حين أخطأت آمبر هيرد ولُعِنَت جميع النساء

على مدار ستة أسابيع من الجلسات القضائية والمرافعات وسماع إفادات الشهود في المحاكمة الأشهر لنجمي هوليوود والزوجين السابقين آمبر هيرد وجوني ديب، ترسّخ لديّ يقين كبير بأن الميزوجينية (كراهية النساء) المقيتة متفشّية ليس في المنطقة العربية وحدها، إنما حول العالم. في تقديري كان التمييز الصارخ ضد النساء بناءً على جنسهن خصم آمبر الأبرز في القضية لا جوني.

بعد زواج يبدو أنه كان عاصفاً استمر مدة عامين، يقاضي جوني ديب زوجته السابقة آمبر هيرد مطالباً بتعويض قدره 50 مليون دولار متهماً إياها بـ”تشويه سمعته وتقويض مسيرته”، بسبب مقال رأي وصفت فيه نفسها بأنها كانت “ضحية عنف أسري وإساءة معاملة”. علماً أن المقال لا يذكر اسم جوني صراحةً.

على الجانب الآخر، تطالب آمبر هيرد بتعويض قدره 100 مليون دولار من زوجها السابق، الذي وصفها بأنها “كاذبة”. وتُصرّ على أنه كان شخصاً مسيئاً، يعاني من تعاطي المخدرات والغيرة وإيذاء النفس.

الاتهامات التي رفضها جوني بدوره، بل واتهمها بأنها كانت “معنِّفة” واعتدت عليه جسدياً، بما في ذلك لكمة في الوجه تركت أثراً على عينه.

بينما قد يكون عادياً أن تحظى المحاكمة بمتابعة جماهيرية واسعة، كون طرفيها من نجوم هوليوود، وحتى الانحياز إلى جوني ديب باعتباره أكثر شعبيةً من زوجته السابقة الممثلة الشابة، أرى من غير الطبيعي التحيّز الجارف ضد آمبر ومحاولة “شيطنتها”.

يظهر هذا التحيّز جلياً في التعليقات عبر الإنترنت. على سبيل المثال، زاد التداول على وسم #العدالة_لجوني_ديب عن 15 مليار منشور، مقابل بضعة ملايين على وسم #أنا_مع_آمبر_هيرد.

وشاهدنا أيضاً كيف رسم البعض جدارية على شكل بينوكيو “الفتى الكاذب” لآمبر، وكيف وضع طلاب مدارس صورتها على سلة مهملات تحقيراً لها، ورفعوا صورة جوني عالياً.

الغصّة الأكبر بالنسبة إلي أن تُجاهر منظمة تزعم أنها تدافع عن النساء ضحايا العنف المنزلي “التعاطف” مع جوني ديب في قضية لم تقل المحكمة القول الفصل فيها بعد، سيّما وأنه من الواضح بشكلٍ لا لبس فيه أننا أمام علاقة سامّة بين شخصين مسيئين، كلاهما تسبب في العنف والأذى للآخر بدرجات متفاوتة.

شيطنة آمبر هيرد

لكثرة الحشد ضد آمبر عبر الإنترنت، لا يعرف كثيرون أن لديها بالفعل شهوداً وأدلة على ممارسة جوني العنف المنزلي ضدها، بما في ذلك اقتلاع بعض شعيرات من رأسها ولكمها في الوجه، وتهديدها بالقتل والتباهي بقدرته على ضربها بعدما صارت زوجته أمام صديق مشترك.

حتى المعالجة النفسية للزوجين السابقين، الطبيبة لوريل أندرسون، قالت في إفادتها أمام المحكمة إن “النجمين السينمائيين انخرطا في ما رأيته على أنه إساءة معاملة متبادلة. وبينت أنها “قابلت الزوجين في عدة جلسات علاجية بين تشرين الأول/ أكتوبر وكانون الأول/ ديسمبر عام 2015”.

تحدثت أندرسون خلال شهادتها عن تاريخ هيرد وديب مع العنف الأسري، وأوضحت أن الأولى تعرضت للضرب على يد والدها، بينما تعرّض الأخير للضرب على يد والدته.

يذكر الكثير من المتضامنين مسألة تعرّضه للعنف من قبل والدته، ويملأون بها المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويستنكرون كيف قامت “سيدتان” بتدمير حياته النفسية والفنية في محاولة أشمل لـ”شيطنة النساء”.

لا يذكر أحد التعنيف الذي تعرّضت له آمبر على يد والدها. ولا تُعتبر ضحية “عنف ذكوري” بأي حال. عوضاً عن أي إشارة إلى أنها تعرضت لعنف أسري، يُروّج لآمبر على أنها نموذج للنساء “المفتريات”.

فات الكثير من المتضامنين مع جوني ديب أن كونه ضحية عنف منزلي لا تنفي بأي حال احتمال أنه كان معنِّفاً أو مسيئاً أيضاً.

وهنا لا نستبعد أن التضامن معه نابع من الدفاع عن أي رجل أبيض كرمز لامتياز السلطة والقوة، ما يعني أن آمبر ربما كانت لتحظى بقدرٍ أكبر من التعاطف، لو لم يكن خصمها في القضية رجلاً أبيض أو نجماً سينمائياً، من يعرف؟

دفعت هذه الازدواجية بعض النساء أخيراً للسؤال: كم تحتاج النساء من إثباتات ليتم تصديقها؟

للأسف، مهما أحصت النساء من أدلة – برأيي – لن يتم تصديقها وستكون هناك طريقة دائماً للتعاطف مع الجاني إذا كان رجلاً.

التعاطف مع المسيئين يضمن لهم إفلاتاً من العقاب

السؤال الذي لا يغادر ذهني منذ أن بدأت المحاكمة هو: لماذا حين تخطئ سيدة تُحمَّل كل نساء الأرض الذنب بينما حين يرتكب رجل جرماً ما، مهما بلغ من البشاعة، يُدافَع ضمنياً واستباقياً عن كل الرجال بوصف المذنب بأنه “ليس رجلاً”؟

لست أدافع عن آمبر في هذا المقال، كل ما أقوله هو إنها تستحق محاكمةً عادلةً بعيداً عن أي تجييش أو تحيز ضدها بسبب أنها امرأة.

كما أخشى أن التعاطف الواسع مع ديب يمنح المسيئين من المشاهير أريحية أكثر لتعنيف النساء مع ثقة في الإفلات من العقاب، ولو حتى المعنوي منه وهو خطر فقدان السمعة والشعبية.

في بداية المحاكمة، لم يكن جوني بهذه الحرفية التي يظهر بها الآن وهو يبتسم، ويضحك ساخراً أحياناً، يطلق النكات، ويمرح مع فريق محاميه، بل ويُسلّي وقته أحياناً برسم أحدهم.

حتى وصوله إلى المحكمة أصبح يُحاط بالهتافات وتعابير الحب والتضامن من جمهوره. وكأنه ليس متهماً بأي أمر شائن.

هذا التضامن الواسع وغير المشروط مع جوني ديب هو بمثابة “شيك ع بياض” للرجال المسيئين خصوصاً من المشاهير بأنهم مهما فعلوا بحق النساء سيجدون الاحتضان والدعم. وهذا أمر مرعب على نحو خاص في الدول العربية.

إذ لدينا تاريخ مع المشاهير العرب المعنِّفِن للنساء والذين جرى التغاضي عن إساءاتهم، وعلى رأسهم سعد لمجرد ووائل كفوري، بما يشجع غيرهم على انتهاج نفس السلوك الإجرامي.

أياً كان الحكم النهائي، يمكنني الجزم أن الميزة التي يتمتع بها جوني عن آمبر هي براعة التمثيل.

هو يعرف متى ينبغي أن يتحلى بالهدوء، ومتى ينفعل، ومتى يستفز الآخر بضحكات وتعابير السخرية، تماماً كما يجيد انتقاء كلماته ورسم تعابير وجه تجلب التعاطف أثناء الحديث. فشلت هي في المقابل دون أدنى شك في منافسته في ذلك.

كتابة: سامية علام

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد