“كشف جبري”.. عنف الولادة يمرّ من دون حساب 

“اخلعي ملابسك واطلعي على السرير، وافتحي رجليك بسرعة”.

كان ذلك الأمر، حالة الرعب الأولى التي عاشتها نشوى، الشابة الحامل للمرة الأولى، من طبيبة حادة الحديث.

لم تخبرها الطبيبة بالإجراء أو الهدف منه، بل اكتفت بخطابٍ آمرٍ جاف للغاية.

طلبت نشوى إغلاق الباب أو الستارة في الغرفة المباحة للجميع، فرفضت الطبيبة، وقالت لها: “إخلصي .. إنتِ فاكرة نفسك في عيادة”!

نشوى، واحدة من 1000 سيدة وَضعن أطفالهن في مستشفيات مصرية، وشاركن في استبيان تضمّن 18 سؤالاً، قمنا بجمع بياناته على مدى شهرين.

كان هدف الاستبيان، الكشف عن حالة احترام خصوصية النساء، ومدى تعرّضهن للعنف خلال الولادة، وتغطية غياب البيانات التي تعالج هذه القضية.

إذ تواجه النساء في جميع أنحاء العالم إساءة معاملة غير مقبولة وهي عنف الولادة، وفقاً لدراسة حديثة نشرتها منظمة الصحة العالمية في آذار/مارس الماضي.

الدراسة التي حملت عنوان “الكرامة والاحترام في رعاية الأمومة”، كشفت أن النساء يواجهن انتهاكات لحقوقهن.

على رأسها حقوق الخصوصية، وغياب الموافقة المستنيرة، أي الموافقة عن علم خلال الولادة.

بينما أظهرت نتائج الاستبيان الذي أجريناه، تعرّض النساء لأشكالٍ متعددة من انتهاك الخصوصية، والعنف التوليدي، التي تحدث في جميع أنواع المستشفيات.

ومن وَضعن أطفالهن/طفلاتهن في مستشفى حكومي أو تعليمي، هن الأكثر عرضةً لانتهاك خصوصيتهن.

إذ خضعت 7 من كل 10 منهن لفحوصاتٍ مهبلية من دون إذن، كما لم يتم إخبار 63% منهن بالهدف من إجراء الفحص.

المستشفيات الحكوميةنشوى.. مشرط حاد وجسد يقظ

كانت نشوى تحتفل بعيد الفطر عام 2021 حين فاجأتها أعراض الولادة. تحدثت مع طبيبها المتابع، لكنه رفض قطع إجازته من أجل ولادتها.

فتوجهت إلى المستشفى الجامعي في مدينتها شمال صعيد مصر، حيث أجرت لها طبيبة نسائية فحصاً مهبلياً.

وهو إجراء لقياس مدى توسّع عنق الرحم، تم بحضور أشخاص متعددين/ات، وعلى مرأى من رجل الأمن، وكل من يمر/تمر قرب غرفةٍ شُرِّعت أبوابها.

حُجزت نشوى في المستشفى تمهيداً للولادة. وتكرّر الفحص في غياب ساتر، وبحضور عدة أشخاص من بينهن/م طلاب/ات أجرين/وا الفحص عينه تباعاً، من دون موافقتها.

ومثلها، تعرّضت نصف النساء المشاركات في الاستبيان، اللاتي وَضعن في مستشفى حكومي أو جامعي، للفحص المهبلي من قبل 5 أشخاص أو أكثر.

عنف الولادة في المستشفيات الحكومية

وقالت نشوى في مقابلة لـ”شريكة ولكن”: “تعرّضت لكشفٍ نسائي أكثر من 9 مرات، وليس بهدف متابعة الحالة، بل كانوا/كنّ يفحصونني تباعاً في الوقت نفسه”.

وحين رفضت الفحص، مُورِست عليها ضغوط، وأُجبرت على الخضوع له بذريعة أنه لا يحق لها الرفض لأنها تلد في مستشفى حكومي.

رفضت 6% من النساء اللواتي وضعن في مستشفى حكومي الخضوع للفحص المهبلي المتكرر أو من أشخاص متعددين/ات، واستجاب الفريق الطبي لنصفهن.

أما النصف الآخر، مثل نشوى، فعانين من ضغوطات، أو أُجبرن على إجرائه.

المستشفيات الحكومية

الحرمان من مسكنات الألم

تُركت نشوى في مستشفاها الاضطراري، تعاني آلامًا مبرحة، ورفضت الطبيبة إعطاءها أي مواد لتقليل الألم.

عَرضت شراء الحقنة المعروفة بتخفيف ألم الولادة الطبيعية (الأبيديورال – إبرة الظهر المخدرة) على نفقتها، فضحكت الطبيبة، وقالت بسخرية: “أنتِ في مستشفى حكومي يا ماما”.

مسكنات الألم

“كنت مضطرةً لتحمل الإهانة وسوء المعاملة لأنني بحاجة إليهن/م، بينما أشعر بآلام الطلق، وأتعرّض لعنفٍ لفظي، وسخرية واستخفاف بألمي”.

وأضافت: “كما أمروني بالسير من دون مساعدة إلى غرفة العمليات، وحين عبّرتُ عن ألمي، صرخت الطبيبة في وجهي، ووبختني مجدداً”.

داخل غرفة الولادة، تعرضت لإجراء شق العجان.

وهو شقّ بين فتحة المهبل وفتحة الشرج لتسهيل خروج المولود/ة، تحتاجه بعض النساء.

لكنه يُجرى بشكلٍ روتيني من دون داعٍ أحياناً، وخضعت له نشوى، من دون شرح الهدف منه، أو موافقتها، ومن دون استخدام مخدّر أو مسكّن للألم.

وحين صرخت بسبب مرور المشرط الحاد على جسدها اليقظ، شتمتها الطبيبة واتهمتها بادعاء الألم.

شق العجان

لم تنتهِ رحلة عذاب نشوى بعد الولادة، إذ أحضرت الطبيبة إبرة وخيطاً لترميم ما شقّته.

طلبت منها مجدداً استخدام مخدّرٍ موضعي لتخفيف ألمها، فرفضت الطبيبة بذريعة أن: “الشفت (وقت العمل) باقي منه ساعة، ومش هانزل أجيب عهدة تاني”.

مع قطع الخيط عن الغرزة الأخيرة، أمرتها الطبيبة، قائلة: “يلا قومي أخرجي برا”.

اليوم، وعلى الرغم من مرور أكثر من عام على ولادتها، ما زالت نشوى تعاني من مضاعفات نفسية لم تفارقها، وآلام جسدية بسبب التضييق الشديد للمهبل.

وهو إجراء يتم لإرضاء الزوج أو الشريك، وتعرّضت له أيضاً من دون شرح أو موافقة.

تضييق المهبل

عنف الولادة .. عنف قائم على النوع الاجتماعي

تعمل مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وهي منظمة مصرية غير حكومية ذات توجه نسوي، على برنامج لتوثيق ومناهضة العنف التوليدي، كأحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وفي حديث لـ”شريكة ولكن”، قالت رئيسة مجلس الأمناء في المؤسسة انتصار السعيد إنهن “وثّقن مواجهة النساء قائمة طويلة من أشكال العنف التوليدي”.

وأبرزها في المستشفيات الحكومية انتهاك الخصوصية، وعدم استخدام وسائل تقليل الألم، والعنف النفسي واللفظي والجسدي.

أما في المستشفيات الخاصة، فالتوليد القيصري من دون داعٍ هو أحد أكثر أشكال العنف شيوعاً.

وأضافت أنه “على الرغم من أنه يمكن للنساء لاحقاً التقدم بشكوى، لكنهن يواجهن وصماً مجتمعياً، وصعوبة إثبات حدوث الانتهاك، الذي يتم عادةً من دون دليل أو شهود، وبالتالي يمرّ من دون محاسبة”.

وقد أجرت منظمة الصحة العالمية، ومجلس اﻟﺴﻜﺎن، ووزارة الصحة المصرية دراﺳﺔ بعنوان “اﻟﻮﻻدات اﻟﻘﻴﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ: اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت واﻟﺘﺼﻮرات واﻟﺘﻜﻠﻔﺔ”.

وأشارت نتائجها إلى نقص الموارد في المستشفيات الحكومية والجامعية، والحاجة إلى توفير إمدادات أكبر من أدوية تخفيف الآلام، التي يمكن استخدامها أثناء الولادة الطبيعية.

وحلّ مشكلة نقص أطباء/طبيبات التخدير اللازمين/ات لمراقبة عملية تخفيف الآلام طوال مدة الولادة المهبلية، التي قد تمتد لساعاتٍ طويلة، وتوفير أدوية تحفيز المخاض.

ماريون سيمز .. تجارب بعيدة عن الأخلاق والمهنية

ماريون سيمز
ماريون سيمز

 

في القرن التاسع عشر، شهد الطب النسائي تطوراتٍ وطفرة كبرى عبر تقنيات وعلاجات غير مسبوقة. 

لكنه شهد أيضاً عدم احترام خصوصية النساء، وعدم استئذانهن لاتخاذ الإجراءات المرتبطة بأجسادهن، وعدم الاهتمام بتخفيف شعورهن بالألم، والاستخفاف بآلامهن. 

تجارب ماريون سيمز

وهو ما تم توثيقه في تجارب ماريون سيمز Marion Sims، رائد طب النساء في الولايات المتحدة الأميركية، من خلال تجاربه التي كانت بعيدة جداً عن الأصول الأخلاقية والمهنية.

آية .. مخاض بلا طبيب

لا تعرف آية ما مرّت به نشوى في مستشفاها الجامعي، لكنها قررت الهرب من أي مستشفى حكومي خوفاً من انتهاك خصوصيتها، وعدم الحصول على رعاية جيدة، وتَركِها تتألم من دون مساعدة، أو إساءة معاملتها، كما حذرتها أخريات خضن التجربة.

الفحص المهبلي

تتشارك كثيرات مخاوف آية، لذلك يحرصن على تلقي الرعاية عبر القطاع الخاص.

فبحسب دراﺳﺔ “الولادات القيصرية في مصر”، تعتقد النساء أن الأطباء والطبيبات في القطاع الخاص أكثر خبرةً ويملكن/ون معداتٍ حديثة، ويقدمن/ون المزيد من المعلومات.

وأنهن/م أكثر اهتماماً بمخاوفهن واهتماماتهن أثناء الولادة، ولأن الطبيب/ة المتابع/ة للحمل هو/هي نفسه/ا الذي/التي يجري/تجري الولادة.

الفحص المهبلي

انتقلت آية، إلى منزل أسرتها في إحدى قرى محافظة الشرقية، شمال مصر، لتضع طفلها الأول، وتشاركهن/م الفرحة بالحفيد الأول المنتظر.

بعد 3 أيام من بداية علامات المخاض، اتصلت بالطبيب وأخبرته أنها تضع طفلها، لكنه أصر أنها “بكرية أي أنها تلد للمرة الأولى، وأمامها المزيد من الوقت”.

وقالت آية في حديث لـ”شريكة ولكن” إنها حين “أصرت عليه أنها تلد وبحاجة إلى المتابعة ولو بمقابلٍ مادي إضافي، طلب منها الذهاب إلى العيادة وانتظاره”.

أدخلها حارس العقار هي ووالدتها إلى العيادة في العاشرة صباحاً، وأغلق الباب من الخارج بناءً على تعليمات الطبيب. انتظرته أكثر من 3 ساعات، كانت “الأطول في حياتها”، بحسب تعبيرها.

كانت تصرخ طلباً للمساعدة، بعد أن ظهر رأس طفلها، لكن لا طبيب أو ممرضة للمساعدة. أما الأبواب، فمغلقة، والحارس غير موجود.

توقف الطلق، وتراجع رأس الجنين وفقدت آية، الوعي. وحين استعادت وعيها، حضر الطبيب وبدأ يحقنها بموادٍ عَرفت لاحقاً أنها طلق صناعي لتعود إلى مرحلة المخاض، بحسب ما أخبرتنا.

لكن الأمور كانت قد ساءت، فأحدث من دون شرح أو موافقة شقّاً كبيراً في منطقة العجان، استلزم لاحقاً خياطة 14 قطبة جراحية.

خرج المولود أخيراً، لكنه كان أزرق اللون، لا يبكي ولا يصرخ.

وأوضحت آية، أنه “بعد محاولات لإنعاشه، بكى، فقال الطبيب في عجلة: “حمدلله على السلامة، اذهبي للاستراحة في المنزل، يكفي أنني نزلت من منزلي يوم الجمعة”.

عنف الولادة

ثم عانى المولود من مضاعفات استدعت وضعه على جهاز تنفسٍ صناعي، بينما عانت هي آلاماً نفسية بسبب تجربتها الصعبة ومرض مولودها، وأخرى جسدية بسبب الجرح الكبير الذي حرمها من الجلوس أو الراحة، كما أكدت في حديثها لمنصتنا.

وأضافت أن “الطفل توفي بعد 5 أيام، وبدأتُ معاناة أخرى ترافق فيها فقداني لطفلي مع شعوري بالذنب، الذي غذّاه لوم بعض المحيطين لي واتهامي بالتسبب في وفاته، لأنني فشلت في الولادة في الوقت المناسب”.

صمتٌ وبكاء. كان ذلك وضع آية لأشهرٍ تلت وفاة طفلها، وشُخّصت إصابتها بالاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة.

الفحص المهبلي في المستشفيات الخاصة

تأثير عنف الولادة على صحة النساء النفسية

أكدت المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء في الأمم المتحدة دوبرافكا سيمونوفيتش، في تقرير حول العنف المرتبط بالولادة، أنه “واسع الانتشار وممنهج، ويحدث في جميع أنحاء العالم، وتتعرّض له النساء على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية”.

وأوضحت أن “إجراء شق العجان مفيد عند وجود ضرورةٍ طبية، لكنه في حال أُجري من دون ضرورة، ومن دون موافقة مستنيرة، قد يترك تأثيرات جسدية ونفسية سلبية”.

وتابعت أن “هذه التأثيرات قد تصل إلى مستوى التعذيب، والمعاملة اللاإنسانية والمهينة. وتخييط المهبل بعد الولادة، حين يُجرى من دون موافقة ومن دون تخدير”.

من جهتها، قالت أخصائية الطب النفسي المصرية نهال زين لـ”شريكة ولكن”، إن “تعرّض النساء للعنف التوليدي اللفظي أو الجسدي أو النفسي، كالتجاهل، والإهمال، وعدم الاهتمام باستخدام وسائل تقليل الألم، وانتهاك الخصوصية، تمثّل تجارب مؤلمة قد تؤثر على سلامتهن النفسية، وقد تسبب أعراضاً واضطراباتٍ نفسية مثل الاكتئاب، واضطراب القلق، واضطراب كرب ما بعد الصدمة”.

صحة النساء النفسية

وأشارت إلى أن “تعرّض بعض النساء ممن مررن بتجارب صادمة للضغط من المحيطين بهن، وعدم تصديق مشاعرهن ومخاوفهن. وبالتالي عدم حصولهن على الدعم والتقدير لما مررن به، يمثل عنفاً إضافياً، ويضاعف من مخاطر التأثير على سلامتهن النفسية”.

أما آية، التي رزقت بـ3 أطفال لاحقاً، فأكدت أنها “لا تنسى خسارتها الأولى المروعة. وباتت أكثر حرصاً وهلعاً”.

وأضافت أنها “تزور عشرات الأطباء والطبيبات والمستشفيات الخاصة لتختار الأفضل. فلا مستشفيات حكومية، ولا عيادات، ولا أطباء أو طبيبات بعيداً عن العاصمة، لكن رغم ذلك، لم تكن تجاربها الثلاث مثالية”.

انتهاكات وفحوصات وفرض الولادات القيصرية

“صرختُ، اعتقدت أن الممرضة تغطيني، لكنني فوجئت بأنها تُدخل يدها، وتَكرّر الأمر من قبل أخريات”.

تعرضت آية في ولادتها الثانية للفحص من دون استئذان، وأُجبرت على المرور بالمخاض في وضع النوم على الظهر بدلاً من القرفصاء الذي تفضله، وهو أحد أشكال العنف الذي تواجهه النساء أثناء الولادة.

ولاحقاً تعرضت لشق العجان، ثم تضييق المهبل من دون شرح أو موافقة.

شعرت آية بالانتهاك مجدداً ورافقتها الكوابيس، والآلام الجسدية والنفسية بسبب الفحوصات المتكررة، وعدم احترام خصوصيتها، والقيام بإجراءات من دون موافقتها.

الولادات القيصرية

وأكدت في حديثها لمنصتنا أن “الفحص المهبلي مؤلم جسدياً ونفسياً، ويصبح مؤلماً أكثر، إذا لم يتم الاستئذان والاستعداد له”.

“شعرت بأنني خُدِعت”، قالت آية. فـ”أثناء الحمل الثالث لم يُخبرني الطبيب بوضعي الطبي، أو بالخيارات المتاحة لي للولادة أو الإجراءات أثناءها”.

كما تم توجيهها وتوليدها قيصرياً بعد ولادتين طبيعيتين، وهذا التوجيه من دون داعٍ طبي هو أحد أشكال العنف الشائعة.

الولادات القيصرية

إذ أشارت دراسة “الولادات القيصرية في مصر”، إلى أنه قد يتم دفع النساء إلى الولادة القيصرية بسبب تفضيلهن لأطباء وطبيبات القطاع الخاص.

في المستشفى الخاص الذي اختارته لتضع حملها الرابع، أكدت آية، تعرّضها لتعليقاتٍ سلبية وسخرية من أشخاص في الطاقم الطبي بسبب اختيارها الولادة الطبيعية، بعد قيصريتها السابقة.

كما خضعت لفحوصاتٍ مهبلية متعددة وغير ضرورية، ومن أشخاصٍ مختلفين/ات.

وأُجري بعضها بقسوة، للضغط عليها لتلد قيصرياً.

في حين كانت تمر بآلام المخاض النشط وحالتها مستقرة، لكنها أصرت على الولادة الطبيعية، وهكذا وضعت مولودها.

نوع الولادة في المستشفيات الخاصة

في سياقٍ متصل، أوضحت المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء في الأمم المتحدة دوبرافكا سيمونوفيتش في تقريرها، أن “إساءة معاملة النساء والعنف ضدهن أثناء الولادة، يمكن أن يهدد حقّهن في الحياة، والتمتع بالصحة والسلامة الجسدية، والخصوصية والاستقلال، وعدم التعرض للتمييز. وهذه الممارسات غير الأخلاقية لا يجب أن تمر”.

احتجاجات على تجارب ماريون سيمز غير المهنية
احتجاجات على تجارب ماريون سيمز غير المهنية

المرور بتجربة عنف الولادة .. وفاء: دخلت إلى جهنم!

أشارت انتصار السعيد إلى أن “النساء عموماً معرّضات للعنف أثناء الولادة، لكن الأكثر فقراً والأقلّ تعليماً ووعياً بحقوقهن، والمتعاملات مع الأقسام المجانية في المستشفيات الحكومية والتعليمية، هن الأكثر عرضةً لمواجهة العنف التوليدي، بأشكاله المختلفة”.

وقد وثّق تقرير دوبرافكا سيمونوفيتش، شهادات نساء من أنحاء العالم عن تعرّضهن أثناء الولادة للإهانة البالغة، والإساءات اللفظية، والتعليقات المتحيزة جنسياً، والسخرية منهن وتوبيخهن والصراخ فيهن.

وتعرضت النساء ذوات الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي المنخفض، للإهانة أكثر بسبب فقرهن.

كانت وفاء تبذل جهدها لتدّخر المال اللازم لتضع طفلها مع طبيبها المتابع في أحد المستشفيات الخاصة.

لكنها أصيبت بمضاعفات أثناء الحمل، اضطرتها إلى الولادة المبكرة في مستشفى حكومي، لأن المولود سيحتاج إلى حضانة لفترةٍ طويلة، لن تستطع تحمل فاتورتها في مستشفى خاص.

فاستقرت في أحد المستشفيات الجامعية الكبرى في القاهرة. وعن هذه التجربة قالت لـ”شريكة ولكن”: “دخلت جهنم، كانت أسوأ أيام حياتي”.

“كنت مرميةً على سريرٍ قذر ملوث بدماء ومياه امرأة أخرى، وكنت أتعرّض طوال الوقت للكشف النسائي من دون ساتر. كما طُلب مني أن أجلس على السرير، وتُرِكتُ في وضع الكشف عاريةً، فاتحةً رجلي حتى حضورهن/م. كشفوا عليّ عشرات المرات، وشخص واحد فقط منهن/م وافق أن يغطيني”.

هكذا وصفت وفاء فحوصاتها، التي استمرت وتكررت طوال 12 يوماً، هي فترة حجزها في المستشفى قبل ولادتها.

“كأنني عبدة عندها. أذكرها جيداً ولن أسامحها”، هكذا تذكرت وفاء اسم الطبيبة التي سَألتها عن وضعها الصحي، وعبّرت أمامها عن قلقها من استمرار وغزارة نزيفها، وكان رد الطبيبة إهانتها وشتمها.

كانت مذعورةً من نزيفها، وتسأل كلّ من يفحصها عن حالتها، وتُواجَه دوماً بإجابةٍ واحدة هي أن حالة الجنين وانتظام نبضه هو محور اهتمامهن/م، أما نزيفها وآلامها فلم تكن موضع اهتمام.

وحين تعيد السؤال عن حالتها، يتم تجاهلها أو توبيخها.

العنف اللفظي أثناء الولادة

من جهتها، أكدت منظمة الصحة العالمية أن من بين الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء التي تحدث أثناء الولادة، تعرّضهن للضرب والإذلال، وفصلهن عن المولود أو المولودة.

كما يواجهن السخرية بسبب اختياراتهن، وإجبارهن على تحمّل علاجات وإجراءات لا يرغبن فيها. 

العنف الجسدي أثناء الولادة

تعرّضت وفاء، للفحص من 3 فرق من الطلاب والطالبات. كل فرقة تحيلها إلى التالية لدراسة حالتها، ولم تُستأذن قبل تدارس حالتها، أو إخضاعها للفحوصات المهبلية المتكررة. 

الفحص

وقد أشار تقرير دوبرافكا سيمونوفيتش إلى أن بعض مقدمي/ات الخدمات الصحية، كانوا/كنّ يتصرّفن/ون من دون احترام الخصوصية والسرية عند إجراء الفحوصات المهبلية أثناء المخاض. فكانت تُجرى أمام أطرافٍ أخرى. 

كما يُسمح لطلبة وطالبات الطب بمشاهدة وفحص المرأة أثناء الولادة، وتداول معلوماتها الصحية مع آخرين/أخريات.

عدد الفحوصات

وفي يوم ولادة وفاء، تعامل الطبيب معها بخشونة ولم يهتم بشكواها، ورفض توليدها.

لكنه تراجع عن قراره ووافق، بعد توصية حَصلت عليها وفاء من زميلٍ له، لكنها لم تكفِ لتحصل على رعاية مثلى.

إذ أصيبت لاحقاً بحمى نفاس، وهي إحدى مضاعفات الولادة الشائعة، وكانت واحدة من قطب القيصرية مفتوحة.

توسّلت حينها وفاء طلباً للمساعدة من العاملين والعاملات في المستشفى، حيث حُرمت كما نشوى، من وجود مرافق/ة منذ حجزها للولادة.

ارتفعت درجة حرارتها، ولم يستجب أحد لطلبها بأن يكشف عليها طبيب/ة، أو أن يوفرن/وا لها خافضاً للحرارة ومسكناً للألم.

وأكدت في حديثها لمنصتنا أنها اتصلت حينها بزوجها، وطلبت منه أن يأخذها من المستشفى.

وأضافت: “كنت أشعر بأنني أموت، فخرجتُ على مسؤولية زوجي، واضطررت للذهاب إلى مستشفى خاص لعلاج المضاعفات الجسدية التي عانيت منها”.

لكنها أكدت أنها “لا تعرف متى ستتخلص من معاناتها النفسية”.

طبيبة نسائية: لا رقابة كافية

قالت طبيبة أمراض النساء والتوليد ياسمين أبوالعزم، إن “الأطباء والطبيبات يحصلن/ون أثناء الدراسة الجامعية على مقرّر يتناول حقوق المريضات وخصوصيتهن. لكن المشكلة هي دوماً في التطبيق العملي، فأخلاقيات الطبيب/ة هي المتحكم/ة الوحيد/ة في التزامه/ا بأخلاقيات المهنة من عدمه، في ظل غياب الرقابة الكافية”.

وأوضحت أهمية الفحص المهبلي أثناء الولادة الطبيعية لمتابعة تقدم الولادة، والتأكد من عدم حدوث مضاعفات تستدعي التدخل بالتوليد القيصري.

لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى “ضرورة احترام حقوق النساء وتعريفهن بالهدف من الفحص، وكيفية إجرائه، ومعدل تكراره بناءً على مرحلة الولادة، ولهن حق الرفض. وفي المقابل، يملك الطبيب/ة حق رفض متابعتها”.

كما لفتت ياسمين إلى أن “تعدد الفحوصات والقائمين/ات بها، وإجرائها في الوقت نفسه في المستشفيات الحكومية والجامعية، يرتبط بإجراء الطبيب/ة للفحص لتقييم الحالة، ثم يطلب/تطلب من طالب/ة أو طبيب/ة في بداية حياته/ا العملية إعادة تقييم الحالة ليتعلّم/تتعلّم”.

وتحدثت ياسمين عن الولادة الطبيعية، مؤكدةً أنها أكثر إيلاماً للنساء اللواتي يضعن مولودهن/تهن في القطاع الحكومي. بينما يستطيع القطاع الخاص توفير وسائل تقليل الألم”.

كما رأت أن “نقص المسكنات لا يجب أن يُلام عليه الطبيب/ة لأنه يرتبط بالمنظومة الصحية ذاتها”.

أما شق العجان، فقالت إن “بعض الأطباء/الطبيبات يجرينه/ونه في أضيق الحدود، وفي حال حاجة المرأة له فقط، لكن آخرون/أخريات يُجرونه/ينه بشكلٍ روتيني”.

هل من حل؟!

في حديثها لمنصتنا، دعت انتصار السعيد إلى إصدار تشريعٍ قانوني يجرّم عنف الولادة بأشكاله المتعددة، وتفعيل لائحة آداب المهنة للأطباء/الطبيبات، والاهتمام بتدريب الطواقم الطبية على احترام حقوق النساء أثناء الولادة، وتشجيع من تعرّضن للعنف التوليدي على التقدم بشكاوى رسمية.

وأوصت دراسة لمجلس السكان، شاركت فيها وزارة الصحة، القطاع الطبي الحكومي بتحسين جودة خدماته، خصوصاً المتعلقة بالإرشاد والتواصل مع النساء، وتقديم الرعاية الكافية وإدارة الألم.

وأن يعمل لجذب المزيد من النساء من الفئات الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة، اللواتي يَفرض عليهن وعلى أسرهن اللجوء إلى القطاع الخاص سعياً لجودة الخدمة، عبئاً مالياً، ويعرّضهن لمخاطر القيصرية غير الضرورية.

بينما اعتبرت ياسمين أبو العزم أن “ارتفاع معدلات العنف التوليدي في المستشفيات الحكومية مقارنةً بالقطاع الخاص، يعود إلى نقص الإمكانيات في القطاع الحكومي”.

وأضافت أن “توفير وسائل تقليل الألم، والتثقيف، وزيادة الوعي، سيحقق فارقاً كبيراً في جودة الخدمة المقدمة للنساء، وتقبّلهن للأطباء والطبيبات والإجراءات التي تتم أثناء الولادة”.

بينما أشارت انتصار السعيد إلى أن كثيراً من الطواقم الطبية في المستشفيات الحكومية يعملن/ون في ظروفٍ صعبة، وساعات عمل طويلة، وإمكانياتٍ محدودة”. لكنها أكدت أن “النساء لا يجب أن يتحمّلن تلك الفاتورة، والأطباء والطبيبات يجب أن يعملن/وا مع وزارة الصحة لحل مشكلاتهن/م بعيداً عن أجساد وحقوق النساء”.

وقد حاولت معدة التحقيق الاتصال بالمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية الدكتور حسام عبدالغفار مراتٍ عدة، من دون أن تلقى أي رد.

اليوم، تحتضن نشوى طفلتها كلما تذكرت تلك الغرف الباردة المشرّعة الأبواب، حيث خاضت الأيدي وأدوات الجراحة الحادة في جسدها من دون مخدّر أو رحمة.

ومثلها تقاوم آية ألم خسارتها المروعة لطفلها الأول بنظرة امتنان طويلة إلى صغارها الثلاث.

أما وفاء، فتتواصل مع أخريات خضن التجربة نفسها، ليدعمن بعضهن نفسياً، وتنتظر يوماً يُحاسب فيه من أهانوها.

إزالة تمثال ماريون سيمز

كتابة: سارة جمال

إشراف: د. ربى الحلو

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد