نيسان/أبريل.. شهر التوعية بالاعتداء الجنسي

يعتبر شهر نيسان/ أبريل مناسبةً سنويةً للتحسيس والتوعية بالاعتداء الجنسي وخطورته وجذوره. شأنه شأن أي يوم، هو فرصة لمناهضة العنف الجنسي، الذي لا يتوقف وكل دقيقة يحصد ضحايا جدد.

لذلك، فالتعبئة والحملات التي تستهدف رفع الوعي المجتمعي ومحاربة العنف الجنسي كثقافةٍ وسياسة، تشكل جزءًا مهمًّا من العمل النسوي.

وجديرٌ بالذكر أن الاحتفال بنيسان/ أبريل كشهرٍ للتوعية بالاعتداء الجنسي كل عام، أتى في سياقٍ ومساحة سياسية مختلفة. لكنه فرصة لجذب الانتباه إلى أن العمل المناهض للعنف الجنسي هو عمل ذو مناحٍ متعددة. ومن المهم خلاله التفكير في سياسات وآليات محاربة هذا العنف المبني على النوع الاجتماعي كثقافةٍ مجتمعية.

يندرج العمل النسوي التوعوي ضمن المساهمة المستمرة للنسوية كحراكٍ سياسي واجتماعي من أجل تغيير المجتمعات وإنهاء العنف.

ما هو تاريخ هذه الحملة؟

يعود تاريخ إطلاق حملة “نيسان/ أبريل شهر التوعية بالاعتداء الجنسي” إلى سبعينيات القرن الماضي، تحديدًا مع تنامي الحركة النسوية. تلك التي ركزت على قضايا العنف، ونقلتها كشأنٍ سياسي عبر شعار “الشخصي سياسي”. فعن طريق تسييس الشخصي الذي ساهمت فيه النسويات، تم تسليط الضوء على أن العنف ليس شأنًا خاصًا. كما أنه لا يحدث بشكلٍ منفردٍ عن سياقه وتاريخه.

خلال هذه الحقبة، كانت الحركات النسوية تستخدم التظاهرات للاحتجاج على العنف الجنسي وانعدام الشعور بالأمان. ركّزت التعبئة على النساء اللواتي يخفن من السير وحدهن في الشوارع، بسبب تكرار وقائع الاختطاف والاعتداء الجنسي والاتجار بالنساء والفتيات. وامتدت التعبئة لتشمل الاعتداء الجنسي في أماكن العمل أو المدارس أو حتى المنازل. أدى هذا التركيز إلى الانتقال من التظاهرات نحو بناء مراكز خاصة بضحايا/الناجيات من الاعتداء الجنسي في دولٍ عدة.

جنت الحملة ثمارها بحلول نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. حينما أصبح شعار مناهضة الاعتداء الجنسي ورفع الوعي بـ”ثقافة الاغتصاب”، القضية الأبرز للحركات النسوية، وقضية مركزية في المؤتمرات والمظاهرات. ثم، تم تحديد شهر نيسان/ أبريل كشهرٍ معترفٍ به رسميًّا لمحاربة الاعتداء الجنسي. ويرجع الفضل في ذلك إلى الناشطات والمنظّمات النسوية، وخصوصًا المؤسَّسة من قبَل ضحايا/ناجيات من الاعتداء الجنسي.

هذه الحملات النسوية تستهدف كسر الصور النمطية التي تطّبع العنف الجنسي وترسخ “ثقافة الاغتصاب”.

كيف تعمل حملة التوعية بالاعتداء الجنسي؟

أصبح نيسان/ أبريل من كل سنة مناسبةً للقيام بنشاطات ومؤتمرات تهدف إلى إضاءة الاعتداء الجنسي كقضيةٍ صحيةٍ عامة. بالإضافة إلى كونها قضية تتعلق بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وتحتاج إلى جهودٍ جماعيةٍ لحلها.

تتكثّف، خلال هذا الشهر، الحملات التي تستهدف المجتمع والمجموعات المعنية من خلال عقد جلسات نسوية في الأماكن العامة.

على سبيل المثال، القيام بجولات تحسسية في المدارس والأحياء، وعقد مؤتمرات تستضيف الضحايا/الناجيات بهدف الحديث عن تجاربهن بأنفسهن. ما يساهم في كسر حواجز الصمت حول التحرش والاغتصاب، ورفع الوصمة عمّن تعرضن للاعتداء.

كما تنتهج المنظّمات النسوية الظهور الإعلامي في البرامج الشهيرة ولوحات الإعلانات، من أجل التوعية بمخاطره والتعريف به. وكذلك بالدعوة إلى إيجاد حلول اجتماعية وسياسية تحد منه ومن قبوله في المجتمعات.

التوعية بالاعتداء الجنسي كثقافة

يشكّل العمل التحسيسي حول العنف الجنسي ركيزةً مهمةً في تتبع جذوره وإظهار أنه فعلٌ نابعٌ من السلطة الذكورية.

أي أنه لا يتعلق بغريزةٍ تكمن في الرجال، أو فتنةٍ تتعلق بأجساد النساء والفتيات. كما أنه يساعد في إيضاح أنه يمارس كفعل عنف ضد أشخاص من أنواع اجتماعية وفئات عمرية متنوعة. ويمارسه معتدون من طبقات وفئات مختلفة بطريقة تجعله أكثر انسيابية وانتشارية.

يساعد العمل النسوي المكثف في الكشف عن تاريخ الاعتداء الجنسي. ويوضّح كيف يستخدمه النظام الأبوي لنشر السلطة وتطبيعها، باتخاذ الأجساد كمساحات لممارستها. وبالتالي، إخضاع الفئات التي يراد أن تواصل لعب الأدوار الجندرية الخاصة بالضعف والخضوع كالنساء والطفلات/ الأطفال والأشخاص من جنسانيات وجندرات غير نمطية.

كما تعمل الحملات النسوية على تفكيك “ثقافة الاغتصاب”، عبر كسر الصور النمطية عن العنف الجنسي، وتقديم تعريفات مفاهيمية.

مثلًا، تعريف التحرش والاغتصاب كعنفٍ جنسي، يُبين أنه ليس نابعًا من الرغبة الجنسية أو المرض النفسي. إنما يهدف إلى نشر الرعب والخضوع، والتوزيع الأبوي للسلطة على الأجساد وما تمثّله هذه الأجساد في سياقات بعينها. ثم تعريف أنواعه، والتمييز بينه وبين الحميمية والأفعال الجنسية الرضائية.

علاوةً على ذلك، فإن هذه الحملات النسوية تستهدف كسر الصور النمطية التي تطّبع العنف الجنسي وترسخ “ثقافة الاغتصاب”. فقدمت تعريفات مثل “ثقافة لوم الضحية”، التي تعتبر أن ملابس أو مظهر الضحايا/الناجيات، أو مكان تواجدهن/م، هو سبب الاعتداء.

ويحدث ذلك من خلال سرد الجرائم التي تحدث للنساء والطفلات/الأطفال بأشكال وملابس مختلفة، في المنازل والأماكن العامة.

بالإضافة إلى نقد “ثقافة العار” التي تلصقها المجتمعات الذكورية بالضحايا/الناجيات/ين، وتجعلهن/م مسؤولات/ين عن الاعتداء. وبالأخص لأن “ثقافة العار” تساهم في انعدام القدرة على، أو الرغبة في، مشاركة ما حدث، أو طلب العدالة.

ثم أضافت الحملات مفهوم الرضائية وبيّنت تعقيده، بسبب موازين القوّة بين الضحايا/الناجيات/ين والجناة، وسيادة ثقافة الإجبار في العلاقات الاجتماعية والجنسية.

العمل النسوي.. نحو مستقبلٍ خالٍ من العنف

يتعلق العمل النسوي التوعوي أيضًا بفتح نقاشٍ عامٍ عن الجنسانية كبنية كاملة، وكيف يرى المجتمع الجنس من خلال المنظار الأبوي.

وترجع أهمية الطرح النسوي في أن الجنس غير قائم على الاعتداء أو العنف أو الإجبار. وهو كذلك مفهوم حسّاس تجاه علاقات القوة والامتيازات والمواقع الاجتماعية. كما يساهم في كسر التصورات الخاطئة عن الجسد والجنسانية، مثل مفاهيم أسطورة البكارة و”الفحولة” و”الشرف”. وكل تلك الأساطير التي تغذي العنف الجنسي وتُزيد انتشاره.

يندرج العمل النسوي التوعوي ضمن المساهمة المستمرة للنسوية كحراكٍ سياسي واجتماعي من أجل تغيير المجتمعات وإنهاء العنف. وذلك بتنويع المفاهيم والمعارف، وتحدي القيم الذكورية التي تقدمها الأبوية على أنها “طبيعية” ولا يمكن تغييرها.

ورغم أن العمل التوعوي – أي استهداف القيم داخل المجتمع – مثل “ثقافة الاغتصاب” و”لوم الضحية/الناجية” والإجبار ليس الأداة الوحيدة لإنهاء العنف. إلّا أن التعبئة المستمرة بشأنه وربطه بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية وتحدي القمع، من شأنه تأسيس مستقبلٍ قائمٍ على القيم النسوية وإنهاء العنف وتطبيعه.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد