
عاملات المنازل في لبنان.. اعتداء، ثم موت، ثم نسيان
تتواصل الجرائم ضد عاملات المنازل في لبنان في ظل استمرار نظام الكفالة الاستبعادي، الذي يضمن أن يكون العنف واقعًا يوميًا يصعب الهرب منه بالنسبة للعاملات، بل ويفاقم هذا العنف بسبب واقع الاستبعاد ومنعهن من حقوق أساسية مثل التنقل والحماية والأمن.
نظام الكفالة قاتل
نقلت مجموعة this is Lebanon عبر انستغرام مقطعًا مسجّلًا يوثق العثور على جثة عاملة منزلية، بعد أن سقطت من شرفة أحد المنازل في الشارع، دون التمكن من التعرف على هويتها أو ملابسات وفاتها.
وكشف الأمن العام اللبناني في وقتٍ سابق حسب منشور الجمعية، أن جثامين عاملتين يتم شحنها كل أسبوع خارج لبنان، في تجلٍّ واضحٍ لواقع الموت والعنف الذي يتربص بالعاملات.
ما بين الدفع إلى الموت بالانتحار هربًا من واقع الاستبعاد، والقتل البطيء والمباشر، تقبع العاملات المنزليات تحت وطأة العنف الطبقي والأبوي والعنصري، حيث لا مهرب من معتدين يحتمون بقانون يشرعن العبودية والعنف والموت.
يصبح الموت نتيجة حتمية في ظل استمرار نظام الكفالة، هذا النظام القاتل يمكن من يستفيدون/ يستفدن منه من استغلال العاملات واستعبادهن والحجز على وثائقهن وحرمانهن من الخروج، ما يسمح بأن يكون العنف مستمرًّا ولا يمكن وقفه.
الاعتداء الجنسي فصل آخر من فصول الاستعباد
شاركت مجموعة this is Lebanon جريمة أخرى وقعت بحق عاملة منزلية إثيوبية تدعى أبيبا.
تعرضت أبيبا للاغتصاب والاعتداء الجنسي والاستبعاد لمدة 4 سنوات و7 أشهر، وكانت طيلة هذه المدة تكافح وحيدة للنجاة من هذا العنف.
بعد أن تمكنت من العودة إلى أثيوبيا شاركت أبيبا قصتها مع الجمعية، التي بدأت لما تم استقدامها للعمل لصالح محاميٍ معروف وإبن قاضيٍ سابق، والذي استغل نفوذه في الاعتداء الجنسي على أبيبا وترهيبها.
بدأت أبيبا في العمل لدى هذا المحامي في منتصف عام 2017. كانت تتقاضى 1200 دولار حتى تشرين الأول/أكتوبر 2018 عندما توقفت جميع الدفعات. ثم توقفت أيضًا الاتصالات مع عائلتها التي لم تتحدث معها لمدة تقارب السنتين.
قام المحامي المعتدي بعد ثلاثة أشهر من وصول أبيبا بمحاولة اغتصابها وهي نائمة، وبعد نجاحها في التخلص منه، أصبح يتجول في المنزل عاريًا ويرهبها بالاعتداء.
لم تتوقف المأساة هنا، بل أن شقيق المحامي الذي يقطن في نفس البناية قام بمحاولة أخرى للاعتداء الجنسي على أبيبا، ثم اغتصابها في المرة الثانية.
مُنعت أبيبا من الخروج، كما سُجنت من طرف المحامي المعتدي في المنزل دون السماح لها بالخروج حتى رفقة العائلة، ما فاقم من معاناتها.
بعد سنوات من المعاناة استطاعت أبيبا أخيرًا الهرب بعد أن وجدت الباب مفتوحًا، وبمساعدة من أختها التي تعمل أيضًا في لبنان تمكنت أبيبا من اللجوء إلى جمعية كفى والإقامة في ملجأ لمدة تسعة أشهر، قبل أن تتمكن أخيرًا من العودة إلى إثيوبيا رغم رفض المعتدي تسليم جواز سفرها وملاحقتها بتهمة السرقة زورًا.
عادت أبيبا أخيرًا لعائلتها دون أن تتلقى مستحقاتها البالغة 10.000 دولار ودون أن تتحقق لها العدالة.
View this post on Instagram
ندين الكفالة ونتضامن مع العاملات
لا تعد قصة أبيبا أو العاملة التي سقطت جثة من إحدى شرف المنازل، قصصًا معزولة بل هي جرائم ضمن سلسلة أوسع من الانتهاك والاضطهاد والعنف الذي تعيشه العاملات المنزليات في لبنان.
هذا العنف المستمد من سياسات طويلة للنظام الأبوي والطبقي والمتجسدة في نظام الاستبعاد الحديث المسمى بالكفالة، خلف أعداد هائلة من الضحايا.
ضحايا حجر على حقهن في العدالة كما يحجر على جوازات سفرهن ويسجن في منازل استعبادية وعنيفة وقاسية. منازل يعرفن فيها مختلف أنواع الانتهاكات والجرائم من اعتداء جنسي وجسدي ونفسي وحتى الاستغلال في ساعات عمل شاق دون دفع مستحاقتهن ودون الحق في مكالمة عائلاتهن، ودون أدنى وسيلة للحماية.
تتواصل هذه الجرائم وينمو معاها غضبنا وألمنا على مصير نساء اضطررن للقدوم لبلد يمأسس معاناتهن، غضب يجب أن يتحول لفعل إدانة وإنهاء لنظام الكفالة الاستعبادي، ويقف بحق إلى جانب هؤلاء النساء اللواتي تركن لمصير يتقاطع فيه القهر الطبقي والأبوي والعنصري.