جرائم قتل النساء في إدلب .. “هل وصل الاستهتار بدمائنا إلى هذه الدرجة؟”  

كلما اشتدت وتيرة ووطأة الحرب السورية، ارتفعت نسبة جرائم قتل النساء والفتيات. فهن والفئات المهمّشة الأخرى، أكثر الفئات تأثراً بالحروب والنزاعات.

فيتضاعف التمييز بين الجنسين، وتعاني النساء والفتيات من آثار هذه الحرب.

فيواجهن انتهاكات مثل الاغتصاب، والاعتداء، وعنف الشريك، والإجبار على العمل في الجنس، والتزويج المبكر والقسري.

قتل النساء في إدلب في تزايدٍ مستمر

في إدلب وشمال غرب سوريا، تزايدت الجرائم المرتَكبة بحق النساء والفتيات، خصوصاً العنف الأسري، بشكلٍ ملحوظ.

وانحصرت الذرائع التي اعتمدها مرتكبو تلك الجرائم، بحجج “الشرف” أو “التفكك الأسري” أو “الطلاق”.

وهذه الأفكار تغذيها ثقافة العنف وسهولة الإفلات من العقاب، وغياب الرقابة والرادع الأمني والقانوني.

بينما تنوعت أساليب القتل، بين الطعن والرصاص، وحرق أجساد النساء وهن ما زلن على قيد الحياة.

وتحدث هذه الجرائم على أيدي أقربائهن، سواء كان الزوج أو “الأخ” أو “الأب” أو أي ذكر آخر في العائلة، في ظل المجتمع الذكوري السائد في المنطقة.

بحجة “الشرف”، أنهى المجرم فايز السرحان حياة ابنة عمه تيماء السرحان (22 عاماً) مع والدتها.

إذ أطلق الرصاص عليهما، على خلفية نشر صورة لتيماء من دون حجاب، على مواقع التواصل الاجتماعي، قيل إنها مسروقة.

وهذا كان كفيلاً بالنسبة إليه ليعتقد أنه يملك الاستحقاق، الذي يباركه العرف المجتمعي السائد، للإقدام على فعلته الوحشية من دون تردد.

فهو اعتبر أنه “غسل عار العائلة والوصم الذي سيرافقهم مدى الحياة”، وفق مصادر مقرّبة من العائلة.

وقعت هذه الجريمة في مخيم إحساس الحدودي في ريف إدلب الشمالي، في 12 حزيران/يونيو 2021.

واللافت أنها وقعت على مرأى من سكان/ساكنات المخيم، الذين واللواتي لم يفاجئوا/ن بفعلة المجرم.

كما اعتبرنها/وها “ردة فعلٍ طبيعية، وأمر متوقع، لفورة دم شاب على عرض ابنة عمه”، وفق ما صرّح البعض حينذاك.

بينما ما تزال راما (20 عاماً) شقيقة تيماء غير قادرة على استيعاب ما حدث لوالدتها وأختها.

وفي حديث لمنصة “شريكة ولكن”، تساءلت:”هل وصل الاستهتار بدمائنا إلى هذه الدرجة؟”.

وقالت: “ما هو ذنب أختي التي ذهبت ضحية معتقدات اجتماعية ظالمة، حكمت عليها بالموت مع والدتي، لمجرد رؤية صورة مسربة لها على فيسبوك؟”.

وأوضحت أنها لا تعرف الطريقة التي انتشرت بها الصورة. لكن ذلك “لا يعطي أي مبرر لقتلها مع أمي بتلك الوحشية”.

وأضافت: “نحن النساء نواجه تحديات مجتمعية وموروثات، جعلت من هيمنة الرجال على النساء في أسرهم أمراً طبيعياً وغير إشكالي البتة”.

وانتقدت من أسمتهم “سلطة الأمر الواقع، التي لم تكلّف نفسها القبض على المجرم حتى اللحظة، بعد فراره ونجاته بفعلته الحاقدة”.

واعتبرت أن “تحصيل حقوقنا وإنصافنا من الظلم والقهر والقتل، هو آخر ما تهتم به هيئة تحرير الشام، الساعية إلى تحقيق مصالحها، والمزيد من الهيمنة والسلب والنهب”.

وأضافت أن “هذه الهيئة تستخدم خطاباً يكرس التمييز ضد النساء، ويشرعن خضوعهن لسلطة الرجال، ما يبرر عدم اهتمامها بقضايا العنف ضد النساء أو حتى قتلهن”.

ارتفاع في نسبة العنف وفي جرأة ووحشية القتلة

من جهتها، قالت الناشطة النسوية وئام الحمود إن “حوادث قتل النساء والفتيات ممارسات شائعة وليست جديدة. لكنها ازدادت بشكلٍ مخيف في الآونة الأخيرة، خصوصاً مع تزايد الضغوط النفسية”.

وأضافت: “الغريب في الأمر، هو عدم وجود حدود أمنية تقف في وجه منع حدوث هذه الجرائم، والحد من انتشارها”.

وأرجعت الأسباب إلى “عدم تعامل الجهات الأمنية بجدية مع البلاغات المقدمة إليها حول العنف الأسري. وتكتّم أجهزة التحقيق على تفاصيل القضايا المشابهة. بحجج احترام الخصوصية وسرية التحقيقات”.

وأوضحت أن “هذا ما يمعن في زيادة جرأة القتلة، وعدم ردعهم عن أي ممارسات ضد النساء، باعتبارهم وحدهم المسؤولين المباشرين عنهن، وهن بحكم التابع. ولهم كل الحق وحرية التصرف معهن وفق أهوائهم، من دون حسيب، وهو أمر ينطبق على أي فتاة أو امرأة في العائلة”.

وأشارت إلى تنوع الذرائع والحجج، التي يستخدمها الجناة لتبرير جرائمهم. وقالت إنها “في الغالب حجج واهية وتافهة للغاية”.

وأعطت مثالاً على ذلك، إذ أكدت أنه “حين تتعرض فتاة للتحرش وتنتشر الشائعات، فإن قتلها هو الحل الأبسط من وجهة نظر ذكور العائلة”.

من يحمي الفتيات والنساء من أفراد عائلاتهن؟

جرائم العنف والقتل المرتكبة ضد النساء والفتيات في إدلب كثيرة، ويصعب حصرها جميعاً.

وهي آلية بيد السلطة الأبوية لإخضاع النساء، سواء في المجتمع بشكلٍ عام، أو في العلاقات الشخصية حتى.

كما تنشأ هذه الجرائم والممارسات من شعور الذكور بالاستحقاق، أو التفوق على النساء، أو كرههن.

 

“يا ابنتي لن أطلق عليكِ الرصاص، آخدك عشان زوجك”، عبارة قالها “والد” الفتاة حسناء المحمد، العشرينية، قبل اصطحابها معه لتنفيذ جريمته.

جريمة تعاون في تنفيذها مع اثنين من أفراد العائلة. قتلوا الفتاة عبر حرقها بمادة الأسيد والمازوت وهي حية. ثم رموها في إحدى حاويات القمامة، على طريق باب الهوى شمال إدلب، في 14 كانون الأول/ديسمبر 2021.

تفاصيل الجريمة مروعة، وهزت مواقع التواصل الاجتماعي حينذاك.

وحين سئل “الأب” القاتل، بعد القبض عليه مع الفاعلين الآخرين، قال إنه قتلها لأنها “تسببت بمشاكل عائلية”. لم يأتِ على ذكر هذه المشاكل، وقرر التخلص منها بسهولة وبدمٍ بارد.

وفي 25 آب/أغسطس 2021، عُثر على جثة حياة، امرأة في العقد الثالث من عمرها، مقتولة على يد زوجها مهند عوض، في مخيم مشهد روحين شمال إدلب.

اكتُشفت الجريمة بعد 5 أشهر على وقوعها، حين تقدّمت والدة حياة بشكوى للكشف عن مصير ابنتها المفقودة. وأثناء التحقيق اعترف الزوج بجريمته المروعة.

وهو خطط لقتل حياة بعد أن تقدمت بشكوى ضده نتيجة تعنيفه المستمر لها.

لكن القاتل اعتُقل بعد بضعة أيام. وما إن خرج من السجن، حتى عمد إلى تنفيذ خطة لاستدراجها وقتلها، ثم تقطيعها ووضعها في برميل، وصب الإسمنت على جثتها.

“قلبي كان يخبرني أن ابنتي ليست بخير حين أعلن زوجها اختفاءها”، قالت والدة حياة لمنصتنا.

وأضافت: “لم يكتفِ بقتلها وإخفاء جثتها، بل استخدم حجة الشرف وادّعى هروبها مع رجل آخر بكل وضاعة”.

صمتت الأم المفجوعة بفقدان ابنتها بطريقةٍ وحشية، ولم تستطع إخفاء دموع حزنها.

ثم أوضحت: “شككت أن زوج ابنتي تعمّد إيذائها، فهو عديم الأخلاق ويعتمد على الآخرين. كما كان يسيئ معاملتها. وهذا ما دفعني لتقديم شكوى ضده، ليتم إثبات صحة ما شككت به. وليتني كنت مخطئة وابنتي ما زالت على قيد الحياة”.

نساء وفتيات سوريا يواجهن تحدياتٍ مضاعفة

حول تلك الجرائم وارتفاعها المستمر، قالت المرشدة الاجتماعية أمل الزعتور، إنها “مؤشرات خطيرة ناجمة عن قلة الوعي المجتمعي، والمعايير المتعلقة بتقبل قضايا العنف ضد النساء، وعدم وجود منظومة قوانين رادعة أو عدالة مجتمعية”.

واعتبرت أمل أن “كلمة معاناة تبقى أقل من أن تعبّر عما تعانيه النساء والفتيات في مناطق إدلب وشمال غرب سوريا”.

وأضافت أنهن “يواجهن تحدياتٍ مضاعفة من العنف وجرائم القتل، نتيجة عوامل عدة. أهمها تدهور الأوضاع المعيشية، والفقر والغلاء، والنزوح، والضغوط النفسية، وانتشار السلاح، والتطبيع الاجتماعي”.

وأوضحت أن هذه العوامل تجعلهن الحلقة الأضعف، ومواطنات من الدرجة الثالثة، والأكثر عرضةً للعنف.

وفي شهر كانون الثاني/يناير 2021، شهدت بلدة أطمة الحدودية جريمة قتل هبة مراد (20 عاماً) على يد زوجها مالك الحلو (35 عاماً).

وهي حامل وأم لثلاثة أطفال/طفلات، أكبرهن/م لم يتجاوز/تتجاوز الـ4 سنوات.

أضرم المجرم النار في جسد زوجته، ثم أحرق منزله بشكلٍ متعمد ليظهر الأمر على أنه حادثة.

غير أن فرق الدفاع المدني، التي أخمدت الحريق، عثرت على جثة زوجته متفحمة، ومكبلة اليدين والقدمين. ما استدعى التحقيق مع الزوج، الذي اعترف بجريمته، متذرّعاً بـ”الشرف”.

سوريا هي الأسوأ عالمياُ في ما يتعلّق بالعنف

ومع عدم وجود إحصائيات رسمية حديثة، وثّق تقرير صادر عن “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” 22 جريمة قتل فتيات ونساء.

وذلك في الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير 2020 حتى شباط/ فبراير 2021. وهي جميعها جرائم تدخل في سياق العنف الأسري، أو عنف الشريك.

ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ساهمت الحرب بترسيخ التفكير الذكوري، الذي يقف دائماً عائقاً أمام مطالبة النساء بحقوقهن، وكأنها جريمة.

ولذلك، تختار بعضهن الصمت، تجنباً لتلك النظرة الدونية التمييزية التي يفرضها واقع المجتمع، وتغذيها الظروف السياسية والاستبداية لعقود، لا سيما في ظل غياب سلطة القانون.

وقد احتلّت سوريا المركز الثاني في ذيل “مؤشر السلام والأمن للمرأة” ( WPS) الصادر عن معهد “جورجتاون للمرأة والسلام والأمن”، ومركز “بريو للجندر والسلام والأمن” في الأمم المتحدة في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021.

وأكد التقرير أن سوريا هي الأسوأ عالمياُ في ما يتعلّق بالعنف المنظّم. والأسوأ إقليمياً في ما يتعلّق بسلامة المجتمع.

كما تعتبر واحدة من “أصعب 5 أماكن لتكبر فتاة فيها”، بحسب تقرير لـ”لجنة الإنقاذ الدولية”، الصادر في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

 

كتابة: هاديا المنصور

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد