الشتائم و”الديرتي توك”.. بين المتعة الجنسية وتحفيز صدمات الاعتداء الجنسي

الشتائم الجنسية و”الديرتي توك” هي إحدى وسائل زيادة الاستثارة الجنسية لدى بعض الأطراف المنخرطات/ين في أي فعل جنسي رضائي. ويُمكننا تعريف “الديرتي توك” أو ما يتم تسميته أحيانًا بالكلام الخارج/الجنسي، بأنه شرح مفصّل لفعل جنسي أو رغبة جنسية. قد يتم استخدام الشتائم أثناء الديرتي توك أيضًا.

في استفتاء رقمي قامت به منصة “ذا سكس توك بالعربي” على موقع “إنستغرام”، تختلف أراء الأفراد وإنطباعاتهن/م عن الديرتي توك، خاصةً عندما يتضمن شتائم جنسية.

لذلك، فهذه الوسيلة “الاختيارية” لتحقيق المتعة تحتاج إلى تفكيكٍ نسوي. وهذا التفكيك بدوره سيساعدنا للإجابة عن سؤالٍ هامٍ: لماذا يشعر البعض بالإثارة ويزداد حماسهن/م لمتابعة العملية الجنسية، بينما يشعر بعضٌ آخرٌ بالإهانة والرغبة في التوقف؟

حين تقرر بعض النساء استخدام نفس الأداة الأبوية، لانتزاع حقهن في أجسامهن وجنسانياتهن، يقلبن المنطق الأبوي رأسًا على عقب.

هل الشتائم الجنسية مثيرة حقًا؟

لكل شخصٍ تفضيلاته/ا الجنسية، والتي لا يجب أن يتم تبريرها للشريكات والشركاء. البعض يجدن/ون الشتائم الجنسية والألفاظ الصريحة، مثيرة جنسيًا. والبعض الآخر يجدها غير مريحة في سياق حميمي كسياق ممارسات الجنس الرضائي. ويبقى الفيصل هو سؤال الأطراف والتواصل بانفتاح حول التفضيلات واحترامها.

الشتائم الجنسية.. من الشارع إلى غرف النوم

تعلمنا من الاتجاهات النسوية المختلفة أنه لا فرق بين الفضاء العام والفضاء الخاص. فالشعار النسوي السياسي الأشهر: “الشخصي سياسي”، يتجلى في حيواتنا، بالأخص لو نعرّف أنفسنا كنساء أو أقليات جندرية. حيث تؤثر علينا البنيات السياسية والاجتماعية ونتفاعل معها، لتتشكل علاقاتنا بالمحيط الذي نعيش بداخله والأشخاص من حولنا.

لنكون أكثر تحديدًا، أتحدث هنا عن العنف الجنسي الذي تختبره أغلبنا بشكلٍ يوميٍ في المساحات العامة والخاصة. فغالبية النساء يتعرضن للعنف الجنسي بدرجاتٍ متفاوتة. تبدأ بالتحرش اللفظي، والجسدي، والتفحص، والملاحقة، وتصل إلى الاعتداء الجنسي وحتى الاغتصاب.

أغلب هذه الممارسات التي تستهدف النساء بالعنف الجنسي، يمارسها أشخاصٌ يعرّفون أنفسهم اجتماعيًا كرجالٍ مغايرين. وأغلبها أيضًا، يتم استخدام الشتائم ذات الطابع الجنسي فيها، زيادةً في إذلال الأشخاص المتعرضات/ين لهذا النوع من العنف. واعتمادًا على فجاجة الألفاظ المستخدمة فيها. وأقول هنا “فجاجة” لأن الغرض منها هو إرباك الأشخاص، لضمان عدم وجود رد فعل فوري ينتج عنه محاسبة مجتمعية وقانونية.

وبالحديث عن المحاسبة، فإن غياب آليات العدالة القانونية والمحاسبة المجتمعية للمعتدين، أدى إلى زيادة معدلات العنف الجنسي. وهنا، يأتي الحديث عن الجانب السياسي للعنف الجنسي، والذي تجاهل لسنوات – ولا يزال – المطالبات النسوية والحقوقية للحد من العنف الجنسي ضد النساء والأقليات الجندرية في المساحات العامة والخاصة.

صدمات الاعتداء تعيش في الجسد والحواس

هذا التجاهل السياسي، أو بالأحرى الإهمال السياسي، يؤدي حتمًا إلى تعميق آثار هذا العنف على الفئات المتعرضة له. وذلك، لأنه متكررٌ بشكلٍ لا يسمح للمتعرضات/ين إليه بالتعافي الكامل. وكنتيجةٍ لذلك، تتراكم الصدمات والآلام لدى الضحايا/الناجيات/ين من العنف الجنسي.

هذه الصدمات تعيش في الجسد والحواس، شأنها شأن الصدمات القوية التي نتعرض لها على مدار حيواتنا وباختلاف تجاربنا. وسواء كانت هذه الصدمات ناتجة عن عنفٍ وأذى، أو أحداث صادمة لا يتخللها عنف مباشر، فهناك آليات محددة للتعامل الحساس مع الأشخاص اللاتي/الذين يعانين/نون من صدمات نفسية.

أبرز هذه الآليات هو الانتباه والتحسس إلى عدم تحفيز هذه الصدمات بالأقوال والأفعال. والتعاطي الإيجابي مع ردود أفعال الأشخاص اللاتي/الذين قد يتم تحفيز صدماتهن/م. بالطبع، هذا الانتباه هو مسؤولية فردية علينا كأفراد ومجموعات فُرضَ عليهن/م التعامل مع الآثار السياسية لغياب آليات محاسبة الجناة.

تبقى المسؤولية القانونية والمجتمعية قائمة على الجهات المعنية بوقف العنف الذي يتسبب في هذه الصدمات من الأصل. كان ذلك بالقوانين والسياسات والتشريعات، أو بالخطابات التي لا تجعل هذه الصدمات مسؤولية فردية على عاتق المتعرضات/ين لها، أو الأفراد من حولهن/م.

ما نقبله الآن، قد لا نقبله بعد قليل. وما نقبله اليوم، قد نرفضه غدًا، وهكذا.

لماذا يعتبر بعضنا الشتائم الجنسية.. إهانة؟

عندما نتعرض لصدمة قوية متعلقة بالعنف الجنسي، فإننا نحملها معنا في أجسامنا وتتخلل حواسنا منذ لحظة الاعتداء حتى يكتمل التعافي أو التعايش. لذلك، فعندما نسمع شتيمة جنسية في الشارع، تتسرب فورًا إلى عقلنا اللاواعي مهما كان رد فعلنا في الموقف نفسه. إذ أن الشتائم الجنسية والتي غالبًا ما تكون مؤنثة، ترتبط في أذهان المعتدين بالإهانة والتحقير. لذلك، يستخدمونها عن قصدٍ.

على جانبٍ آخر، فهذه الصدمة تتمكن من إيجاد طريقٍ إلى حيواتنا الخاصة، لتفسدها. وهذا، مرة أخرى، جزءٌ من فكرة الاعتداء والاستباحة. فالعنف الجنسي الذي نختبره في الشارع، له صداه على الحياة الشخصية. أي أنه غير مقتصر على لحظة الاعتداء، إنما يتجاوزها ويظل محتفظًا بمكانه داخل نفوسنا حتى يحدث أمرين. إما تحفيزه، أو التعافي منه والتعايش معه.

من الشائع أن المتعرضات/ين إلى العنف الجنسي يواجهن/ون صعوبة في التعامل مع أجسامهن/م بعد الاعتداء، خاصة في الأمور المتعلقة بالممارسات الجنسية الرضائية. لهذا السبب، قد يعزف البعض عن ممارسة الجنس، وينخرط البعض في ممارسات جنسية بهدف الشعور بالتحكم في أجسامهن/م بعد الاعتداء. لذلك، ينصح متخصصات/ون الصحة النفسية بالتوقف فترة عن ممارسة الجنس، ليفصل الوعي بين ما هو رضائي وما هو غير رضائي.

هذه الصعوبة في التعامل مع الأمور الجنسية لا تحدث فقط للمتعرضات/ين إلى اعتداء جنسي جسدي. ذلك لأن التعرض للاعتداء الجنسي اللفظي أو الرقمي، له تقريبًا نفس التأثير. وبالتالي، فسماع الشتائم الجنسية في سياق الاعتداء، له تأثيره السلبي على المتعة الجنسية فيما بعد، خاصة لو تخللتها شتائم جنسية قد تحفّز صدمة الاعتداء.

انتزاع الحق في المتعة.. الوكالة على الجسد والجنسانية

بناءً على معاييرٍ شخصية، نساء كثيرات وأفراد كوير لا يعتبرن/ون الشتائم مثيرة جنسيًا، حتى لو لم يتعرضن/ون إلى صدمة عنف جنسي. وتلك تدخل في حيز التفضيلات الشخصية التي تختلف من امرأة لأخرى، ومن شخصٍ لآخر.

بعض النساء يعتبرن الشتائم الجنسية عاملًا محفزًا للاستثارة والمتعة الرضائية. وتلك أيضًا تفضيلاتٍ شخصية. إلا أن بعض النساء يستخدمن الشتائم الجنسية في سياق الجنس الرضائي من منظورٍ متجاوزٍ للتفضيل الشخصي.

إذ يسعين من خلال ذلك إلى إعادة وكالتهن على أجسامهن التي يتم استباحتها بالشتائم في غير هذه الأوقات الحميمية. فاختيار اللفظ، وتحديد متى يمكنهن سماعه أو قوله، أو مَن مسموح لهن/م بالتلفظ به، يساعدهن في استعادة شعورهن بالسيطرة على أجسامهن. تعتبر تلك آلية فعالة بالنسبة إليهن، تساعدهن ليس على تجاوز صدمات الاعتداء فحسبٍ. إنما كذلك تساعدهن في انتزاع حقهن في المتعة الجنسية، وتحديد تفضيلاتهن رغمًا عن السياق العنيف الذي يتواجدن فيه.

هذا السياق كما يفرض استباحة أجسام النساء، فهو أيضًا يحرمهن من حقهن في المتعة أو مجرد التعبير عن رغباتهن الجنسية. إذ أن الشتائم، كما سبق وذكرنا، تعتمد على تحقير النساء ووصمهن بالنشاط الجنسي والرغبة الجنسية.

وبالمنظور الأبوي الغيري، فالنساء مجرد مستقبلاتٍ لأفعال الرجال الجنسية، سواء كانت رضائية أم لا. وبذلك، تكون جنسانية النساء محددة ومقتصرة على ما يريده الرجال المغايرون في سياقاتٍ مختلفة إما بالعنف أو بالترغيب.

حين تقرر بعض النساء استخدام نفس الأداة الأبوية، لانتزاع حقهن في أجسامهن وجنسانياتهن، يقلبن المنطق الأبوي رأسًا على عقب. وهذه الأداة كما تستخدمها النساء، يستخدمها الأشخاص ذوات/ذوي الميول الجنسية المتنوعة والهويات الجندرية غير الثنائية.

كيف نتجنب تحفيز صدمات الاعتداء باستخدام الشتائم الجنسية؟

يجب علينا التنويه – دائمًا وأبدًا – على أهمية تطبيق مبادئ الرضائية. فلجوء الأشخاص، خصوصًا النساء، إلى آليات معينة لانتزاع حقهن في المتعة الجنسية، لا يعني بأية حال السماح المطلق للشريكات/الشركاء بعدم الحديث الصريح كل مرة عن التفضيلات.

اعترافًا بأهمية السياق، ورغبة الأشخاص، والحالة المزاجية، والحق في سحب الموافقة في أي مرحلة، يجب سؤال الأشخاص كل مرة. حيث أن كل هذه العوامل، وغيرها، تساهم في تغيير التفضيلات من مرةٍ إلى أخرى. ما نقبله الآن، قد لا نقبله بعد قليل. وما نقبله اليوم، قد نرفضه غدًا، وهكذا.

كما يجب الانتباه إلى علامات الانزعاج لدى الشريكات/الشركاء، لأن الموافقة والرفض لا يتم تحديدهما فقط بالكلمات، بل بالحماس والتفاعل والتعاطي والمشاركة أيضًا.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد