الأمم المتحدة: قيود طالبان تحوّل عمل النساء إلى مهمة مستحيلة

تراجع حاد في إمكانيتهنّ للوصول إلى المكاتب

أكّدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أنّ القيود التي تفرضها حركة طالبان على النساء في أفغانستان لم تعد إجراءات معزولة، بل تحوّلت إلى نظام قمعي متكامل يستهدف وجود النساء في المجال العام، ويقوّض قدرتَهُنّ على العمل داخل المؤسسات المدنية والمنظمات الدولية والهيئات الإنسانية. ويشير التقرير الصادر يوم الخميس إلى أنّ الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت تصعيدًا واضحًا في استهداف النساء العاملات، ما أدى إلى تراجع حاد في إمكانيتهنّ للوصول إلى المكاتب، المواقع الميدانية، والبرامج الإنسانية الأساسية.

نساء بلا وصول إلى الخدمات الأساسية التي لا يمكن للرجال تقديمها نيابة عنهن.

انخفاض قدرة النساء على العمل الميداني

يعتمد التقرير على نتائج الجولة الثالثة عشرة من الاستطلاع المشترك بين مجموعتي عمل “النوع الاجتماعي في العمل الإنساني” و”الوصول الإنساني”، والذي شمل إجابات 186 منظمة محلية ودولية حول وضع النساء بعد حظر عملهنّ في المنظمات غير الحكومية.

وتُظهر البيانات أنّ قدرة النساء على العمل الميداني انخفضت بنسبة 14٪ مقارنة بالدورة السابقة من المسح، وهو مؤشر خطير يعكس تراجع حضور النساء في الاستجابة الإنسانية. كما أنّ 26٪ من الموظفات –بمن فيهنّ عاملات في وكالات الأمم المتحدة– أصبحن يعملن من منازلهن بسبب القيود المشدّدة على التنقّل والوصول إلى المكاتب.

هذا التراجع لا يُعبّر عن أزمات تشغيل فقط، بل يشير إلى عملية إقصاء منظمة تُبعد النساء عن مواقع القيادة الميدانية وتمنعهنّ من أداء أدوارهنّ المهنية والإنسانية.

أوامر محلية تمنع النساء من العمل

يشير التقرير إلى أنّ الأزمة اشتدّت بفعل الضغوط المالية والسياسات القمعية، حيث أفادت 53٪ من المؤسسات الإنسانية بأنها سرّحت موظفات وموظفين بسبب تقليص التمويل، ما زاد من هشاشة النساء العاملات داخل القطاع.

كما أفادت 37٪ من المنظمات بصدور أوامر محلية جديدة تحظر عمل النساء في بعض المناطق بشكل كامل، الأمر الذي يخلق مناطق كاملة بلا وجود نسائي في العمل الإنساني – وهو ما يعني نساء بلا وصول إلى الخدمات الأساسية التي لا يمكن للرجال تقديمها نيابة عنهن. بهذه المعطيات، يتحوّل القطاع الإنساني نفسه إلى مساحة غير آمنة وغير عادلة ضد النساء، بدل أن يكون ملاذًا للحماية.

شرط مرافقة “محرم” لسفر النساء بأنه أحد أكبر العراقيل البنيوية.

قطع الإنترنت: عزل إضافي لعاملات ممنوعات من الحركة

يبرز التقرير أيضًا أنّ قطع الإنترنت المتكرر أصبح واحدًا من أبرز العوائق أمام عمل النساء. فقد حدّ من قدرتهنّ على المشاركة في الاجتماعات، متابعة البرامج، الوصول إلى المواد التقنية، والتواصل مع الفرق الميدانية.

وفي سياق يُمنع فيه على النساء التحرك بسهولة من الأساس، يصبح الإنترنت شريان العمل الوحيد – وقطعُه يتحول إلى أداة إضافية لعزلهنّ وإخماد أصواتهنّ المهنية.

اشتراط “المَحرَم”: أداة للسيطرة والقمع

تصف 59٪ من المؤسسات المشاركة في الاستطلاع شرط مرافقة “محرم” لسفر النساء بأنه أحد أكبر العراقيل البنيوية التي تمنع العاملات من تنفيذ مهامهنّ. فالمرأة التي تحتاج ذكرًا يرافقها كي تمارس عملها تصبح عمليًا عاجزة عن التخطيط، الحركة، أو الاستجابة السريعة لأي حالة طارئة.

وتؤكد المؤسسات أنّ القيود على اللباس والتنقّل أدّت إلى ارتفاع كبير في مستويات القلق والضغط النفسي لدى الموظفات الأفغانيات، اللواتي يعملن في بيئة تهدّد سلامتهنّ وتخضعهنّ لرقابة دائمة من السلطات والمجتمع.

انعكاسات خطيرة المجتمعات التي يخدمنها

لا تقتصر تداعيات هذه السياسات على العاملات أنفسهنّ، بل تمتدّ لتصيب النساء والفتيات اللواتي يعتمدن على خدمات تعتمد بطبيعتها على مشاركة نسائية. ومع تعذّر وصول العاملات إلى الميدان، تُحرم آلاف النساء من الدعم النفسي، الرعاية الصحية، الخدمات الإنجابية، برامج الحماية،المساعدات الإنسانية الأساسية. إقصاء النساء من العمل الإنساني يعني عمليًا إقصاء نساء أخريات من الحق في النجاة والحصول على الخدمات.

يكشف تقرير الأمم المتحدة أنّ ما يجري في أفغانستان ليس مجرد تضييق على الوظائف، بل سياسة ممنهجة لإضعاف الاستجابة الإنسانية برمّتها. فغياب النساء عن القطاع الإنساني يُفقد البرامج قدرتها على الوصول إلى نصف المجتمع الأفغاني، الذي يعيش أصلًا تحت وطأة القمع، الفقر، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

بهذا، يصبح قمع النساء في العمل الإنساني جزءًا من مشهد أوسع من القمع المنهجي، يجعل المساعدات أقل فاعلية، والنساء أكثر هشاشة، والمجتمع الأفغاني بأكمله أكثر عرضة للانهيار.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد