جولي المقدم أم محرومة من طفليها.. فمن ينصر الأمهات على الذل والحرمان؟

“اللهم يا جامع الناس في يومٍ لا ريب فيه، إجمع بين جولي وأولادها لانا وعلي عاجلاً”.

مناجاةٌ ملصقةٌ على قوارير مياه، وزّعتها جولي المقدم، أم لبنانية حُرمت من رؤية طفليها منذ نحو سنة ونصف.

هذه المناجاة كانت أملها، علّها تُحرّك أمومتها ضمائر من يُحيُون ثورةً، أقيمت لنصرة الحق. بينما يغضون الطرف عن أمهاتٍ كثيرات محرومات ظلماً وتسلطاً من عزاء الأمومة.

“أمهات الطائفة الشيعية يناشدن الحسين، والعمامات تهتف هيهات منّا الذلة، وأنا أم تنادي وحياً حسينياً كي يروي ظمأ شوقها لفلذات كبدها”.

بهذه الكلمات دوّنت جولي عطشها لرؤية ابنتها وابنها المبعدَين عنها. أين نصرة الحق؟”.

لعلّ هذا التساؤل، جاء لينطق بلسان كثيرٍ من الأمهات اللاتي واجهن المحاكم الجعفرية، فردّت عليهنّ الأخيرة بالتجاهل.

هي تعلم أن ثورات الحق لم تتّقد يوماً من أجل خطاباتٍ معلّبة ومؤدلجة، لا تعير آلام الأمهات أذناً.

وأن أي ثورةٍ لا يقودها حدسها وإرادتها معاً إلى مطاردة الحرمان والظلم و”الفرعنة” والخذلان، لا يعوَّل على روّادها، أو على محتكريها.

ولأن الأمومة حق، رمت أم لانا وعلي الحجّة على من يدعون أنهم ثوّار “حسينيّين”. وتركت كرة الحق في ملعبهم.

إما أن يقرّبوا بينه وبين أهله، فلا تُحرم أم من أطفالها بذريعة الشرع أبداً، ولا تنشأ/ينشأ طفلة أو طفل مع عُقَد الشوق والحرمان والتسلط والتلاعب.

أو أن تبقى سبحة الظلم كما هي عليه: من فرط حضورها، تسبقنا إلى الساحات العالمية.

جولي المقدم: “لمن إجري بدها، بتشوفي أولادك”

منذ طلاقها، قبل سنة و4 أشهر، وجدت جولي نفسها تصارع منظومةً غير مجهّزةٍ لحماية النساء وحقوقهن.

وبالتأكيد لا يوجد أي إجراء قانوني أو شرعي يمكن التعويل إليه. فنحن نعيش في ظل تركيبةٍ تلاقحت من أجل حماية المنظومة الأبوية.

“لمن إجري بدها، بتشوفي ولادك”، أخبرها طليقها علي حسين الصباغ، الملقب في منطقته بـ”الغابوني”، حين لجأت إلى القضاء.

يومها حصلت على حكمٍ من المحكمة المدنية يعطيها الحقّ برؤية طفليها 3 أيامٍ في الأسبوع.

وبعد صدور الحكم، أحضرهما الوالد مرةً واحدةً لساعاتٍ فقط، ثم استحوذ عليهما، كما لو أنهما ملكيةً حصرية.

كما تمنّع عن إحضارهما إليها، أو السماح لهما بزيارتها طيلة الفترة الماضية، على الرغم من أنهما يسكنان في المنطقة نفسها.

سيناريو العنتريات نفسه يستنسخه “آباء” كثر، مستمدين استعراضاتهم السلطوية والقمعية من نصوصٍ وممارساتٍ قانونية وعرفية وتشريعية تحصّن امتيازاتهم، وتجبر النساء على الانهزام أو الاستسلام.

من يحمي لانا وعلي من التلاعب والأذى النفسي؟

لم تتأخر الأم عن رفع دعوى بسبب تخلّفه عن تنفيذ قرار المحكمة، نتج عنه صدور قرارٍ بسجن الصباغ. ففبرك الأخير ادعاءاتٍ بأن الطفلين لا يريدان رؤية والدتهما.

“أحضر طفليّ إلى المحكمة ليشهدان بأنهما لا يريدان رؤيتي. لا أصدق أنه يجرؤ على استخدامهما بهذه الطريقة، ووضعهما تحت الضغط النفسي، بهدف أذيتي وإسقاط حقي برؤيتهما، وحقهما برؤيتي”، قالت جولي في حديث خاص لـ”شريكة ولكن”.

ادعاءاتٌ، أكدت جولي أنها “أداة جديدة من أدوات طليقها لمحاربتها بحقها وحق طفليها الطبيعي والإنساني”.

ولم يتوقف الضغط الواقع على لانا وعلي عند ذلك الحد. فبحسب جولي: “قالت لهما عمتهما إن والدتكما ستسجن والدكما. وإذا ذهبتما إليها لن ترياه مجدداً”.

هكذا كشفت كيف تم التلاعب بنفسيتهما، ليشهدا أمام المحكمة المدنية بأنهما لا يريدان الذهاب إليها.

أما عن تمادي الأب في التلاعب النفسي بحق الطفلين، فروت جولي أنه “لقّنهما الادعاء أمام المحكمة بأنني كنت أعنفهما جسدياً، في حين أنه هو من كان يعنفني جسدياً أمامهما”.

وتابعت: “كُنت أُضرَب أمامهما، وهذا تعنيف جسيم بحقهما. وحتى الآن لا زلت أحتفظ بصورٍ للكدمات الناتجة عن الضرب المبرح”.

أخذت المحكمة بأقوال ولديها “من دون التأكد من وضعهما النفسي”، وفق تعبيرها.

فأوقفت قرار السجن الصادر بحقه، ما عزّز من نهجه السلطوي والاستبدادي، ليخبرها منتشياً بنصرٍ ذكوريٍّ هش: “متل ما بدها إجري بيصير، لا محاكم ولا غير محاكم بيخلوكي تشوفي أولادك”.

المحكمة المدنية أخذت بشهادة طفلين من دون عرضهما على جمعية الأحداث

“الأخطر في ما حصل أن المحكمة المدنية أخذت بشهادة الطفلين، من دون تحويلهما إلى جمعية الأحداث للاستماع إلى أقوالهما”، بحسب جولي.

وأشارت إلى أن “ولداها تعرضا للعنف المعنوي، والمحكمة لم تأخذ الأمر على محمل الجد”.

كما أَسِفت من الاستهتار بالوضع النفسي الذي أطبق على لانا وعلي في تلك المرحلة. وعدم ضلوع الجهات المعنية بالدور اللازم.

وأوضحت: “حين طلبت من المحكمة المدنية عرضهما على جمعية الأحداث، كانت الإجابة: ما تعلمينا شغلنا”.

تستحضر هذه المشهدية الغطاءات التي تؤمنها المحاكم، فتشارك عن قصد أو عن غير قصد بشرعنة عملية الاغتراب الوالدي.

وهي ظاهرة يمكن أن تقع ضحيتها الكثير من الأمهات وأطفالهن/طفلاتهن في المجتمعات الغارقة في الذكورية.

كل ما يهم جولي، التي تحاول تدارك أي مضاعفاتٍ نفسية قد تضرّ بصحة ابنها وابنتها النفسية، أن تبعدهما عن الممارسات الكيدية التي تنتهك طفولتهما.

وأن تكسر جبروت الحرمان، علّها تتمكن من منحهما أمومتها بكل ما أوتيت من شوقٍ وحب وعطاءٍ.

“ليس على أحد أن يسكت عن حقه مهما تمادى الظلم. فكيف لو كان هذا الحق هو فلذة كبدك؟”، تساءلت أثناء حديثها.

وأكدت أنها “مصمّمة ولن أتراجع عن النضال، حتى أستعيد حقي وحقهما بحياةٍ مستقرة، وتواصل لا تشوبه أي عراقيل أو اعتداءات”.

واعتبرت أن كل ما تتعرض له هو اعتداءٌ نفسي ومعنوي، بعد ما تعرضت له من اعتداءات جسدية تجاوزتها عبر الطلاق، “إلا أن ابنتي وابني لا يزالان داخل هذه الدوامة العنيفة”.

عن حاجة لانا وعلي لوالدتهما جولي المقدم

تستذكر جولي كيف أخبرتها ابنتها، البالغة من العمر 11 عاماً، في المرة الوحيدة التي قابلتها لساعاتٍ بعد صدور حكم الرؤية، أنها “تدخل إلى الحمام، وتفتح صنبور المياه، لتموّه على صوت بكائها”.

وكشفت جولي أنه قبل نحو شهرين، فاجأها ابنها ذي الـ14 عاماً بزيارةٍ سرّية.

وقالت: “أخبرني خلالها عن مدى شوقه هو وأخته لي. كان يخطط لرؤيتي لدقائق سريعة، لكننا بقينا سوياً لمدة 3 ساعات، أوصلته بعدها بنفسي إلى منزل والده”.

تلك اللحظة التي أنعشت روحها، بعد ذبولٍ فُرض عليها، بحرمانها منهما، اكتملت بالنسبة إلى جولي، حين اتصل بها ابنها بعد وصوله مباشرةً لتتمكن شقيقته من التحدث إليها”.

“كانا يحدثانني بصوتٍ خافتٍ. أخبرتني ابنتي كم اشتاقت إلي، قبل أن ينقطع الاتصال بشكلٍ مفاجئ، ويتضح أن أحداً قام بحظري”.

حربٌ نفسية تواجهها جولي وابنها وابنتها، لغايةٍ في نفسٍ أمّارة بالتسلط والذكورية، لا تأبه بمشاعر طفل وطفلة سُلبا حقهما بحضن والدتهما.

فمن يضع حدّاً لتسلط الطليق وتواطؤ عائلته، واستقواء المنظومة الأبوية بكل أذررعتها على النساء والأطفال والطفلات؟

ومن يعيد الأمن والاستقرار للانا وعلي، ويجمع بينهما وبين والدتهما، المبعدة قصراً عنهما؟ ألا من ناصرٍ ينصر الأمومة؟

 

كتابة: مريم ياغي

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد