تحرش الأساتذة بالطالبات مستمر… “شريكة ولكن” يكشف مجموعة قصص كانت قيد الكتمان

تشكو العديد من الطالبات الجامعيات من تعرضهن لأنواع مختلفة من المضايقات والاعتداءات التي تصنف كنوع من أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتحديداً التحرش من قبل الأساتذة. إن ما يجعل قضية التحرش بالطالبات أمراً مضاعف النتائج هو أن الأساتذة يتمتعون بسلطة تجعلهم في موقع يسهل لهم ارتكاب هذه الاعتداءات. ليأتي بعدها مفهوم “العيب” المفروض على الفتاة واللوم والاتهام لإجبارها على الصمت والسكوت. مما يزيد الضغط والألم النفسيان الممارسان عليها، ويسمح للمرتكب النفاذ من العقاب والإستمرار في فعله والبحث عن ضحايا أخريات.
وفي حين تنتشر الظاهرة في كل الجامعات بنسب وأشكال مختلفة، إلا أن طالبات الجامعات ذات التكلفة القليلة يظهرن وكأنهن أكثر عرضة من غيرهن لهذه الاعتداءات، نظراً للسلطة الإضافية الممنوحة للأستاذ نتيجة غياب آلية حقيقية للتقدم بشكوى ومراجعتها، وحتى لمعاقبة الفاعل، وفق ما تؤكده تجارب مختلفة. وتشكّل أوضاع الطالبات الإقتصادية عامل ضغط إضافي يجعلهن متخوفات من الإعلام عن تعرضهن للتحرش بسبب غياب البديل في حال اضطررن لتبديل جامعتهن.
شهادات عدة أدلت بها طالبات وخريجات ناجيات من تحرش الأساتذة بهن، تنقل واقعاً مريراً تعاني منه الطالبات ولا تجرؤن على البوح به. وإذ تجرأت بعضهن على التقدم بشكوى في الجامعة إلا أنهن يرفضن جميعهن ذكر أسمائهن لاعتبارات عائلية ودراسية وإجتماعية.
تروي بعض الطالبات تجربتهن لموقع “شريكة ولكن”، إذ تقول طالبة أن أحد الأساتذة الذي بات مشهوراً بالتحرش بطالبات في الكلية التي يدرّس فيها وبسعيه لإقامة علاقات جنسية مع بعضهن، وبعد أن هاتفته لتسأله باسم زملائها في الصف عن مسألة تتعلق بمادته، رد بأنه بمفرده في المنزل ودعاها لتناول الغداء معه. تقول:” لم أتوقع أنه قصد دعوتي وحيدةً. أجبته بأنني سأسأل زملائي في الصف لنحدد موعداً يناسب الجميع. لكن الأستاذ فاجأني بالقول إن الدعوة موجهة لي وحدي”. القصة لم تنته هنا، وفق ما تؤكده الطالبة، ففي عام دراسي آخر “فوجئت طالبات الصف من تصرفات أستاذ آخر تحرش بهن. حاولن التقدم بشكوى، لكن ونتيجة للعوامل الضاغطة قررن اللجوء إلى إحدى الأساتذة للشكوى فوعدتهن بأخذ شكواهن بعين الإعتبار وبعدم تجديد عقد التعليم مع الأستاذ المتهم. لكن ذلك لم يحصل، وتم تجديد العقد”.

تروي الطالبة كيف كانت تصاب بالرهاب من هذا الأستاذ، وكيف انهارت في إحدى المرات قبل الدخول إلى قاعة الإمتحان عندما علمت بوجوده في الداخل

طالبة أخرى تروي تجربتها، وتروي كيف حوّل أحد الأساتذة سنتها إلى جحيم، ما دفعها لترك الجامعة والتخصص في جامعة أخرى. تقول لموقعنا:” بدأ الأمر في السنة الأولى حيث وزع الأستاذ استبياناً يطرح فيه أسئلة شخصية ويطلب أرقام هواتفنا. طلب منا الإجابة متذرعاً بالعمل الأكاديمي. لكنه استغل المعلومات لأهداف شخصية، واستغل الأجوبة وبدأ بملاحقتي، لم أكن أبلغ حينها الثامنة عشرة من عمري، وهو ما توقف عنده. ثم بدأ بالاتصال بي لسؤالي عن علاقاتي العاطفية وحياتي الجنسية رغم علمه بأني قاصراً، حتى أنه طلب مني الإستلقاء على السرير والإجابة عن أسئلته الجنسية”. تتابع الطالبة “ارتبكت من تصرفاته وطلبت منه طرح أي سؤال في الصف، وتوقفت عن الرد عليه. في الأسبوع التالي راح يلاحقني بنظراته في الصف بشكل لفت أنظار زملائي وأخبروني أنهم لاحظوا أنه ينظر إلي بشكل مريب. بعدها فوجئت برسالة منه يقول لي فيها “أريدك أن تكوني الطالبة التي اثق بها دون علم بقية الطلاب”. فذهبت في اليوم التالي وزملائي لنسأل عنه طلاب السنة الثانية. أخبروني أنه يعتمد الأسلوب نفسه في كل عام لملاحقة الفتيات، ويتعمد إرساب الطالبة التي لا تستجيب له”. تضيف الطالبة التي أربكها الموضوع منذ البداية وتجنبت الصدام مع أستاذها: “لدى التأكد من ظنوني حظرت رقمه عبر تطبيق الواتساب، فأرسل لي عدة رسائل يقول فيها “بينتي إنك بلا أدب وبلا أخلاق وما بتستاهلي تكوني بالجامعة”، “ماشي يا بنت”… أخبرت أهلي فتواصلوا مع عنصر أمني طلب مني أن أذهب إلى صفي بشكل طبيعي وأن أبلغه في حال تعرض لي الأستاذ. في الصف كرر الأستاذ الكلام الذي قاله لي عبر الرسائل لكن بصيغة الجمع. لم يتمكن رجل الأمن من مساعدتي، عندها طلب مني أهلي عدم حضور محاضرات الأستاذ. ورغم دراستي للمادة لكني رسبت فيها”.
تروي الطالبة كيف كانت تصاب بالرهاب من هذا الأستاذ، وكيف انهارت في إحدى المرات قبل الدخول إلى قاعة الإمتحان عندما علمت بوجوده في الداخل. “يومها وبعد أن تجرأت على الدخول للجلوس في مكاني تعمد تغيير مقعدي وأجلسني في الصف الأمامي على مقربة منه. كنت قبلها قد كتبت ما حصل معي على أوراق لتقييم الأساتذة وزعت علينا، وأعتقد أن من وزع الأوراق أخبره بأنني من كتب ذلك”.
لدى سؤالها عما إذا تقدمت بشكوى، تجيب الطالبة أنها حاولت مقابلة عميد الكلية لكنها لم تتمكن من ذلك بسهولة، فقابلت مساعدته التي أخبرتها ألا جدوى من التقدم بشكوى إذ كانت هي أيضاً قد حاولت القيام بذلك من قبل، لكن تدخلات منعتها من ذلك. وتنقل عنها قولها: “هذا الأستاذ مدعوم وما تشكين منه تشكو منه العديد من الطالبات”. تذكر الطالبة أن الجامعة لم تحقق في الأمر ولم تعاقب الأستاذ، بل على العكس، جددت عقد التعاون معه رغم تجاوزه سن التقاعد. تخبر الطالبة أن العميد وعدها أنه سيعمل على جعله يدرس مواداً إختيارية فقط، بدل المواد الإجبارية التي كان يعلمها، نتيجة كثرة شكاوى الطلاب ضده وذياع صيته السيء. لكن الطالبة لم تعرف إن كان ذلك قد تحقق اذ كانت قد تركت الجامعة.

 الطالبات ولدى التبليغ واجهن خوف رئيسة القسم من حصول بلبلة

تقول المعالجة النفسية هبة خليفة في حديث لموقع “شريكة ولكن” أن التحرش موجود في مختلف الأماكن. لكنها تضيف أن للجامعة الأدنى كلفةً خصوصية كونها جامعة شعبية. تتابع: “لا ينظر للطالب على أنه زبون فيعامل بطريقة أدنى من التي يعامل فيها الطالب في الجامعات ذو الأقساط المرتفعة. وبالتالي فتركيبة الجهاز النفسي في ظل تراجع الرادع، واللاوعي الجمعي الناجم عن هذه العوامل يؤديان إلى التعامل مع الطالب باستخفاف. ويتم وضعه أمام خيارين: إما القبول بالأمر الواقع، أو ترك الجامعة. ما يدفع الطالب بشكل عام للتنازل عن حقوقه وتمرير العديد من الأمور التي يتعرض لها بهدف إنهاء دراسته وتمرير الوقت”. من خلال ما عايشته خليفة في الجامعة تؤكد أن آلية التقدم بشكوى لا تساعد الطالبات على التبليغ عما يتعرضن له. “فعلى الطالبة أن تتوجه أولاً إلى رئيس القسم، فإذا قبل بالشكوى، التي قد يرفضها لأسباب تتعلق بانتماء الاستاذ السياسي، تتنقل الشكوى إلى مدير الكلية، وإن وافق إلى العميد الذي قد يتواجد في مكان آخر، والذي لا تعرفه الطالبات”. تشير خليفة أن كل هذا التسلسل الإداري في موضوع تخجل الفتيات أصلاً من البوح به يشعرهن بعدم الثقة والإرتياح، وهي عوامل تجعل الفتاة تفضل الصمت وكتمان الموضوع. وتذكر خليفة أن عدداً من الطالبات يتحدثن عن تجاربهن، لكن بعد انهاء دراستهن.
تؤكد خريجة علم النفس حصول حالات تحرش في الفرع الذي درست فيه، وأنها شهدت على تردد زميلاتها وخوفهن من الإبلاغ عن الأمر. تروي أن الطالبات ولدى التبليغ واجهن خوف رئيسة القسم من حصول بلبلة في قسمها، رغم أنه قسم معني بالتوعية حول الموضوع، “وكانت تحاول إخفاء الأمر، او اتهام الطالبات، وهو ما سبب انهيارإحداهن”.
تلفت خليفة إلى عدم دراية الطالبات بكيفية التصرف عند تعرضهن لاعتداءات جنسية. وتشير أيضاً إلى عدم توجيههن أو إشعارهن بالاحتضان من قبل المدراء. “بل على العكس، يشعرن بالخوف من الإنتقام منهن”. تتوقف خليفة أيضاً عند دور العائلة وتربية الفتاة على ثقافة الجبن والخوف التي تجعلها عرضة للأذى.
من جهتها، ترى المحامية والناشطة منار زعيتر أن علاقات القوة في الجامعة غير متساوية وهو ما قد يعيق أية حماية للضحايا، وما يساعد في ارتكاب انتهاكات ممنهجة أو غير ممنهجة. وتشير زعيتر إلى ضرورة أن تلجأ المؤسسات وتحديداً الجامعة إلى وضع سياسات داخلية تحظر أي انتهاكات وتضمن وصول الشكاوى إلى المعنيين، وتحظر أي ردة فعل قد تنشأ عنها لحماية المتشكين. وأن تعتمد النهج الوقائي الإستباقي لتجنب حصول هذا النوع من الإعتداءات. “فعلى الجامعة أن تعزز من تصديها للعنف القائم على النوع الإجتماعي وتحديداً العنف الجنسي، وعليها تحديث وصياغة المناهج الجامعية وفق مقاربة حقوق الإنسان وحقوق النساء. وكذلك العمل على توعية الجسم الجامعي والطلاب. وعلى الجامعة أن تضع بنفسها هذه السياسات لتكون سباقة بحماية الفتيات من إشكالية موجودة. على أن تكون جدية وأن تعمل على تطبيقها”.

أن من سينظر في الملف هو قاض، وقبل ذلك سيمر الملف على أجهزة تمتلك تقنيات للتحقيق. وتلفت إلى ضرورة العمل على تطوير وبناء قدرات المعنيين\ات بهذا الموضوع للتحقيق بشكل عادل

وتعتبر زعيتر أن التذرع بعدم وجود قانون يجرم التحرش ليس مبرراً. وتدرك أن التحديات كبيرة “بسبب التجارب السيئة في البلد حيث تدان النساء في حال تحدثن عن تعرضهن لاعتداءات”. وتدعو هنا للعمل على مسألة التضامن الإجتماعي مع النساء ضحايا العنف الجنسي.
عن الإشكالية التي يطرحها البعض حول هذه القضايا لناحية صعوبة التأكد من الحالة في ظل عدم إمكانية إظهار دليل، أو خشية أن تستخدم الشكاوى كطريقة للانتقام، تجيب زعيتر ل”شريكة ولكن” أن من سينظر في الملف هو قاض، وقبل ذلك سيمر الملف على أجهزة تمتلك تقنيات للتحقيق. وتلفت إلى ضرورة العمل على تطوير وبناء قدرات المعنيين\ات بهذا الموضوع للتحقيق بشكل عادل. “وهنا ليست مسؤولية الفتاة إيجاد الدليل، إنما هي مسؤولية الجهة التي تنفذ القانون والذي عليه أن يعمل على تسهيل إجراءات الإثبات أمام الضحايا”. تضيف زعيتر أن السياق الدولي طرح الكثير من المقاربات وقد تطورت دولياً معايير التحقيق في جرائم العنف الجنسي وليس من الصعب الإثبات. وتكرر المحامية دعوتها إلى تطوير قدرات الأجهزة المتخصصة بالتلازم مع تطوير المقاربة المتعلقة بالموضوع، “لأن أفضل رجل تحقيق لا يمكنه التأسيس لملف جيد إن كانت مقاربته مقاربة ذكورية أو أبوية”.
وفي النهاية، لا بد من الأشارة إلى أنه وحرصًا على المصداقية والمسائلة، حاول موقع “شريكة ولكن” التواصل عدة مرات مع جهات مختلفة في الجامعة التي ذكرت الطالبات وقوع حوادث التحرش فيها، بهدف الحصول على إجابات على بعض الأسئلة، ولكننا لم نحصل على أي رد.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد