السياسة الخارجية النسوية.. إطار نظري جديد للسياسة الخارجية أو مصطلح جديد في اليسار الليبرالي؟

في شهر تموز/يوليو 2021، أعلنت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش التزامها بتبني سياسة خارجية نسوية.

بذلك، أصبحت ليبيا أول دولة أفريقية وعربية تتبنى هذه السياسة الخارجية.

فما هي السياسة الخارجية النسوية؟

 

نجلاء المنقوش
وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش

 

تقليدياً، تعنى السياسة الخارجية بالعلاقة بين دولة والدول الأخرى، أو المنظمات الإقليمية والدولية.

وتهدف بشكلٍ عام إلى تفكيك البنية الأبوية والذكورية في العلاقات بين الدول، (السياسة الخارجية والنظام الدولي).

وتتبنى أيضاً تعريفاً واسعاً وشاملاً للأمن، وهو مفهوم الأمن الإنساني.

فبالنسبة إلى السياسة النسوية، السلم والأمن الدوليين يتشكّلان من خلال نفس الديناميكيات الجندرية التي تشكّل المجتمع.

لذلك، من أهدافها، الحفاظ على وحماية الأمن القومي والمصالح العامة، منها المصالح الاقصادية، الأمنية، العسكرية، والثقافية للدولة، من خلال إبرام اتفاقيات، إرسال مساعدات، وعقد تحالفات. وأيضاً إعلان الحرب.

وهنا تكمن المشكلة، وفقاً للنظرية النسوية في العلاقات الدولية، التي تتمظهر في مفهوم هذه السياسة.

تركّز السياسة الخارجية التقليدية على مفهوم القوة، وتحديداً  كما هو في الأنظمة الذكورية المبنية على العنف.

استخدام القوة – في هذه الحالة القوة العسكرية – للتهديد أو السيطرة على مقدّرات دول أخرى.

وبالتالي، تعزز الفروقات بين الدول من الناحية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية وغيرها.

وتتأثر النساء والأفراد من الجماعات المهمشة بشكلٍ خاص بالممارسات التقليدية للسياسة الخارجية.

فالآثار المشتركة للصراع والظلم الاقتصادي والتدمير البيئي – وجميعها متجذرة في السياسة الخارجية – غير متناسبة ومتباينة على النساء، اللواتي يمثلن غالبية من يعيشن/ون في فقر. ويقل احتمال حصولهن على الرعاية الصحية أو التعليم.

والنساء في المجتمعات المهمشة – بما في ذلك مجتمعات السكان الأصليين/ات وأفراد مجتمع الميم عين، والمهاجرين/ات واللاجئين/ات، والنساء الأكبر سناً، وذوي/ذوات الإعاقة – معرّضات بشكلٍ خاص لخطر تحمل هذه الآثار.

وهنا يكمن دور مفهوم السياسة الخارجية النسوية!

التعريفات والمبادئ والأهداف

يعرّف “مركز السياسة الخارجية النسوية”، هذه السياسة كالآتي:

هي إطار سياسي يتمحور حول رفاهية الأشخاص المهمشين/ات ويستدعي عمليات تفكير نقدي في ما يتعلق بالأنظمة العالمية الهرمية للسياسة الخارجية.

وتتخذ منطلقات غير تقليدية للسياسة الخارجية، التي عادةً يتمحور تركيزها على القوة العسكرية والعنف والسيطرة، من خلال تقديم أفكار بديلة ومتنوعة لقطاعات الأمن، من وجهة نظر الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً.

كما أنها إطار سياسي متعدد الأبعاد، يهدف إلى رفع مستوى تجارب ودور النساء والمجموعات المهمشة، في دراسة وتحليل والتدقيق في القوة المدمرة للنظام الأبوي، والاستعمار، والتغاير، والرأسمالية، والعنصرية والإمبريالية.

يؤمن “مركز السياسة الخارجية النسوية”، أن النهج النسوي للسياسة الخارجية، يوفر عدسةً قويةً يمكن من خلالها استجواب، مساءلة، وتفسير أنظمة القوة العالمية العنيفة، أي النظام الدولي بشكله الحالي، التي تترك ملايين الأشخاص في حالات ضعفٍ دائمة.

أما “المركز الدولي لبحوث المرأة” فيعرّف هذه السياسة على أنها:

“سياسة الدولة التي تُحدِّد تفاعلاتها مع الدول الأُخرى، والحركات والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكوميّة. فتُعطي الأولويّة للسّلام والمُساواة بين الجنسين، والسّلامة البيئيّة. وتحفظ حقوق الإنسان للجميع وتُعزّزها وتحميها.

كما تسعى إلى تحطيم هياكل السّلطة الاستعماريّة، والعنصريّة، والأبويّة الذّكوريّة. وتُخصّص مواردَ كبيرة، لا سيما لإجراء البحوث، وتحقيق تلك الرُّؤية.

وهي تتسق في نهجها عبر جميع أجهزة نفوذها، وترتكز على مُمارسة تلك القيم في الداخل.

وتُشارك في تأسيسها الناشطات والجماعات والحركات النسويّة، في الداخل والخارج”، (طومسون، باتيل كريك، يا دونيل 2020).

من بعد قراءة هذين التعريفين، نستنتج أن هذه السياسة مبنية على مفهوم التقاطعية بين الأمن، التهميش، البيئة، النظام الدولي، والمفاهيم المتعددة للقوة.

إذاً، هي تقدّم قراءة وسياسات جديدة للعلاقات بين الدول، مبنية على التقاطعية والتفكيكية. وتأخذ الفرد، لا سيما من الفئات المهمشة، كمحورٍ أساسي.

أما أهداف هذه السياسة الخارجية، فتتمحور حول نقد وتفكيك وتحدّي أسس النظام العالمي الحالي، القائم على أسس النيوبيرالية التي تنتج سياسات وأزمات تمييزية، والأمن التقليدي أي العسكري لتغيير الهيكلية، والتسلسلية التمييزية والاضطهادية للنظام الدولي الحالي، والضغط من أجل نظام أكثر عدلاً.

وللوصول إلى هذه الأهداف، ترى بعض الناشطات النسويات، والباحثات في العلاقات الدولية، أنه يجب العمل على السياسات الداخلية والدولية، لرئب هذه الفروقات والتمييز في الأنظمة.

وذلك عبر تعزيز الأمن البشري في السياسات الخارجية، وجعله المفهوم الأساسي، الذي تبنى عليه هذه السياسات.

اعتماد المقاربة والمفاهيم النسوية في جميع عناصر السياسة الخارجية، مثل التجارة، المساعدات الإنسانية، الدفاع، الديبلوماسية، سياسة الهجرة، الخ. اعتماد سياسات اقتصادية تخدم مصالح جميع الناس، وتسعى إلى حماية الفئات المهمشة وحماية البيئة.

هذا من الناحية النظرية!

أما من الناحية العملية، كما سنلحظ لاحقاً، فمعظم الدول التي اعتمدت هذه السياسة وقعت في فخّ استخدام كلمة نسوية عندما تعني “النساء والفتيات” فقط.

هذا الأمر، يعزز الثنائية الموجودة في المجتمعات، ويقوض العمل للتغلب على الخطايا التاريخية (والحالية) للنسوية البيضاء والعرقية والغربية.

حتى عندما تركز السياسات على المساواة بين الجنسين، وليس مجرد تمكين النساء، فإن الكثير من الأدبيات التي تنتقد السياسات الخارجية النسوية الحالية، تشير إلى عدم الاهتمام بالأشكال والجوانب المتعددة للتمييز والتهميش، مثل العرق، أو الإثنية، أو الإعاقة، أو الطبقة، أو وضع اللجوء أو الهوية الجنسية.

بعض الدول التي تتبع السياسة الخارجية النسوية

كانت السويد أول دولة تعتمد سياسة خارجية نسوية، عام 2014.

مارغوت والستروم

 

إذ أعلنت وزيرة الخارجية حينذاك، مارغوت والستروم، هذه السياسة التي تمّ تبنيها أيضاً من قبل الحكومة التي تعرّف عن نفسها بأنها “نسوية”.

تنطوي هذه السياسة على 3 مفاهيم: حقوق النساء مدعومةً بالموارد والدعم المتزايد لتمثيلهن.

وفي أيلول/سبتمبر عام 2019، أعلنت المكسيك عن نيتها اعتماد سياسة خارجية نسوية.

وأصبحت بذلك أول دولة من دول الجنوب تعتمدها. وتبنّتها الحكومة في كانون الثاني/يناير 2020.

وهي تقوم على 5 أسس، هي دمج منظور المساواة بين الجنسين والأجندة النسوية، في جميع جوانب السياسة الخارجية للبلاد.

وتحقيق التكافؤ بين الجنسين داخل وزارة الخارجية، وإجراء إصلاحات تنظيمية لدعم المساواة بين الجنسين في مكان العمل.

ومحاربة جميع أشكال العنف القائم على نوع الجنس، بما في ذلك داخل وزارة الخارجية.

من هذه الأسس أيضاً ضمان وضوح القيادة النسوية، ومساهمات النساء، خصوصاً من السكان الأصليات والمنحدرات من أصل أفريقي، وغيرهن من المجموعات المستبعدة تاريخياً للعيان في تطوير السياسة الخارجية للمكسيك.

وأخيراً، اتباع نهج نسوي متعدد الجوانب في جميع إجراءات السياسة الخارجية.

عربياً، ليبيا هي الدولة العربية الأولى التي أعلنت تبنيها سياسة خارجية نسوية، على لسان وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، في منتدى جيل المساواة.

عبر هذا التصريح، أرادت الوزيرة الاستفادة من السياسات النسوية في مجال الأمن والسلام، ما سيساعد الداخل الليبي في ظل أزمته المتواصلة.

هذه نماذج 3 من دول اعتمدت سياسة خارجية نسوية. لكن الكثير من التعليقات طالت هذه الدول، خصوصاً من باحثات نسويات.

فمقاربة السويد مثلاً مبنيةً على رؤية ثنائية فقط للجندر، رجالاً ونساء. وليست رؤية شاملة لجميع الهويات والفئات المهمشة، ما يتعارض مع مبادئ السياسة الخارجية النسوية.

أما المكسيك، فلا تتناسب سياستها الخارجية مع وضع السجناء داخل البلاد. فنسبة جرائم قتل النساء مرتفعة جداً في هذا البلد.

فكيف يمكنها اعتماد هذه السياسة التي تتعارض مع السياسات الداخلية، التي لا تحمي النساء والفتيات وكل من تعرّف عن نفسها على أنها امرأة؟

وبالنسبة إلى ليبيا، مع أن وزيرة الخارجية أعلنت نيّة بلادها تبني سياسة نسوية، إلا ان هذا الإعلان بقي يتيماً من غير أن تتبناه الحكومة.

رأينا أعلاه، نظرياً ماذا تعني السياسة الخارجية النسوية، وتطبيقياً كيف حاولت بعض الدول اعتمادها مع العديد من الشوائب.

إذن، مثالياً كيف يمكننا تطبيق السياسة الخارجية النسوية في العلاقات الدولية؟

حاولت كل من نورا اليسا بيك وباربارا ميتلهامر، في ورقتهن “السياســة الخارجية النســوية للاتحاد الأوروبي بشأن سوريا“، استخدام الإطار التحليلي النظري للسياسة النسوية، لتفكيك السياسة الأوروبية تجاه سوريا، وعرض البديل النسوي.

السياسة الخارجية النسوية للاتحاد الأوروبي تجاه سوريا

ينبغي على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في سياسته الخارجية تجاه سوريا، بناءً على مبادئ السياسة الخارجية النسوية القائمة على:

أولاً: الأمن الإنساني المراعي لمنظور الجندر كنقطة تحليل جديدة للوضع الأمني، داخل وخارج سوريا، وللسوريين والسوريات دخل وخارج سوريا.

مثلاً: “معاجلة مسألة الجندر بدقة، باعتبارها قضية شاملة لعدة قطاعات، ومتابعـة إدماج منظور الجندر. ويعني ذلك عدم رؤية الجندر بصفته قضية تخص النسـاء وحسـب، بل قضية تتعلق باحتياجات الرجال، والنـساء، والفتيات، والفتيان السوريين/ات، داخل سوريا وخارجها”.

ثانياً: دعم والاعتماد على الخبرة النسوية وخبرة الناشطين والناشطات في الداخل والخارج السوري، لصقل الاستراتيجيات تجاه سوريا وملفاتها.

مثلاً: “مواصلـة تقديم المساءلة كهدف جوهري، خصوصاً في مـا يتعلق بجرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والجرائم ضد الإنسانية”.

ثالثاً: الاعتماد على الخبرة النسوية في صقل استراتيجيات مكافحة التطرف العنيف والإرهاب، عبر تضمين نهجي حقوق الإنسان وحقوق النساء في السياسات والبرامج.

ويشمل ذلك معالجة الأسـباب السياسـية، والاجتماعية الاقتصادية الجذرية للتطرف العنيف والإرهاب، فضلاً عن استـراتيجيات إعـادة المقاتلين الأجانـب وأسرهم إلى أوطانهن/م.

رابعاً: تحديد الاختلالات في موازين القوى، وتفكيك الحواجز، من خلال دعم الفرد أي المواطن والمواطنة السورية للوصول بأمان إلى الاتحاد الأوروبي.

ودعم الناشطات داخل وخارج البلاد، ومراعاة الديناميات الجندرية لعملية السلام خلال العمل الديبلوماسي للاتحاد الأوروبي.

خامساً: المساهمة النسوية والمدنية الشاملة والمتنوعة في صنع السياسات.

إذ يجدر بالاتحاد الأوروبي مضاعفة جهـوده لإشـراك هـذه الجهات الفاعلة في صنعه للسياسـات بشأن سوريا.

بعد عرضنا لجميع جوانب السياسة الخارجية النسوية، نلاحظ أن الجانب النظري مغاير للجانب التطبيقي.

لن نجد أي دولة ذات “سياسة خارجية نسوية” تنتقد النظام الدولي القائم، أو تخلّت عن المفاهيم التقليدية في العلاقات الدولية، والسياسة الخارجية، كالأمن القومي والقوّة العسكرية.

بالإضافة إلى ذلك، اتخذت بعض الدول البعد الأحادي لمفهوم “الجندر والنسوية”، القائم على ثنائية “نساء ورجال”، وليس على المفهوم الشامل، الذي يتضمن كل الهويات الجنسية والجندرية والفئات المهمشة في المجتمعات.

كما يتساءل البعض عما إذا كانت هذه السياسات أحدث إصدارات سياسات ما بعد الاستعمار للبلدان الشمالية، تجاه دول الجنوب.

لا سيما أن معظم هذه الدول تتضمن سياساتها برامج لتمكين النساء في دول الجنوب، من دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخ المجتمعات المحلية، والمعرفة والخبرات المحلية. أي بناء سياسات على افتراض عدم وجود معرفة على الإطلاق في الدول الأخرى، أو افتراض أن تجاربها الخاصة هي أفضل الممارسات والحلول لمعالجة المشاكل وعدم الأخذ بعين الاعتبار الخبرات والحلول المحلية.

كتابة: هلا أبي صالح

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد