الأمهات الأردنيات يورثن بناتهن وأبنائهن القيود والصعوبات
خلال ثوان معدودة، وقبل أن تغمض أماني حسين جفنيها، كانت طفلتها جود قد وقعت عن السرير على مقدمة رأسها. ودخلت في موجة بكاءٍ لم تتوقف حتى تقيأت.
في المستشفى، كان الجميع يجري باتجاه باب الطوارئ لاستقبال الحالات المستجدة، وكانت جود، التي لم تكمل السنة الأولى من عمرها، واحدة منهن/م.
أخذها الطبيب ليفحصها، ثم أخبر أماني أنه يجب إخضاعها لفحوصات طبية دقيقة، وقد يصل الأمر إلى إبقائها تحت المراقبة.
72 ساعة مرّت على أماني وزوجها كأنها دهر، على حد وصفها في حديثها لـ”شريكة ولكن”.
وقالت: “نحن نخاف من مرض أطفالنا وطفلاتنا، فأوضاعنا المادية والاجتماعية قاهرة. وفي بعض الأحيان لا نملك ثمن علاجهن/م”.
وأضافت: “رغم أن القانون الأردني يعفي الأطفال والطفلات ما دون الـ6 سنوات، من دفع أي تكاليف علاجية داخل المستشفيات الحكومية، لكن ابنتي حُرمت من هذا الحق، لأن والدها مصري”!
تبعات حرمان بنات وأبناء الأمهات الأردنيات من الجنسية
يعيش ويموت أبناء وبنات الأمهات الأردنيات المتزوجات من أجانب، من دون الاعتراف بهن/م كمواطنات/ين أردنيات/يين.
فالقوانين تحرمهن من نقل جنسيتهن إلى طفلاتهن وأطفالهن، في تمييزٍ واضح بين الجنسين، وخرق للدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأسس المساواة والمواطنة.
فالمادة السادسة من الدستور الأردني تكفل المساواة لجميع الأردنيين والأردنيات أمام القانون.
كما تؤكد أنه لا تمييز في الحقوق والواجبات، وإن اختلفن/وا في العرق، أو اللغة، أو الدين.
لكن يُسمح في المقابل للرجل الأردني، بإعطاء الجنسية لزوجته الأجنبية، بعد 3 سنوات من زواجهما، وإقامتها في البلاد، في حال كانت من دولة ناطقة بالعربية، ويتم تمديدها إلى 5 سنوات، إذا كانت من جنسيةٍ أخرى.
صعوبات عدة تقف أمام أماني وأطفالها/طفلاتها، على الرغم من أنها تحمل بطاقة أبناء/بنات الأردنيات، كون والدتها تحمل الجنسية الأردنية، ووالدها من قطاع غزة.
لكن ما زاد الأمر تعقيداً، زواجها من رجلٍ يحمل الجنسية المصرية.
وأوضحت أماني: “نحن ندفع الضرائب كغيرنا ممن يقمن/ون هنا، ونقوم بواجباتنا على أكمل وجه. لكن في المقابل، حُرم ابني من استلام الكتب المدرسية كبقية زملائه”.
إذ اتصلت إدارة المدرسة بها وبزوجها، وطلبت منهما شراء الكتب من وزارة التربية والتعليم.
والسبب هو عدم امتلاكهن/م الجنسية الأردنية، ما أثر سلباً على صحتهن/م النفسية، وأصبحن/وا يشعرن/ون بأنهن/م منبوذون/ات في المدرسة.
إصلاحات الحكومة لم تعطِ الأمهات الأردنيات وأبنائهن/بناتهن حقوقهن/م
على الرغم من الإصلاحات التي أقرّتها الحكومة عام 2014، فإن القيود الواقعة على عاتق أبناء وبنات الأمهات المتزوجات من أجانب ما زالت مستمرة.
فهي منحت حينها حقوقاً مدنية وامتيازات وبطاقات تعريفية، تسهل عليهن/م بعض تفاصيل الحياة، لكن ما يجري على أرض الواقع، غير ذلك.
إذ تحد أشكال الإقصاء والتمييز المتعددة التي يتعرّضن/ون لها من فرصهن/م المستقبلية، وتفرض على عائلاتهن/م أعباءً اقتصادية واجتماعية.
بينما كشف تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن “الأمهات والأبناء والبنات ما زلن/وا يعانين/ون من صعوباتٍ كثيرة أثناء تجديد الإقامة”.
كما أشارت إلى صعوبة حصولهن/م على رخصة عمل، والرعاية الصحية الحكومية، والتعليم الحكومي، والتملك والاستثمار، والحصول على رخصة قيادة.
وأوضحت أنه “بما أن قرار مجلس الوزراء لا يمكنه أن يحل محل القوانين والأنظمة القائمة، تستمر الهيئات الحكومية الأردنية في إخضاعهن/م للقوانين والأنظمة الحاكمة نفسها، لتقديم الخدمات لغير المواطنين/ات”.
وفي حين نص قرار الحكومة على تفعيل بطاقة تعريفية خاصة، وعدت بتسهيل الحصول على هذه الخدمات، برزت عراقيل عدة في طريق الحصول عليها، واستخدامها.
فلم يتمكن كثيرون/ات من تأمين لائحة المستندات المطلوبة والطويلة، لتقديم طلب هذه البطاقة، أو تحمل كلفتها.
كما رُفضت بعض الطلبات بسبب شرط الحكومة أن تكون الأم أردنية ومقيمة في البلاد لـ5 أعوام متتالية.
وهذا ما اعتبرته حينذاك “اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة”، “شكلاً من أشكال التمييز ضد حقوق المواطنة وحرية التنقل للنساء الأردنيات”.
قانون الجنسية الأردني مخالف للدستور
تنظّم تشريعات عدة قانون الجنسية الأردنية بدءاً من الدستور، الذي يعتبر مظلة القوانين والتشريعات.
وفي مقابلة لـ”شريكة ولكن”، قالت المحامية والناشطة في مجال حقوق النساء تغريد الدغمي، إن “المادة الخامسة من الدستور تتحدث عن الجنسية، والفصل الثاني منه معنون بحقوق الأردنيين والأردنيات وواجباتهن/م، بموجب التعديل الأخير، الذي أضاف كلمة الأردنيات إلى الفصل الثاني. وبالتالي، يضع المبادئ التي تنظمها قوانين محددة”.
وأضافت أن “قانون الجنسية يخالف ما ورد في الدستور، إذ جاء في المادة الثالثة من القانون في نص واضح وصريح، بأنه يعتبر أردني/ة الجنسية من ولد لأب يحمل الجنسية الأردنية”.
وأوضحت أنه “بالتالي، حرم الأمهات الأردنيات من نقل جنسيتهن إلى أبنائهن وبناتهن، وهذه إشكالية، وتمييز على أساس الجنس، بين القانون والدستور.
لكن المفارقة أن القانون يمنح الجنسية الأردنية تلقائياً للطفل/ة مجهول/ة النسب.
وهو/هي الطفل/ة الذي/التي ولد/ت لأم وأب مجهولين/ات على الأراضي الأردنية.
كما يمنحها للطفل/ة الذي/التي ولد/ت لأم تحمل الجنسية الأردنية وأب مجهول الهوية، أو لا جنسية له.
وبالنظر إلى المعايير الدولية، رأت تغريد أن “الأردن من الدول السباقة في المصادقة على الاتفاقيات الدولية. منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولم يتحفظ على أي مادة وردت فيها”.
وأكدت أنه “جاء فيها صراحةً أن الدولة تتعهد بإعطاء الحقوق من دون أي تمييز على أساس الجنس، وبهذا، فإن قانون الجنسية يتنافى مع هذا البند من العهد الدولي”.
من جهتها، قالت الإعلامية الأردنية والناشطة في حقوق النساء عروب صبح، لـ”شريكة ولكن”، إن “البعض يعتقد أن الأردنيات يطالبن بحق إعطاء الجنسية لأبنائهن وبناتهن، من أجل الانتخاب أو العمل. بينما في الحقيقة، هناك ما هو أعمق وأكثر حاجة، وهو شعورها بالأمن والاستقرار هي وعائلتها، وضمان حصولهن/م على حريتهن/م بعيش حياةٍ كريمة، والحق بالمساواة مع الرجال وهذا الأهم”.
الأمهات الأردنيات المتزوجات من أجانب .. تمييز مضاعف
“يا ريتني لا تزوجت ولا خلفت”.
هكذا بدأت زينب أبو طبيخ (48 عاماً) حديثها عن تجربتها لـ”شريكة ولكن”.
فالماضي الثقيل ما زال يلازمها على الرغم من مرور أكثر من 25 عاماً على زواجها، وإنجابها 5 أبناء وبنات.
والأيام السعيدة على حد قولها، لا تتجاوز أصابع اليد، لأن زواجها من مصري، جعلها تواجه الكثير من العوائق والصعوبات.
وقالت: “تعرضت إلى الكثير من المضايقات والإزعاجات من قبل عائلتي وأقاربي، كوني على حد تعبيرهن/م خرجت عن المألوف بزواجي من شاب مصري”.
وأضافت أنها كانت “طفلة حينها، لم تتجاوز الـ18 عاماً من عمرها، وكان حلمي أن تكتمل قصة حبي له بفستانٍ أبيض وبيت صغير. لم أفكر بتبعات هذا الزواج على مختلف الصعد”.
لكن ما كان غير متوقعاً بالنسبة إلى زينب أن رحلة معاناتها بدأت حتى قبل عقد قرانها.
فطُلب من زوجها الحصول على موافقات مختلفة من الجهات الرسمية، قبل الموافقة على توقيع عقد الزواج، كونه “أجنبي”.
تتذكر زينب اللحظات الأولى التي مُنع فيها أطفالها/طفلاتها من الدراسة في المدارس الحكومية قبل سنوات.
ثم طُلب منهن/م دفع أقساط مغايرة عما يدفعه الطلاب والطالبات الأردنيات/ين، كونهن/م يحملن/ون الجنسية المصرية.
وأوضحت: “يُعامل أبنائي/بناتي معاملة العمال الوافدين، الذين سيأتون بعد سنوات إلى هذه البلدة، رغم أنهن/م ولدن/وا هنا، وعشن/وا كل حياتهن/م في أزقة المدينة وجبالها”.
وأضافت: “لكنهن/م مجرّدون/ات من حقوقهن/م في الصحة والتعليم، والعمل في مؤسسات الدولة، والانتخاب، والكثير من الجوانب. حتى أن التعقيدات قد تصل إلى صعوبة فتح حساب مصرفي لتوفير الأموال، أو استقبالها”.
انخفاض في عدد الأردنيات المتزوجات من جنسيات عربية
أشارت الإحصائيات غير الرسمية، إلى أن عدد الأردنيات اللواتي تزوجن من جنسيات عربية بلغ نحو 85 ألف امرأة.
بينما لا تتوفر أرقام حديثة حول أعداد أبناء وبنات الأردنيات في المملكة.
لكن وزارة الداخلية صرّحت في وقتٍ سابق، عن وجود نحو 355 ألف ابن وابنة غير أردنيات/ين.
وأفادت جمعية معهد تضامن النساء الأردني، وهي جمعية نسوية حقوقية، إلى انخفاض عدد الأردنيات المتزوجات من جنسيات عربية بنسبة 21% عام 2020، بواقع 2339 عقداً.
في حين كان العدد عام 2019، 2975 عقداً.
وتصدّرت القائمة، الجنسية الفلسطينية بمعدّل 1408 عقداً، وتلتها الجنسية السورية بواقع 382 عقداً، والمصرية 284 عقداً، والعراقية 94 عقداً، والسعودية 52 عقداً.
” أمي أردنية وجنسيتها حق لي”
قد تكون الحلول المتدرجة، خطوة في الاتجاه الصحيح لانتزاع الأردنيات هذا الحق الذي يحرمهن من المساواة مع الرجال، ويضع عقباتٍ كثيرة في حياتهن وحياة أبنائهن وبناتهن.
وكمبادرة نسوية باتجاه الحل، تأسست قبل 15 عاماً في الأردن حملة وطنية تدعى “أمي أردنية وجنسيتها حق لي”، من قبل الناشطة في مجال حقوق الإنسان الراحلة نعمة الحباشنة، للمطالبة بالمساواة في هذا الحق.
وما زالت الحملة تسعى حتى هذه اللحظة إلى ترسيخ حقوق الأردنيات بنقل جنسياتهن، من خلال متابعة شؤونهن الداخلية، والتواصل مع الجهات الرسمية.
فهي تؤمن بأن لا إصلاح حقيقي من دون أن يشمل جميع المواطنين والمواطنات، من دون أي تمييز بينهن/م بسبب الجنس.