الأوكرانيات .. ضحايا الحرب ولغة السبي والنكات الذكورية

في وقتٍ تعيش فيه النساء الأوكرانيات هول الحرب مع ما تحمله من معاناة واضطهاد واستغلال لهن، وجدت بعض الصحف والفنانين والمغردين في العالم العربي في المأساة مناسبة لاستعراض “رجولتهم” وذكوريتهم عبر إطلاق الأخبار الملفقة والنكات المسيئة لهن.

وبمنطق الغنائم والجواري، وعبر تنميط الأوكرانيات، استقبل هؤلاء أخبار الحرب الواردة من البلد الأوروبي. وبات كافياً كتابة كلمة “أوكرانيات” في محركات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي، لتظهر النكات الذكورية المنحطة المكررة والمبتذلة.

وقبيل بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، تفوق نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي على الجميع، في محاولة تسليع وتحقير للمرأة الأوكرانية والحث على “الاتجار بالبشر”. فنشر في 16 شباط/فبراير الجاري على غلاف جريدة الشرق التي يرأس تحريرها، صورةً تظهر جسد عارضة روسية أرفقها بخبرٍ ملفق عن دعوة الأمم المتحدة لتبني امرأة أوكرانية كـ”عملٍ إنساني”.

استدعى تصرف الكعكي المسيء للصحافة اللبنانية تعليقات من صحافيات وصحافيين كثر لا يأخذونه على محمل الجد، ويعتبرونه عاراً على الصحافة اللبنانية أصلاً. كذلك استدعى الأمر بياناً من السفارة الأوكرانية في بيروت عبرت فيه عن استيائها من المحتوى الذي تضمن تمييزاً في الهوية الجندرية وإساءة على أساس الجنس واعتبرته مهيناً للأوكرانيين/ات ودعت النقيب لاعتذارٍ علني.

مثل الكعكي فعلت صحيفة الوفد المصرية مع انطلاق الحرب، إذ نشرت عنواناً مسيئاً قالت فيه: “لا تتسرع في الزواج سيكون هناك نازحات ولاجئات أوكرانيات قريباً”. وعلى مواقع التواصل، أرفقت الصحيفة عنوانها هذا بتعليق: “بيتنا مفتوح ليكم خفة دم المصريات تتحدى الحرب بانتظار الفتيات الأوكرانيات”، في إصرار واضح على خطئها الجسيم والتشجيع على هذا النوع من النكات المهينة.

يعكس محتوى الصحيفتين، وما نشره غيرهم من الإعلاميين، العقلية الذكورية المتجذرة لدى الكثير من المغردين والشباب في مختلف أنحاء البلدان العربية، التي ترى في النساء في أماكن النزاعات جواري، وتمجد جرائم الاتجار بالبشر واستغلال النساء لا سيما خلال الحروب، في وقتٍ تناضل فيه الأوكرانيات لمواجهة تداعيات الحرب وتحمل ثقل التهجير ومسؤولية العائلة وأعباء اقتصادية كثيرة.

كما كثرت منشورات الترحيب بـ”اللاجئات الأوكرانيات” والاستعداد لاستقبالهن في منازلهم، مع ما تحمله من إيحاءاتٍ جنسية.

استنكار واسع للغة الذكورية القذرة

على الرغم من قباحة ما نشر من تعليقات تحقّر وتهين المرأة، ليس الأوكرانية فحسب إنما العربية أيضاً، باعتبارها أقل شأناً أو جمالاً وتصويرها بأنها تنتظر الرجل الشرقي كي يختارها، عبر الدعوة لعدم الزواج بانتظار مجيء الأوكرانيات، إلا أن هذه المنشورات قُوبلت بموجةٍ واسعةٍ من الرفض والاستنكار الذي نجح في جعل البعض يراجع منشوراته ويلتفت إلى الخطأ الذي ارتكبه.

فأزالت صحيفة الوفد منشورها المسيء، كذلك فعل المغني اللبناني أمير يزبك الذي نشر تغريدة مرفقة بصور لنساء أوكرانيات كتب فيها: “بيوتنا وقلوبنا مفتوحة للنازحات من أوكرانيا” مع رموز تعبر عن “الحب والفرح بخبر تهجير الأوكرانيات والرغبة بضمهن”.

كما نجح مغردون/ات في قلب الآية والسخرية من الرجال الذين أطلقوا هذه النكات التمييزية، والذين توهموا أن ذكوريتهم تكفي لشعورهم الوهمي بتفوقٍ ما على النساء الأوكرانيات والعربيات، وأن بإمكانهم طرح أنفسهم كمخلصين، وإن على سبيل دعابة سمجة تتجاهل آلام من تتحدث عنهن.

وعلى الرغم من محاولة البعض تسخيف ما نشر بالقول إنها مجرد نكات، إلا أنها تحكي الكثير عن مطلقيها، عن أفكارهم ومبادئهم ونظرتهم إلى النساء. وتنبع هذه التعليقات المسيئة من تاريخ مأساوي لبلد من أكثر البلدان التي عانت من تجارة البشر وما عرف بالرقيق الأبيض وتجارة الجنس.

فالكثير من الأوكرانيات كن ضحيةً للصراعات والفقر والبؤس والويلات التي مرت بها البلاد خلال عقود. وهو ما جعلهن ضحايا لشبكات تهريب البشر والاتجار بهن. هكذا نرى وبفعل الجهل بالتاريخ وبقضايا النساء وحقوقهن، كيف تصبح مأساتهن موضع نكات واستهزاء.

كما تظهر كيف يصبح احتمال استغلال الأوكرانيات مجدداً خلال الحرب الحالية موضع ضحكٍ وتهكمٍ وتشجيع. والأسوأ كيف تصبح “الإنسانية” كلمةً تستخدم في معرض الحديث عن استغلال ناجية من الحرب، حين يتحدث شاب عن نيته بالزواج من لاجئة “لأهداف إنسانية”، ويمنن نفسه بل ويكاد يطلب شكره بينما يعبر عن نية القيام بفعل استغلالي قذر والتباهي به.

ثقافة سبي النساء حاضرة في ذهن الرجل العربي

وفي حديثٍ خاص لموقع “شريكة ولكن”، وضعت الناشطة النسوية سارة قدورة الأمر في إطار “النكات المتحيزة جنسياً التي يستخدمها الرجال لتشعرهم بالإثارة الجنسية”. ورأت فيها “إعادة لفكرة سبي النساء في الحروب بطريقةٍ ملفتة من أشخاص يعتبرون أن بإمكانهم إطلاق النكات حول الموضوع، وأن لديهم كرجال نوع من الاستحقاق على أجساد النساء المستضعفات من أماكن أخرى من العالم”.

كما اعتبرت أن “هذه النكات نابعة من خلفية تربط بين النساء الأوكرانيات والروسيات، وغيرهن من دول أوروبا الشرقية، وبين العمل في الجنس”. وقارنت قدورة بين هذه النظرة، وتلك التي عانت منها أيضاً “اللاجئات السوريات اللواتي ينظر البعض إليهن كفقيرات يعملن في الجنس”.

ولفتت إلى “الفرق في النظرة إلى النساء من الجنسيتين. فالأوكرانيات يُعتبرن أوروبيات ويُنظر إلى من يمارس الجنس معهن على أنه أقدر مالياً، ويظهره الأمر ضمن طبقة اجتماعية معينة، بالإضافة إلى الفكرة المعممة بأن الأوكرانيات أبرع من العربيات في ممارسة الجنس كنتيجة لاختلاف ثقافتهن. وقد تزوج كثير من الرجال العرب نساءً من تلك الدول، ويتم التعامل مع الموضوع على أنه انتصار، كونهم تزوجوا من سيدة شقراء مع ما يرافق ذلك من صورٍ نمطية”.

كذلك ذكّرت سارة بتجربة النساء السوريات وكيف حاول بعض الرجال الادعاء بالقيام بعملٍ خيري من خلال الزواج من امرأة سورية، بينما “اختارها في الحقيقة نتيجة نظرته النمطية إليها على أنها تهتم بزوجها وتجيد الطهي والأعمال المنزلية. وأضافت: “يظهر الأمر نفسه مع الأوكرانيات اللواتي ينظر إليهن كنساء أوروبيات غير مدللات ولا يتكبرن ويمكن أن يقعن في حب الرجل الشرقي بسبب معانتهن من برودة الرجل الأوروبي. يتحدث هؤلاء الرجال وكأنهم أنزلوا من السماء لينقذوا النساء“.

وإن ووجهت النكات هذه المرة بموجة مضادة من الاستنكار والرفض، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يتكرر فيها هذا النوع من التعليقات المسيئة على ألسن إعلاميين ووجوه بارزة. لكنها كانت المرة الأكثر وقاحةً نظراً لتزامنها مع الحرب.

وهي المرة التي تستدعي العمل على الحد من هذا النوع من التعليقات، لما تسببه من ضرر للنساء وتشجّع على استغلالهن، والاعتذار العلني من الأوكرانيات.

كتابة: مريم سيف

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد