هذا ما تعرضت له ناشطة سياسية في أحد السجون المصرية!

“عندما استقليت على ظهري، وفتحت رجليّ وأنا عارية، أوّل فكرة خطرت ببالي هي أنّي سأتعرّض للاغتصاب” هذا ما تتذكره شيماء موسى (اسم مستعار)، معتقلة سياسية سابقة في الثلاثينيات من عمرها، عن توقيع الفحص المهبلي عليها، بعد أن مرّت بتجربة اعتقال استمرت ثمانية أشهر بعد أحداث 20 أيلول/سبتمبر 2019.

فوجئت شيماء بعدد من رجال الأمن يطلبون منها أن تتوجه معهم: “عندها كنت استعد مع ابني ليومه الأوّل إلى المدرسة، كانت لحظة قاسية وأنا أقول له لا تخاف إبقَ مع والدك وأنا سأذهب لأحضر لك حلويات”.

أحداث ٢٠ أيلول/سبتمبر ٢٠١٩ هي احتجاجات اندلعت في عدة محافظات مصرية منها القاهرة والإسكندرية والسويس، طالبت برحيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبلغ عدد الموقوفين/ات والمقبوض عليهم/ن على خلفيتها ثلاثة آلاف و763 شخصًا من مختلف محافظات مصر، وفقًا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كانت شيماء واحدة من ضمن الآلاف الذين/اللواتي تعرضوا/ن للاعتقال.

“أخذوني إلى مقر الشرطة هناك، جلستُ في غرفةٍ صغيرةٍ ومظلمة وربطوا عينيّ بقطعة قماش”. لم تستطع شيماء تحديد تلك المدة التي تعرضت فيها للاختفاء القسري، حتى أتت اللحظة وفتح أحدهم الباب، كانت تعتقد أن هذا الكابوس قد انتهى، ولكن يبدو أنَّه كان سيبدأ: “أخذني أحدهم وتوجه بي إلى مقر الأمن الوطني حيث تم التحقيق معي، ظللّت هناك فترة أيضًا لا أستطيع تحديدها، حتى مثلتُ أمام النيابة التي قررت سجني لمدة ١٥ يومًا، بتهم الإنضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، رغم ذلك كان لدي أمل بالخروج على الفور”.

رحلة شيماء من النيابة إلى السجن كانت مليئة بالأحلام المنفصلة عن الواقع الذي تعيشه، لحظات انفصال تامة، مثال أنَّها ستنال قسطًا من الراحة والنوم، سيكون لها سرير وحدها، ستأكل طعامًا جيدًا: “كنت أقول أنا أحتاج للراحة، وأخيرًا أنا ذاهبة إلى السجن وسأصبح في سريري وسأقضي الـ15 يوماً بالطول والعرض وطبعاً هناك تجديد وسآخذ إخلاء سبيل، الفتيات المعتقلات اللواتي كنّ معي في سيارة الترحيلات، كنّ يبكينّ ويقلنّ سنتعرّض للاعتداء والضرب، وأنا كنت أطمئنهنّ وأؤكد لهنّ أنَّ لا شيء من ذلك سيحدث”.

وصلت شيماء هي ورفيقاتها إلى السجن في تمام الساعة الثانية ونصف صباحًا: “نزلتُ من سيارة الترحيلات، وجدتُ أحدهم يقول لي ساخراً، مرّي برجلك اليمين، وقبل أن أقول له لماذا تتكلم معي بهذه الطريقة؟ تلقيت صفعةً على رقبتي وصرخةً ابقِ رأسك في الأرض يا امرأة”.

“وأنا أدخل عبر بوابة السجن كان يتم صعقي بالكهرباء، ثم أوقفوني ووضعوا وجهي مقابل الحائط، ورفعت يديّ، وبدأت أردّد تحيا مصر ويحيا الرئيس كما طلبوا مني، وفي الوقت نفسه كنت أتعرّض للضرب و يتم التحرش بي جسديًا، كان الحارس يمسكني من صدري ومن مؤخرتي”.

حتى كتابة هذه السطور لم تستطع شيماء بعد تجاوز تلك التجرية، الحياة تسير، باستثناء حياة شيماء التي أصبحت مثل عقارب الساعة المتوقفة عند لحظة معينة، بعد أن فقدت جزء من نفسها كما تقول: “فتحوا بوابة السجن ودخلت، عندها رأيت السجّانات، قلت في نفسي من المؤكد أنهنَّ سيكنّ أكثر رحمة لأنهنّ نساء مثلنا، وظننت أنهنّ ملاذي الآمن، لكن كانت مفاجأة لي عندما قالت إحداهن لنا، هيا أيتها الساقطات، طلبت أن نخلع ملابسنا، وأن نحلل فحص بول للحمل أمام بعضنا البعض، وبعدها طلبت أن ننام على الأرض، ثم سألتني إحداهن، أنت فتاة أو امرأة، قلت لها أنّي مطلقة، بعدها لبست كيس في يدها وأدخلت أصابعها كلها في فتحة المهبل وأخذت تدور بأصابعها حتى أُصِبتُ بتشنجٍ مهبلي، ورجفة، وأنا أًصرخ ماذا تفعلين ولم أكن حينها أفكر سوى أنّي أتعرّض للاغتصاب، وعندما انتهت قالت: لا ترتدي شيء في إشارة إلى أنّي لم أهرّب شي داخل مهبلي”.

تنص المادة 99 من الدستور على أن كلّ اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمتضرر حق بإقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر.

«اعتبرت مؤسسة نظرة للدراسات النسوية توقيع الفحص المهبلي من أطباء وطبيبات مجال النساء والتوليد لأسباب مختلفة من بينها متابعة مسار الحمل لدى النساء، أو للكشف عن أمراض تناسلية معينة. وفي العادة تلجأ السجَّانات إلى توقيع الفحص ليس لغرض طبي أو بطريقة طبية سليمة، وإنما بغرض الكشف عن أيّ مخدرات أو أسلحة قد تخفيها النساء داخل فتحات المهبل أو الشرج، وذلك بدعوى الحفاظ على أمن باقي السجينات.

وقالت نظرة إن هذا الفحص يتم عن طريق استخدام كيس بلاستيكي واحد لجميع النساء، وهو إجراء خطير جدًا حيث يسهّل تناقل الأمراض بين السجينات، ويتم تطبيقه كإجراء اعتيادي على جميع السجينات الوافدات، سواء كنَّ متزوجات أم لا، ويمتنعون عن ممارستها فقط عند تدخل مأمور السجن.»

تحدثت شيماء عن واحدة من المعتقلات معها أثناء الفحص المهبلي، والتي قالت للسجّانة “يا سيدة أنا فتاة عذراء” إلا أنّ السجانة جعلتها تنام على ظهرها وتفتح ساقيها وألقت نظرة عليها من فتحة المهبل دون إدخال أصابعها ولكنها استخدمت الكيس عينه الذي كان داخلي، وأدخلت أصابعها في فتحة شرج الفتاة.

كشف العذرية هذا الذي حدث لرفيقة شيماء، تم في فترة حكم الرئيس  المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تحدث تلك الممارسات حين كان رئيسًا للمخابرات الحربية في عام ٢٠١١ وقال إنَّها” ضرورية للتأكد من عدم تعرّض الموقوفات للإغتصاب” وهو أوّل مسؤول عسكري يقرّ بإجراء المؤسسة العسكرية لإجراء الكشوف العذرية وهو ما ذُكِر في بيان صدر عن منظمة العفو الدولية حينها.

ما حدث مع شيماء ورفيقاتها لم ينتهك فقط مواد الدستور المصري، بل انتهك أيضًا نصوص الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي وقَّعت عليها مصر، حيث تعرضت شيماء أيضًا للتحرش الجسدي “أعطونا ملابس بيضاء يطلق عليها تسمية “الشل”، وبعدها كنّا نمرّ على شخص يسمى الباشا، يستلمنا أمين الشرطة من السجّانة حتى يدخلنا إليه، أمين الشرطة كان يحضنني ويمسك في صدري ومؤخرتي ويتلمّس جسدي وأنا أرتعش، الملابس البيضاء التي كنّ نجبر على ارتدائها خفيفة تظهر جسدي فكنت أقف أمام الباشا وأشعر أنني عارية، سألني إن كنت متزوجة، فقلت له لا أنا مطلّقة، فردّ عليّ ساخراً يتلميحات جنسية “لماذا ألم يكن يعرف؟” بينما أمين الشرطة كان يقف ويلمس جسدي ويقول له إنّها طرية”.

احتُجِزَت شيماء في زنزانة مساحتها 12 متراً، وعددهنّ كان يفوق الـ٢٠ سجينة، فيها نافذة واحدة، ولا توجد مروحة، وبحسب شيماء تعمّدت إدارة السجن سكب المياه الباردة في أرضية الزنزانة، رغم أن هذه الأرضية هي مكان نومهن.

امتنعت شيماء عن أغلب الطعام الذي كان يُقدم لهنّ :”كان من المستحيل تناول طعام السجن، فهو أكلٌ غير صحي وكان يقدم لنا في وعاء كالذي يستخدم في الحمامات، كنت آكل الخبز والجبنة والحلاوة فقط “.

في هذه اللحظات حاولت شيماء التمسك بالأمل الذي دائماً ما خذلها في هذه المحنة، تقول: “كنت أضحك مع السجينات وأقول لهنّ، فلنصبر ونعتبر أنفسنا في رحلة سخيفة ستنتهي إن شاء الله ونخرج في التجديد المقبل”. إلا أن اللحظة المنتظرة أتت بعد ٨ أشهر من السجن، تعرّضت فيهم شيماء لكلِّ انتهاكات حقوق الإنسان والقانون.

ما عرضناه هنا فقط غيض من فيض، يرسم لنا بعض الملامح عمّا تعانيه السجينات السياسيات داخل السجون المصرية.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد