المرأة الريفية اليمنية تقاوم الحرب والبؤس والشقاء

تعمل سعاد إبراهيم في مزرعة والد زوجها منذ الساعات الأولى لبزوغ الفجر، وحتى وقتٍ متأخرٍ من المساء.

ولا تعرف الراحة إلا بضع ساعاتٍ عند تناول الطعام، أو لقضاء بعض المهام الشخصية، ذات الخصوصية الشديدة.

وفي مقابلة مع “شريكة ولكن”، أكدت سعاد، وهي في العقد الرابع من العمر، أن حياتها تقتصر تماماً على الزراعة والعناية بشؤون الأرض وفلاحتها.

يضاف إليها تربية المواشي، وأعباء وظيفتها الرعائية التي يفرضها عليها المجتمع، كالحمل والولادة وتربية الأطفال والطفلات.

تسكن سعاد، وهي أم لـ7 أولاد، 4 منهن/م ذكور في قريةٍ صغيرةٍ تسمى الحُجير، من أرياف مديرية الخوخة في محافظة الحديدة، غربي اليمن.

وهي واحدة من عشرات آلاف النساء في أرياف اليمن بشكلٍ عام، والسهل التهامي خصوصاً، ممن وجدن أنفسهن أمام شقاءٍ لا يتوقف.

وقالت سعاد لمنصتنا: “نكدّ ونشقى كثيراً في الزراعة، وفي رعاية الماشية وجلب الماء، وجمع الحطب والأعلاف للأغنام والأبقار. ولا نجني إلّا القليل من المكاسب. وبالكاد نحصل على ما يسدّ جوعنا وجوع أبنائنا وبناتنا”.

المرأة الريفية اليمنية .. عناء لا يتوقف

العناء الذي تعيشه المرأة الريفية في اليمن، يزيد عن ما يتعرّض له المزارعون الرجال بأضعاف.

والسبب في ذلك، كما أوضحت مسؤولة جمعية “التنمية النسوية” بركة الراوي، يرجع إلى “الثقافة السائدة في المجتمع الريفي بخصوص عمل النساء في القطاع الزراعي. إذ يعتبرون أنها الأساس الأول، الذي لا يمكن الاستغناء عنه عندما يتعلق الأمر بفلاحة الأرض، وتربية المواشي”.

وتُجمع النساء في أرياف محافظة الحديدة، بأن العادات والأعراف السائدة في الريف اليمني تقف وراء الكثير من المتاعب، والأعباء المختلفة، التي يواجهنها.

بينما أوضحت هاجر حسن، وهي امرأة ريفية في عقدها الثالث، وأم لـ6 أطفال/ات، أن “من أهم المعايير التي يضعها الرجل وأهله عند اختيار الزوجة، هي مهارتها في إتقان العمل في الأرض والزراعة. ومستوى نشاطها وأدائها في مزرعة والدها. وعلى أساس هذه المعايير يتم اختيار شريكة العمر لتنتقل من شقاءٍ إلى آخر”.

وأضافت هاجر أنها “تعمل ليل نهار في مزرعة زوجها، الواقعة في منطقة محوى السُبيع، شرقي مدينة الخوخة. وكانت تعمل أيضاً في مزرعة والدها في قرية مجاورة”.

وقالت: “بالتالي، أفنيت عمري بين الزراعة ومخلّفات الأبقار والأغنام، من دون أن أتلقّى نظير كل هذه الجهود سوى القليل، الذي بالكاد يسد حاجتي وحاجة أولادي، من أكل وملابس وغير ذلك من متطلبات الحياة البسيطة”.

يستمر عادةً موسم الزراعة في السهل التهامي معظم أوقات السنة.

وتمضي غالبية النساء هناك كل أوقات السنة في المزارع. بدءاً من حراثة الأرض وتهيئتها لإلقاء البذور، ثم متابعة نمو الزرع، وصولاً إلى مرحلة القطاف.

فتدور هؤلاء النساء في حلقةٍ من الشقاء والكدّ المتواصل التي تكاد لا تنتهي، حتى تبدأ من جديد.

وفي أرياف مديرية الجراحي، التقينا زهراء أحمد، السيدة الستينية، التي اعتبرت أن قَدر النساء في ريف محافظة الحديدة هو الشقاء الدائم.

وذكرت مثلاً شعبياً خاصاً بالمنطقة، يقول: “قحط هذه البلاد عذاب وخيرها عذابين”.

في إشارةٍ إلى أن عمل النساء هناك لا يتوقف في المزارع، حتى في زمن القحط.

إذ يقمن خلال هذه الفترة بإصلاح الأراضي، وإزالة النباتات الشوكية الضارة منها. كما يضعن مصدات الرياح من الأشجار والأحجار.

ثم عليهن الاستعداد الدائم لحلول المطر، لتبدأ مرحلة أخرى من الكدّ والشقاء، ومكابدة الظروف المعيشية القاسية، وسط ظروفٍ مناخيةٍ صعبة، بسبب أشعة الشمس الحارقة.

الحرب المستمرة تفاقم معاناة المرأة الريفية

فرضت الحرب المستعرة في اليمن منذ أكثر من 7 سنوات المزيد من المعاناة على حياة النساء الريفيات. وخلقت ألواناً أخرى من الصعاب والتحديات.

فالمجتمعات الريفية في ظل الحرب وتداعياتها باتت تعتمد بشكلٍ أكبر من ذي قبل على النساء، اللواتي وجدن أنفسهن معنياتٍ بدرجةٍ كبيرة في العمل الزراعي، وتحمّل عبء الاهتمام بالحقول والثمار، بعد تفاقم هجرة الأيدي العاملة من الذكور إلى المدن. ومنهم من اضطرته الحرب إلى الهجرة خارج الوطن.

كما أن بعض الدراسات والإحصائيات، التي أُجريت سابقاً، أشارت إلى أن أكثر من 60% من النساء هن من يتحملن أعباء العمل في القطاع الزراعي، مقابل نسبة 40% من الرجال.

لكن، ومع التحوّل الذي طرأ على التركيبة السكانية نتيجة الحرب، وانعكاساتها على الأوضاع الإنسانية، التي تصُنّف وفق منظمات دولية بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، أصبحت المجتمعات الريفية في البلاد تعتمد اعتماداً كلياً في معيشتها المرأة الريفية، انطلاقاً من حقيقة أن العمل في الزراعة لا يتطلب أي مؤهلات علمية.

ما هي خطورة عمل النساء والفتيات في الزراعة؟

يرى متخصصون/ات أن خطورة عمل النساء والفتيات في الزراعة أنه قد يقف في سبيل تعليمهن.

فأدّت الحرب إلى تدهور قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكلٍ كبير، ما ساهم في تفاقم معاناة الناس في المناطق الريفية، في عموم محافظات اليمن.

وانعدام مواد المشتقات النفطية، وارتفاع أسعارها بشكلٍ جنوني في حال توفّرها، وتوقّف الكثير من مشاريع المياه، ألقت بأعباءٍ أخرى على النساء الريفيات.

كما أجبرتهن على بذل جهودٍ شاقة، في ظل ظروفٍ مناخيةٍ قاسية، أثناء البحث عن مياه الشرب وتأمين الحطب، إضافة إلى مهامهن الرئيسية في أعمال الزراعة.

من جهتها، قالت الأخصائية النفسية عبير الصنعاني، في مقابلة مع منصتنا: “تبقى المرأة الريفية في اليمن عنواناً بارزاً للعناء والشقاء. في الوقت الذي لا يجنين من كل هذا الجهد شيئاً. فالرجل في النهاية هو رب الأسرة، والمسؤول الأول عن بيع عجول الأبقار، وتيوس وكباش الأغنام. وهو من يسوّق المحصول”.

وأضافت: “أما النساء والأطفال/ات فيكتفين/ون بالحصول على لقمة العيش فقط. لذلك، تعيش كثير من النساء الريفيات حالة نفسية سيئة، من شدة العمل المتواصل الذي لا ينتهي إلا بانتهاء حياتهن. فيتمنّين الموت على أن يعشن كالآلة التي تعمل من دون توقف”.

كتابة: زهور عبد الله السعيدي

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد