تسمية وتسجيل الأمهات المصريات لأبنائهن وبناتهن .. حق مع وقف التنفيذ!

قد يبدو موضوع تسجيل مولودٍ أو مولودة جديد/ة، أو اختيار اسمٍ له/ا، أمراً سهلاً للغاية وبديهي!

لكن الحقيقة هي العكس بالنسبة إلى بلدانٍ كثيرة.

فالأمهات المصريات مثلاً محرومات، ليس فقط من حق الذهاب إلى مكتب الصحة بمفردهن لاستخراج شهادة ميلاد لأطفالهن وطفلاتهن، بل أيضاً من حقهن في تسميتهن/م.

الأمهات المصريات .. بالإنجاب فقط! 

“كنت قد ولدت ابني حديثاً، وجرح العملية القيصرية يؤلمني. ومع ذلك، كنت مرهقة في المشاوير بين الأقسام، والمحاكم لأسجّل ابني”.

هكذا بدأت منى محمدين، أم لـ3 أطفال، حديثها لـ”شريكة ولكن”، شاكيةً ما حدث معها حين أرادت تسجيل طفلها الجديد قبل عدة سنوات.

وأضافت: “قبل أن أسجّل ابني، كان هناك مشاكل بيني وبين زوجي، الذي كان يعنّفني. فأخذت الأولاد بقرار حضانةٍ من المحكمة”.

ولفتت إلى أنها حين ذهبت لتسجيل طفلها، اتصلت بزوجها، وقال إنه سيأتي لتسجيله.

وبينما انتظرته أمام مكتب الصحة، واتصلت به، لم يرد عليها، أو اتصال أحد من عائلتها.

وقالت إنها “لم تعبأ لتغيّب الأب، وتنصّله من المسؤولية. فذهبت إلى مكتب الصحة لتسجيله، وكانت تحمل وثيقة الزواج، ورافقها عدد من أقاربها”.

لكنها أشارت إلى أن “موظفي المكتب رفضوا تسجيله، واستخراج شهادة ميلاد، وشكّكوا فيها وفي أن الطفل ليس للأب”.

لاقت منى معاملةً سيئة من الموظفين حينها، ما دفعها إلى معاودة الاتصال بزوجها السابق مرةً أخرى، على أمل أن يذهب معها لإنهاء هذه المشكلة.

إلا أنه تنصّل مرةً ثانية، وكان ذلك قبل أن تعرف أنه بإمكانها الذهاب إلى قسم الشرطة، وتحرير محضر برفض الأب تسجيل طفله.

ثم اكتشفت بعدها أن هذا المحضر إداري فقط، وغير ملزم بأي شيء، بل للتوثيق. وحين علم الأب، زاد من تعنّته تجاه الأم وتسجيل الطفل.

حكم تاريخي: “شهادة ميلاد الطفل/ة من حق الأم”

عام 2015، صدر قرار من محكمة القضاء الإداري في الإسكندرية، وُصف بالتاريخي.

إذ أمر بوقف تنفيذ قرار الحكومة السلبي، بالامتناع عن إثبات واقعة ميلاد الأطفال والطفلات، في السجلات المعدة لقيد المواليد.

كما ألزم الحكومة بإثبات واقعة ميلادهن/م في سجلات المواليد.

وبتسليم الأمهات المصريات شهادة قيد الميلاد، من دون الاعتداد باعتراض الوالد وعائلته، باعتباره إيذاءً بدنياً ونفسياً للأم، شرط إثبات علاقة الزواج بعقدٍ شرعي.

لكنه لم يكن الحكم الأول من نوعه. فصدر أيضاً العام الماضي حكم يقضي بثبوت ميلاد طفل، وإعطاء الأم شهادة ميلاده.

وعلى الرغم من ذلك، ما زال موظفو الصحة يتعنّتون حتى الآن في تسجيل المواليد من قبل الأم.

إذ ذكرت منى أن موظفة الصحة أبلغتها أنه لا يوجد لديها قرار “يلزمها بإعطاء شهادة ميلاد للطفل”.

وحين لجأت إلى المحكمة، نصحها أحد القضاة بأن ترفع “قضية نسب” فرفضت حينها.

وقالت: “كيف أسمح أن يبدأ ابني حياته بقضية كهذه؟”.

وبعد مرور 15 يوماً لم تستطع خلالها تسجيل ابنها، نصحها أحد أقاربها أن تحضر شهوداً مع المحضر الذي حررته في النيابة، لكن لا حياة لمن تنادي!

تصف منى ما حدث معها طوال تلك المدة، والمسافة الطويلة التي كانت تقطعها من منزلها إلى مكتب الصحة، بأنها كانت “فترة ذل ومهانة وبهدلة ومرمطة”.

ولم يُحل الأمر إلا حين تمكنت من الحصول على وساطة من مكتب الصحة، أبلغتها عن توفّر قسم “شؤون قانونية” داخل المكتب، ما لم يبلغها به أحد منذ البداية.

