
مجازر الساحل السوري… أين نذهب بكل هذا الأسى؟
إنه اليوم الرابع دون دقيقة نوم واحدة، 13 عامًا إلى الوراء أستعيدها في لحظة.
عند كل مقطع مصوّر لعملية إعدام ميداني أو تصفية، أجد في ذاكرتي مشهدًا أقدم، يعود إلى هناك، إلى سيرتها الأولى..
تلك البلاد التي لا تنفكّ تعجن قلوبنا وتطحنها.
إنها الوجوه الشاحبة ذاتها، هذا شحوب الميت الخائف، لقد حفظناه لكثرة ما تكرر المشهد.
يقال إن الدماغ البشريّ يحيّد ذكريات الصدمات ليحمي نفسه، ويقال إن الظلم يدور ليعود على الظالم، ويقال إن الإنسان ابن التجربة يتعلّم منها درسه ويمضي.
ولكن
لم تأخذ أدمغتنا وقتها ولا فرصتها لتحيّد ذكريات مشاهد القتل على مدار 14 عامًا، ولم يعد الظلم على الظالم في موسكو، عاد على مظلوم آخر.. عاد ليحوّلنا كلنا إلى ظلّام.
أخوض اليوم مهاترات سبق وأن خضتها عام 2011 وعام 2012 وفي كل عام حتى نهاية 2024، عندما توقفنا جميعنا عن المهاترات لنفرح بسقوط الطاغية، لنشاهد المقطع المصوّر للرجل المسنّ وهو يصرخ “سقط هُبل.. سقط بشار.. سقط هُبل”
ثلاثة أشهر كانت تفيض بالدهشة، لم يكن أحدٌ منا يستوعب حجم الغبطة بسقوط النظام الذي يقول لنا، منذ ولادتنا، وولادة أهالينا أنه باقٍ للأبد.
اليوم تعود مشاهد الحزن والأسى، ويرجع التكذيب والتخوين، ويعاد تدوير نظريات المؤامرة، وتتجدد الاتهامات فوق أجساد الضحايا، ومع المسار الجديد لخطّ الدم.
اليوم نحاول لملمة فتات ما بقي من الثورة التي تعهّد الأسد ورجالاته بوأدها، ودفن جثثنا فوقها، لكنها انتصرت وأسقطته. اليوم نحاول التذكير بأن فدوى سليمان، العلوية، التي تظاهرت بين أهالي حيّ القابون السنيّ، كانت تصرخ واحد واحد واحد الشعب السوري واحد وتبكي.
اليوم نأمل ونتضرّع لكل ما يمكن لبشري أن يتضرّع له، أن نتوقف عن نعي إخوتنا وأخواتنا
أن نأخذ فرصتنا كي نحزن وننهض.