المبارزة ندى حافظ وتكسير الاستحقاق الذكوري
شكلت مشاركة الدكتورة والمبارزة المصرية ندى حافظ (26 عامًا) نقلة كبيرة في كسر حاجز التصورات النمطية عن النساء وحصرهن في الأدوار الجندرية.
حدث ذلك بعد أن كشفت ندى عن خوضها منافسات السلاح بأولمبياد باريس 2024 وهي حامل في الشهر السابع. تصريحٌ أثار هجوم النظام الأبوي الذي يفرض هيمنة على إنجابية النساء ومصيرهن.
كل شيء يمكن للنساء فعله
خاضت ندى تجربة تبدو للمجتمع الأبوي مستحيلة، ليس لأن النساء لم تكن منذ فجر التاريخ تعمل وتشقى وفي ذات الوقت تحمل وتلد وتربي. بل لأن ندى قامت بخوض منافسة رياضية عالمية تمثل موهبتها واختيارها وهي حامل.
في مشاركتها الثالثة في الأولمبياد تغلبت ندى، على الأميركية إليزابيث تارتاكوفسكي قبل أن تخسر أمام الكورية الجنوبية جون هايونغ وتودع البطولة.
وفي تعليقها الذي أعلنت فيه حملها، كتبت اللاعبة المصرية “من تظهران لك لاعبَتين على منصة التتويج كانتا في الواقع ثلاثة، لقد كنت أنا ومنافستي وطفلي الذي لم يأتِ بعد إلى عالمنا! الفخر يملأ كياني بعد أن ضمنت مكاني في دور الـ16… كانت هذه الألعاب الأولمبية مختلفة. شاركت 3 مرات في الألعاب الأولمبية، ولكن هذه المرة كنت أحمل ميدالية أولمبية صغيرة”.
ووفقًا لندى، فقد تعمدت كشف الخبر بهدف “تسليط الضوء على قوة المرأة المصرية ومثابرتها”. فقالت إن “رحلة الحمل صعبة في حد ذاتها، ولكن الاضطرار إلى القتال للحفاظ على التوازن بين الحياة والرياضة لم يكن أقل من مرهق، ولكنه يستحق ذلك”.
خيبة للنظام الأبوي
خلال قرون من الهيمنة، ربط النظام الأبوي النساء بالأدوار الجندرية وعلى رأسها الأمومة كحجر أساس لسلطة هذا النظام على مصيرهن.
شكلت الهيمنة الإنجابية بذلك سلاحًا بيد النظام الأبوي، جعل به الأمومة دورًا لا يمكن للنساء تحديد خياراتهن فيه. كما أنها أصبحت هوية اجتماعية تمكّن من يمتلكون السلطة الأبوية ويدافعون عنها، من التحكم في حيوات النساء وجعلهن مجرد منجبات غير معنيات بسيرورة الحمل وما بعدها.
في هذا السياق فإن إعلان ندى أنها حامل أثار هجومًا واسعًا من الرجال المصريين، وكسر المسلّمات الأبوية التي جعلتهم يظنون أن سلطتهم لا حدود لها.
تركز الهجوم في وصف ندى بأنها “أنانية وتعرض حياة جنينها للخطر، وأن قرارها باللعب وهي حامل غير أخلاقي”. فلا يحق لها، حسب هذا الخطاب الذكوري، أن تمارس نشاطات حياتها وهي تحمل طفلًا ينتمي للمجتمع لا لها.
هذا الخطاب ينطلق من السلطة الأبوية المطلقة، فلا أهمية لكون ندى طبيبة ومختصة وتتابع مع أخصائيين/ات، ولديها الأهلية الكافية لمعرفة الأفضل لصحة جنينها. لا يهم أن قرار الحمل والولادة والأمومة يخصها. فهذا بالضبط ما يثير غضبهم أن إعلانها عن حملها يتضمن نوعًا من السيادة الإنجابية، التي تهدد بلا شك سلطة النظام الأبوي.
عند التركيز في الخطاب الذكوري المهاجم لندى حافظ، يتبين أن النظام الأبوي مبني على المغالطات المنطقية والهشاشة الاجتماعية والنفسية التي زرعها في الرجال المدافعين عنه. ذلك أن نفس النظام نشر من خلال جميع وسائله أن النساء لا يصلحن سوى للأدوار الجندرية النمطية. أنهن ضعيفات وعقلهن وجسدهن أضعف من الرجال، وتكوينهن الفيزيولوجي والبيولوجي لا يسمح لهن بأن يكن موهوبات وقويات. وغيرها من الأساطير التي بررت اضطهاد النساء وحرمانهن من حقوقهن وتثبيط عزيمتهن، وسجنهن في الكذب والخداع الأبوي.
لذلك كل فعل تقوم به امرأة تكسر به الاستحقاق الذكوري في التحكم في حياتها، يفكك حجر من بناء عتيق وتاريخ وهش كالنظام الأبوي.
ندى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
ندى حافظ ليست أول امرأة تشارك في الأولمبياد وهي حامل، فقد فازت الأميركية، سيرينا ويليامز، ببطولة أستراليا المفتوحة للتنس عام 2017 خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حملها، بعدما كشفت أنها حامل بطفلها الأول قبل يومين فقط من البطولة.
وفازت لاعبة الكرة الطائرة الشاطئية، كيري والش غينينجز، بميداليتها الذهبية الثالثة في أولمبياد لندن 2012 وهي حامل في الشهر الخامس.
وتنافست لاعبة الرماية الماليزية، نور سورياني محمد طيبي، في أولمبياد 2012 وهي حامل في الشهر الثامن.
وركضت العداءة، أليشيا مونتانو، في سباق 800 متر في بطولة الولايات المتحدة لألعاب القوى في عام 2014 وهي حامل في الشهر الثامن.
تكسير الأساطير الأبوية
رغم ذلك يشكل إعلانها تكسير لكل الأساطير الأبوية التي كبلت قدرة النساء على خوض حيواتهن كما يرغبن. يمكن أن تكون المرأة حاملاً أو في فترة الحيض وتنافس في بطولات عالمية أو تعتلي منصات الفن والإعلام، أو تمارس هواياتها، أو تغطي الحروب، أو تكتب، أو تزرع، أو لا تقوم بأي شيء على الإطلاق.
هي أشياء لا تختلف عن الواقع اليومي للنساء الذي لا يملكن فيه رفاهية الخيار، حيث يقمن بأعمال الرعاية الاجتماعية، ويحصدن ويزرعن في الحقول، ويعملن في المصانع والشركات، ويدرسن، ويمارسن مهن خطيرة ومرهقة لتوفير لقمة العيش، والاعتناء بالصغير والكبير وخدمة الجميع.
لكن لا توجد مساحة كافية لأحلامهن وخياراتهن، ولا يعترف بقوتهن التي تفوق كل ما خط عن قوة وصبر الرجال حسب التصنيف الأبوي. لا يتم منحهن المساحة لخوض تجاربهن كما يتصورن، أو يرغبن.
لا تعطى لهن العناية الطبية والنفسية والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية التي تسهل حيواتهن.
وكما منعن اللاعبة يُمنى عياد من البطولة تحت مبرر أنها تحيض ولا يمكن أن تتنافس، رغم أن الحيض هو دورة شهرية لا تمنع النساء من الخدمة والرعاية. إلا أن السيناريو يتكرر كل ما تقوم به المرأة خارج مايريده النظام الأبوي منها، يشكل خطراً على تماسكه، ويطلق العنان للهجوم حتى لا تكون مثالاً للأخريات.
المشكلة ليست في الحمل بل في الخيار:
إن الهجوم على ندى حافظ يأتي من رفض النظام الأبوي لأي خيار تمارس النساء، فالأمومة لا يتم تقديسها لجوهرها بل لمدى أهميتها في تثبيت سلطة النظام الأبوي. من حيث أنها دور يحقق الإنتاج الاجتماعي، ولا تجد فيه النساء مساحة لتقرير المصير أو خوضها كما يرغبن ويتصورن.
في هذا الصدد شكل تصريح ندى صدمة واضحة وأثار الغضب، بسبب أنها حددت مسار حياتها كلاعبة ومحترفة رياضية، وأن الأمومة هي تجربة شخصية تخصها، وأنها لا تحتاج لوصاية خارجية لتعرف مصلحتها ومايناسبها.
النظام الأبوي ثبت سيطرته من خلال أسطورة أنه يحمي النساء بالعنف والقسر والاضطهاد، عندما تقول إمرأة أنها تعرف مايصلح لها، تنهد ركائز الهيمنة. وتشكل مثالاً بأن كل ما بني عليه هذا النظام الأبوي ليس سوى فقاعة كبيرة من الأساطير والخداع.