أزمة لبنان الاقتصادية تغرق اللاجئات واللبنانيات في البؤس
كان الخبراء، وما زالوا/ن، يعتقدن/ون أن النساء والأطفال والفئات المهمشة هم أكثر من يتأثرن/ون في الأزمات، باعتبارهن/م الحلقة الأضعف. وفي الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، توقعت “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” في دراسةٍ بعنوان “النساء على حافة الانهيار الاقتصادي: تقييم التأثيرات المتباينة للأزمة الاقتصادية على النساء في لبنان”، أن تصل نسبة بطالة النساء التي كانت 14.3% قبل الأزمة، إلى 26% في أيلول/سبتمبر 2020. بالإضافة إلى انخفاض عدد العاملات بنسبة 22%، ووصول عدد اللواتي كن يعملن في السابق وتوقفن بسبب فقدانهن وظائفهن أو خرجن من سوق العمل تماماً، إلى ما يقارب الـ110 آلاف سيدة.
إذ يعاني لبنان منذ أكثر من عامين من أزمة اقتصادية حادة صنّفها البنك الدولي ضمن أسوأ 3 أزمات شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، بعد أزمتي تشيلي وإسبانيا. فتزامن انهيار القطاع المصرفي وسرقة ودائع الناس من المصارف مع تفشي وباء كورونا وانفجار مرفأ بيروت، وشهدت البلاد بالتالي تضخماً بنسبةٍ تزيد عن مئة في المئة، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام. ويعود ذلك إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكلٍ تدريجي، ليصل إلى نحو 25 ألف ليرة لبنانية اليوم، ما أثّر على معدلات الفقر التي وصلت، بحسب دراسة أصدرتها منظمة “الإسكوا” في شهر أيلول/سبتمبر 2021، إلى 74%.
“الحاجة إلى النساء تزداد في أوقات الأزمات”
شادية سليم (65 عاماً)، واحدة من النساء اللواتي حافظن على وظائفهن كـ”شيف” (طاهية) في إحدى المؤسسات الدينية براتبٍ لا يتعدى مليون و50 ألف ليرة لبنانية! هي التي وجدت نفسها مجبرة على إلغاء اشتراك المولد والعيش وعائلتها في الظلام بسبب الانقطاع المتكرر والطويل للكهرباء، لم تعد قادرةً على مواكبة الانهيار السريع في سعر صرف الدولار، والصعود الهائل في أسعار المستلزمات الحياتية. كما أنها تحاول، مع حلول فصل الشتاء، الاستغناء قدر الإمكان عن وسائل التدفئة، كي لا تثقل فاتورة الكهرباء كاهلها.
وفي مقابلةٍ مع موقع “شريكة ولكن”، أكدت شادية أن “أكثر ما أنهكها في ظل التغير الذي طرأ على حياتها، هو التصاعد الهائل في أسعار وسائل النقل، الذي حرمها من زيارة الأقارب أو التجول للترفيه عن نفسها في أوقات فراغها”. وقالت إنها تضطر يومياً، رغم كبر سنها، إلى السير نحو 500 متر من منزلها، لتستقل الحافلة الكبيرة التي توفر لها، ذهاباً وإياباً، 26 ألف ليرةٍ لبنانية إضافية كانت ستدفعها في حال استقلت “السرفيس” الذي بات حكراً على ميسوري الحال. فكلفة الحافلة التي تبلغ 7 آلاف ليرة في المشوار الواحد، لا تزال الأدنى بين تكاليف وسائل النقل التي ارتفعت، فوصلت أجرة “السرفيس” إلى 20 ألف ليرة لبنانية بعد أن كانت ألفي ليرة فقط.
وترى عضوة الهيئة التنفيذية والإدارية في مؤسسة “عامل” الدولية زينة مهنا، أن “الحاجة إلى النساء تزداد في أوقات الأزمات”. وأمام هذا الواقع الصعب، وجدت المؤسسة نفسها مجبرة على المساهمة بالتخفيف من وطأة الأزمة، فبادرت عام 2021، بحسب مهنا، إلى “توزيع الحصص الغذائية والمساعدات النقدية التي استفادت منها 130 سيدة، بالإضافة إلى الكمامات ومجموعات الأدوات الصحية للنساء التي استفادت منها 25 ألف سيدة، ومجموعة الأدوات الصحية للفتيات، التي استفادت منها 2650 فتاة، كما أننا ساعدنا بعض اللاجئين/ات على العودة إلى بلدهن/م، ودفع جزءٍ من الإيجارات المترتبة عليهن/م”.
وقالت: “لدينا في مؤسسة عامل مراكز فيها أماكن آمنة للنساء ليعبّرن عن أنفسهن، وتمكينهن على مختلف الصعد. كما نملك مركزاً متخصصاً للاجئات ليكون مساحةً آمنةً يمارسن فيها مهاراتٍ تعلمنها، تشمل دورات كمبيوتر وتصفيف الشعر وإعادة التدوير والطبخ وغيرها من المهارات. وفي الوقت عينه، يشكل هذا المركز مكاناً لهن ليعبّرن عن أنفسهن، بالإضافة إلى وجود حضانة تهتم بأطفالهن خلال تواجدهن في المركز”. وأكدت مهنا أيضاً وجود “مراكز رعاية صحية أولية تقدم استشارات طبية واستشفاء مجاني، فيها معنيين وأصحاب اختصاص يتابعون المريضات اللواتي يقصدن المركز وأولادهن”.
ومنذ انفجار المرفأ الذي دمر نصف بيروت وأفقر أهلها أكثر، وزعت مؤسسة “عامل” على النساء بحسب مهنا “آلاف الرزم الصحية بقدر ما يمكننا، تضمنت فوطاً صحية ومنشفة وفرشاة أسنان وعدداً من المستلزمات التي تحتاجها النساء والفتيات، كما وزعنا 2500 فوطة صحية قابلة لإعادة الاستخدام”.
النساء والفتيات أمام تحدٍ وجودي في ظل استمرار الانهيار
أحلام شادية بتأسيس عملٍ صغير يسندها هي وعائلتها في شيخوختها ويؤمن لها عيشاً كريماً بعد أن تحصل على راتبها التقاعدي من مؤسسة الضمان الاجتماعي، تلاشت في ظل الانهيار الذي شهدته البلاد. وبعد أن أفنت عمرها في العمل لتعيل أسرتها، فلم تعد الأموال القليلة التي ستحصل عليها تؤمن لها مصاريفها أو نفقاتها لعدة أشهر. وفي بلد الإخفاقات، قالت شادية: “مش عم خصّص حالي بشي لإنه ما فيي خصّص حالي، ما فيني جيب شي”. فمنذ رفعت السلطة المالية والسياسية الدعم عن المواد الغذائية وصولاً إلى الأدوية، بات راتب شادية الذي كان قبل شهر فقط 750 ألف ليرة لبنانية، لا يكفي إلا لتأمين أدويتها، وأجبرها على تقليص مواعيد حصولها على الجرعات من مرتين في اليوم إلى مرة واحدة، وتفكر حالياً بتناوله مرة كل يومين، كي تطيل عمر علبة الدواء، وكي لا تضطر إلى دخول المستشفى “لأنه لم يعد بإمكاننا أبداً الدخول إلى المستشفى، وهذا أمر مهم”.
لا تعتبر شادية حالة فريدةً في لبنان، فالفتيات والنساء باختلاف أعمارهن، بتن أمام تحدٍ وجودي، إما أن تؤمن مستلزماتهن الضرورية، أو تحاولن تأمين نفقاتهن اليومية من طعام وشراب. وفي شهر تموز/يوليو الماضي، أكدت منظمة “Fe-Male”، في دراسة أجرتها حول “واقع فقر الدورة الشهرية في لبنان” أن “87.9% من النساء غيّرن سلوكهن الشرائي لمنتجات الدورة الشهرية بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها، في وقتٍ عبرت فيه 76.5% من النساء عن صعوبة وصولهن لمنتجات الدورة الشهرية، بسبب الزيادة الحادة في الأسعار”.
المشاكل الاقتصادية التي خيمت على البلد لم تؤثر فقط على النساء من خلال تزايد حاجتهن للدعم، إلا أنها أضعفت أيضاً قدرة الجمعيات على تأمين المساعدة بسبب كلفة الموارد العالية. هذا ما أكدته لين مصري، الشريكة المؤسسة لمبادرة “دورتي” التي انطلقت في أيار/مايو 2020 للحد من فقر الدورة الشهرية لدى النساء والفتيات اللبنانيات واللاجئات والعاملات المهاجرات في مختلف المناطق اللبنانية من البقاع إلى الشمال وعكار والجنوب.
وأشارت مصري إلى أن “دورتي، بالتعاون مع جمعيات موجودة على الأرض تملك بيانات عائلاتٍ محتاجة، كانت تؤمّن المبادرة لنسائها مجموعة مستلزمات الدورة الشهرية التي تحتوي على فوطٍ صحية وواقيات ومحارم مبللة، وكلفتها كانت 15 ألف ليرة لبنانية، أما اليوم فباتت المجموعة تحتوي فقط على فوط صحية وكلفتها وصلت إلى 50 ألف ليرة لبنانية”.
ولفتت إلى أنه “منذ إطلاق دورتي حتى اليوم، ارتفع عدد النساء والفتيات اللواتي طلبن مساعدات. كما لاحظنا تغيراً ديموغرافياً في طلبات المساعدة. ففي السابق، كانت الفتيات اللواتي ينتمين إلى عائلاتٍ فقيرة جداً هن من يطلبنها، لكن اليوم لدينا موظفات يعملن في مصرف مثلاً وراتبهن لم يعد يكفي لمتطلبات العيش كما في السابق”.
كما أوضحت مؤسِّسة “دورتي” أن “المتبرعين أيضاً تغيروا في ظل الأزمة الاقتصادية. فكنا نتلقى سابقاً تبرعات من طالب/ة جامعي/ة مثلاً، أما اليوم، بتنا نعتمد على اللبنانيين المقيمين في الخارج، الذين يقدمون مساعدات بالدولار الفريش لمساعدة المحتاجين/ات. ولم نعد قادرات على تلبية احتياجات كل النساء بطريقةٍ شهرية”.
ومع انطلاق حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء، أطلقت منظمة “أبعاد” حملة بعنوان “دايماً وقتها” للتشديد على أهمية حماية النساء والفتيات خصوصاً خلال الأزمات. وفي هذا الإطار، لفتت المنسقة التقنية في “أبعاد” جيهان إسعيد إلى أنه “مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي ترافق مع أزمة كورونا، كنا نرى ارتفاعاً في أعداد النساء اللواتي يطلبن، في الفترة الاولى، الدعم المادي لتتراجع الضغوط النفسية والاقتصادية عليهن. لكن حالياً، بدايةً من نصف السنة وحتى اليوم، لاحظنا ارتفاعاً في عدد السيدات اللواتي يطلبن الدعم المادي والمساندة الاجتماعية والاقتصادية وتغطية الحاجات اليومية من طعام وشراب، بالإضافة إلى الحاجات الخاصة مثل فقر الدورة الشهرية”.
وأفادت أن “هذه الحاجات، كانت تحجب الإضاءة عن العنف الذي تتعرض له النساء، ليتوجه التركيز إلى النواحي الاقتصادية والمادية. ما دفعنا إلى إعلاء الصوت، لنقول إن الحق في الحماية وعدم التمييز يجب أن يتوفر في جميع الأوقات، ولا يُساوم عليه، ولا يرتبط بأوضاع اقتصادية واجتماعية، ومن حق النساء طلب الحماية في ظل أي ظرف”.
وأضافت إسعيد: “منذ بدء الأزمات في لبنان: كورونا والثورة والأزمة الاقتصادية، حاولنا أن نوائم كل خدماتنا مع الأوضاع المستجدة. وبالتالي كنا نقيّم الوضع الاقتصادي وحاجة النساء لأي خدمة ودعم مادي ومساندة، ونؤمّن هذه الحاجات للجميع بغض النظر عن جنسياتهن وانتماءاتهن، أي اللبنانيات والمقيمات، لأننا نؤمن أن الخدمة حق لكل النساء والفتيات من دون تمييز”. كما أوضحت أنه “بحسب كل فترة كنا نمر بها في لبنان، كانت التغيرات في حاجات النساء وتطلعاتهن ومتطلباتهن مختلفة”.
في وقت كرّست الأزمة الحالية مكانة النساء وأهميّتهن في المساهمة في الدخل الاقتصادي للأسرة، برزت ظاهرة أخرى لدى بعض الأسر التي اختارت أن تمنع بناتها من استكمال تعليمهن إفساحاً في المجال أمام الفتيان لإكمال الطريق في ظل الوضع الصعب. كذلك رأينا ازدياداً مقلقاً في حالات العنف الممارسة على النساء، خصوصاً فترات الإغلاق الشامل. يضاف ذلك إلى الأعباء النفسية والاجتماعية والصحية التي تُجبر النساء على تحمّلها لعدم اعتبارها أولوية.
كل ذلك يحدث في بلدٍ تضرب فيه السلطة الحاكمة أولويات النساء والفتيات عرض الحائط. لكل في المقابل، تحاول الجمعيات المحلية والدولية المختلفة سدّ هذا النقص في الخدمات وغياب الدولة شبه التام في هذا الإطار، عبر توفير فرص دعم إقتصادي وإجتماعي وصحّي… لجميع النساء المقيمات على كافة الأراضي اللبنانية. إليكن\م أدناه لائحة ببعض هذه المنظمات وأرقام التواصل معها.
-مؤسسة عامل الدولية: 76099034
-منظمة أبعاد: 81788178
دورتي لا تقدم مساعدات مباشرة للنساء ولكنها تتعامل مع هذه الجمعيات التي تتولى توزيع الفوط الصحية وهي:
-بيت البركة: 81055694
-Feed the Need: 71274406
-Lebanon for Tomorrow: 01338999
كتابة: سمايا جابر