لاجئات في منازلهن حتى إشعار آخر .. عن حق النساء السوريات بالسكن
قدر النساء في مجتمعاتنا الأبوية أن يدفعن أغلى الأثمان في أي صراعٍ يعصف بالمنطقة. ويعتبر حق السكن أحد الضرائب التي تتكبدها النساء السوريات بسبب الحرب المستمرة.
بينما يساهم الواقع السياسي المفتقد للديمقراطية والتوازن والمساواة، بضياع حقوقهن.
فترزح حقوق النساء السوريات، بين العادات والتقاليد الذكورية، التي تميّز ضدهن منذ الولادة، والقوانين التي أضفت مشروعيةً على الثقافة البطريركية.
وهو واقع جعل حق السكن والتملك لدى النساء السوريات ينطوي على الكثير من العقبات والتعقيدات.
جندرة حق السكن والتملك .. 5% فقط هي نسبة تملك النساء السوريات
تنص القوانين التشريعية والدستورية في سوريا صراحةً على منح النساء حق التملّك. ويشمل ذلك ملكية العقارات، وحق السكن.
لكن تأثير القوانين التمييزية، والثقافة المنتشرة، والإقصاء السياسي، يجعله حقاً شكلياً.
كما أن قانون الأحوال الشخصية السوري يحتكم إلى وجهة نظر فقهية، مضى عليها أكثر من 7 قرون من دون أي مراجعات تذكر.
وهو ما ساهم في تعزيز استحالة تحقيق المواطنة المتساوية بين النساء والرجال، لجهة الوصول إلى الحقوق الاجتماعية، أو السياسية والاقتصادية والثقافية.
في هذا الإطار، قالت مديرة منظمة “دولتي” المحامية رولا بغدادي إن “القوانين تضمن حق النساء السوريات بالتملك والسكن، لكن المشكلة أعمق من ظاهر القانون”.
وأوضحت أن “القوانين، في بلدٍ تحكمه الأعراف الذكورية، يجب أن تتضمن تشريعات تحرص على إيجاد التمييز الإيجابي”.
وأكدت لـ”شريكة ولكن” أن “هناك تقاطع لعدة عوامل أثرت على حق النساء السوريات بالتملك”.
ولفتت إلى أن هذا الحق “مرتبط بقدرة النساء الشرائية، وتمكينهن اقتصادياً، وقدرتهن على الوصول إلى الحق بالتعلم، وتعرّضهن للعنف بكافة أشكاله”.
وأضافت أن “انتشار ظاهرة العنف ضد النساء، والعنف الأسري تحديداً، سواء من الزوج أو الأخ أو الأب، والضغط عليهن وابتزازهن عاطفياً، كان لها أثر مباشر على حرمانهن من هذا الحق”.
كما تحدثت عن “ظاهرة تزويج القاصرات وتشريعه قانونياً، وانتشار ظاهرة الأمية بين النساء في بعض المناطق الريفية”.
إذ تُجبر النساء في بعض الأحيان على توقيع أوراقٍ لا يعرفن مضمونها، وقد تجهل أخريات أن القوانين تكفل لهن حقوقهن القانونية”.
هذه العقبات، بحسب رولا “تستوجب على الدولة وضع عقوبات على عدم تعليم النساء، وعلى تزويج القاصرات، وتفعيل قانون العنف الأسري، لتتمكن النساء والفتيات من ملاحقة حقوقهن بشكلٍ عام، والاقتصادية خصوصاً، وبالتالي ضمان حقهن بالتملك وبالسكن”.
وأشارت إلى “غياب الإحصائيات الرسمية الضرورية لإظهار حجم التمييز ضد النساء في قضايا التملك”.
وذكرت أن “إحدى الدراسات غير الرسمية تشير إلى أن نسبة تملكهن هي 5% فقط”.
فقانون الأحوال الشخصية لم يواكب مسار التطور المجتمعي التصاعدي، والتحولات الكبرى للمفاهيم.
وبالتالي، تبدّل الدور الاجتماعي للنساء، ما اعتبره مراقبون/ات غياباً للإرادة السياسية لحماية النساء.
وأكدن/وا على ضرورة طرح مقاربات مختلفة لقضايا النساء والفتيات، كانعدام المساواة في الميراث، والسفر مع محرم، وولاية الرجل في قضايا الزواج.
القانون يكفل توريث النساء .. لكن العرف الذكوري يطغى
في حق الميراث مثلاً، لم تغب قضايا توريث النساء يوماً عن المحاكم السورية، بسبب القيود التي تفرضها بعض المناطق على ملكية النساء للسكن.
إذ تتعامل بعض القرى البعيدة مع قرار توريثهن على أنه عيب، إلى جانب عدم وعي النساء بحقوقهن، نتيجة الضغط النفسي والتأطير الاجتماعي الممارس بحقهن.
في هذا السياق، أشارت رولا بغدادي إلى أن “معظم الأرياف السورية لديها توجه لحرمان النساء من التملك، ومن الحصص الإرثية، بغض النظر عن الديانة”.
ولفتت إلى أنه “غالباً ما يفضل الأخوة الذكور، أن يُخرجوا النساء من ملكية العقارات أو السكن، مقابل حصص نقدية”.
وأكدت أن “حصول النساء على حقهن بالإرث مرتبط برغبة الأهل أو الأخوة، ومحاط بالضغط الاجتماعي والعرفي”.
وشرحت أنه “يسود اعتقاد بأن هذه الطريقة للاحتفاظ بالأرض للعائلة، وعدم انتقالها إلى عائلة أخرى. وهذا لا يرتبط بدينٍ أو طائفةٍ معينة”.
وقالت رولا إنه “حتى في حال بعض الطوائف التي تساوي دينياً في حصص الميراث، هناك تمييز قانوني في موضوع الإرث بين النساء والرجال، عملاً بأحكام الشريعة الإسلامية”.
وعلى الرغم من أن القانون يكفل حق توريث النساء، تبقى كلمة المعتقدات المتواررثة أكثر صرامةً.
وردّت رولا هذه الاعتقادات إلى “العادات والتقاليد، التي لاحقت النساء بوصمة اجتماعية في حال طالبن بحصصهن من الميراث”.
فقد تخضع النساء للتنازل عن جزء من حصصهن، أو القبول بحصص أقل، توخياً لتهديد انهيار علاقاتها مع أفراد عائلتها وتحديداً الأشقاء.
نساء أُجبرن على التنازل عن حقوقهن الإرثية بسبب الضغوطات الذكورية
هذا ما تعرضت له نوال (65 عاماً)، وهي معلمة مدرسة متقاعدة، نزحت أثناء الحرب من مخيم اليرموك للاجئين/ات الفلسطينيين/ات إلى ريف دمشق.
فبحسب تقرير لـ”سيريا ريبورت”، التي تنشر تقارير عدة حول حقوق السكن في سوريا، على موقع مختص، اضطرت نوال تحت ضغط عائلتها للتخلي عن حصتها من ميراث والدها لإخوتها الشبان، الذي ترك لهم/ن شقة في حي المزة في دمشق بعد وفاته عام 1990، مقابل 1.5 مليون ليرة سورية، سيتم تقسيطها لها خلال الـ20 سنة المقبلة!
أما نادية، وهي أرملة في الأربعينيات من عمرها، فوضعها أكثر سوءاً.
إذ تعرضت لضغوطات عائلية أجبرتها على الكذب أمام القاضي الشرعي، للتنازل عن حصتها من الميراث العقاري، بذريعة تلقيها تعويض مالي.
ففي خطوةٍ ذكورية إقصائية، ليست غريبة بل متكررة في مجتمعاتنا، اتفق الأشقاء على بيع العقار الموروث عن والدهم، لتسديد رسوم إعفاء أبنائهم المقيمين في الخارج من الخدمة العسكرية.
وبعد بيع العقار، ومن بينه حصة ناديا، رفضوا منحها نصيبها بحجة أنها مكتفية مادياً من عملها في تجارة الملابس.
في حين أكدت ناديا أنها مقتنعة تماماً بأن أشقاءها “يعتقدون أن الورثة الذكور يستحقون الميراث أكثر منها، كأرملة ليس لديها أولاد”، وفق التقرير نفسه.
وبذريعة توخي ذهاب حصتهن من الميراث إلى أزواجهن، قد ينقل بعض الآباء ممتلكاتهم -خصوصاً السكنية- إلى أولادهم الذكور قبل الوفاة.
من ناحيتها، أُجبرت عفراء، سيدة في الأربعينيات من عمرها، بعد تعرضها لتهديدات نفسية وجسدية، للتنازل عن ملكية منزلها الذي ورثته عن والدها.
وبحسب “سوريا ريبورت”، ورثت عفراء عن والدها، الذي كانت تعتني به أثناء مرضه، منزله والأرض المحيطة به.
إلا أن أشقاءها اتهموها بالتلاعب بوالدهم المريض للسيطرة على منزل العائلة في القرية.
وانتقل الشقيق الأكبر للسكن في المنزل رغماً عنها، مطالباً إياها بالتنازل عن ملكيتها له مقابل السماح لها بالحق في استخدامه طوال حياتها.
وحين رفضت، حبسها داخل المنزل، ومنعها من الذهاب إلى العمل، كما صادر هاتفها الخلوي.
وتبين لاحقاً أنها تعرضت للضرب وحُرمت في كثيرٍ من الأحيان من الطعام خلال فترة حبسها.
وفي النهاية، قامت عفراء بالتنازل عن المنزل، ولم تتقدم بشكوى ضد شقيقها، معللةً ذلك بخوفها منه.
الطلاق مقابل السكن
يعتبر حقوقيون/ات سوريون/ات أن “حرمان النساء من الميراث، سواء من طرف الأخوة والورثة الآخرين أو من طرف الزوج في حال نشوب خلاف مع زوجته، هو أحد أكبر التحديات التي تواجههن على مستوى الملكية العقارية في سوريا”.
وربطاً بالتحولات التي أوجبت إعادة النظر بمقاربة قضايا حقوق النساء قانونياً، شدد/ت الحقوقيون/ات على ضرورة “دراسة حق النساء المطلّقات بالسكن، خصوصاً في حال الطلاق التعسفي أو التعجيز لطلب الطلاق”.
فالسوريات معرّضات للطرد من ديارهن والتشرد مع أولادهن فور تطليقهن، وغالباً قبل انقضاء العدة، بسبب عدم ضمان حق السكن لهن بعد الطلاق.
وهذا ما حصل بالفعل مع ياسمين، بحسب تقرير “سوريا ريبرت”.
إذ فرض والدها، قبل عقد قرانها شرط الحصول على شقة كضمانةٍ لحقها في السكن.
فوثّق بسام، طليقها حالياً، ملكية شقةٍ له داخل مبنى عائلي من خلال عقد بيع “شكلي” سجله لدى كاتب العدل.
إلا أن هذا البيع لم يتم تسجيله رسمياً في السجل العقاري.
وعاشت ياسمين مع زوجها سنوات، ساعدته خلالها على مصاريف العيش والسكن بعد التهجير.
فعملت في مجال النسيج وإعادة تدوير السلع المنزلية وتنظيف المنازل.
وبعد خلافاتٍ بينهما أفضت إلى طلب الطلاق، طالبت بحقها في بيع الشقة التي كانت تمتلكها شكلياً، لتعينها على إنشاء مشروع عمل خاص.
إلا أن بسام رفض، متذرّعاً بأن حقها في ملكية الشقة مشروط ببقائها زوجته. وبالفعل، في النهاية فضلت ياسمين الطلاق وفقدان حقها في الملكية.
حال خلود الخمسينية ليس أفضل من ياسمين. فبعد زواجها برياض، اكتشفت أنه عقيم.
لم تختر الانفصال عنه، وهو سجّل بنفسه منزلهما رسمياً في السجل العقاري باسمها.
لكن، بعد سنواتٍ من المشاكل الزوجية المترافقة مع العنف المنزلي المستمر، طلبت خلود الطلاق.
وافق رياض على الطلاق شرط أن تعيد خلود ملكية المنزل إليه. وحين رفضت، استعان بمسلحين لتهديدها لتنفيذ طلبه.
وقالت خلود لـ”سوريا ريبورت” إن “أهلها أقنعوها، في مواجهة هذا الخطر المحدق بها وبهم، على حد سواء، بالتخلي عن المنزل الذي تمتلكه لزوجها”.
وهذا ما حصل بالفعل، إذ تنازلت عن ملكية المنزل مقابل الطلاق.
لا مواطنة متساوية .. لا ضمان لحق السكن
أشكال الوساطات وأثرها على المواطنة المتساوية
أعدت منظمة دولتي ورابطة النساء الدولية للسلام والحرية تقريراً حول “الحقوق الإنسانية للنساء في سوريا/بين ثالوث القانون التمييزي والثقافة الذكورية وسياسات النظام الإقصائية”.
أكد أن تحقيق المواطنة المتساوية “تتحكم به 3 أنواع من الوساطات؛ الوساطة الدينية الطائفية، العسكرية، والذكورية الأبوية”.
وبيّن أن “هذا ما وضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا رهينة الأبعاد الطائفية، وعسكرة الأمن، والثقافة البطريركية”.
الأمر الذي نتجت عنه جملة امتيازاتٍ محصورة بفئة سياسية واقتصادية معينة، ما زاد من إقصاء السوريات وقوّض مكانتهن السياسية والاجتماعية، بحسب التقرير نفسه.
خطر يضاف إلى تعرض الكثيرات للعنف الأسري، والتحرش الجنسي، والتمييز المؤسسي الممنهج، في كل جانب من جوانب حياتهن تقريباً.
وكشف تحقيق حول حق التملك من منظور جندري، أن حرمان النساء من ضمان حقوقهن في الملكية والسكن هو في الأصل انعكاسٌ لمستويات تمكينهن غير العادلة. وهو في الوقت نفسه أحد أسباب ضعف هذا التمكين.
هذا هو حال النساء منذ ما قبل النزاع المسلح، الذي أجبر أيضاً مئات الألوف من السكان على ترك منازلهن/م، من دون اصطحاب الأوراق الثبوتية وسندات الملكية في معظم الأحيان.
ومع امتداد الحرب والقمع الذي طال المعارضين/ات للنظام، فقدت نساء كثيرات الأمن والسكن، وسبل العيش، وأفراد من أسرهن، ومكانتهن الاجتماعية.
ومع اشتداد الأزمة، أصبحت قضية حقوق النساء في الملكية والسكن مرتبطة بشكلٍ مباشرٍ بملفات التغييب والاعتقال والمضايقات الأمنية.
وبمحاولات النظام والدفع باتجاه التغيير الديمغرافي، وجندرة آليات العدالة وصنع السلام، بحسب التقرير.
مصادرة أملاك المعارضين .. النساء دفعن الثمن
في هذا السياق، لا تلجأ الكثير من النساء إلى المحاكم للمطالبة بحقوقهن في الميراث، فالتركيز يبقى على أولويات المرحلة، مثل الأمان والاهتمام بالصحة والتعليم.
إضافة إلى فقدان القدرة الاقتصادية لمتابعة قضاياهن قانونياً.
بينما أكدت رولا بغدادي أن “النظام صادر أملاك المعارضين، ما اثّر سلباً على عائلاتهم، وتحديداً النساء والفتيات، اللواتي يعشن معهم في المنزل نفسه”.
وأوضحت أن “نساء العائلة يتنازلن للرجال عن حصصهن في الميراث، فتكون الملكية السكنية باسمهم”.
وأضافت أنه “بالتالي، حين يتم مصادرة هذه الأملاك، تخسر النساء حقوقهن بشكلٍ مباشر”.
بالإضافة إلى “عدم قدرة الكثير من النساء، بعد مقتل أزواجهن في الحرب أو اعتقالهم أو إخفائهم قسرياً، إثبات ملكية العقار أو السكن، خصوصاً إذ كنّ أزواج لمعارضين للنظام”.
وأشارت إلى أن “بعض ممتلكات أزواج اللاجئات السوريات في لبنان تم احتلالها، وحين يطالبن باستعادتها يتم ابتزازهن بالأموال”.
وأوضحت أن “القانون السوري يحمي المنازل من جريمة غصب العقار، إلا أنه يستوجب بشكلٍ أساسي وجود أدلة على ملكية هذه المنازل”.
وأضافت أنه “في حالة كان المالك معارض، يصعب على زوجته المباشرة بحماية العقار.
وحتى إن لم يكن متوفياً، وكان مسافراً على مثلاً، وأراد توقيع وكالة باسمها، فالوكالة ليست صالحة، لأن الزوج مطلوب”.
كما شددت على أن “موضوع السكن ملحّ وحاسم بالنسبة إلى النساء، سواء كان ملكاً أو تأمين مساكن آمنة من قبل الدولة”.
ولفتت إلى أن “استمرار جزء كبير من العنف الأسري سببه عدم وجود بدائل سكنية لديهن”.
ولم تعتبر أن هذا الأمر اعتباطياً، بل موجّه ومقصود، وشكل من أشكال التحكم بالنساء والسيطرة عليهن، عبر حرمانهن من ملكية مسكن، أو عدم توفير بديل سكني لهن ولأطفالهن/طفلاتهن”.
وأكدت أن “وجود نظام سياسي سلطوي، هو سبب رئيسي لإنتاج أشكال مختلفة من السيطرة على النساء، في ظل غياب التعددية والمواطنة المتساوية”.
تعقيداتٌ كثيرة تعيق حلّ أزمة النساء السوريات بالسكن.
أزمة لا تعود فقط عليهنّ بالتشرّد والمعاناة، بل أيضاً على أسرهن التي تدفع معهن أثمان قرارات الرجال السلطوية منذ الأزل.