وسام وفاطمة الطويل تستمران بتحدي “الأب” المعنف والمجتمع المحرّض

هروب الفتاتين بعد أن قرر "وجهاء العائلة" إعادتهما إلى منزل والدهما

من يتابع قضية الشقيقتين الفلسطينيتين وسام وفاطمة الطويل، يفاجأ بكمية التحريض والتواطؤ المجتمعي ضد الفتيات في المنطقة.

تحريضٌ علنيٌّ وصريح، يشكّل تفسيراً لا يَحتمل الشك لتزايد حالات العنف، والقتل المبني على النوع الاجتماعي، في ظل قوانين قاصرة عن حماية النساء والفتيات.

ترسانة من الأحكام والقيم الذكورية التي تشجع على القمع والتسلط، وتُبارك العنف بذريعة “التربية”، طَبعت تفاعل الجمهور المحلي مع الجريمة.

فبعد هروب الفتاتين مجدداً من تعنيف والدهما، بعد إعادتهما إليه حين هربتا في المرة الأولى، على إثر “تسويةٍ عائليةٍ” عقدتها الشرطة المجتمعية مع “وجهاء العائلة، وأحد المراكز النسوية.

من التعنيف الأبوي الوحشي إلى سيناريو “الاستهداف والمؤامرة

بدأت المسألة حين فرّت وسام وفاطمة الطويل عبر شرفة منزلهما في غزة، هرباً من تعنيف والدهما عماد عاصي الطويل.

تحولت القضية، التي شغلت المجتمعين الفلسطيني والعربي، إلى قضية رأي عام، خصوصاً بعد زعم الوالد المعنّف أن ابنتيه مخطوفتان.

ادعاءٌ دحضته الفتاتان، إذ خرجتا بمقطع فيديو نفتا خلاله “مزاعم” الأب، وروتا تفاصيل تعنيفهما.

حبسٌ، تعنيفٌ، تجويعٌ، تهديدٌ صريحٌ بالقتل، وحث على الانتحار، قبل أن تختلقا طريقة للهرب من شرفة المنزل.

شهادةُ الفتاتين في المقطع، الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت غضباً واسعاً ومطالبات محلية وعربية بحمايتهما، ومعاقبة الوالد المعنف.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Sharika Wa Laken (@sharikawalaken)

إلا أن الأخير استثمر اللحظة، واستمرّ في سيناريو “المؤامرة والاستهداف”، ليسوّق لفكرة أنه ضحية “انتقام سياسي”، وأن ابنتيه وقعتا ضحية “التغرير”.

لم يفوّت المعنّف عماد عاصي الفرصة لتحويل قضية العنف الأسري إلى “قضيةٍ وطنية”، سعى من خلالها إلى شحذ عاطفة “الوطنيين”، لإبراز صورة “المناضل المستهدَف” على حساب سلامة وسام وفاطمة.

وساعده في ذلك الكثير من المسوّقين لنظرية المؤامرة، والمبررين للعنف بسيناريوهاتٍ ذكورية متخلفة.

هروب وسام وفاطمة الطويل مجدداً بعد إعادتهما إلى منزل معنفهما

الأب المعنّف خالف التعهدات واستمر في تعنيف ابنتيه

بعد بث مناشدة وسام وفاطمة، تدخلت شرطة غزة لمتابعة “الخلاف”، بدل توقيف “الأب” المعنّف والتحقيق معه ومعاقبته.

بل إن بيان الشرطة اعتبر  ببساطة أن العنف الأسري هو “خلاف عائلي بين فتاتين ووالدهما!”.

مقاربةٌ إقصائية لطالما استخدمتها أدوات النظام الأبوي، للإيحاء بضرورة إبعاد هذا النوع من الاعتداءات عن الرأي العام، بذريعة “الخصوصية الأسرية”.

بينما تضرب بعرض الحائط الخطر الذي يسيطر على حياة  الكثيرات، بسبب هذه المعالجة الأبوية التسطيحية والمتآمرة.

“باشرت الشرطة المجتمعية جهودها مع وجهاء العائلة، وأحد المراكز النسوية، للعمل على حل الخلاف”، ذكر بيان الشرطة.

وأشار إلى أنه “نتج عن هذه الجهود حينذاك، حل الخلاف وقرار الفتاتين العودة إلى بيت العائلة، بكفالة مختار العائلة، وعمّ وسام وفاطمة بما يضمن بيئة آمنة لهما”.

عماد العاصي

“وجهاء العائلة” هم طبعاً ذكورها، بحسب تلك “الجهود” الأبوية.

وانتشرت صورة لهم أثناء اجتماعهم مع الوالد المعنّف، الذي تزعّم جلسة “حل النزاع”، على اعتبار أنه عاش دور “المؤامرة” المزعومة.

لا شكّ في أن محاصرة فاطمة ووسام  بهذه “الحلول” السلطوية، أغلقت عليهما الطريق أمام تحررهما من سجن والدهما وتعذيبه، وفرضت عليهما حل العودة إليه.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Sharika Wa Laken (@sharikawalaken)

عودة لم تستمر أياماً قليلة، قبل أن تهربا من منزل والدهما مجدداً، وكشفتا أنه “مستمر في تعنيفهما وتقييد حريتهما”، على الرغم من التعهدات المأخوذة منه عند عودتهما.

وجهاء العائلة” فقدوا السيطرة على “الخلاف” ..  الوالد المعنّف لا يستجيب لأي حل!

في هذا السياق، أكد بيان شرطة غزة أن وسام وفاطمة الطويل “توجهتا إلى الشرطة التي وفّرت مأوى مؤقتاً لهما في مؤسسة بيت الأمان”.

وأشار إلى أن “وجهاء العائلة أبلغوا الشرطة بعدم تمكنهم من السيطرة على الخلاف نتيجة عدم استجابة والدهما لأي حل”.

وتابع (البيان) أسطوانة “حل الخلاف ذاتها”، لافتاً إلى أن “الجهات المختصة تتابع جهودها مع الجهات ذات العلاقة، لحل الإشكاية وإنهاء الخلاف”.

في حين لم يرد في بيانها أي إشارة إلى توقيف المعنّف، وإحالته إلى التحقيق، على خلفية  اتهام ابنتيه المتكرر بتعنيفهما، الذي وصل إلى حد هروبهما مرتين في فترة قصيرة.

وبالعودة إلى التفاعل المجتمعي الذي يعكس تقبلاً مؤسفاً لواقعٍ قمعيٍ سافر بحق وسام وفاطمة، وغيرهما من القصص التي لم تروَ بعد، كشفت التعليقات عن خطابٍ تحريضيٍ مقلق.

 توغّل الخطاب الذكوري.. تحريض وحضّ على الإجرام بذريعة “التربية

تطوّرت التعليقات حول هذه القضية، من اعتبارها “مشاكل عائلية لا يجب التدخل فيها”، إلى وصم الفتاتين بـ”قلة التربية” بتمردهما على الوالد المعنّف.

بينما رأى بعض مستخدمي/ات وسائل التواصل الاجتماعي، أنهما “تحتاجان إلى  التأديب بالعصا”.  في حين استشعرت بعض التعليقات الخطر من “هذا التمرد” على التعنيف والقهر.

فاعتبر البعض أنه “يجب وضع حد له كي لا يتكرر”. وأشار تعليق آخر إلى أن  “الأب أدرى ببناته”، وأنه “يجب على الشرطة أن لا تجاري الفتاتين، مهما كانت معاملة والدهما، فليس عليهما إلا السمع والطاعة”!

ووصل تغوّل الخطاب الذكوري إلى التحريض العلني المتكرر، والحض المخيف على الجرائم ضد النساء والفتيات، بذريعة “العرف” و”التقاليد”و”التربية”.

وانتشرت تعليقات مثل “لو كنت مكان والدهما، لكنت أطلقت عليهما النار منذ مدة”.

“الفتاتان لم تجدان بعد من يطلق على رأسيهما طلقاً نارياً”.

“والدهما لا يعرف كيف يسيطر عليهما”.

“الفتاتان لا تستحقان تقييد الحرية فقط، وإنما كسر رقبتهما”، وغيرها من السموم الذكورية التحريضية.

نحو قانون عنفٍ أسريٍّ رادع..

خوفاً  من “إعادة الفتاتين مرة أخرى إلى رجلٍ عنيفٍ هربتا من بطشه مرتين ويهدّد بقتلهما.

بينما تخوّفت بعض التعليقات من “الآراء المريضة الصادمة”. وحمّلت إحداها “هذه العقليات مسؤولية وقوع جرائم القتل المتكررة”.

وجاء في تعليق آخر أنه “ليس علينا أن ننصدم من وقع جريمة قتل على يد الأب أو الأخ أو الزوج في كل فترة، مع انتشار هذه الأفكار الظلامية”.

رأيٌ اتفق عليه تعليقٌ آخر، شدّد على ضرورة أن تتكلم كل فتاة تتعرّض للتعنيف، لـ”تحمي نفسها من مصيرٍ أسود واجهته الكثيرات قبلها”.

في حين أكد تعليقٌ ثالث أن “غياب القوانين الأسرية، هو السبب لما  تتعرض له الفتاتان، وهو يفضي إلى أكثر من ذلك”.

وشدد على أن “لا شيء يردع إلا القانون وتطبيقه بجدية”.

وسام وفاطمة في خطر”.. حملة إلكترونية للمطالبة بحماية الفتاتين

بالتوازي، انتشرت على تويتر حملة تحت وسمي #وسام_وفاطمة_في_خطر  و#أنقذوا_وسام_وفاطمة، طالب/ت خلالها ناشطون/ات بإبقاء وسام وفاطمة بأمان، بعيداً عن منزل “والدهما المعنف”.

وانتقدت التغريدات “التخاذل المجتمعي تجاه الناجيتين”، و”الطبطبة على العنف ومحاباته على حسابهما”.

 

واعتبرت إحدى المشاركات في الحملة أن “تهديد و إجبار الفتاتان ومحاولة السيطرة عليهما، وغصبهما على الرجوع إلى بيت المعنف المجرم عماد العاصي، هو تواطؤ من الجميع”.

وشددت أن وسام وفاطمة “تطالبان منذ أسبوعين بحق بديهي: الأمان”.

تعيد هذه القضية طرح مشكلة قوانين الأحوال الشخصية، التمييزية بحق النساء، في فلسطين خصوصاً، والدول العربية عموماً.

قوانين تستمدّ استمرارها من أعراف ذكورية سلطوية ظالمة، أَوكلت مسؤولية الفتيات والنساء إلى أولياء أمور ذكور. فتسلّطوا واستبدوا عليهنّ، حتى فاضت المجتمعات بقصص القتل، والقهر، والتعذيب، والتمييز الجنسي ضدهن.

فمن يحمي وسام وفاطمة الطويل وغيرهنّ من تهديد وبطش المنظومة الأبوية وأحكام أدواتها الفاسدة؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد