أول قضيتي تحرش في لبنان أمام القضاء.. هل تتحقق العدالة؟
سيكون القضاء اللبناني في الأيام القليلة المقبلة من هذا الأسبوع أمام استحقاقٍ جديدٍ يُنتظَر فيه أن يبرهن على عدالته وانحيازه إلى الناجيات والضحايا من النساء والفتيات في أول قضيتي تحرش في لبنان أمام القضاء.
كما سيكون “قانون تجريم التحرّش في لبنان وتأهيل ضحاياه” أمام اختبارٍ جدّي لقياس مدى نجاعته وحرص السلطات القضائية، ومن ورائها الدولة اللبنانية وأجهزتها، على تنفيذ بنوده رغم التحفظات المتعددة عليه.
اليوم، تنتظر الطالبات الناجيات قرار الحكم على المتحرّش سامر المولوي بعد توقيفه احتياطياً مساء الجمعة 1 نيسان/ أبريل الجاري، في انتصارٍ لنضالهن وشجاعتهن.
وفي قضيةٍ مشابهة سابقة، ستنعقد في 14 نيسان/ أبريل الجاري المحاكمة الأولى لمتحرّشٍ ثانٍ هو جعفر العطار الذي قامت بعض الناجيات من الناشطات والإعلاميات بفضحه عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
التوقيف احتياطياً: انتصارٌ للناجيات
بعد تهربه من القضاء لأكثر من شهرين، وإخلاء سبيله في 28 آذار/مارس الماضي بموجب سند إقامة وتعهد بعدم التعرض للناجيات، أوقف مكتب تحري طرابلس المتحرش سامر المولوي احتياطياً للتوسع في التحقيق معه مساء الجمعة الماضي، بطلب من النائبة العامة ماتيلدا توما، بعد الاستماع إلى إفادة الناجيات.
يأتي هذا التوقيف الاحتياطي للمولوي تصحيحاً للمسار الخاطىء الذي اختارته النيابة العامة سابقاً حين أطلقت سراحه، بعد مثوله أمام التحقيق في ملف ثانوية جورج صراف الرسمية، وبعد تهربه من تبليغات فرع تحرّي طرابلس، بموجب سند إقامة وتعهد بعدم الاقتراب من الطالبات صاحبات الدعوى.
وعلى الرغم مما قدّمته الناجيات من إثباتات لا تقبل الشك بتعرضه لهن بالتحرش والتهديد، وخروجهنّ بشجاعة استثنائية في تظاهرات أمام الثانوية وفي حرمها، وضحّين بحقهن في التعليم خلال دوام التدريس الرسمي، وقيام بعضهنّ بمشاركة ما تعرضن له على العلن أمام الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي؛ أخلت أجهزة القضاء في الشمال، سبيل “المربي” المتحرش الذي يدّعي أنه “ناشط حقوقي ومدني”.
وبينما ننتظر اليوم صدور الحكم لمعاقبة المولوي، إلا أن ذلك لا يعفينا من تسجيل خيبة الامل التي أصابت الطالبات وذويهنّ والرأي العام المناصر لقرار إدانته جراء إخلاء السبيل، ومن إثارة الشكوك المتجدّدة في عدالة واستقلالية القضاء.
في حين يبدو أن التدخلات السياسية لعبت لعبتها مرةً أخرى، وبدل أن تكافئ شجاعة الطالبات في الإفصاح عمّا عايشنه، ساعدت بعض الوساطات على “لفلفة” القضية في محاولةٍ لطمسها.
موقف وزير الداخلية والبلديات
وفي إطار متابعتنا للقضية، وبعد توارد معلومات عن كون المتحرّش المذكور ابن عم وزير الداخلية والبلديات الحالي بسام المولوي، اتصلنا بالوزير للوقوف على رأيه ممّا يجري تداوله ولاستيضاح موقفه مما حصل.
أنكر الوزير معرفته بالمولوي وقال: “هذا الشخص لا أراه ولا أعرف شيئاً عن الموضوع، سمعت عنه في الإعلام ولم أسأل عن الموضوع!”.
وبعدما حاولنا شرح القضية التي لا تزال تشغل الرأي العام منذ منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي، سألنا الوزير عن رأيه من موقعه في السلطة التنفيذية، فنفى كلياً معرفته بتوقيف الجاني أو إخلاء سبيله.
وأكد في حديثه لـ”شريكة ولكن” عدم تدخله في القضاء الذي يقوم بعمله وفق الأصول، مستنكراً أي تدخلٍ يعيق قيام القضاء بمسؤولياته. ودعا في ختام حديثه إلى محاسبة كل مرتكب أياً يكن، وإلى تطبيق العدالة لحماية المجتمع.
لم نتمكن من الحصول على إجابة وافية من الحديث مع الوزير تؤكد أو تنفي قرابته بالأستاذ المتحرّش، الذي فاجأ قرار إخلاء سبيله بسند إقامة الرأيَ العام؛ علماً أن وزارة التربية فصلته من التدريس، وأحالت ملفه إلى الهيئة العليا للتأديب وإلى مصلحة حماية الأحداث في وزارة العدل.
بعد حديثنا مع وزير الداخلية بيومٍ واحدٍ، جرى توقيف المولوي احتياطياً للتوسع في التحقيق معه، ويبدو أن المتابعة الحثيثة للقضية، والضغط الإعلامي والشعبي، أثمر انتصاراً للطالبات الناجيات وجميع النساء اللواتي تعرّضن للتحرّش ولجأن إلى القضاء.
ففي سابقة هي الأولى من نوعها، تم تحويل ملف المولوي يوم الاثنين 4 نيسان/أبريل إلى القضاء المختصّ للبحث في كيفية محاسبته وفقاً لقانون تجريم التحرّش الجنسي في لبنان وتأهيل ضحاياه.
وهكذا، يكون المولوي أوّل متحرّش يجري توقيفه احتياطياً للتحقيق معه بعد صدور القانون المذكور.
رأي وكيل الطالبات خالد المرعب
وفي التفاصيل، أشار المحامي خالد مرعب، وهو وكيل الطالبات، الذي اجتمع مع القاضية توما قبيل اتخاذها قرار توقيف المولوي، في حديث خاص مع “شريكة ولكن”، إلى أن “النيابة العامة عدلت رأيها، وطلبت توما من التحري التوسع بالتحقيق واستجواب الناجيات، الذين اكتفوا باستجواب واحدة منهن فقط، وشرحت بالتفاصيل سلوك الأستاذ وكل ما تملكه هي وزميلاتها من أدلة. وعليه، سارع مكتب التحري إلى القبض على المولوي وتوقيفه”.
هذا التوقيف أتى بعد مسارٍ طويل من الكر والفر بين المتحرّش والقضاء والمحامي. وبعد أن نجح المرعب في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، في إيصال المولوي إلى المحاكمة أمام محكمة الجنايات في الشمال بتهمة التحرش. وعن ذلك، أوضح محامي الناجيات أن: “المدعي العام نبيل وهبي ختم التحقيق باعتبار أن الافعال المتهم بها لا تشكل جرم تحرش. كما كان يمكن لملف التحقيق أن يسير وفق الأصول لينال الجاني عقابه لولا استغلال المولوي معارفه ووساطاته النافذة”.
كما أبدى المرعب خوفه من وجود تدخلٍ سياسي في القضية، ومع ذلك، فضّل قائلاً: ” لا أريد أن أتهم أحداً من دون دليل أو على نحوٍ شعبويٍ، ولكن الطريقة التي أطلق فيها سابقاً سراح المولوي تثير الشكوك”.
وسبق للمرعب أن قال تعليقاً على إطلاق سراح المولوي وعن إمكانية القبض عليه: “في أيامنا هذه لا يمكننا توقّع خطوات القضاء، خصوصاً في ما يتعلق بالملفات الكبيرة، وبأشخاصٍ معروفين ومرتبطين بجهاتٍ سياسية، مثل ارتباط سامر المولوي بوزير الداخلية، إذ تناقلت الأوساط الطرابلسية خبر وجود قرابة بينهما”.
وكغيره من الملفات التي تتعلق بجرائم قتل النساء والاعتداء عليهن، يمكن لهذا الملف أن يُؤجل، وان يأخذ وقتاً طويلاً حتى تحقيق العدالة، التي غالباً ما تأتي متأخرة أو منقوصة.
وفي هذا الإطار، أوضح محامي الطالبات: “تكمن المشكلة في غياب مهلة محددة لاتخاذ القرار. لذلك، سننتظر، إذ سيُتخذ القرار في معاقبة المتهم أو سيُترك الملف ليُنسى مع الوقت. نحن الآن بانتظار موقف القضاء”.
وبرأيه، تستطيع القاضية والنائبة العامة ماتيلدا توما التي تشرف على التحقيق أن تنتظر لمدة سنة حتى تصدر قراراً، بينما يسقط الجرم بعد 3 سنوات.
أمّا قانونياً، فلا توجد مهلة قصوى لصدور قرار النيابة العامة، إلا أن إخلاء السبيل بسند الإقامة يعني، بحسب المرعب، أن “المتحرش لم يُترك في حال سبيله. بل تُرك رهن التحقيق. كما سبق وتم التحقيق معه وخضع للاستجواب، ولم يعتبر المحققون/ات “عدم وجود جرم في الاتهامات الموجهة إليه”.
أهمية توقيف المتحرشين احتياطياً
كان للمتحرّش سامر المولوي، قبل أن تفصله وزارة التربية عن التعليم، سلطة معنوية ووظيفية، بحكم أنه كان مدرساً لمادة التربية الوطنية في ثانوية جورج صراف الرسمية.
لذلك، تعتبر التهمة الموجهة إليه جناية بحكم القانون والمادة الثانية الفقرة “ب” و”ج” من “قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه” الذي أقره مجلس النواب في 21 كانون الأول/ديسمبر 2020.
وعلى الرغم من اللجوء المفرط وغير المراعي في بعض الأحيان في الدولة اللبنانية إلى التوقيف الاحتياطي، لم تقم السلطات اللبنانية مجتمعة بتوقيف المولوي الذي ارتكب جرم التحرش، بل تمكّن من التهرّب حتى توارى عن الأنظار.
حتى أنه لم يُمنع من السفر إلى فرنسا بحسب ما أخبرتنا إحدى الطالبات. لكنه عاد لأنه لم يستطع أن يبقى في الخارج لأسباب متعلقة بالإقامة، ولعدم قدرته المادية على البقاء خارج البلد.
وفي سياق الحديث عن التوقيف الاحتياطيّ، قال المحامي أيمن رعد الناشط الحقوقي ووكيل الناجيات اللواتي فضحن المتحرش المتسلسل “جعفر العطار”، أنه “يرفض كموقف مبدئيّ، التوقيف الاحتياطي في الجرائم، لأن هذا التوقيف هو نوع من أنواع العقوبة قبل صدور الحكم، والقانون أصلاً ينص في المادة 107 أصول المحاكمات الجزائية على تحديد الحالات التي يمكن للقاضي فيها تنفيذ توقيف احتياطي، ومنها حماية معالم الجريمة، ومنع التواصل بين المجرم وشركائه بهدف الإفلات من العقاب، وأحياناً لحماية المجرم نفسه من المجني عليهم/ن”.
ومع ذلك، يؤيّد رعد مبدأ التوقيف الاحتياطي في حالة المولوي، الذي كان يمارس تحرّشه من مكان سلطته كأستاذ في المدرسة، والذي تعد عقوبة جريمته أكثر من سنة، لذا كان من الممكن توقيفه احتياطياً.
وعلى الرغم من أن شروط التوقيف الاحتياطي غير موجودة على نحوٍ صريحٍ، في حالة المولوي، لكن كان يمكن العثور على أكثر من منفذ لتوقيفه. ومن هذه المنافذ، التخوف من إمكانية تأثيره على الناجيات عبر محاولة تغيير رأيهن في إعطاء الشهادات، أو استخدام نفوذه للضغط عليهن ومنعهن من متابعة عامهن الدراسي وغيرها من الأساليب.
كما أشار رعد في حديثه مع “شريكة ولكن” إلى “رغبته في أن تكون عقوبة التحرش أكثر من سنة والتشدد بها، وإعتبار جريمة التحرش من الجرائم الخطرة وليس من الجرائم البسيطة مثلما هو الحال اليوم؛ لا سيما أن تداعياته في حالة القاصرات خطيرة، تشبه القتل الفعلي. هذه الجريمة تنهي حياة الفتيات والنساء نفسياً، وتترك آثاراً سلبية ومؤذية في حيواتهن على المدى الطويل”.
ماذا عن المتحرش المتسلسل جعفر العطار؟
سبقت فضيحة الأستاذ المتحرّش في لبنان، قضية المتحرّش المتسلسل جعفر العطار، الذي فضحته الناجيات أيضاً في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. واليوم، بعد مرور أكثر من 7 أشهر على ادّعاء النيابة العامة في بيروت على العطار وإحالة ملفه إلى القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، تنتظر الناجيات الجلسة الأولى لمحاكمته بعد أن جرى تأجيلها بسبب انتشار فيروس كورونا، والتي كان يفترض أن تُقام في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، ثم أُجلت مرةً ثانية بطلب من محامية المتحرّش.
والجدير بالذكر في هذه القضية أن النيابة العامة حينها لم تتحرك للادعاء على العطار إلا بعد مرور نحو 4 أشهر من الكشف عن قضيته، وذلك بعد حملة تشهيرٍ واسعة وضغطٍ متواصلٍ من النساء والفتيات اللواتي فضحن تحرّشه وانتهاكاته وتهديداته لهنّ.
وتحولت قضية العطار يومها إلى أول قضية رأي عام يحصل فيها ادعاء على متحرشٍ بعد إقرار قانون تجريم التحرش الجنسي في لبنان.
وفي حديثه مع “شريكة ولكن”، قال وكيل الناجيات في قضية العطار، المحامي والناشط الحقوقي أيمن رعد: “لم تمر بعد سنة على قضية جعفر العطار، والملف يجري بصورة إيجابية وسريعة. لكن المشكلة أن أول جلسة تأجلت بسبب كورونا، والجلسة الثانية التي كان مقرر عقدها في 10آذار/مارس تأجلت بطلب من المحامية وليس بسبب القضاء”.
وأضاف: “حضرت محامية المتهم زينب زعيتر الجلسة الثانية، التي كان يفترض أن يجري خلالها استجوابه، لتقول إن هناك مستند في الملف لم تطّلع عليه بعد، لأنه لم يكن هناك نسخة عنه، في الوقت الذي كان يمكن لها أن تطلبه قبل الجلسة”.
أما عمّا سيحصل في منتصف نيسان/أبريل الجاري، فهو انعقاد جلسة استجواب للمتهم بحضور الناجيات اللواتي ادعين على المخرج المتحرّش.
ومن بعد هذه الجلسة سيصدر الحكم بعد شهر، أي من المتوقع أن يدان جعفر العطار في 14 أيار/مايو 2022، في حال مثوله للجلسة ولم يتهرب كنظيره المولوي أو لم يستخدم معارفه من السياسيين.
وتوقع رعد أن يكون هناك إدانة، لكن من المؤكد أن الحكم لا يوجد فيه حبس، لأنه وللأسف أقصى عقوبة في قانون التحرّش الجديد هي سنة سجن لمن لا سلطة له على الناجيات”.
من ناحيةٍ أخرى، كتبت الصحافية لونا صفوان، التي سبق أن بادرت إلى فضح العطار على فيسبوك حول القضية، أن “ما تنشره حول القضية يهدف إلى إعلام الناس بالمستجدات وإنها، وبقية الناجيات، ينتظرن، بشجاعةٍ وبلا خوف، هذه المحاكمة التي يقوم العطار وفريقه الدفاعي بالتهرب منها والعمل على تأجيلها”.
وفي تعليقها على تهمة الفساد التي وجهها العطار إلى وكيل الناجيات، استغربت صفوان كيف لمتّهم بالتحرش اللفظي والجسدي والجنسي، وبالتنمر والتهديدات، أن يتهجّم على المحامي والناجيات ويتهمهن بالتلفيق والفبركات. مع العلم أن العطار نفسه سبق أن نشر رقم هاتف صفوان الشخصي وحاول تشويه سمعتها ونشر أكاذيب ذات محتوى جنسي عنها.
التحرّش وآثاره الخطيرة على حياة الناجيات
ومن أجل إرفاق تحقيقنا بالأدلة والبراهين التي تدين فعل المتحرش، وتدعم ضرورة إلقاء القبض على كل من تسوّل له ذكوريته أن يتحرّش بالفتيات والنساء، تواصلنا مع الطبيبة النفسية ورئيسة التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني كارولين سكر.
وأكدت سكر تعليقاً على ما قام به المولوي، أن “التحرّش الذي تتعرض له الطفلة والقاصر يسبب أذى نفسي وجسدي. ويخلق هذا الفعل الخطير لدى الناجيات شعوراً بالذنب، فتبدأ الفتاة بالنظر إلى جسدها بشكلٍ خاطىء، خصوصاً لأنها تعرضت إلى عنف في سنٍّ لا يتيح لها معرفة كيفية التصرّف والتعبير. هكذا، إذا حاولت إعلام أهلها بالأمر قد لا يتفهمّوا ما مرّت به، ما سيزيد لديها شعور الذنب”.
ورأت سكّر أن “عدم تمكّن الطفلة التي تتعرض للتحرّش من التواصل وإخبار ما مرت به، يؤدي إلى مشاكل واعتلالات إضافية غير ظاهرة، منها بيولوجية كالالتهابات، والتبوّل اللاإرادي، وبالطبع أزمات نفسية واجتماعية مثل كراهية الرجال والفتيان، والخوف منهم ومن العلاقات الحميمية، والتماهي مع المعتدي وغيرها من الآثار الخطيرة”.
لهذه الأسباب، اعتبرت الطبيبة النفسية أن “إطلاق سراح المتحرّش هو كارثة قانونية. ويجب متابعة التحقيقات جدّياً، وعلى مجلس القضاء الأعلى إعادة النظر في قرار إطلاق سراحه وعدم السماح للمتحرّش بالإفلات من العقاب”.
وأشارت إلى أن “معاقبة المتحرش يجب أن تكون نموذجاً، خصوصاً أن القضية تتعلّق بطالبات وطلاب المدارس اللواتي/الذين يحتجن/يحتاجون إلى تنمية قدراتهن/م وتعزيز ثقتهن/م بأنفسهن/م ورغبتهن/م بالتعلّم”.
المزيد من التضامن النسوي لمواجهة المتحرشين
لا يحصل الفعل الذكوري العنيف بفعلٍ إرادةٍ فردية وقرارٍ شخصي بمعزلٍ عن بنى وممارسات وخطاباتٍ اقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية، هي بحدّ ذاتها عنيفة واقصائية واضطهادية بحق النساء والفتيات.
كما أن العنف الذكوريّ، على تنوعه واختلاف مظاهره، يرتبط بمنظومةٍ كاملةٍ تتقاطع فيها المصالح السياسية والطبقية، ومراكز القوى التي يحتلّها الرجال.
يصح إذن القول إن المواجهة التي تخوضها النساء والفتيات على اختلاف تقاطعاتهن هي مواجهة شاملة، ولن تفلح بالانتصار لمواقعهن إلا بتوسيع دائرة المواجهة لتشمل كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالطبع القانونية.
وفي حالات التحرّش، من المعلوم أن القوانين والتشريعات الحالية التي تعاقب المتحرّشين لا تصل إلى ما تطمح إليه الحركة النسائية في لبنان.
والمطلوب هو الضغط من أجل تعديل وإصلاح هذه القوانين لتعزيز حماية الضحايا والناجيات.
كما على السلطات اللبنانية المصادقة على الاتفاقية الصادرة عن منظمة العمل الدولية 190 عام 2019 التي تنصّ على حماية العاملات من العنف والتحرش الجنسي في أماكن العمل وخارجها، وكافة الاتفاقيات الأخرى التي تحمي النساء.
وهي خطوة من ضمن تدابير أخرى، ضرورية جداً لردع المتحرّشين والمعنِّفين وإنزال العقوبات المناسبة.
ولأن الحقوق والمكتسبات القانونية والاجتماعية لا تُمنَح مجاناً لمن يستحقها، فإن المزيد من التضامن النسوي والتحركات الميدانية هو السبيل الأنجح للضغط لإنجاز تغييرات سياسية ومجتمعية وقانونية جذرية تصبّ في مصلحة النساء وكافة الفئات المهمّشة والمقموعة، وتضمن حمايتها.
كتابة: زهراء الديراني