الرجولة السامة، لا يعترف بعض الرجال بمسؤوليتهم كشركاء في العملية الجنسية، فتُحمَّل النساء المسؤولية عن أي خلل بها. بينما هناك كثير من العوامل المرتبطة بالرجال، والتي تؤثر على جودة العلاقة الجنسية واستمتاع جميع الأطراف المنخرطة.
في مصر حيث تعرضت 86% من النساء المتزوجات للختان، بحسب المسح الصحي 2021، يتم اتهام كثيرات من قبل شركائهن بالبرود الجنسي. يحدث ذلك خصوصًا في حال طالبن بحقوقهن بالاستمتاع بالجنس.
يسبب الختان كثير من المضاعفات الجسدية والنفسية، وهو جريمة بحق الفتيات. ولكن ليس من بين تلك المضاعفات غياب الشعور بالمتعة أو النشوة الجنسية في معظم الحالات. سهام، مثلنا جميعًا، تحتاج فهمًا من الشريك/ة واهتمامًا باستثارتها بالطريقة الأنسب لها، لتشعر بالرضا والاستمتاع الجنسي، وكذلك النشوة.
تقول نهلة أمين، الطبيبة والمعالجة النفسية إن النشوة الجنسية تتباين من وقتٍ لآخر، ومن شخصٍ لآخر، ومن علاقةٍ لأخرى. كما تختلف طريقة بلوغ النشوة الجنسية والتي غالبًا ما تعتمد على الإثارة وقدرها المناسب لكل طرف.
طوال تسع سنوات، استخدم شريك سهام أساليب الرجولة السامة مستهدفًا ثقتها بنفسها، وهددها بأن يتزوج أخرى. بينما ضغطت عليها أسرتها للاستمرار في الزواج وعدم الشكوى والصبر، حتى أصيبت بالاكتئاب.. فطلقها.
وكان قبول سهام بالفكرة الأبوية حول حصر الجنس على المتزوجات، من بين الأسباب التي منعتها من ممارسة الإمتاع الذاتي – أحد أساليب العلاج المقترحة لعسر النشوة. وهو ما حرمها من عشر سنواتٍ إضافية من تقبل جسدها والاستمتاع بالجنس.
View this post on Instagram
الأبوية تصادر حق النساء في المتعة الجنسية
رغم أن الاستمتاع بالجنس حق للنساء، لا يحظى تعبير النساء عن عدم رضاهن الجنسي بتقبل مجتمعي. إذ يتم انتقادهن بل واتهامهن بسوء الخلق أحيانًا، مع مطالبتهن بالرضا والصبر!
في نظر أصحاب تلك المفاهيم الأبوية، النساء أقل شعورًا بالرغبة الجنسية من الرجال، أو لا يشعرن بالرغبة الجنسية، ولا يجب أن يستمتعن بالجنس. فليس مقبولًا أن تعبر أو تطالب النساء باحتياجاتهن الجنسية التي، بالطبع، يتم إنكارها.
في المقابل، حينما يشكو رجل من عدم رضاه الجنسي، يتم عادة لوم شريكته ومطالبتها بالتزين والتجمل وفعل ما يُطلب منها لإرضائه، فضلًا عن تهديدها بعقوبات دينية وبأن يرتبط بأخرى. وفي حالاتٍ شائعة، يضغط الرجال والطواقم الطبية على النساء لإجراء ما يسمي “غرزة الزوج” لهذا الغرض. فالجنس الغيري محوره الرجال ورغباتهم واستمتاعهم. أما النساء، فليس لهن الحق في الاستمتاع الجنسي.
بصعوبة، تغلبت سهام على الاكتئاب، ولكنها ظلت مقتنعة أن لديها عيب جسدي يحرمها وشريكها من الاستمتاع بالجنس. ورغم أن طبيبتها النفسية اقترحت أن تمارس الإمتاع الذاتي لتكتشف جسدها وتتغلب على تلك الأفكار، فإنها قررت الهرب من التجربة، خوفًا من هزيمة جديدة، واقتناعًا برواية شريكها السابق.
بعد عشر سنوات من الطلاق، وعدد من عروض الارتباط التي رفضتها لقناعتها بأنها ليست “صالحة للجنس”، دق قلبها وقررت المغامرة. أخبرت سهام شريكها أنها تعرضت للختان، وفاجأها رده: “وإيه المشكلة؟”.
شعرت سهام بالنشوة الجنسية للمرة الأولى مع شريكها الجديد. ورغم شعورها بالسعادة، شعرت بالغضب لأن أحدهم سرق من عمرها عشرين عامًا شعرت خلالها بالوصم والحرمان من حقها في الاستمتاع بالجنس. ذلك أنه فضّل انتقادها، بدلًا من محاولة العمل معها على تحسين علاقتهما الجنسية. كل هذا بجانب ضغط أسرتها الذي أجبرها على الاستمرار في الزواج رغم شكواها.
المتعة الجنسية هي حق للنساء، غيريات ومثليات وغير نمطيات الهويات الجندرية. تضمن مراعاة ذلك الحق تحقيق العدالة الجنسية والإنجابية للنساء، ووقف احتكارها لصالح الرجال وفقًا للنظرة الأبوية. هذه التي تنطلق من عدم أحقية النساء بالاستمتاع بالجنس، وتعتبرهن مجرد أدوات لمتعة الشركاء الجنسية.
أمل.. فستان زفاف ملطخ بالعنف
وصلت أمل بفستان زفافها قبل أقل من خمس ساعات من استدعاء العريس لأسرتها وأسرته، متهمًا العروس بأن لديها مشكلة تمنعهما من ممارسة الجنس. كانت إشارة الشريك لعيب خلقي أفسد زيجته وأهدر “شقى عمره”، وفجأة توجه الحديث إلى “بكارة” العروس وسلامة إكليل مهبلها!
استدعيت طبيبة نساء مقيمة بالقرية النائية. وبعد فحص العروس، أخبرت الشريك والأب أن “العروس بكر”. ليخرج الأب مهللًا في جمع من العائلتين: “بنتنا صاغ سليم”، وتتبعه زغاريد من عائلة العروس، وتحفز واستنفار من عائلة العريس.
شرحت الطبيبة للشريك أن عروسه لديها إكليل مهبل مطاطي يعطل عملية الإيلاج، واصطحبته لداخل الغرفة مع اثنتين من الحاضرات. ولأن المفاهيم الأبوية ليست قاصرة على الرجال بل تشيع أيضًا في الوسط الطبي كما المجتمع، استدعت الطبيبة الامرأتين، ودون أن تبلغ العروس أو تستأذنها، أمرتها بفتح ساقيها، لتفض إكليل مهبلها أمام العريس المتعجل. ثم اختتمت جريمتها بالقول: ” مبروك.. العروسة جاهزة”!
استمرت زيجة أمل عامين أنجبت خلالهما طفلة، ولكنها لم تعرف أبدًا ما يعنيه الشعور بالنشوة الجنسية، وكذلك الرضا الجنسي. كانت تتذكر ما حدث ليلة زفافها كلما مارست الجنس مع شريكها، فتحرص على تجنبه.
وجدت دراسة حديثة، نشرتها منصة سبرنجر للأبحاث في أكتوبر 2023، بعنوان “الوظيفة الجنسية والرضا عن العلاقة بين النساء اللاتي تعرضن لعنف الشريك”، أن عنف الشريك يرتبط بسوء الأداء الجنسي، ويؤثر سلبًا على الرغبة والإثارة الجنسية، والقدرة على الشعور بالنشوة الجنسية. كما يسبب انخفاض الرضا الجنسي، والرضا عن العلاقة بوجهٍ عامٍ.
حُرمت أمل من حقها بالاستمتاع الجنسي، بسبب العنف الجنسي والطبي والضغوط المجتمعية والنفسية التي واجهتها، وفقدت الثقة والأمان في شريكٍ كان شاهدًا وسعيدًا بينما يُنتهك جسدها.
View this post on Instagram
ما أسباب عسر النشوة؟
في معرض تحليليها لأسباب عسر النشوة، قالت الطبيبة النفسية نهلة أمين، إن “الإثارة والنشوة الجنسية من ردود الأفعال المعقدة المرتبطة بمجموعة من العوامل البدنية والعاطفية والحسية والنفسية. وقد يؤثر وجود صعوبات في أي من العوامل على الشعور بالنشوة، والتي تختلف لدى النساء وذوات/ذوي المهبل من وقتٍ لآخر. وكذلك تتباين من شريكٍ لآخر، وفق العوامل المذكورة”.
وأكدت أن “الاستمتاع بالجنس وتحقيق الرضا الجنسي ليس مرتبطًا بالشعور بالنشوة الجنسية. فالوصول للنشوة قد يكون تفضيلًا لبعض النساء، ولا يعد غيابه مشكلة، إلا حال تأثيره سلبًا على الرضا الجنسي”.
وأشارت إلى وجود “عدد من العوامل قد تسبب تعسر الشعور بالنشوة، ومنها التعرض للإساءة الجنسية أو العاطفية، العنف الأسري، فقدان الثقة بالشريك، وافتقاد التقارب العاطفي، وترك الخلافات دون حل”.
كما “يمكن أن يسبب القلق والتوتر ومشكلات الصحة النفسية والعقلية عسر النشوة، مثل المشكلات الاقتصادية، فقدان شخص عزيز، الإصابة باضطرابات القلق أو الاكتئاب المزمنة”.
تؤثر التنشئة الاجتماعية ووصم الجنس والجسد، الذي تتلقاه بعض الفتيات في مراحل مبكرة، بالسلب على قدرتهن لاحقًا على الاستمتاع بالجنس، ومن ثمَّ قدرتهن على بلوغ النشوة الجنسية.
في هذا السياق، رأت الدكتورة نهلة أمين أن “عدم التعبير عن الاحتياجات والتفضيلات الجنسية، ونقص المعرفة بالإثارة والتفاعلات الجنسية، وتكوين صورة سيئة للجسد، والشعور بالذنب أو الإحراج عند ممارسة الجنس، والمعتقدات الثقافية أو الدينية عن الجنس، من أهم أسباب فقدان الاستمتاع بالجنس”.
وهناك أسباب أخرى بدنية يمكن أن تؤدي لعسر النشوة، مثل الخلل الجنسي لدى الشريك. ذكرت منها “ضعف الانتصاب، وسرعة القذف”. وأضافت إليها “الحالات الصحية المزمنة لدى الشركاء/الشريكات، مثل داء السكري، فرط نشاط المثانة، التصلب المتعدد، تلف الأنسجة الناتج عن بعض جراحات أمراض النساء”.
كما “قد تؤثر بعض الأدوية على الشعور بالنشوة، مثل أدوية ارتفاع ضغط الدم، والعقاقير المضادة للذهان، ومضادات الهيستامين ومضادات الاكتئاب، ومثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية”.
وأضافت أن “تناول المشروبات الكحولية يؤدي لتثبيط الجهاز العصبي وقد يعوق القدرة على بلوغ النشوة لدى بعض الأشخاص. كما يمكن أن يحد التدخين من تدفق الدم للأعضاء الجنسية، ما يؤثر سلبًا على الاستمتاع بالجنس”.
دون أن تبلغ العروس أو تستأذنها، أمرتها بفتح ساقيها، لتفض إكليل مهبلها أمام العريس المتعجل. ثم اختتمت جريمتها بالقول: ” مبروك.. العروسة جاهزة”!
ماغي.. بداية مبشرة ولكن
خلافا لسابقتيها، حظت ماغي ببداية أسرية وجنسية مبشرة. أتاحت لها ظروفها بالارتباط بعلاقة حب مع شريكها، سمحت لهما بعلاقة سلسة ومنفتحة. فاختبرت النشوة الجنسية مرات ومرات، وحققا معًا الرضا الجنسي.
ولكن، أتت الأيام بما لم تشتهِ ماغي، ولم يستمر شريكها في التعاون كما في بداية علاقتهما. أصبحا يمارسان الجنس أقل مما اعتادا، ودون أن يهتم لرغباتها. فـ”كان دائمًا ما يبرر ذلك بإرهاقه في العمل ومعاناته من ضغوطٍ مادية”، بحسب ماغي.
أما إن قبل طلبها، “فيكون متعجلًا غير مهتمًا بأن تشاركه، وينتهي سريعًا ويدير ظهره وينام”. اعتقدت ماغي أن مطالباتها السبب في أداءه السيء فتوقفت. لكن تباعدت ممارستهما الجنس لأشهرٍ، و”حين طلبت منه الذهاب لطبيب للاطمئنان.. رفض! فتحدثت مع والدتي، ليعود الحديث دومًا عن الصبر والتكتم على الأمر”.
لا يتبنى الرجال وحدهم المفاهيم الأبوية، فالنساء اللاتي يتحملن عبء تلك المفاهيم ويقعن ضحايا لها كثيرًا ما يتبنينها ويمرّرنها عبر الأجيال. هؤلاء تعتبرن الجنس حق للرجال وحدهم، أما النساء فليس لديهن هذا الحق. لذا، يصلن بالنهاية للاعتقاد بأن مطالبة النساء بحقوقهن الجنسية “عيب”. وعلاج المشكلة؟ الصبر والصمت، تجنبًا للوصم واللوم.
بعد سنوات من المحاولات وبعد أن فقدا علاقتهما العاطفية، توقفت ماغي عن الرغبة في علاقة جنسية مع شريكها. حتى أنها باتت ترفض عروضه المتباعدة، لتجنب مزيدٍ من خيبات الأمل والغضب. ولا مخرج لماغي التي يعد زواجها أبديًا، وفقًا للعقيدة الدينية المنتمية لها.
View this post on Instagram
هل يمكن علاج عسر النشوة؟
تتحدد العلاجات بناءً على سبب المشكلة. وهي تشمل، بحسب الطبيبة نهلة أمين “معالجة الأسباب الجسدية والصحية ووصف العلاج المناسب، وتغيير نمط الحياة والأدوية إن تسببت في اضطراب عسر النشوة”.
ويمكن للشركاء/الشريكات اتباع نهج “التركيز على الإحساس”، وهو “مجموعة من التعليمات والتمارين المنزلية. إذ يبدأ بالتلامس غير الجنسي، ويمضي تدريجيًا نحو التلامس الأكثر حميمية والإثارة الجنسية”.
ويهدف هذا النهج أن “يفهم كل شريك/ة احتياجات الآخر/ون/يات، ويتعرف الأطراف على كيفية التواصل فيما بينهم/ن، ومشاركة التفضيلات بانفتاح”.
قد يوصي الطبيب/ة ببعض الوضعيات الجنسية أو الإجراءات لزيادة إثارة منطقة البظر. “في كثير من الأحيان، لا يكون الإيلاج المهبلي كافيًا لإثارة البظر وحصول الشريكة على الاستثارة الكافية لبلوغ النشوة”.
إن “العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يحسن الاستمتاع بالجنس”، وفق ما أوضحت نهلة أمين. و”ذلك عبر العلاج الفردي أو الثنائي للتعامل مع الأفكار المتعلقة بالجنس عمومًا أو مع الشريكات/الشركاء”. فغالبًا ما تقف الأفكار ونمط التنشئة ووصم الجنس عقبة بين الأطراف وبين الاستمتاع بالجنس.
يساعد العلاج بتقديم السلوكيات التي تعزز العلاقات الجنسية السليمة. ومنها، التعرف على طرق للحديث مع الشريك/ة عن التفضيلات الجنسية وتوجيهه/ا للرغبات التي ي/تحتاج تلبيتها أثناء العلاقة الجنسية. وكذلك التوعية بشأن الإثارة الجنسية وأدوات التحفيز الجنسي، ما يحسن الرضا الجنسي وفرص بلوغ النشوة الجنسية للجميع وبشكلٍ عادلٍ ومتساوٍ.
كتابة: سارة جمال