تقرير تقتيل النساء – الظاهرة المسكوت عنها، يكشف العنف الأبوي في تونس
في الذكرى الثالثة لقتل “رفقة الشارني” اختارت جمعية أصوات نساء و جمعية المرأة والمواطنة بالكاف، نشر تقريرهما السنوي حول قتل النساء في تونس.
وحمل التقرير عنوان “تقتيل النساء، الظاهرة المسكوت عنها”، من أجل تسليط الضوء على قضايا العنف الأبوي، وإبراز تأثيره، وأسبابه، ووضع توصيات حوله، وتحديداً جرائم قتل النساء من الشريك، التي ارتفعت بشكل مهول في تونس، حتى باتت ترقى لأن توصف بالظاهرة، مما يستلزم وجود جهود حقيقية من الجهات الرسمية لوقفها أو الحد منها.
أرقام مفجعة وظاهرة تقتيل النساء منتشرة
أبرز التقرير مدى أهمية العمل الذي تقوم به المنظمات والمؤسسات النسوية في رصد وتوثيق جرائم قتل النساء، وتقديم الدعم اللازم لذوي الضحايا، وللنساء والفتيات ضحايا العنف الأبوي بشكل خاص. حيث أصبحت هذه المنظمات جهة موثوقة لدى النساء والفتيات من أجل تقديم الدعم المادي والقانوني، كما أنها أصبحت المكان الأكثر ثقة الذي يقصده الأشخاص للتبليغ عن هذه القضايا.
وفي رصدها لهذه الجرائم أظهرت جمعية « أصوات نساء» و« جمعية» المرأة والمواطنة بالكاف»، نشر تقريرهما السنوي، أن جرائم قتل النساء في تونس ليست مشكلة محصورة في منطقة دون أخرى، بل تشكل ظاهرة وطنية.
ويشير التقرير ألى “أن سنة 2023 شهدت موجة مفزعة من جرائم قتل النساء بلغت 25 جريمة ووفقا للتوثيق الذي قام به فريق عمل جمعية أصوات نساء وجمعية المرأة والمواطنة بالكاف في تعداد الضحايا فإن 13 منهن قتلن على يد أزواجهن و3 على يد أبائهن، و4 قتلن من قبل أقاربهن، و5 قتلن من طرف مجهول، وقتلت 7 منهن بنفس الطريقة أي بالطعن بآلات حادة، في حين قتلت 3 منهن ذبحاً و6 منهن خنقاً و4 قتلن نتيجة الضرب على الرأس”.
جرائم ترتبط بالثقافة الأبوية
وحسب التقرير فإن تفشي الاعتداء الجنسي واستخدام العنف وسيلة لبث ثقافة السيطرة والتفوق الذكورية في المجتمعات الأبوية “تعكس ترسخ التمييز الجنسي وانعدام المساواة الجندرية، واعتبار النساء ملكية خاصة يمكن التصرف فيهن وفي أجسادهن، وفقاً لرغبات الرجال دون احترام حقوقهن وكرامتهن”.
كما يشير هذا التقرير، إلى “تأثر ظاهرة قتل النساء بعوامل اجتماعية متعددة منها الفقر والمستوى التعليمي والثقافي والقوانين والتقاليد وهي ترتبط دائما بمنسوب العنف الأسري وبقضايا الشرف والسيطرة الذكورية على النساء”.
وفي هذا السياق قامت الإخصائية في علم الاجتماع فتحية السعيدي، بتقديم تحليل وتفسير لظاهرة جرائم قتل النساء، موضحة أنها “امتدادا للعنف المبني على النوع الاجتماعي واقصاه هو القتل مبينة بأن الأسباب الرئيسية في بروز مثل هذه الوحشية والعدوانية هي التنشئة الاجتماعية المبنية على اساس التمييز بين الأفراد، والنظرة الدونية للنّساء وعدم التوازن في السلطة داخل الأسرة وفق معايير النوع الاجتماعي”.
كما أشارت إلى أن العلاقات “الحميمية”، “هي أكثر العلاقات التي يمارس من خلالها مختلف أشكال العنف وصولا إلى جريمة القتل، إذ يمثل الزوج الجاني بنسبة 52 بالمائة من مجموع مرتكبي العنف، يليه مجهول أو غريب بنسبة 20 بالمائة”.
توصيات نسوية للحد من ظاهرة العنف الأبوي
وفي إطار التصدي النسوي لظاهرة قتل النساء، قامت المديرة التنفيذية لجمعية أصوات نساء، سارة بن سعيد، في مداخلاتها أثناء تقديم التقرير، بتحميل الدولة التونسية المسؤولية في هذه الجرائم، معتبرة أنّها “متورّطة في عدم حماية النساء من العنف، خاصّة اللواتي سبق أن توجّهن إليها وطلبن الحماية لكنّهن لم يجدن آذانا صاغية مبينة بأنّ الفضاء الخاص الذي من المفترض أنّه الأكثر أمانا، أصبح مسرحاً لجرائم تقتيل النساء بطرق بشعة (الذبح، الطعن..)”.
وهو ما ستدعي حسب سارة بن سعيد، أن تدرج “وزاراتيْ العدل والداخلية إدراج جريمة قتل النساء في نظامها الإحصائي، نظراً إلى غياب الإحصائيات الرسمية حول هذه الجرائم”.
وقد أشارت إلى التباطؤ في وضع رصد حقيقي لهذه الجرائم، مشيرة إلى أن “وزارة المرأة أنجزت تقريرا للغرض بخصوص الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان، إلاّ أنّه لم يُنشر إلى حدّ اليوم”.
وقدم التقرير مجموعة من التوصيات من أجل التعامل بجدية مع العنف الأبوي وجرائم قتل النساء، والتصدي “لتبريره أو التسامح معه وتعزيز التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والسعي لتوفير خدمة ناجعة وفورية في مجال التعهد والحماية لضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي وتوفير الدعم وتيسير الحصول على الإعانة العدلية وتنظيم حملات توعوية واسعة النطاق للتعريف بجريمة قتل النساء وخصوصياتها وتسليط الضوء على آثار العنف على الفرد وعلى المجتمع وتطوير المضامين التعليمية والطرق البيداغوجية ونشر ثقافة اللاعنف والمساواة بين الجنسين في المدارس والمعاهد والجامعات”.
وقد أجمعت المشاركات في العمل على هذا التقرير على وجود تهاون من الدولة “واخلالات وغياب استراتيجية واضحة في تطبيق آليات الحماية التي ينص عليها القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد النساء”.
وأكدت الباحثات “وجوب تطبيق ما جاء في هذا القانون الذي ينص في عدد من الأبواب الخاصة على الوقاية والحماية والتجريم والتعهد بالنساء ضحايا العنف وتوفير الخدمات اللازمة لهن”.