معاناة ومهانة مع آلام الولادة

تشترك سماح (اسم مستعار)، مع منى في المعاناة والمهانة، التي تتلقاها الأمهات المصريات عند تسجيل أطفالهن.

فعلى الرغم من أنها كانت قد وضعت مولودها حديثاً، لكن لم يرحمها أحد!

وعن هذه التجربة، قالت لـ”شريكة ولكن”: “حين اقترب موعد ولادتي أبلغته بالأمر، لأنه كان ما زال زوجي حينها، فاشترط عليّ التنازل عن جميع حقوقي مقابل تسجيل الطفل”.

وأضافت: “حين رفضت، ضحك. وأجابني: أنا سألت محامي، وقال لي إنك لن تتمكني من تسجيله من دون وجودي أو وجود جد الطفل أو عمه”.

كانت تلك المحاولة قبل أن تقرر البدء في مشوارٍ طويل، قررت أن تتخذه لتسجيل مولودها بنفسها.

فبدأت رحلتها الشاقة، التي صاحبتها آلام الولادة، وذهبت إلى القسم لتحرير محضر بامتناع الأب عن تسجيل طفله.

وبعد حصولها على صورة المحضر، ذهبت إلى النيابة، التي أدخلتها في دوامة لا تنتهي.

إذ أضاع الموظفون صورة المحضر، وطلبوا منها صورةً عن بطاقة الأب، وهي بالتأكيد لا تملك لا البطاقة ولا شهادة ميلاده!

ووصفت سماح كل تلك الطلبات بالـ”تعجيزية”.

على الرغم من ذلك، استطاعت أن تستخرج شهادة ميلاد الأب، بعد 10 أيام من المعاناة والإرهاق، بين المؤسسات الرسمية.

فتمكنت، بواسطة محضر النيابة وصورة قسيمة الزواج وشهادة ميلاد الأب، أن تستخرج شهادة ميلاد طفلها أخيراً.

عدم تسجيل المواليد .. تداعياته وتأثيراته على الأطفال والطفلات

أكدت منظمة اليونيسيف في تقرير “المرأة والأرض والملكية والسكن”، أنه من دون شهادة الولادة، لا يتمكن العديد من الأطفال والطفلات من الحصول على التحصين المعتاد، وغيره من خدمات الرعاية الصحية”.

وقد لا يتمكنّ/ون من الالتحاق بالمدرسة، أو التسجيل للامتحانات.

ونتيجةً لذلك، تصبح فرصهن/م المستقبلية في الحصول على عمل، محدودة جداً، ما يزيد أرجحية وقوعهن/م في براثن الفقر.

كما أشار التقرير إلى أنه في عدد من البلدان، لا تتمتع النساء بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجال حين يتعلق الأمر بتسجيل الولادات.

ولا تتمكن بعض النساء من تسجيل أطفالهن على الإطلاق، في حين قد تتمكن نساء أخريات من تسجيل الطفل بوجود الأب فقط.

تعنت ضد الأمهات المصريات

كنوع من التعنت ضد الأم (م.س)، رفض أحد الآباء تسجيل طفله منها.

وفي حين عانت من الآلام وآثار الولادة، إلا أنها ذهبت إلى أكثر من مكتب صحة لتسجيله. ولم تستطع بالطبع.

بينما كانت إجابة الموظفين لها أن “الأب، أو الجد، أو العم، أو العمة، هن/م فقط من حقهن/م التسجيل”.

وبعد مشاروات عديدة مع الأب، سجّل الطفل ولكن باسم والده، كنوع من العِند ضد الأم، التي كانت ترفضه.

كما رفض إعطاءها الصورة الأصلية عن شهادة الميلاد، الضرورية لحصول الطفل على لقاحاته.

لكنها استطاعت استخراج شهادة أخرى عبر الكمبيوتر.

وخلال بحث ميداني أجريناه في مكاتب الصحة، التقينا مديرة أحد المكاتب، التي رفضت التصريح عن اسمها.

فقالت لـ”شريكة ولكن” إن “القانون الحالي يعطي الأب أو العم أو الجد أو العمة فقط حق تسجيل الطفل/ة، وإلا على الأم أن تحرّر محضراً بامتناع الأب عن التسجيل، وتستطيع حينها تسجيل الطفل/ة بصورة المحضر”.

وأشارت إلى أن “هناك ما هو أسوأ من ذلك، وهو أنه لو كان الزواج لا يزال قائماً، ولا يوجد مشاكل بين الأب والأم، لكن الأب مسافر، فلا يمكن للأمهات تسجيل أطفالهن، حتى في المدارس، من دون الأب أو أهله أو عبر توكيل يحرّره لها الأب”.

قائمة الأمهات المصريات المحرومات لا تنتهي

القائمة طويلة ولا تنتتهي من معاناة العديد من الأمهات المصريات.

فخلال لقائنا مع هبة ناصر، شكت في حديثها لــ”شريكة ولكن” قصتها ورحلتها الشاقة.

أخبرتنا هبة أنها “تركت منزل الزوجية وهي حامل في شهرها الثالث. وحين وضعت طفلها، قال لها زوجها هذا ليس ابني. أنت انفصلتِ عني ولم تكوني حاملاً”.

وبالتأكيد لم يُحل الأمر إلا عبر استخدام “الواسطة” مع شخص يعمل في أحد مكاتب الصحة، عن طريق جارتها.

أخذ منها الأموال، وصورة بطاقة الأب، وقسيمة الزواج، وإمضاء شقيقها بدلاً من الأب، لكن ذلك لم يمنع النظرات القاسية، التي كانت تتلقاها من موظف الصحة.

اللافت أنه على الرغم من منح القانون حالياً ذلك الحق، إلا أن دار الإفتاء المصرية، خرجت في فتوى غريبة من نوعها منذ سنوات!

إذ قالت في الفتوى إن “الأصل فى حق التسمية للمولود/ة ثابت للأب، كما أن الأب هو الذي له القوامة على امرأته والولاية على ولده”.

مخاطر عدم تسجيل الولادات

تعاني النساء ليس فقط في مصر بل في جميع الدول العربية من التمييز الجنسي.

وهو أمر لا يؤثر عليهن فقط، ولا تلقي تداعياته بظلالها عليهن فقط، بل على الأبناء والبنات بالدرجة الأولى.

لذلك، يعتبر تسجيل الولادات الطريقة القانونية الوحيدة لاستصدار شهادة ولادة الأطفال/الطفلات.

الأمر الذي من شأنه أن يحميهن/م من العنف، والإساءات، والاستغلال، والاتجار بالبشر، ومن تزويج القاصرات، وعمالة الأطفال والطفلات.

جهود المجتمع المدني

وعن جهود المجتمع المدني في هذا المجال، قالت الباحثة في مجال حقوق النساء، والعضوة في مؤسسة المرأة الجديدة لمياء لطفي، إن “المجتمع المدني، خصوصاً مؤسستها عملت على هذه القضية عام 2003 بسبب قضية هند الحناوي والفنان أحمد الفيشاوي. وقيل حينها من تقارير رسمية، إن عدد مجهولي/ات النسب في مصر كبير جداً”.

وأضافت أن “الحملة توقفت عام 2008، حين صدر قانون الطفل/ة، الذي حمل العديد من أهداف الحملة التي تحققت، ولكن ليس جميعها”.

عملت الحملة على عدة محاور، كان الأول هو نسب الأطفال/الطفلات من علاقات رضائية يتم إنكار نسبهن/م، لأن القانون لم يكن يأخذ اختبارات الحمض النووي بعين الاعتبار.

وتفاجأت لمياء حينذاك بأن أعداد قضايا إثبات النسب من علاقات الزواج كثيرة جداً.

إذ يمتنع الآباء عن تسجيل أطفالهم/طفلاتهن، رغم وجود زواج. وقد تدخل الأم في عملية قانونية طويلة، ربما تستمر لسنوات لإثبات النسب.

كما أكدت لمياء أن “القانون وقتها أعطى الأمهات المصريات حق استخراج شهادة ميلاد، لكن استمرت القرارات الإدارية، والأعراف، وخوف موظفي مكاتب الصحة، تؤجل حدوث ذلك”.

وأوضحت أن عدداً كبيراً من النساء يقعن ضحية عدم معرفتهن بحقوقهن. فإما يدخلن في عملية طويلة ومعقدة من الإجراءات، أو يخضعن لابتزاز الأزواج. وربما يتنازلن عن حقوقهن أو حتى يدفعن نقوداً لاستخراج الوثيقة.

بينما اعتبرت لمياء، في حديثها، أن “تعنت الآباء أحياناً ضد تسجيل الأبناء/البنات يشبه تعنّت بعضهم أيضاً في قضايا الإنفاق والحقوق الأخرى”.

وأوضحت أن “العمل في هذه الفترة لإصدار قانون مدني، يضمن حق الأطفال/الطفلات في اسم ونسب وهوية وجنسية. وأن يتلقين/ون رعاية والدية منذ اليوم الأول، من دون أن يتخلى أي من الأهل عن رعايتهن/م”.

وبين حق تكفله المواثيق الدولية بالمساواة بين النساء والرجال، وحق قانوني يؤيد تلك المساواة من دون تمييز، تبقى النساء تحت رحمة الذكر وعائلته.

لذلك آن الأوان لمراجعة هذه المنهجية، وكل أشكال التمييز الموجودة في القوانين، والأعراف، والدين، والتقاليد.

فكيف لأمٍ أن تحمل طفلاً أو طفلةً في داخلها تسعة أشهر، لكن لا يحق لها تسجيله/ا وتسميته/ا؟

 

كتابة: إيناس كمال

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد