صورة المرأة في دراما رمضان: تنكيه للعنف الأسري في لبنان !

فيما تقطع قضايا النساء والإنتصار لحقوقهن شوطاً في لبنان والعالم العربي عبر رسم مشهدية جديدة تعيد البوصلة الى هذه القضايا وتقطف ثمار نضال عشرات السنين، قوامها نبض الشارع ومساندة بعض الإعلام المرئي والعديد من الإعلام المكتوب، تسير الدراما خلاف هذا الخط أو بالأحرى ترقص على بركانه دون أن تكون معنية بشكل مباشر بهذه القضايا.

الدراما العربية التي تشجّعت قليلاً على  كسر نمطية أعمالها الفنية، واللبنانية التي ما زالت تحكمها عقلية التاجر وميزان الربح والخسارة، بين هاتين الحالتين يبرز  شهر الصوم الذي عبره تضخّ عشرات الأعمال الدرامية منها الرديء ومنها ما يصلح ليعلي من شأن هذه الدراما. شهر رمضان أتى هذا العام بحوالي مئة عمل درامي تنوّعت أطيافه وصنّاعه، تبقى العين على صورة المرأة في هذه الأعمال كيف قدّمت؟ هل ما تزال على حال صورتها المشوّهة في  تكريس العقلية الذكورية وتصوير المرأة على أنها كائن مغلوب على أمره وراضحة الى الأمر الواقع؟ هل تعكس فعلاً هذه الأعمال واقعية ووحشية ما نعيشه على وقعه بشكل دائم، من العنف الأسري الى  منع المرأة من إعطاء أولادها الجنسية وما إلى ذلك، وتعيد إنتاج صورة منصفة لما تعانيه المرأة في مجتماعاتنا؟ أم للعقلية التجارية الكلمة الفصل في تسطيح كل هذه المفاهيم وتفريغها من محتواها لصالح فسحة من التفاهة والتسلية؟

 في حقيقة الأمر، ومع رصد نماذج لافتة من الأعمال الدرامية لهذا العام، خلاصاتها لا تقودنا الى تفاؤل يبعث علينا بإكتمال مشهدية ضاغطة مناصرة لقضايا المرأة. في دراسة لأستاذة الإعلام  نهوند القادري “نحو صورة متوزانة للنساء في الإعلام” (إنتاج جمعية Fe-Male)  تعود الى بحث مسبق أجرته عام 2012 على عينة من المسلسلات اللبنانية، يخلص الى أن كتبة السيناريو في هذه الأعمال أغلبهم من النساء، وأن المخرجين هم من فئة الرجال، وتضيء على جزئية هامة من هذه الدراما التي تلعب على الخيط الفاصل لقضايا المرأة بين حجزها ضمن المشاكل الفردية وإهمال صناعتها ضمن تحفيز المسؤولية الإجتماعية. تخلص الباحثة في هذا الشق الى التأكيد على أن الدراما اللبنانية ما تزال تحكمها العقلية الربحية، مع غياب لأية إستراتيجية تنموية إجتماعية يمكنها أن تساهم في الإضاءة بشكل أعمق على قضايا النساء. مرّت أربع سنوات على هذه الخلاصات، وما تزال نفسها يمكن تعميمها على الواقع الدرامي اللبناني. فقد شهد هذا العام إنتاج عملين دراميين لبنانيين فقط عرضا على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI هما :”وين كنتي” (كتابة:كلوديا مرشليان وإخراج:سمير حبشي)، و”مش أنا” (كتابة :كارين رزق الله وإخراج :جوليان معلوف). العملان وتبعاً لشركتي الإحصاء في لبنان “إيبسوس” و”جي.أف.كي” نالا نسبة مشاهدة عالية، وحلاّ في المرتبتين الأولى والثانية بين باقي المحطات والأعمال الرمضانية المعروضة. عمل “مش أنا” للممثلة والكاتبة كارين رزق الله، يتناول قصة “هنا” المرأة التي نراها بداية متسلّطة، شرسة الى حد الهستيريا، وقاسية بلا قلب إزاء محيطها والعاملين في قصرها، بعدها تتحول الى إمرأة وديعة مسكينة دون أن نعرف سبب هذا التغيّر. يخال المرء للوهلة الأولى أن رزق الله المرأة التي كتبت وسردت سيناريو على مدى أكثر من 30 حلقة ستعالج قضية العنف الأسري وتعطيه مجالاً في هذه السردية، لكن، ومع تتبع حلقاته تنقلب الآية، تهدي “هَنا” المرأة المعنّفة من زوجها (يتوفى في أول حلقة)، البطل “مجد” (بديع أبو شقرا) اي للرجل كل الفخامة والعظمة والمديح، كونه متفهماً لقضيتها وللعديد من قضايا النساء كالتزويج المبكر على سبيل المثال، فتقول له في إحدى الحلقات وهو يهمّ بالحديث عن وجوب المرأة تمكين نفسها الى حين نضوجها، قبيل دخولها معترك الزواج :”قلال الرجال الي متلك بفكروا هيك”. تتوارى رزق الله وهي صاحبة القصة والسيناريو والبطولة النسائية المطلقة خلف أبو شقرا، لتكرّس من جديد الصورة المجتمعية الحالية التي يتصدّرها الرجل، فيما تغيب هي صاحبة القضية وتغيب معها الأخيرة بين طيّات قصة عاطفية عاصفة بين الثنائي المذكور. في هذا العمل أيضاً، إطلالة عابرة على شقيقة “هَنا” التي تعاني من البدانة ومن صورة المجتمع التنميطي لها. “فيرا”، الشخصية المعنية، لم تظهر فعلياً بوزن زائد بل كانت “ممتلئة”أي أنها لم تعكس شكلاً ومضموناً حالة المرأة البدينة وكذلك ظهرت في بعض الأماكن  مستسلمة  أمام الصورة النمطية التي يصبغها بها المجتمع.

 مسلسل “وين كنتي” لكاتبته كلوديا مرشليان، يتّكىء أيضاً على قصة مكرورة: زواج رجل مسّن بشابة ووقوع نجله بحب الأخيرة وبدء الحب المستحيل. يلوّن “وين كنتي” هذه القصة العاطفية ايضاً، بإضاءة بسيطة على قضية العنف الأسري، إذ يتظهر لنا في الحلقات الأولى أن البطلة “جينا” (ريتا حايك) كانت تتعرّض للتعنيف على أيدي والدها وشقيقها، لذا قرّرت تأسيس “جمعية الدفاع عن المرأة” والوقوف الى جانب إبنة زوجها المضطربة نفسياً والتي تعاني ايضاً من تعنيف من قبل زوجها، وهذا الأمر يسهلّ دخولها فيما بعد بعلاقة مع كارلوس عازار نجل زوجها. إذاً في هذه الحبكة الدرامية تنكّه بقضية العنف الأسري دون أن يكون الأخير محورياً وله مساحته الخاصة في المقاربة والمواجهة والمسؤولية الإجتماعية.

 في الخلاصة، لبنان الذي يحمل توابيت نسائه بشكل مطرد جراء العنف الأسري، والذي نجح مناضلو ومناضلات هذه القضية في قطف قانون العنف الأسري على الرغم من ثغره، يقف صناع الدراما فيه أقله في رمضان، وهم من النساء في الغالب، على حافة وهامشية هذه القضية وسواها بغية تطعيم الجوّ الدرامي، والإيحاء بأنه مقتبس عن الواقع الذي نعيشه، لكن في حقيقة الامر تضيع الطاسة وتسود لعبة التجارة، ونشر التسلية والتشويق في هذه الأعمال.

 بما يسمى “الأعمال العربية المشتركة”، يبرز الى حال النفور مسلسل “جريمة شغف” (كتابة:نور شيشكلي وإخراج:وليد ناصيف)، العمل الدرامي الذي عرض في رمضان عدا أحداثه الخيالية التي لا تمت للواقع بصلة كأن تدخل البطلة نادين الراسي السجن في بداية حلقاته لإتهامها بقتل زوجها، ويسقط البطل “أوس” (قصيّ خولي) من على شرفة عشيقته هرباً من زوجها، فيهوي الى شرفة الراسي ليتهم زوج الأخيرة بأنها تخونه. يعدّ العمل ضعيف الحبكة، يحولّ “أوس” المعتقد أنه المسؤول عن جريمة مقتل زوج نادين الراسي من هارب من العدالة الى نجم سينمائي على يد المخرجة المصرية التي تلعب دورها الممثلة المصرية نجلاء بدر. في أفيش المسلسل، يتوسّط قصيّ خولي 4 نساء هن زوجته (جيسي عبدو)، وشقيتقه (أمل عرفة)، ونادين الراسي، والمخرجة المصرية. تدور النسوة الأربع حول فلك الخولي، تصوّر الكاتبة السورية خولي على أنه دون جوان، أو زير نساء، كلهن يحتجن إليه وهو سبب عيشهن وإستمرارهن في هذه الحياة، فتقول “رانيا”، زوجة أوس (جيسي عبدو) الذي يتركها طويلاً في هذا العمل ويهرب الى مصر: “لما بخسرك بخسر كل شي، بس تتركني بموت”. كذلك، تستمد شقيقة خولي منه قوتها لمحاربة مرضها، وفي الحلقة الأخيرة تقرر في إستفاقة متأخرة  أن تعيش لنفسها مع زوجها (مازن معضّم)، أما شيرين، المخرجة المصرية  المطلّقة، فتعيش قصة حب مع أوس، وللصدفة أيضاً تغرم إبنتها الشابة بكذلك بقصي خولي. أما طليق شيرين الذي يجسّد شخصية السيناريست،ن كشتف من خلال الأحداث أنه رجل معنّف لزوجته الثانية ومغتصباً لها، ويٌمرر في هذا السيناريو تبرير لهذا العمل الوحشي على أنه ردة فعل من قبل الزوج على خروج طليقته مع غيره من الرجال، يمرّ هذا المشهد بشكل عابر ونرى الزوجة بعد هذا التعنيف راضخة قانعة بهذا الوضع الى أن تقرر الهرب الى منزل طليقته وهكذا يضحين النساء الثلاث: الطليقة وإبنتها وزوجة الأب تحت سقف واحد، بعدما عانين من العنف الأسري. في هذا العمل ايضاً، تتقمّص كارلا بطرس التي تمتلك المال شخصية المرأة اللعوب والمتسلطة، تنهل هذه الشخصية من صفات الرجل الذكورية وتمارسها على زوجها (مجدي مشموشي) وصولاً الى طرده من منزلها ومعايرته له بأنه يعتاش من مالها وخيراتها. إذاً، تعيد شيشكلي، في هذا العمل الرديء تكريس صورة الرجل المحور الذي تدور من حوله النساء، وتمرّ على قضية العنف الأسري بطريقة عابرة، لا بل تبرّره في بعض الأماكن.

 وفيما يكمل صنّاع الدراما السورية وتحديداً ما يسمى ب”الدراما الشامية” تشويه صورة المرأة وتظهيرها على أنها كائن تابع، خانع، وأداة متعة الى جانب غيرها من النساء لإرضاء الرجل، برز في مصر هذا العام مسلسل “الخانكة” (كتابة:محمود دسوقي وإخراج:محمد جمعة)، الذي تلعب دور بطولته غادة عبد الرازق ويضيء على قضية التحرش الجنسي، وعلى تطويع السلطات المجتمعية والقانونية وحتى الإعلامية لتكون في خدمة الأثرياء وكتمان صوت المظلوم\ة. في هذا العمل تجسّد عبد الرازق شخصية معلمة في مدرسة خاصة تتعرض للتحرش من قبل تلميذ ثري. لا نرى المعلمة هنا خانعة وصامتة لما يحدث لها، بل تلقنّ الشاب درساً قاسياً عندما تدافع عن نفسها. نرى في مسار الأحداث فيما بعد تحوّل الضحية الى متهمة، هكذا تدخل البطلة السجن من بعدها “الخانكة”، اي مستشفى المجانين، وكل ذلك تدفع ثمنه لأنها كانت ضحية تحرش جنسي ولأن المعتدي هو صاحب نفوذ طوّع القضاء والإعلام وحتى من يعمل في هذه المدرسة لخدمته، ولتطويق عبد الرازق. مصر، التي تعاني من هذه الظاهرة وتحاربها، جعلت من الكاتب محمود دسوقي ينهل من هذا الواقع ويصوّر الى جانبه حال المرأة المطلقة ومعاناتها مع طليقها، ومع المجتمع، وايضاً نظرة هذا المجتمع إليها في محاكمتها وسجنها في قالب يروق له، كأن يستهجن ركوبها دراجة نارية، إستخدمتها البطلة كي تتخلص من مضايقات الرجال لها في النقل المشترك.

وعلى الرغم من النهاية الأفلاطونية التي خطّها هذا العمل بإنتصار عبد الرازق وموت المعتدي، الاّ أنه يبقى نقطة مضيئة في الصياغة والمقاربة وجرأة طرحه وواقعيته في بلد ما يزال يعاني من هذه الظاهرة وسواها.

كتابة: زينب حاوي، صحافية لبنانية

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد