الشوارع العربية كساحة لاستعراض الميسوجينية والهيمنة الذكورية

بعد مضي أكثر من 130 عاماً على ابتكار أول سيارة بمحرك يمكن التنقل بها لمسافات طويلة، ما تزال قيادة النساء للسيارات في الشوارع العربية، تواجه الكثير من الصعوبات والأفكار المغلوطة.

ويبقى مشهد قيادتهن مستهجناً، وأحياناً غير مستحسن في بعض هذه الدول، أو على أقل تقدير في بعض مناطقها.

قد يكون أبرز هذه العوائق، الزعم بأنهنّ “المسبّب الأكبر لحوادث الطرق والاختناقات المرورية”، من دون أي إحصائية أو دليل موثوق!

حتى أن النساء السعوديات انتزعن الحق في قيادة السيارة قبل نحو عامين فقط، بعد عقودٍ من التحريم على أساس ديني متشدد، وبعد نضال نسوي لا تزال بعض ناشطاته يقبعن في السجون السعودية على إثره.

مصر… تحرّشات وإساءات خطيرة

في حديث لـ”شريكة ولكن”، قالت رئيسة مجلسة أمناء “مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون”، المحامية والناشطة النسوية انتصار السعيد، إن “النساء يواجهن الكثير من الإساءات، والمضايقات، خلال القيادة على الطرق المصرية”.

وأوضحت أنها حتى الآن لم تُقدم على هذه الخطوة، وتتحمّل مشقّة المواصلات بسبب ذلك.

وأضافت: “أرى بشكلٍ يومي خلال تنقلي في تاكسي، أو مع صديقاتي، ما تتعرض له النساء خلال القيادة. من نظراتٍ غير مريحة، واتهاماتٍ بالتسبب في زحام الطرق، أو الحوادث. أحياناً بصيغة النكتة، وأحياناً أخرى بصيغة الاتهام المباشر”.

وانتقدت اعتقاد البعض بأن النساء يقدن السيارات للرفاهية، أو لمجابهة الرجل، وليس باعتبارها إحدى ضرورات الحياة العصرية، في ظل اضطلاعهن بالجزء الأكبر من مهام رعاية الأسرة، وتلبية طلبات العائلة.

مشروع “بينك تاكسي”

بعد الانفصال، قررت دينا البلتاجي (33 عاماً)، وهي أم لطفلين من محافظة الغربية، شمالي مصر، بدء مشروعها “بينك تاكسي” للنساء فقط. كأول مشروع من نوعه في مدينتها ذات الطابع الريفي.

كان هدفها الأول أن يكون مصدر دخل، وتوفير تجربة تنقّل آمنة للنساء القلقات من حوادث الخطف والتحرّش.

بعد مرور عام على مشروعها تعتبره ناجحاً، لكنه لا يخلو من المضايقات.

فروت في حديث لـ”شريكة ولكن”، أن سائقاً زنّق عليها، أي لاحقها، ذات مرة على طريقٍ سريع، حتى كادت تصطدم بالرصيف.

وتعرّضت مرةً أخرى لسبابٍ وإهانات من سائق “توكتوك”، كان يسير عكس الاتجاه، واتهمها بالوقوف في طريق عبوره.

وفي مناسبة ثالثة، تعطلت سيارتها فجأة، وكان خلفها “توكتوك” يُلحّ عليها لتتحرك، غير مدركٍ بأن سيارتها معطّلة.

وحين لم تتحرك، أدار محرّكه وصدمها عمداً قائلاً: “عشان تبقي تعرفي تسوقي”، ثم انصرف!

وأشارت إلى أنه في مرةٍ أخرى، كان الطريق مزدحماً بالسيارات المصطفة، وكانت ترفض عبور مسافة ضيّقة.

لكن مع إلحاح السائق الموازي لها لتمر، بزعم أنها “واسعة يا مدام”، حاولت المرور، لتحتكّ بسيارته، فنهرها قائلاً: “أنتي مبتعرفيش تسوقي ولا إيه؟”.

وقالت إنها “لم تعد تهتم لأي نصيحة، يُلقيها عليها رجل بينما تقود، منذ ذلك الوقت”.

كما تحدثت أيضاً عن حادثة أخرى تعرّضت لها، بينما كانت تقوم بتوصيل مجموعة أطفال/طفلات من المدرسة.

ولفتت إلى أن مراهقاً على سيارة كارو (يقودها حصان) أمسك بذراع أحد الأطفال/ات المرافقين/ات لها، وكاد يكسره/ا لولا إيقافها السيارة وشجارها معه.

وقالت: “لا أتخيّل أن يُقدم أي شخص على فعلٍ كهذا، لو كان من يقود السيارة رجل”.

كما جمعنا في هذا المقال مجموعةً من المواقف الأخرى، التي روتها لـ”شريكة ولكن” نساء مصريات، فضّلن عدم ذكر أسمائهن.

 

“كنت أقود عائدةً بأطفالي من المدرسة، حين ألقى عليّ شخص يركب في الصندوق الخلفي لشاحنة نقل، مواد بناء، بعض الرمال والحجارة الصغيرة. لا أفهم إذا كان قد فعل ذلك بقصد المعاكسة أو الضرر، لكنني كدت أصطدم بمبنى على جانب الطريق، بعد أن دخلت الرمال في عينيّ، وأصابت الحجارة جبهتي”.

 

“ذات مرة قطعت طريقاً عكسياً بسرعةٍ ومهارة، ففوجئت بسائقٍ في سيارة مجاورة يقول لي بصوتٍ مرتفع: علي الطلاق بطل، لو مش متزوج كنت تقدّمت لك. لم أشعر بالإطراء، بل بالإساءة والغضب. لو كان رجلاً مكاني لما قال له ذلك”.

 

“كنت أسير بسيارتي ببطء في شارع سكني غير مرصوف، وفجأة فتح مجموعة من الأولاد المراهقين باب السيارة المجاور لطفلتي (3 سنوات). لا أتذكر كيف جذبتها بسرعة، وأوقفت السيارة. لو كانت السيارة مسرعة قليلاً لسقطت ابنتي. منذ ذلك اليوم، لا أخرج بالسيارة إلا وجميع الأبواب مغلقة بالقفل المحكم، حتى وقد أصبحت ابنتي شابة”.

 

“كنت أقود في طريقٍ رئيسي تتفرع منه عدة شوارع جانبية. أطلقتُ بوق السيارة لتنبيه أي سيارة مقبلة محتملة من أحد الشوارع الجانبية. لكن سيارةً أصرّت على قطع الطريق الرئيسي من شارع جانبي بسرعةٍ كبيرة، وتجاهلت صوت البوق، ولم تُنّبه أصلاً لخروجها. فاصطدمت بسيارتي، وأتلفت الجزء الأمامي. ونزل الرجل من سيارته وهو يصيح، ويحمّلني المسؤولية، ويطالبني بإصلاح سيارته. فهرع مجموعة من الرجال في سيارة قريبة، وأخبروه أنه هو المخطئ وطالبوه بالمغادرة”.

من جهتها، لفتت انتصار السعيد إلى أن “العديد من هذه المضايقات، يمكن إدراجها تحت مسمى التنمّر والتحرّش”.

إذ ينص القانون المصري على أنه “يُعد تنمراً كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني/ة، أو استغلال ضعف المجني عليه/ا، أو لحالة يعتقد الجاني/ة أنها تسيئ إلى المجني عليه/ا، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية، أو العقلية، أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه/ا أو وضعه/ا موضع السخرية، أو الحط من شأنه/ا أو إقصائه/ا عن محيطه/ا الاجتماعي”.

علماً أن عقاب المتنمّر يتراوح بين الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وذلك وفق المادة (306) من قانون العقوبات الخاص بجريمة التحرّش الجنسي، فقرتين أ وب.

اليمن… ملاحقات مميتة

ليس وضع النساء في اليمن أفضل من غيرهن في الدول العربية الأخرى.

إذ قالت المتخصصة في علم الاجتماع هيفاء طاهر، إن “اليمن يشهد انتشاراً غير مسبوق لقيادة النساء للسيارات في السنوات الأخيرة، خصوصاً في صنعاء وعدن. بينما تقود النساء في بقية المحافظات على استحياء”.

وفي مأرب، راجت قيادة النساء البدويات لسيارات “شاص” السريعة جداً، والخاصة بالتضاريس الوعرة، التي يقودها غالباً العسكر، في ما يعدّ “قفزة”، على حد تعبير هيفاء طاهر.

وتعزو الباحثة اليمنية الانتشار الكبير لقيادة النساء، إلى الحرب الممتدة منذ عام 2014، التي دفعت بالكثير من النساء إلى الاعتماد على أنفسهن.

فانخرطن في سوق العمل بكثرة لإعالة أسرهن، في ظل وفاة الرجال أو إصابتهم بإعاقات، أو حتى انشغالهم بالصراعات العسكرية.

أما عن الموقف من قيادة النساء، فأوضحت هيفاء: “لنكن منصفين، لا توجد أي مادة في القانون اليمني تمنع أو تعيق قيادة النساء للسيارة”.

وأضافت: “لكن في البداية، كانت محاولات النساء القيادة، تُقابل بالقمع والرفض من الأسرة، والمجتمع، بحكم العادات والتقاليد، التي تعتبر قيادة النساء غير مقبولة اجتماعياً”.

ولفتت إلى أنه “كان على النساء الدخول في صدامٍ مع المجتمع، وتَحمّل ردود الفعل المنتقدة، إذا قررن القيادة”.

وشرحت أنه في أحسن الظروف، تواجه النساء، اللاتي تتيسر لهن القيادة “الاستنكار والاستهجان”. والذريعة أن شكلهن “نشاز” في الشارع، و”غير لائق”.

وقالت: “نرى سيارة تقودها امرأة، وسط مئات السيارات التي يقودها رجال”.

كما شددت على أنه “رغم الانتشار الأخير لقيادة النساء، لا تزال تلك النظرة إليهن، باعتبارهن أقل احترافية في القيادة، والسخرية من الحوادث، التي تكنّ طرفاً فيها”.

وأضافت أن “اليمنيات اللواتي يقدن، يتعرّضن إلى مضايقاتٍ كثيرة في الطرق، تعكس استياء المجتمع من تزايد عدد النساء اللاتي يقدن، وتؤكد النظرة الدونية، التي ترى أنهن مهما فعلن يبقى مكانهن البيت”!

وشرحت أن المضايقات التي تتعرض لها النساء أثناء القيادة، تتباين من مضايقات لفظية، تنمر، وسخرية.

فلا تزال بعض المصطلحات المهينة للنساء شائعة في الشارع اليمني.

مثل: ‘والله عشنا وشوفنا/ الله يلعن من اشترالك سيارة/ الله يلعن من أخرجكِ من البيت/ سيري ع المطبخ واعطي السيارة لأخوك‘.

يضاف إليها النظرات المطولة إليهن، كأنهن كائنات فضائية!

وهناك مضايقات أكثر خطورة، تصل إلى حد المطاردة، أو إرهاب المرأة، بالاقتراب جداً من سيارتها.

ما قد يدفعها إلى الخروج عن الطريق، والاصطدام بأي مبنى أو سيارة أخرى مثلاً.

وأوضحت هيفاء أنه “في النهاية، حين تقع الحادثة، تُلام النساء، ويُنسب إليهن الخطأ. أما حوادث السير، التي يتسبّب بها الرجال، فيُحيلها المجتمع ببساطة إلى القضاء والقدر”.

كما أكدت أنها شخصياً مرّت بالكثير من هذه المواقف، بينما روت لها صديقات وقريبات، الشق الآخر.

وفي العام الماضي، وقع حادث مروري مروّع لصيدلانية يمنية شابة في صنعاء، كانت في طريقها إلى العمل.

قام شاب بمضايقتها، والتحرّش بها، فلم تستطع السيطرة على السيارة، التي انحرفت بها، واصطدمت بعامود كهرباء، وتوفيت.

سوريا… “وكأن المرايا في السيارة لا يعرف استخدامها إلا الرجال”

أما في سوريا، فقالت الصحافية والناشطة النسوية رهام مرشد لـ”شريكة ولكن”، إن “النساء يعانين كثيراً من الوصاية، وإحساس الرجال الذين يقودون، بأن الطريق ملك لهم، وليس للنساء، اللاتي يُنظر إلى قيادتهن على أنها أمر طارئ أو دخيل. علماً أنه ليس أمراً حديثاً”.

وأوضحت أن “هناك ميزة يتمتع بها الذكور دوناً عن النساء، هي أنه يُتاح لهم تعلّم القيادة في سنٍ صغير جداً، حتى في الطفولة، ويُمنحون الثقة للخروج بالسيارة”.

وأشارت إلى أن “هذا ما يمنحهم ميزة التمرّس، وليس جنسهم في الحقيقة”.

كما اعتبرت أن الوصاية في الطريق، هي الأمر الأكثر إزعاجاً للنساء خلال القيادة.

وأضافت: “ما أن تحاول المرأة ركن سيارتها في أي مكان، حتى يظهر لها العديد من الرجال، الذين يوجّهون لها التعليمات حول كيفية فعل ذلك، من دون أي طلب منها. يفرضون عليها مساعدتهم، ولا يعرضونها”.

وقالت: “أحياناً، يكون هؤلاء الرجال، الذين يوجّهون التعليمات للنساء لا يستطيعون القيادة”.

وإذا رفضت النساء المساعدة، وقررن ركن سياراتهن بمفردهن، يعبّر الرجال عن انزعاجهم من ردة فعلهن، بحسب رهام.

تواجه النساء في الشوارع السورية أيضاً النظرات المزعجة، والشتائم، والتنمر، مثل:

“الله يلعن الّي علمك السواقة (القيادة)”.

وأكدت رهام أن “الرجال قد يشعرون بالغضب إذا سبقتهم امرأة على الطريق، وإن كان بطريقةٍ طبيعية، لا تخالف قواعد المرور، أو آداب الطريق”.

وقالت: “يبدأ حينها الرجال/ الشباب سباقاً مع النساء، وإن تعذّر عليهم ذلك، يشرعون في إزعاجهن بإطلاق بوق السيارة تارة، والأضواء العالية في أحيانٍ أخرى، غاضين الطرف عن خطورة هذا السلوك، الذي قد يسبب الحوادث”.

وأضافت: “وكأن المرايا في السيارة لا يعرف استخدامها إلا الرجال. حتى إذا أجادت النساء ركن سياراتهن أو القيادة بسلاسة، فوراً نجد من يقول لها: أول مرّة بشوف امرأة بتعرف تسوق بهاي الطريقة. وهذا أمر مزعج، لا يُفرح، ولا أعتقد أنه يُسعد أي امرأة”.

وختمت رهام حديثها بأن “المجتمع والرجال تحديداً يحتاجون إلى إدراك أن القيادة ليست اختراع الذرة، إذ تملك جميع النساء عينين ويدين وقدمين وعقل، ويستطعن القيادة تماماً كالرجال”.

ختاماً، يمكن القول إن ما تتعرض له النساء أثناء قيادتهن للسيارة في الشوارع العربية، هو مزيج من الرغبة الذكورية في فرض السيطرة، خصوصاً على الحيز العام.

كما أنه انعكاس واضح للميسوجينية (كراهية النساء)، المتأصّلة في عقول ونفوس من يقترفون هذه الأفعال.

كتابة: سامية علام

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد