“فجوة الأجور لا تُسد” .. نساء يواجهن التمييز في الأجر في القطاعين الحكومي والخاص

في كل صباحٍ تذهب فيه هناء إلى العمل في صحراء محافظة المنيا، منذ بداية عملها منذ 20 خريفاً، يجول في بالها ويتردد في أذنيها سؤالٌ واحد لا يفارقها.

وفي يوم شمسه حارقة، والعرق يتصبب من جبينها، كانت تجمع محصول الذرة الشامي في صحراء الصعيد، فقررت عاملة جمع المحاصيل، سؤال مشرفها:

“لماذا يتقاضى الرجال ضعف راتب النساء الشهري، على الرغم من أنهن/م يؤدين/ون المهام نفسها، ويعملن/ون عدد ساعاتٍ متساوية يومياً؟”.

نهرها مشرفها، وأطاح بيده في وجهها قائلاً: “هذه عاداتنا وتقاليدنا، تحصل النساء على نصف راتب الرجال”.

وأضاف: “الراجل راجل، والست ست، كويس إنك لاقية شغل وبتشتغلي، مش عاجبك روحي”.

 

صورة لعاملة زراعية

فجوة الأجور .. مخالفة للقانون

تعاني النساء في مصر من فجوةٍ في الأجور في القطاعين العام والخاص.

بينما احتلت مصر المرتبة 129 من بين 146 دولة، في مؤشر إجمالي فجوة الأجور بين الجنسين لعام 2022.

وحصلت على المرتبة 143 في الفجوة بين مشاركة الجنسين في سوق العمل.

وذلك يخالف قانون العمل المصري، في ظل غياب أي دور من القوى العاملة، ومجلسي “القومي للمرأة”، و”القومي للأجور”، ولجنة القوى العاملة في مجلس النواب.

فتحظر المادة 35 من قانون العمل لعام 2003، التمييز في الأجور بسبب اختلاف الجنس، أو الأصل، أو اللغة أو العقيدة، وفق

بينما نشرت الجامعة الأميركية عام 2022 في القاهرة بحثاً بعنوان “فجوة الأجور بين الجنسين في مصر”.

اعتمد على تحليل بيانات “التعبئة والإحصاء”، و”منتدى البحوث الاقتصادية”، بين عامي 2006 و2018.

وأثبت أن سوق العمل المصري ليس بيئةً مواتية لتعزيز فرص المساواة بين الجنسين.

وأن النساء عرضةً للتهميش في سوق العمل، وتحديداً بين الفئات الأقل أجراً.

إذ كشفت البيانات على مدار 12 عاماً، أن الفجوة بين الأجور لم تتضاءل، بل استمرت في التزايد.

وأوضح تحليل البيانات، أن هذه الفجوة تعادل 28% في فرق الدخل بين الرجال والنساء في القطاعين العام والخاص.

بينما قسم البحث العاملون/ات إلى 10 شرائح من الأقل إلى الأعلى دخلاَ، فتبين أن نسبة الفجوة تتزايد ضمن الفئات ذات الدخل المنخفض مثل العاملات.

وبلغت فجوة الأجور في الشريحة الأولى 49%، والثانية 32%، بينما بلغت الشريحة الثامنة 15%، والتاسعة 15.8%.

وبغرض إنجاز هذا التحقيق، قمنا بتحليل بيانات نشرة أجور العاملين/ات، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بين عامي 2019 و2021.

فتبيّن أن 61% من العاملات في القطاع الحكومي، و67% من العاملات في القطاع الخاص، يتقاضين رواتب أقل من الرجال.

كما قمنا بعددٍ من الزيارات الميدانية، التي وثّقت حالات لعاملات تعرّضن للتمييز في الأجر.

انخفاض متوسط أجر النساء خلال خمس سنوات

بحسب دراسة الجامعة الأميركية، فإن 44% من النساء حاصلات على شهادات جامعية، مقابل 20% من الرجال.

كما أشارت إلى أن نحو 40% من الرجال يحملون شهادة مهنية، مقابل 29% للنساء.

لكن، على الرغم من ذلك، فإن نسبة الرجال في سوق العمل تبلغ 83%، مقابل 17% فقط للنساء.

اللافت أن متوسط أجر النساء انخفض عام 2021، 226 جنيهاً في القطاع العام، و24 جنيهاً في القطاع الخاص، مقارنةً بعام 2020.

بينما ارتفع أجر الرجال في القطاع العام 89 جنيهاً، وفي القطاع الخاص 38 جنيهاً، مقارنةً بالعام 2020، وفقاً للتعبئة والإحصاء.

وفي حين يعمل الرجال والنساء عدد الساعات نفسها في القطاع الحكومي، وهي 51 ساعة أسبوعياً، انخفض أجر النساء بنسبة 11.8% مقارنةً بالرجال.

أما في القطاع الخاص، فوصل عدد ساعات العمل الأسبوعية للرجال 56 ساعة و54 للنساء.

ورغم ذلك، ينخفض مقابل الساعة للنساء.

إذ يبلغ 13.3 جنيهاً، مقابل 16.9 جنيهات للرجال، وفقاً للتعبئة والإحصاء عام 2021.

 

 

 متوسط أجر المرأة والرجل خلال السنوات الـ5 الأخيرة

 

انتهاكات وتنمر في مكان العمل

تبدأ هناء ذات الأربعين عاماُ، معاناتها هي وزميلاتها من العاملات بجمع المحاصيل منذ الصباح الباكر.

فهن يعملن من السادسة صباحاً حتى الخامسة عصراً. منهن من تحمل العنب، وأخريات يقطفن الفاكهة، أو يعملن في التعبئة والتغليف من دون راحة.

بينما يتمكن الرجال من اقتناص دقائق لتدخين السجائر أو شرب كوبٍ من الشاي، وتتعرّض هناء وزميلاتها لأهواء المشرف أو المشرفة.

فقد يواجهن الإهانة والسباب، فضلاً عن الخصومات الشهرية التي تنهال عليهن من دون سببٍ واضح، في ظل غياب أي دورٍ رقابي.

 

تسجيل صوتي من هناء، يظهر تساؤلاتها حول التمييز في الأجور

 

وقد أشارت دراسة الجامعة الأميركية إلى أن النساء يواجهن تحديات رئيسية.

وهي تشمل عدد ساعات العمل المنزلي المرتفع، وكلفة رعاية الأطفال والطفلات، والمواقف السلبية تجاههن في مكان العمل.

يضاف إليها التحرّش الجنسي، وعدم الارتياح من التنقل الجغرافي، والفجوات المستمرة في الأجور

وأخيراً التعرّض للتمييز المنهجي في سوق العمل، في ظل غياب إنفاذ قوانين مكافحة التمييز ضدهن.

ووفقاً للتحليل الذي أجريناه لبيانات التعبئة والإحصاء، يتكوّن القطاع الخاص من 73 نشاطاً اقتصادياً.

من هذه القطاعات، 49 قطاعاً يدفعون للرجال راتباً أعلى من النساء.

بينما يحصل الرجال في 23 نشاطٍ اقتصادي، على راتب أقل من النساء.

واحتل نشاط جمع وتنقية وتوزيع المياه، المركز الأول بنسبة 309% من إجمالي راتب النساء شهرياً، أي أن راتب الرجال يساوي 5 أضعاف راتبهن.

يليه نشاط العمل في جمع المحاصيل، والمنتجات الحيوانية، وأنشطة الصيد، بنسبة 169% من إجمالي راتب النساء.

ثم الهندسة المدنية بنسبة 100% من إجمالي راتبهن، ثم أنشطة خدمات المباني بنسبة 94.2%.

 

الأنشطة الاقتصادية في القطاعات الخاصة

 

الحرفيات والعاملات أكثر المتضررات من فجوة الأجور

في حديثٍ لـ”شريكة ولكن”، أكدت استشارية التمكين الاقتصادي ومديرة برنامج المرأة والعمل في مؤسسة المرأة الجديدة سابقاً منى عزت، أنه “في القطاعين الخاص والرسمي، تؤدي النساء أعمال الرجال نفسها، وبالمجهود نفسه، لكنهن لا يتقاضين الرواتب نفسها”.

وأشارت إلى أن “بعض الأماكن تستغل النساء لصعوبة إيجاد فرصة عمل، خصوصاً في الأرياف ومنطقة الصعيد”.

وأوضحت أن “هذا هو السبب الذي يدفع النساء إلى القبول بأي أجر”.

وأضافت: “كما تعمل بعض الفتيات بشكلٍ مؤقت لشراء جهازهن قبل الزواج. لذلك، يستغل أرباب العمل هذه الحاجة الملحة، ليدفعوا لهن راتباً أقل من الرجال والشباب”.

من جهتها، قالت عضوة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة مي صالح، أنهن “رصدن خلال مشروعٍ بحثي للمؤسسة عن الفجوة بين الأجور، التمييز في القطاعين العام والخاص، خصوصاً في قطاع الزراعة”.

ولفتت إلى أن “هذا يرجع إلى النظرة المسبقة والنمطية التي تحاول حصر دور النساء، بأن الرجل هو من يعيل الأسرة، وبالتالي يحصل على الأجر الأكبر”.

لكن المفارقة أنه بحسب التعبئة والإحصاء عام 2020، فإنه يوجد في مصر 3.3 مليون أسرة، من بينها 24.7 ألف أسرة تعيلها نساء، بنسبة 13.4%.

كما أشارت مي إلى “قلة الفرص التي تتاح للنساء بشكلٍ عام، خصوصاً في السفر، والساعات الإضافية في العمل، بحجة مسؤولياتهن العائلية!”.

واتفقت في الرأي مع الناشط الحقوقي العامل في قضايا العاملات والعمال والنساء، كمال عباس، على أن “التمييز يحدث أيضاً بسبب إلقاء الدور الرعائي على كاهل النساء وحدهن”.

إذ تقضي النساء نحو 28 ساعة أسبوعياً في العمل المنزلي، مقابل 3 ساعات فقط للرجال، أي بمعدل 27 ضعفاً، وفقاً لبحث الجامعة الأميركية.

بينما اتفقت رؤى الخبيرتان في قضايا المرأة، منى عزت ومي صالح، مع تحليلنا لبيانات التعبئة والإحصاء.

فظهر أن أكثر المهن التي تعرضت فيها النساء للتمييز في القطاع الخاص، هن العاملات.

فمن ضمن 38 مهنة، وجدنا أن 32 وظيفة تحصل فيها النساء على رواتب أقل من الرجال.

ووظيفتان لا تعمل فيهما النساء، و4 وظائف يحصل فيها الرجال على رواتب أقل من النساء.

وأبرز هذه المهن هي: الحرفيات بفارق 1510 جنيهاً شهرياً، بنسبة 189% من إجمالي راتب النساء.

ثم الفنّيات ومساعدات الأخصائيين بفارق 1351 جنيهاً، ونسبة 118%.

تليهن فنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بفارق 1130 جنيهاً، ثم المتخصصات في القانون بفارق 983 جنيهاً.

 

 

 

 

التمييز بعيداً عن العاصمة

تعاني هناء وزميلاتها من عاملات جمع المحاصيل، وعاملات مصانع الملابس والنسيج، من سيطرة وتأثيرات العادات والتقاليد في المحافظات التي تبتعد عن العاصمة.

ففي المحافظات الساحلية والصعيد والأرياف، تُعطى حقوق كثيرة للرجال بحسب العُرف السائد.

بينما يتم تهميش النساء اللواتي يعانين أكثر من غيرهن، بسبب البعد الجغرافي عن العاصمة، ومواجهة العديد من العقبات والأعراف الاجتماعية.

فيتجنب أصحاب العمل توظيف النساء، أو يتحايلون على القانون لدفع أجورٍ أقل لهن مقابل التكاليف التي سيدفعونها لتغطية استحقاقات إجازة الأمومة، وفقاً لدراسة الجامعة الأميركية.

وقد بلغ عدد المحافظات التي تتقاضى فيها النساء رواتب أقل من الرجال في القطاع الخاص 22 من إجمالي 27 محافظة.

في حين احتلت محافظة البحيرة المرتبة الأولى في تزايد الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء بنسبة 125%.

وفي 6 محافظات أخرى، تعمل النساء عدد ساعاتٍ أكثر، ويحصلن على راتبٍ أقل من ما يحصل عليه الرجال.

كما يحصل الرجال على رواتب أقل في 3 محافظات، بينما احتلت محافظة الوادي الجديد المرتبة الأولى، بفارق 40 ساعة شهرياً، ونسبة زيادة 84.5% من إجمالي راتب النساء.

وتلتها شمال سيناء، بفارق 12 ساعة بقيمة 1178 جنيهاً، ومثلت هذه النسبة 83%، ثم دمياط بفارق 12 ساعة.

 

 

 

 

 

القطاع العام .. التفاف على القانون

على الرغم من أن القانون المصري لم يفرّق في الراتب بين الجنسين، إلا أن التمييز يحدث بطرقٍ ملتوية بما يخالف قانون العمل، بحسب المنسق العام لمركز الخدمات النقابية والعمالية كمال عباس.

فالأجر في القطاع العام يتكون من الأجر الوظيفي الأساسي، والأجر المكمّل، وهو ما يتقاضاه/تتقاضاه الموظفون/ات مقابل اللجان والعمل الإضافي.

فيحدث التمييز، وفق عباس، في القطاع العام عبر توزيع اللجان ذات المقابل الأعلى والمهام خارج المحافظات والوظائف القيادية على الرجال.

وبالتالي، فإن قرارات مثل الحوافز والعلاوت تكون في يد الإدارة، التي تتكون غالبيتها من الرجال.

 

المنسق العام لمركز الخدمات النقابية كمال عباس

 

لم تتذكر منى، وهو اسم مستعار، مفتشة الضرائب في الإسكندرية، عدد المرات التي سمعت فيها جملة: “هذه المهام للرجال فقط”، حين يتعلق الأمر بالعمل الميداني لمفتشي/ات الضرائب.

وتحكي لنا عن تجربتها في المرة الأولى التي كتبت فيها اسمها في لجنة تفتيش محصورة بالرجال فقط.

إذ قيل لها من بعض القيادات إن “هذا العمل للرجال فقط، والنساء للعمل المكتبي”!

تلقت منى انتقاداتٍ كثيرة بسبب نزولها مع رجلٍ غريب إلى الشارع للتفتيش على المنشآت. لكنها حاربت العادات البالية لتثبت نفسها.

وقالت لـ”شريكة ولكن”، إنه “على الرغم من أن الأمر تغيّر قليلاً الآن عن ذي قبل، لكن ما زال هناك تمييز في توزيع أماكن التفتيش”.

وأضافت أن “المديرين يوزعون النساء للعمل في الأماكن النائية الشعبية، حتى يرفضن من تلقاء أنفسهن، ويُحرمن من الأجر المكمّل الإضافي”.

 

مفتشة الضرائب في الإسكندرية

 

وبحسب تحليل بيانات التعبئة والإحصاء، بلغ عدد الأنشطة التي انخفض فيها أجر النساء عن الرجال في القطاع العام 30 نشاطاً اقتصادياً.

بينما ارتفع أجر النساء عن الرجال في 19 نشاط، علماً أن الفارق كان طفيفاً. فزيادة أجر النساء عن الرجال لا يتعدى الـ800 جنيهاً.

وبرز الفارق في الراتب في أنشطة الاستئجار، فبلغ 804.4% من إجمالي راتب النساء، أي أن الرجال يقبضون 9 أضعاف راتب النساء في هذا النشاط.

 

 

وهناك نحو 11 نشاطاً اقتصادياً من أصل 49، تعمل فيهم النساء عدد ساعات أكثر من الرجال ويحصلن على أجرٍ أقل.

وهي أنشطة الإقامة، التي يعملن فيها بفارق 32 ساعة، ونسبة فارق الراتب من إجمالي أجر النساء فيها 15.6%، بموجب 327 جنيهاً.

ثم نشاط البيع بالتجزئة، باستثناء السيارات والدراجات النارية، بفارق يبلغ 12 ساعة، نسبته 34.3%.

بينما يوجد 24 مهنة من أصل 35، تحصل فيها النساء على رواتب أقل من الرجال في القطاع العام.

و7 مهن لا تعمل فيها النساء من الأساس، و5 مهن يحصل فيها الرجال على رواتب أقل من النساء.

كما أن أكثر الفئات التي تتعرض للتمييز في الأجور في القطاع العام، هن العاملات في مهن مثل تشغيل آلات الحصاد، بفارق قدره 3230 جنيهاً شهرياً.

أي ما نسبته 265% من إجمالي راتب النساء، أي أن الرجال يحصلون على أكثر من 3 أضعاف ونصف راتب النساء.

 

 

توزيع المهام في القطاع العام على أساس الجنس

“حين يتم توزيع مهام العمل، يكون على أساس رجال ونساء، ويفضلون غالباً إعطاء عدد من المناصب للرجال”، بحسب تعبير منى.

وقالت إنها “واجهت تمييزاً أيضاً أثناء ترقيتها، إذ كانت تحلم بتقلّدها منصب المديرة العامة، بعد حصولها على الدرجة الأولى، لكن رئيسها في العمل أعطى الأولوية لموظفٍ تحت إدراتها ليشغل هذا المنصب، فقط لأنه رجل”.

وأضافت: “شعرت بغصة، وتدهورت حالتي النفسية. فطوال عملي أواجه تمييزاً في العمل الإضافي للجان بحجة أن الرجال يعيلون الأسرة، وأنا مطلقة وأعول ابني الوحيد!”.

وأوضحت أن “المقابل المادي للجان الإضافية بلغ نسبة راوحت بين %30 إلى 40% من قيمة الراتب الأساسي. ومن يحصل على الترقية ينال الراتب الأعلى، فالزيادات والمكافآت تأتي من خلال اللجان”.

صورة لمفتشة الضرائب

وصل عدد المحافظات التي تتقاضى فيها النساء رواتب أقل إلى 11 محافظة، من أصل 27 في القطاع العام.

في حين بلغ عدد المحافظات التي يتقاضى فيها الرجال رواتب أقل، 10 محافظات.

وترأست الغربية قائمة المحافظات التي تتزايد فيها فجوة الأجور، بنسبة 135%.

كما أنها احتلت المرتبة الأولى بين المحافظات بفارق 16 ساعة عمل، وفارق راتب 2357 جنيهاً، بنسبة 132.6% من إجمالي رواتب النساء.

تلتها محافظة أسيوط بفارق 8 ساعات عمل، وفارق بلغ 561 جنيهاً، أي 12.3% من إجمالي راتب النساء.

بينما بلغ عدد المحافظات التي تعمل فيها النساء عدد ساعات أكبر ويتقاضين رواتب أقل 4 محافظات، والرجال 4 محافظات.

 

القومي للأجور ومجلس النواب خارج الخدمة

على الرغم من أن قضية فجوة الأجور بين الجنسين عالمية، إلا أن عضو المجلس القومي للأجور ونائب رئيس اتحاد العمال/ات مجدي البدوي، أشار حين سألناه عن الأمر إلى "عدم وجود دليل على التمييز في الأجور بين الرجال والنساء في مصر، لأن المجلس يعيّن الحد الأدنى للأجور من دون تفرقة بين الجنسين".

وقال إنه "لا يوجد تفرقة في الأجر في القطاع الحكومي، لكن ذلك وارد في القطاع الخاص". وبسؤاله عن مناقشة هذه القضية في المجلس أجاب بالنفي.

وأضاف أنهم "لم يتلقوا أي شكاوى من هذا النوع، كما أن دور المجلس هو تحديد الأجور وليس رقابياً مثل وزارة القوى العاملة".

خلال كتابة التحقيق قابلنا إسراء علي، اسم مستعار، المعلمة الأربعينية، من القليوبية.

فقالت إنها "تتعرّض خلال العمل للتمييز المقنّع، بسبب حصر المهام الصعبة في القطاع الحكومي بالرجال".

وأكدت أنه "بسبب بعض المحسوبيات، وعلاقات الرجال بعضهم ببعض، توزّع الإدارة التعليمية المراقبة على اللجان البعيدة على النساء، والقريبة للرجال في حال كانت المهمة البعيدة غير مجدية مادياً".

وذكرت أنه "خلال امتحانات نهاية السنة، ذهبت إلى مراقبة الامتحانات في مدرسة في محافظة الزقازيق، التي تبعد عن منزلي أكثر من 80 كم. لم يُعطوا هذه المهمة لرجل حينها، لأن من سيذهب سيصرف 70 جنيهاً للمواصلات فقط، و50 جنيهاً مقابل اليوم".

 

 

وأضافت: "أما زميلي الرجل، فذهب إلى مكانٍ أقرب في منطقة قليوب في القليوبية، تبعد عن منزله نحو 15 كم".

كما لفتت المعلمة في إحدى المدارس الفنية، والحاصلة على ماجستير في القانون، إلى أن "المهام ذات المقابل الأعلى تذهب للرجال مثل إدارة الكنترول، ويتحججون بأنهم من ينفقون على البيت، وبالتالي يحتاجون للمال أكثر من النساء. على الرغم من أنني أم معيلة لثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، وأحتاج للمال مثلي مثلهم".

بعد أن رصدنا تحليل بيانات مركز التعبئة والإحصاء الحكومي، ووثّقنا تجارب حالاتٍ عدة، سألنا وزارة القوى العاملة الرد على هذه البيانات.

فجاء ردهم بأنه "لا يوجد فجوة في الأجور بين الرجال والنساء الذين واللواتي يؤدين/ون العمل نفسه، وهذا ما تنص عليه المادة 35 من قانون العمل 12 لعام 2003".

وبما أن مجلس النواب الآن بصدد مناقشة قانون العمل الجديد، توجهنا إلى رئيس لجنة القوى العاملة في البرلمان النائب عادل عبد الفضيل، الذي نفى أيضاً تماماً وجود أي تمييز في القطاع الحكومي.

وبسؤاله عن شكاوى بعض النساء عن حصر تولي الرجال لبعض اللجان، التي تُدفع فيها أجور أعلى، نفى ذلك أيضاً، وقال إنه "عار تماماً من الصحة".

وفي ما يتعلق بالقطاع الخاص، أكد أن "صاحب العمل حر في تصرفه، ومن حقه أن يعطي راتباً بالقدر الذي يريد لمن يراه مناسباً"!

وأضاف النائب عبد الفضيل أنه "أول مرة يسمع في حياته عن تمييز في الأجور بين الرجال والنساء. ولم تأتي إلي أي شكاوى من هذا النوع".

وأشار إلى أنه "لم يطّلع على تقرير الأجور للتعبئة والإحصاء".

سألناه أيضاً إذا ناقش المجلس أي شيء يتعلق بالتمييز في الأجور في قانون العمل الجديد، أو في اللجنة داخل أروقة المجلس، أجاب بالنفي أيضاً.

فناشدناه بأن يناقش القضية في المجلس، فور نشر هذا التحقيق.

كما تواصلنا مع المكتب الإعلامي في المجلس القومي للمرأة، وسألناه كيف لم تناقش لجنة القوى العاملة أزمة الفجوة في الأجور بين الجنسين، في حين أن المجلس مشارك في نقاشات قانون العمل الجديد، ولم نتلقّ أي رد حتى نشر هذا التحقيق.

أربع سنوات على وحدة تمييز القوى العاملة وفجوة الأجور مستمرة

لم يناقش المجلس القومي للأجور، ولجنة القوى العاملة في البرلمان هذه القضية من قبل.

بينما ردت علينا وزارة القوى العاملة، بأنه "لا يوجد تمييز في الأجور"!

على الرغم من أن الوزارة نفسها، أنشأت عام 2019 وحدةً لتحقيق المساواة بين الجنسين، تهدف للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء في مجال العمل، وتمكينهن اقتصادياً.

وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص، وتعميم الوحدة فيما بعد على جميع مديريات القوى العاملة عام 2022، وفقاً للموقع الرسمي للوزارة.

إلا أن تحليل البيانات أوضح أن شيئاً لم يتغير!

وبسؤال وزارة القوى العاملة عن ما قدمته الوحدة لسد هذه الفجوة، قالت إنهم "أصدرن/وا دليلاً إرشادياً مُراعياً للنوع الاجتماعي، لتوجيه المفتشين وإرشادهم في ما يخص تحقيق المساواة وحظر التمييز. ودربوا بعض النساء النقابيات على خوض الانتخابات العمالية، وأنشأوا بعض وحدات المساواة داخل منشآت القطاع الخاص".

كما سألنا الوزارة عن آلية تستطيع عبرها النساء تقديم شكوى، في حال تعرّضن للتمييز في الأجر.

ما هي؟ وهل يوجد نص قانوني خاص بها وعقوبة على أصحاب العمل؟

فقالت إن "على النساء الذهاب إلى مكتب العمل، أو وحدة المساواة في المديرية، وتقديم شكوى، أو تقديمها على بوابة الشكاوى الحكومية التابعة إلى مجلس الوزراء".

وأشارت إلى أنه "في حال وقوع تمييز في الأجر على أساس النوع، يعد ذلك مخالفة لقانون العمل، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال صاحب العمل".

لكن الوزارة لم توضح لنا ما هي هذه الإجراءات؟ أو أي نصوص قانونية خاصة بها.

بينما أكدت دراسة الجامعة الأميركية المذكورة سابقاً، أنه على الرغم من وجود قوانين في مصر لمكافحة التمييز، لكن تطبيقها في سوق العمل ما زال يحتاج للكثير لإنصاف النساء.

كما لا يزال دور النقابات بعيداً عن أي تأثيرٍ ملحوظ في سوق العمل المصري، ما يحدّ من قدرة العاملات على دخول سوق العمل، والحصول على مزايا أفضل في الأجور.

وقد طالبت مي صالح بأن يتم العمل على تعديلات قانون العمل الذي يُناقش  في مجلس النواب حالياً.

ولفتت إلى أنه "يجب التأكيد على  وجود نصوص تجرّم التمييز، الأمر الذي يتم التغاضي عنه حتى الآن، رغم أهمية تلك المسألة".

أما هناء، فتسعى الآن إلى توعية زميلاتها بحقوقهن في المساواة بالأجر مع الرجال، في صحراء الصعيد، من خلال نقابة لصغار الفلاحين/ات.

بينما تنتظر منى حقها في ترقيتها إلى مديرة عامة في ضرائب الإسكندرية.

وتتمنى إسراء أن تتساوى مع زملائها في مهام المراقبة والأجر.

 

 

كتابة: منة عبد الرازق

إشراف: أمان بزري

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد