إيمان الحجيري.. كيمياء الإصرار

مشروع فردي في مواجهة التهميش والإقصاء في البقاع اللبناني

من بلدة عرسال البقاعية، حيث بات المشهد كئيبًا، وحيث تُختَزَل حكايات أهلها غالبًا بصور نمطية مرتبطة بالأمن والجرود، تخرج تجربة شابة طموحة، لتكسر هذه الصورة المرسومة بريشة الخبث والحقد، فتعيد الاعتبار لقدرات النساء المنسيّات في الأطراف المهمّشة.

إنها إيمان الحجيري، المجازة بتفوّق في مادة الكيمياء من الجامعة اللبنانية، التي اختارت طريقًا شاقًا لكنه صادق، العمل ضمن اختصاصها، من دون واسطة، ومن دون الخضوع لمنطق الاستغلال.

بعد تخرّجها، وجدت إيمان نفسها أمام واقع مألوف لدى كثير من خرّيجي المناطق النائية. فالمدرسة الرسمية مغلقة عمليًا في وجه من لا يملك الوساطة والغطاء السياسي، فيما تعرض المدارس الخاصة فرصًا مشروطة برواتب متدنية وساعات عمل مُرهِقة لا تليق بالمؤهل العلمي. أمام هذا الواقع، رفضت إيمان الانصياع، وقررت البحث عن بديل يحفظ كرامتها المهنية.

من الكيمياء الأكاديمية إلى “الكيمياء اليومية”، بدأت إيمان مشروعها الصغير في إنتاج الصابون والمستحضرات التّجميلية الطبيعية، والعناية بالبشرة، مستندةً إلى معرفتها العلمية وإلى مواد طبيعية متوافرة في بيئتها. لم يكن المشروع وليد ترف أو هواية، بل خيارًا اقتصاديًا مدروسًا، هدفه تحويل العلم إلى منتج، والبطالة إلى فرصة.

إيمان الحجيري: “التدريب المتخصّص محدود، والقروض باتت شبه مستحيلة”.

تُنتج إيمان اليوم مجموعة من أنواع الصابون والمستحضرات الطبيعية التجميلية، تتميّز بجودتها وتركيباتها المدروسة، وقد حظيت بقبول متزايد داخل عرسال وخارجها. غير أنّ هذا النجاح النسبي يبقى محاصرًا بعقبات كبيرة، أبرزها ضعف التمويل، وغياب الدّعم الجدي من الجهات المانحة، وانعدام السياسات الحكومية في التنمية المتوازنة، حيث يفترض أن تعطي الأولوية للمبادرات الإنتاجية في المناطق المهمّشة.

تقول إيمان، في حديثها إلى منصة “شريكة ولكن”، إنّ “معظم برامج الدعم تتركّز في المدن الكبرى، أو تُمنَح لمشاريع تمتلك أصلًا شبكات علاقات واسعة، فيما تُترَك المبادرات الفردية في مناطق الأطراف وحيدة لمصيرها، تصارع وحدها من أجل البقاء”.

وتلفت إلى غياب الحوافز، معتبرة أنّ “التدريب المتخصّص محدود، والقروض باتت شبه مستحيلة، فيما يشكّل التسويق تحدّيًا يوميًا في ظل ضعف البنية التحتية وغياب الحاضنات الاقتصادية”.

ورغم كل ذلك، لا تنظر إيمان إلى تجربتها بوصفها قصة شخصية فحسب، بل كرسالة أوسع. فهدفها، كما تقول، “تقديم صورة مختلفة عن إمكانات النساء اللبنانيات في الأرياف، وإثبات أن المشكلة ليست في القدرات، بل في إتاحة الفرص”. وتؤمن، انطلاقًا من تجربتها، بأن النساء في المناطق المهمّشة “قادرات على الإنتاج والابتكار متى أُتيحت لهن فرص عادلة، بعيدًا عن الزبائنية والاستغلال”.

تجربة إيمان الحجيري تفتح باب النقاش حول دور الدولة والجهات المانحة في دعم الاقتصاد الصغير المنتج، ولا سيما في الأطراف البعيدة عن المدن والتجمّعات الكبرى، وحول ضرورة الاستثمار في الطاقات الشابة بدل دفعها نحو الهجرة أو الإحباط. فهي ليست استثناءً بقدر ما تمثّل نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه المجتمع اللبناني لو وُزّعت الفرص بعدالة، ووُضعت التنمية في خدمة الإنسان لا العكس.

 

كتابة: طارق الحجيري

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد