آلاف النساء في السودان يعاقبن بأربعين جلدة وغرامة مالية عالية بسبب لباسهن

المواجهة بين الصحافية والناشطة السودانية ويني عمر وقانون النظام العام في شباط/فبراير الماضي، لم تكن الأولى.
كما لم تكن ويني نفسها أول من تواجه هذا القانون، خلال مسيرة المرأة السودانية لانتزاع حق المساواة بين الجنسين في المجتمع.
تواجه الناشطات السودانيات المدافعات عن حقوق الإنسان، تحديات كثيرة. لكن التحدي الأقسى هو مواجهة قانون النظام العام، الذي أصبح أداةً في يد السلطة، لملاحقة الصحافيات والناشطات السياسيات والحقوقيات.
حرية اللباس
تتعرّض النساء السودانيات لعقوبة أربعين جلدة ودفع غرامة، إذا انتهكت المادة 152 من القانون الجنائي لعام 1991، الذي يحظر على نطاق واسع “الأعمال غير اللائقة وغير الأخلاقية”. منذ ذلك الحين، تقوم شرطة النظام العام، بتطبيق هذه المادة الفضفاضة على مزاجها، وتمنع النساء والفتيات من ارتداء السراويل والتنانير التي تصل إلى الركبة.وإلا تتم إدانتهن بارتداء “زي فاضح”.

تتعرّض النساء السودانيات لعقوبة أربعين جلدة ودفع غرامة، إذا انتهكت المادة 152 من القانون الجنائي لعام 1991

في السنوات الأخيرة تحوّل هذا القانون إلى أداةٍ بيد الدولة لقمعٍ جديد: إسكات الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد. وقد تكون قضية الناشطة ويني عمر، التي سمعنا عنها مؤخراً، هي الأخيرة لكنها ليست الأولى. في شباط/فبراير الماضي، كانت ويني في منزل صديقة، برفقة أصدقاء آخرين، وفوجئوا برجال من المباحث يقفزون داخل البيت من الشباك، واتهموا بـ”ممارسة الدعارة وشرب الخمر”، لمجرد وجودهم في منزل واحد، على الرغم من أنهم لم يتم ضبطهم لا يمارسون الدعارة ولا يشربون الخمر.
سبق لشرطة النظام أن حاولت التضييق على ويني، في كانون الأول/ديسمبر 2017، لم تعجب ملابسها ومشيتها أحد وكلاء النيابة، فقام بتوقيفها في الشارع، اقتيادها إلى قسم الشرطة. بعد جلساتٍ ثلاث، تمت تبرئة ويني من التهمة. بالنسبة إليها، تؤكد أن السلطة تستخدم النظام العام لمضايقة الناشطات وإجبارهن على الاستسلام وملازمة منازلهن، بدلاً من المطالبة بحقوقهن. تقول ويني لموقع شريكة ولكن: “أعتقد أن قانون النظام العام، يتم استخدامه من قبل السلطة ضد النساء بشكل عام كسلاح لإبعادهن عن الفضاء العام، ولتشويه سمعتهن، موظفةً في ذلك الفهم الاجتماعي لمسألة النظام العام، والوصمة والعار المرتبطين بهذه التجارب، قضية لبنى حسين كانت الأكثر شهرة، وقدمت أوضاع النساء السودانيات القانونية بشكل واضح. وأضاءت على جوانب الخلل والتمييز في الإطار القانوني في السودان. وهناك ناشطات أخريات كثيرات تقدمن هذه المعركة أيضاً”.
قضية لبنى حسين، التي شغلت الرأي العام، عام 2009، كانت القضية التي ساهمت بشكل كبير، في نقل معركة النساء مع هذا القانون، إلى مستوى عالمي. كانت لبنى أول امرأة تصر على وصول قضيتها إلى المحكمة، لمواجهة هذا القانون. قامت بطباعة دعوات لحضور محاكمتها، وجعلت الأمر علنياً وحوّلت محاكمتها إلى فرصة لمحاربة ومقاومة “النظام العام”. وتكونت في تلك الفترة مبادرة “لا لقهر النساء”، بهدف العمل على مناصرة قضية لبنى، ومحاربة هذا القانون.
الصحافية والناشطة السودانية، وإحدى مؤسسات مبادرة “لا لقهر النساء”، أمل هباني، اعتبرت في حديث لموقعنا أن “قانون النظام العام وضع ليذل ويقهر النساء بكافة فئاتهن وطبقاتهن. وتحاكم به سنوياً بين 43 ألف إلى 50 ألف امرأة في ولاية الخرطوم وحدها. وطريقة تطبيقه تفتح الباب واسعاً للتربص والتجسس الأمني، لذلك كثيراً ما تستهدف به الناشطات في العمل العام، سواء كان سياسياً أو فنياً أو حقوقياً، أو غيره”. أما عن ازدياد استخدامه بوجه الناشطات، فقالت: “الناشطات دوماً أشجع من غيرهن من النساء في مواجهة صلف القانون وتسليط الضوء على قضيتهن. في حين أن معظم النساء العاديات يخشين مزيداً من البطش في حال صعدن قضيتهن، كما ان قلة الوعي الحقوقي والقانوني متفشية بينهن، والمحاكمة بهذا القانون ما زالت تمثل وصمةً اجتماعيةً لأي امرأة يتم القبض عليها بتهمة الزي الفاضح أو الفعل الفاضح، أو بيع الخمور أو الدعارة، وهي الجرائم التي تقع تحت طائلته”.
الوصمة المجتمعية المرتبطة في السودان بنظام الحكم الإسلامي تلاحق النساء يومياً وتمنع كثيرات من الحديث عن تجاربهن أو تحدي السلطة، أو المشاركة في تظاهرات، أو المطالبة بقوانين أكثر إنصافاً للمرأة السودانية.
قد يكون الشعور بالتقييد وصفاً مخففاً لما تعيشه المرأة في السودان. قوانين آداب عامة، غامضة وفضفاضة، تميّز ضد النساء، وتحدد لهن الزي “المناسب” الذي يجب أن يرتدينه، وتحد من حركتهن ودورهن في الحياة العامة، وتفرض عليهن عقوبات جسدية مهينة مثل الجلد والرجم.

قوانين آداب عامة، غامضة وفضفاضة، تميّز ضد النساء، وتحدد لهن الزي “المناسب” الذي يجب أن يرتدينه، وتحد من حركتهن ودورهن في الحياة العامة، وتفرض عليهن عقوبات جسدية مهينة مثل الجلد والرجم

بعد قضية لبنى الحسين الشهيرة، تؤكد أمل هباني أن “المبادرة حاولت مناصرة قضايا نساء أخريات، لكنهن رفضن لأن الظهور الإعلامي سيعرضهن لمشاكل اجتماعية كثيرة”. وعن المحاكمات تقول: “هي عبارة عن مهزلة عدلية، تتم بصورة إيجازية قد لا تصل لساعتين من ذلحظة القبض على المرأة. تبدأ بأن تقوم قوة من شرطة النظام العام (أصبح اسمها الآن أمن المجتمع )، بحملة تستهدف بائعات الشاي أو الأطعمة في الشارع، أو الطالبات والشابات الصغيرات في شارع النيل، أو المقاهي والمطاعم، تسمى الكشة.وتقبض الحملة الواحدة ربما على ما يزيد عن 10 نساء، ويتم معاملتهن بطريقة فظة وعنيفة، قد يتعرضن للضرب وربما التحرش أحياناً، والمساومات الجنسية في أحيان أخرى. بعد ذلك، يتم تحوليهن إلى محكمة خاصة تسمى محكمة النظام العام، ويتم عرضهن على وكيل النيابة المختص، والتحقيق معهن، فيتحول الشرطي الذي قام بالقبض عليهن، إلى شاكي أو شاهد. كثيرات يتم إطلاق سراحهن بالتعهد بعدم لبس الزي الفاضح مرة أخرى. كثيرات يتم تحويلهن إلى قاضي النظام العام، ويحكم عليهن بالجلد أو السجن أو الغرامة”.
لا ينفصل وضع النساء في السودان عن نظام الحكم وطبيعته وإيديولوجيته القائمة فكرياً على الإسلام السياسي والشريعة، و على التأخر في فهم النساء ككيان مستقل، وفي فهم دورهن في الحياة العامة، وحقوقهن الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية. لذلك قهر النساء في هذه البلاد ما زال مستمراً وبقوة القانون.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد