الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام مبنى المحكمة الجعفرية في بيروت
تعرّضت المحامية سوزي بو حمدان للضرب والسحل أمام باب المحكمة الشرعية الجعفرية بمنطقة الشياح في بيروت من قبل زوج إحدى موكّلاتها.
وكان الزوج المعنّف الذي يدعى مهدى الموسوي قد اصطحب عددًا من الشبان إلى المحكمة للاعتداء على المحامية، ومحاولة سرقة ملفّ القضية من يدها بالعنف، وتزامن ذلك الاعتداء مع وجود الإعلامية ناديا أحمد في المكان ذاته حيث وثّقت الجريمة.
عرض هذا المنشور على Instagram
سوزي بو حمدان ضربت على باب المحكمة فمن سيتحرك؟
لم يكن الاعتداء على سوزي لأنها محامية فقط، بل ولأنها بالدرجة الأولى امرأة.
فالمعتدي، وهو زوج إحدى موكلاتها كان قد رفع على زوجته “دعوى مساكنة” لإجبارها على العودة إلى منزله، عبر المحكمة الجعفرية التي عرفت بتحيّزها ضد النساء.
ولربما، هذا ما يفسّر وقوع اعتداء كهذا داخل صرح قضائي دون أي تدخّل من عناصر الأمن الموجودين. خصوصًا أن أحد المعتدين كان يصرخ “هي مرتو” لمنع أي أحد من التدخل وكأن هذه الذريعة وهذا العرف الأبوي يمنح له الحق بضرب امرأة إن كانت زوجته.
بالطبع، لم يتدخّل أحد من الموجودين، باستثناء الإعلامية التي كانت توثق الاعتداء وتصرخ باستنكار “وشو يعني مرتو؟”، ما دفع امرأة أخرى إلى الوقوف بين المعتدي والمحامية.
من جانبها، أصدرت نقابة المحامين بيان استنكار، ذكرت فيه أنها ستأخذ صفة الادعاء الشخصي إلى جانب الأستاذة سوزي. كما أصدر المحامي العام الاستئنافي مذكرة إحضار بحق المعتدين.
كذلك، أكدت المحامية سوزي بو حمدان وعائلتها أنهم/ن لن يسكتوا/ن عن هذا الاعتداء، ولكن حتى ساعة إعداد هذه المادة، وبعد مضيّ يوم كامل تقريبًا على حادثة الاعتداء، لم يصدر عن المحكمة الجعفرية أية إدانة أو استنكار، ولم تتخذ أي إجراء ضد المعتدين الذين ارتكبوا جرمًا داخل حرمها.
للمفارقة، فإن الإعلامية ناديا أحمد التي تواجدت في المكان ووثقت الاعتداء، لم تكن هنالك للتنزه طبعًا، بل كانت تراجع قضية كيدية فيما يخصّ حضانة ابنتها التي تتواطئ المحكمة مع طليقها لحرمانها منها. تمامًا، كما تفعل مع جميع النساء اللواتي تحوّل قضايا حضاناتهن إلى هذه المحكمة، في بلد قائم على المحاصصة الطائفية، وإعلاء يد الرجال فوق الحق نفسه.
اعتذار مشين وذريعة مقرفة
لم يكتفِ المعتدي بجرمه الموثّق، بل صوّر مقطعًا مصوّرًا ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي في ما أسماه “اعتذارًا“.
وللحقيقة، أن ما تفوّه به يعتبر جرمًا فوق الجرم، فقد تذرّع بالـ “ضغوطات النفسية والغضب” وهو ما لم يترك لدينا أي شكل من التفاجؤ. كيف نتفاجأ وهذه الذريعة هي ما نسمعه دومًا بعد كل حادثة اعتداء؟
وكيف نتفاجأ والقانون اللبناني يمنح عذرًا مخففًا لجرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي تحت ذريعة “فورة الغضب”؟
ولكنّ السؤال الملحّ هنا، ما الذي يفعله هذا الرجل الذي عنّف محامية ترتدي ثوب المحاماة على باب محكمة، وعلى مرأى الأشهاد، لزوجته التي تشاركه المنزل دون أن يراهما أحد؟
وهل يخلق هذا الكم من العنف والوقاحة خلال “لحظات غضب” من العدم؟ بالطبع لا. فهو وليد سنين من الشعور بالأحقية للتعنيف بسبب “الغضب أو الاستياء”. كما أنه جزء من منظومة متكاملة لا توفّر وسيلة لقهر النساء وتعنيفهن داخل المنزل وخارجه.
من اللافت للنظر أيضًا، الكمّ الهائل من التعليقات على الحادثة في وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تردد عبارات أبوية من قبيل “هؤلاء ليسوا رجالًا”.
وهو ما يظهر النظرة الأبوية “للرجل”، ليس على أنه إنسان تملّك امتيازات استقاها من هذه المنظومة فأخذ يتصرّف وفق ما يمليه عليه استحقاقه، بل ككائن نبيل يترفّع عن أن يضرب امرأة ليس لأن الضرب فعل عنيف تجدر إدانته، بل لأن “من يضرب مرا بيكون مرا”.
وبتعبير آخر، الرجل قويّ، المرأة ضعيفة. والتعنيف ليس جوهر القضية هنا، بل الانتقاص من قوة الرجل بوصفه “امرأة” أي كائن أدنى مرتبة من الرجال.